|
|||||||
|
كل المواقف والتصريحات والمعطيات التي تدب على الأرض تؤشر على أن الحملة الضارية التي خاضتها الدولة العبرية، ومعها اللوبي الصهيوني المناصر لها في الولايات المتحدة، ضد تعيين السناتور الجمهوري السابق تشاك هاغل لشغل منصب وزير الدفاع في إدارة الرئيس أوباما الجديدة، مرشحة للاستمرار والتواصل، حتى إلى ما بعد مناقشاتِ الكونغرس ـ المتخم بـ"أصدقاء إسرائيل" ـ حول أمر التعيين والمصادقة عليه في أعقاب الاحتفال رسمياً بتنصيب أوباما. وهذا أمر يبدو مرجحاً انطلاقاً من اعتبارين اثنين: الأول هو عدم رفض مجلس الشيوخ ترشيحات الرئاسة سوى مرتين فقط منذ الحرب العالمية الثانية، الأولى في العام 1959 عندما رشَح الرئيس دوايت أيزنهاور المتحدث باسم "لجنة الطاقة الذرية" لويس ستراوس لمنصب وزير التجارة، والثانية حين اعترض المجلس في العام 1989 على ترشيح الرئيس جورج بوش سيناتور تكساس الجمهوري جون تاور لمنصب وزير الدفاع. أما الاعتبار الثاني فله علاقة بالارتفاع غير المسبوق في مستوى الدعم الجماهيري لأوباما ووصول نسبة مؤيدي أدائه إلى نحو 53%، في مقابل 41% غير راضين عن هذا الأداء. أين مشكلة إسرائيل مع هاغل؟ ما يطفو على السطح الإسرائيلي يفيد بأن مشكلة الدولة العبرية ومؤيديها من أعضاء الكونغرس والقيادات اليهودية الأمريكية التي أجرى معها البيت الأبيض نقاشاً صريحاً قبل اختيار هاغل للمنصب الجديد، تكمن في أن هذا الرجل الذي نال خمسة أوسمة عند إصابته في حرب فيتنام، قبل أن يعود إلى الولايات المتحدة وينتخب سيناتوراً "جمهورياً" عن ولاية نبراسكا، معروف بانتقاداته للسياسات الإسرائيلية ضد إيران, كما أنه دعا الرئيس أوباما عام 2009 إلى فتح باب للحوار مع حركة "حماس" و"حزب الله" ورفض إدراجهما في لائحة المنظمات الإرهابية، وصوَت في عام 2004 ضد فرض عقوبات على كل من ليبيا وإيران، فضلاً عن أنه ضد سياسيه الاستيطان الإسرائيلية. وبالتالي، لا مجال "إسرائيلياً" لرؤية الفارق الذي حاول هاغل إيضاحه، في حديث لصحيفة "لينكولن جورنال"، ما بين الاختلاف مع سياسات الدولة العبرية والعداء لها، ولا نية لمراجعة سجلَ السناتور الجمهوري السابق الذي يظهر، وفق تأكيده، "دعما صريحا وتاما "لإسرائيل" التي من مصلحتها تشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط". ناهيك عن تجاهل رسائل الطمأنة التي بعث بها البيت الأبيض، وفق ما أفادت صحيفة "معاريف"، لرئيس المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة حيال قرار تعيين هاغل وزيراً للدفاع بغية إيصال تلك الرسائل للحكومة الإسرائيلية، والمشفوعة بالتأكيد على أن هاغل لن يحمل سياسة خاصة به وإن ما أشيع عنه هو كذب وافتراء، فهو ليس ضد إسرائيل، وأنه سيتبع سياسة أوباما حيال إسرائيل. وعلى الرغم من ضرورة الالتفات إلى الحديث الإسرائيلي عن سعي الرئيس أوباما إلى معاقبة نتنياهو الذي تجنّد، خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية، لمصلحة المرشح الجمهوري ميت رومني، وكذلك الأخذ بالاعتبار واقع أن مواقف هاغل هي بمثابة "خطايا"، في العرف الإسرائيلي، لا يمكن لساسة الاحتلال وإعلامييه التسامح فيها أو القبول بـ "كفّارة" عنها، إلا أن ذلك لا يشكل سوى إحدى الزوايا الضيقة لحقيقة الموقف الذي يحكم هؤلاء ومناصريهم في الولايات المتحدة. ذلك أن هاغل الذي يؤمن بانفتاح أمريكا على العالم، ويعتقد أن عليها ألا تكون شرطي هذا العالم، كما تقول "الغارديان" البريطانية، لن يكون صاحب القول الفصل في رسم السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، ولن يتعدى دوره أن يكون جزءاً من الطاقم الذي يعد السياسة ويبلورها. كما أنه، وطوال تاريخ العقود الماضية، كان هناك في واشنطن أمثال هاغل من الجمهوريين الذين كانوا يعلنون مواقف حادة ضد إسرائيل، لا بل واليهود عموماً. وعليه، يمكن الزعم بأن مشكلة إسرائيل الحقيقية، وبالأخص مشكلة اليمين الصهيوني والديني الذي استكمل عملية تحويل الكيان إلى نظام أبارتايد، ليست مع شخص هاغل الذي يسعى جاهداً للتملص من مواقفه السابقة تجاه الحروب ومآسيها، والتراجع عن أي انتقاد لإسرائيل وسياستها الحربية العدوانية، وإعلان توبته عن تلك التصريحات والموقف، وتبنّي نظرية استخدام الحرب ضد إيران وتأييده لإسرائيل، وذلك في موازاة خروج وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول الذي اشتهر بالكذب والتلفيق في عهد بوش لتبرير احتلال العراق وتدميره للدفاع عن المرشح لمنصب وزير الدفاع، والقول "إنه (هاغل) مؤيد قوي لإسرائيل"، وإنه "سيدعمها بمليارات الدولارات". إذن مشكلة إسرائيل يمكن العثور عليها في أماكن ومواقع أخرى، من بينها ما جاء في تقرير لـ"مجلس الأطلنطيك" وهو أحد مراكز صنع القرار والذي يعتبر مرشح أوباما للدفاع تشاك هاغل أحد أعمدته. التقرير الذي حمل عنوان "رؤية لإستراتيجية أمريكا لعالم ما بعد الغرب 2030" صدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي كنصائح لأوباما ورؤية للإستراتيجية الأفضل لأمريكا للعالم خلال الـ 17 عاماً المقبلة، والمخيف، بالنسبة للوبي الإسرائيلي، في التقرير الذي كان توقع سقوط النظام الإسلامي في إيران أسوة بما حصل في بعض الدول العربية، هو تلك النصائح التي قدمها لصانع السياسة الأمريكي بضرورة أن تعيد واشنطن النظر بموضوع إيران، والشعب الإيراني تحديداً، كشريك طبيعي محتمل للولايات المتحدة، ذلك لأن الحكومة الإيرانية ستتخلى عن الأيديولوجية الحالية وستستقر بحلول العام 2030. ووفق ذلك وغيره من المعطيات، فإن ثمة خشية إسرائيلية من الصورة الجديدة التي يمكن أن تتحول إليها الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما المقبلة التي سيقود سياستها المتعلقة بالأمن القومي والشؤون الخارجية، إضافة إلى هاغل، كلٌّ من السيناتور الديمقراطي جون كيري كوزير للخارجية، والمستشار الرئيسي للرئيس أوباما في شؤون الأمن القومي ومكافحة الإرهاب جون برينان الذي أشاد أوباما بمؤهلاته وقدرته على "تزويد صانعي القرار بالحقائق المدعمة والثابتة وبالتفهم العميق للعالم الديناميكي من حولنا"، كرئيس لوكالة الاستخبارات المركزية في الولايات المتحدة. وكان من بين الذين التقطوا هذا الملمح المهم وبنوا تقديراتهم على أساسه، محرر الشؤون الدولية في صحيفة "إسرائيل اليوم" بوعز بسموت الذي رأى أن هاغل كان الاختيار المثالي لأوباما، وأنه لو لم يكن موجوداً لخلقه. فهو، برأيه، "جمهوري وانفصالي سافر، ويؤيد أيضاً التقليص المفرط لميزانية الدفاع، كما يعارض مغامرات خلف البحار (ومنها إيران)"، مضيفاً: "وقد كدنا ننسى أنه أيضا ذو أفكار أصيلة كما وصفه أوباما، ويعبر عن أصالته انتقادُهُ السافرُ لإسرائيل وجماعة الضغط اليهودية". وتابع أنه "إذا لم يكن هذا كافياً (وهو كاف للإدارة الحالية)، فإن تعيين السناتور السابق من نبراسكا يشبه دس إصبع في عيون خصوم أوباما من المعسكر الثاني ممن يتمسكون بمواقف صقرية سافرة". وخلص إلى أن "أوباما لا يؤمن بالحرب، وإيمان هاغل بها أقل، فالحرب بالنسبة له هي الملاذ الأخير". أوباما وملامح السياسة المقبلة في كل الأحوال، يبدو أن هذه التعيينات، وكما يرى أمنون لورد في "معاريف"، قرعت جرس الإنذار في إسرائيل، وسلطت الضوء على ما يقال إنه التفكير الحقيقي لأوباما، وملامح سياسته في الولاية الثانية التي يرجح أن تركز على القضايا الداخلية الأمريكية، وإجراء بعض التعديلات على السياسة الخارجية، ولكن دون المس بجوهرها العام، ولاسيما حيال الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وهو ما يؤشر إليه ترشيح السيناتور الديمقراطي جون كيري لـ"الخارجية" والذي يعني، وكما هو واضح، أن واشنطن مهتمة بإيلاء هذا الملف كل اهتمامها ورعايتها، على الرغم من فشلها أثناء الولاية الأولى لأوباما، ذلك إن كيري هو أحد أهم المختصين بالسياسة الأمريكية حول الشرق الأوسط، والأكثر إلماماً بتعقيدات هذا الملف، فضلاً عن أنه على دراية بكافة القضايا المتعلقة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، وخصوصاً فيما يخص الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، ما يشير إلى أن اختياره لم يأت صدفة أو محاباة، بقدر ما لهذا الاختيار من علاقة وطيدة بتوجهات إدارة أوباما الثانية حول الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، ولاسيما بعد الفشل الذريع للسياسة التي اتّبعت، حيال هذا الملف، في عهد وزيرة الخارجية الأمريكية المستقيلة هيلاري كلينتون. ويفيد التفصيل في الحجج والذرائع التي تلطّى خلفها الإسرائيليون وتحالف اليمين المسيحي الصهيوني واللوبي الإسرائيلي لرفض تعيين الثلاثي هاغل وكيري وبرينان في مفاصل الإدارة المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، وشن هجوم شرس ضدهم، بأن ثمة مخاوف، لدى هؤلاء، من مواقف هاغل المشجعة لخفض الإنفاق العسكري بعد أن دعم علناً، في السنوات الأخيرة، تقليص الترسانة النووية الأمريكية إلى80%، ويستعد لمواجهة تحديات رئيسية في البنتاغون، لعل أهمها التعاطي مع تقليص ميزانيته بحوالي 500 مليار دولار خلال عشرة أعوام، ومخاوف أخرى لها علاقة بمواقفه المستقلة التي لم تراعِ المصالح الإسرائيلية، إذ أنه، وخلال عضويته في مجلس الشيوخ، رفض الموافقة على قرار يتعلق بفرض المزيد من العقوبات على إيران، ما تسبب في أن يصفه أنصار الاحتلال الصهيوني بأنه "كاره إسرائيل". وقد وصل الأمر بأحد زملائه في الكونغرس، وهو النائب اليوت إنجل اليهودي المعروف بولائه لإسرائيل إلى حد القول "إن هاغل لديه مشاعر سرية معادية وعداء شبه دائم لإسرائيل، وربما حتى لليهود". أما بخصوص جون كيري الذي سبق وأن روّج له أنصار إسرائيل خلال حملته لانتخابات الرئاسة لعام 2004. وقالوا إنه، وخلال 19 عاماً أمضاها في الكونغرس، كان في طليعة المصوتين لمصلحة الدولة العبرية، والمدافعين عن عملياتها ضد حماس والجهاد الإسلامي في غزة عام 2002، وقدّم اقتراح مشروع قرار بدعم دفاعات إسرائيل العسكرية، فضلاً عن تأييده لانسحاب شارون الأحادي، فإن اللوبي الإسرائيلي بدأ مؤخراً في الهجوم على ترشيح الرجل لتولي حقيبة الخارجية، حيث اتهم بمساندة وتصعيد وترشيح أول عضو مسلم بالكونغرس (كيث أليسون)، لا بل والذهاب معه في رحلة إلى الشرق الأوسط تضمنت غزة، كانت دعت إليها اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز(ADC). واندفع اللوبي الإسرائيلي أكثر تجاه كيري عندما قام بإعادة نشر مجموعة رسائل كانت "ويكيليكس" قد سربتها منذ فترة وهي تعكس ما وصفوه بأفكار كيري عن عملية السلام. ومنها كيف كان كيري مصدوماً من هجوم إسرائيل على غزة في 2008-2009، وكيف دعا للمصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية ودعوته لإسرائيل لإعادة مرتفعات الجولان لسوريا كجزء من عملية السلام. ولأن السياسة الخارجية الأمريكية تعتبر حيوية بالنسبة لإسرائيل المعادية لمحيطها ومعظم شعوب العالم، فقد اعتبر مؤيدو الدولة العبرية، وبصراحة كاملة، أن ترشيح كيري كوزير للخارجية سيكون كارثة على إسرائيل وعلى اليمين اليهودي الأمريكي، ونصحوا بعدم التركيز في الهجوم على تشاك هاغل، وتحويل النيران باتجاه كيري كونه الأخطر من هاغل بما لا يقاس، لأنه مرشح للخارجية التي لها دور أكبر في صنع القرار الأمريكي، وحيث سيكون له التأثير الأكبر، واللاعب الأساسي في السياسة الخارجية الأمريكية. وعليه، فثمة خشية من أن يكون الرجل استنساخاً جديداً لوزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، ذلك أن كيري يؤمن بأن المستوطنات الإسرائيلية هي المشكلة، إذ يشبه كلامه الذي يكرر فيه كالببغاء- حسب وصف أحد المعلقين المحسوبين على اللوبي الإسرائيلي- كلام عباس وفياض، ناهيك عن قيام كيري أثناء حضوره ندوة في معهد بروكينغز البحثي في العام 2009 بالتعبير عن اعتقاده بأن القدس تعتبر أحد الملفات الأساسية في أي مفاوضات سلام. كما قام في مناسبات أخرى بالتعبير عن معارضته لبقاء المستعمرات الاستيطانية في محيط القدس، واعتبر أن البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة هي سبب العنف في الأراضي المحتلة. ويبقى جون برينان الذي صدحت أبواق الدعاية الإعلامية المحسوبة على اللوبي الإسرائيلي ضد تعيينه في منصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية واصفة إياه بـ"المستعرب"، ومستعيدة وصفاً اندثر منذ نحو عقدين حين بدأ الاستغناء في الخارجية الأمريكية عن الدبلوماسيين التقليديين الذين كان يتم إعدادهم لسنوات طويلة بتسليحهم بتعلم اللغة العربية والخبرة في سياسات العالم العربي، وذلك بعد تولي من أطلق عليهم وصف خبراء الشرق الأوسط مثل مارتن اندك ودينس روس وغيرهم ممن تم إعدادهم في أروقة اللوبي الإسرائيلي. ومأخذ هذه الأوساط على برينان، الذي عمل في وكالة الاستخبارات لمدة 25 عاما، هو عمله في محطات "السي آي إيه" بالعالم العربي لاسيما السعودية، والتي كان مديرا لمحطتها هناك، حيث انتقدوا تصريحات برينان الرجل خلال مشاركته في مؤتمر دعا إليه المركز الإسلامي الأمريكي وعقد بكلية الحقوق بجامعة نيويورك قبل فترة قال فيها إنه زار فلسطين، كما انتقدوا شهادات شفهية له أشاد فيها بالدين الإسلامي، وتصريحات أخرى له في محاضرات أمام تجمعات أمريكية عن سماحة الدين الإسلامي صاغ خلالها الأعذار للعرب والمسلمين. سياسة جديدة.. بأي معنى؟! ولأن البعض يعترض على اصطلاح "سياسة جديدة للولايات المتحدة" انطلاقاً من أن هذه السياسة ثابتة فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي لجهة الدعم المطلق للاحتلال الإسرائيلي، فإن المقصود من هذه العبارة هو ذلك المتعلق بالدروس المستقاة من قبل إدارة أوباما في التعامل مع الملف الفلسطيني- الإسرائيلي الذي أثبت فشله أثناء الولاية الأولى بعد عجز هذه الإدارة عن الضغط على حكومة نتنياهو التي واصلت عمليات الاستيطان بأعلى الوتائر الممكنة. ويبدو أن المؤشر الأبرز لإمكانية طفو هذا "الجديد" على السطح في المستقبل هو تلك التصريحات المنسوبة للرئيس أوباما التي تحذر من عزلة دولية على إسرائيل، وذلك على الرغم من تقدير العديد من الأوساط الإسرائيلية المقربة من تحالف "الليكود" و"إسرائيل بيتنا" بأن الهدف من هذه التصريحات كان له علاقة بالمعركة الانتخابية في الدولة العبرية، في مقابل اعتبار أحزاب المعارضة الرئيسية أنها تشكل نوعا من شارة إيقاظ للإسرائيليين كي يروا أي مستقبل ينتظر حكومتهم. ومع أنه لا يمكن قراءة تصريحات أوباما التي نشرها جيفري غولدبرغ، الصحافي اليهودي الأمريكي المقرب من أوباما، قبل أسبوع من موعد الانتخابات العامة في إسرائيل، بمعزل عن هذه الانتخابات. لا بل وإمكانية مساهمتها في التأثير في النتائج، ناهيك عن اعتبارها (التصريحات) حلقة أخرى لا يمكن فصلها كذلك عن تعيين تشاك هاغل وزيراً للدفاع بخلاف رغبة إسرائيل وأنصارها، غير أن ثمة من يعتقد بأنها تنذر بما سوف يحدث بعدها، لاسيما وأن كثر يعتقدون بأن هذا هو الموقف الحقيقي لأوباما من نتنياهو وحكومته. ووفق ما نشر غولدبرغ، في موقع شبكة "بلومبرغ" عن كلام أوباما في أحاديث مغلقة ضد نتنياهو، فإن الرئيس الأمريكي قال إن الأخير "لا يفهم مصالح إسرائيل"، وأن سلوكه سيقود إلى عزلة دولية خطيرة للدولة العبرية. ويرى المراقبون أن خطورة كلام أوباما تنبع من أنه يوجهه عبر حامل رسائله الأبرز في السنوات الأربع الأخيرة لليهود في أمريكا وإسرائيل. وتشبه مقالة غولدبرغ، التي اعتمدت أيضاً على توجيهات من داخل طاقم الرئاسة الأمريكية، مقالة نشرها في مجلة "نيوزويك" قبل أسابيع الصحافي بيتر بايرنت، والتي وصفت خيبة البيت الأبيض من نتنياهو. ويصف غولدبرغ في مقالته رد فعل البيت البيض على قرار نتنياهو تعزيز الاستيطان في منطقة "إي 1" بالقول إن "أوباما لم يكلف نفسه عناء إبداء الغضب وقال لعدد من رجاله إنه اعتاد على هذا النوع من سلوك نتنياهو". مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي قال إنه أصبح لا مبالياً تجاه ما يرى أنه "سياسة تدمير للذات من جانب نظيره الإسرائيلي". ونقل عن أوباما قوله لمقربيه بعد الخطوة الفلسطينية لنيل صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، إن "إسرائيل لا تعرف ما هي مصالحها الحقيقية". مضيفاً أن أوباما يؤمن بأن نتنياهو، بكل إعلان عن استيطان جديد، يقود إسرائيل نحو عزلة دولية شبه تامة. وبأنه بات يعتقد أن "إسرائيل كدولة صغيرة في منطقة معادية إذا ما تحوّلت إلى دولة منبوذة تبعد عنها حتى الولايات المتحدة، آخر أصدقائها المخلصين، فإن سلوكها نفسه يشكل خطراً على وجودها على المدى البعيد". وكتب غولدبرغ، كذلك، إن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري متحمس لتحريك العملية السلمية في الشرق الأوسط لكن أوباما أقل حماسة، بسبب إيمانه أن نتنياهو بات أسيراً لدى المستوطنين وأنه غير معني بتقديم بوادر تجاه الفلسطينيين لدرجة أن الرئيس الأمريكي لا يشعر أن من الحكمة المبادرة لأي خطوة سياسية في هذه المرحلة. ومع ذلك، يخلص غولدبرغ، في إشارة ذات مغزى، إلى أن أوباما، ورغم خيبة أمله من نتنياهو لا ينوي وقف المساعدات العسكرية لإسرائيل أو وقف محاولات عرقلة المشروع النووي الإيراني. وكما كان متوقعاً، فقد لاقت تصريحات الرئيس الأمريكي صدى واسعاً في أوساط معارضي نتنياهو الذين أكدوا أنهم يأخذون هذه الكلام الأمريكي المستجد على محمل الجد، وحذروا من "الفقاعة التي ستنفجر بعد الانتخابات". ووفق وزيرة الخارجية السابقة وزعيمة حزب "الحركة" تسيبي ليفني فإن "كل مواطني إسرائيل" كان ينبغي أن يتلقوا جرس إيقاظ هذا الصباح. وكل من لم يستيقظ، كل من لا يزال يظن أن الأمور على ما يرام، نهض هذا الصباح ليرى قولاً حاداً وواضحاً من الرئيس الأمريكي الذي قال إن رئيس حكومة إسرائيل يقود إسرائيل نحو عزلة خطيرة، بل ويضيف كلاما أخطر". أما زعيمة حركة "ميرتس" زهافا غالئون، فقد اعتبرت أن "أوباما عبر عن القلق الذي نشعره جميعاً إزاء رفض نتنياهو قراءة العنوان المكتوب على الجدار... من دون دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، لن تكون دولة إسرائيل، ونافذة الفرص للحل تزداد انغلاقاً". في المقابل، اعتبر بيان صادر عن تحالف "الليكود بيتنا" أن "التراجع ليس زعامة، والزعامة المسؤولة ينبغي أن تصر على المصالح القومية لإسرائيل. ورئيس الحكومة سيواصل الحفاظ على المصالح الحيوية لأمن مواطني دولة إسرائيل". فيما أفاد موقع "معاريف" على الشبكة بأن مقربين من نتنياهو ردوا على الانتقادات التي وجهها أوباما لسياسة رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأكدوا أن نتنياهو لن يخضع للضغوط الأمريكية بشأن البناء في المستوطنات. وقال الموقع إن هؤلاء المقربين أشاروا إلى أن نتنياهو "صمد بشكل كبير إزاء الضغوط الدولية، وأنه لن يقدم أية تنازلات من شأنها أن تمس بالأمن الإسرائيلي، ولن يقبل بالانسحاب إلى حدود العام 67، وأن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الإسرائيلية". وكانت حركة "سلام الآن" قد تناولت، في تقرير نشرته يوم 16 كانون الثاني الماضي، المعطيات السنوية بشأن وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية، جاء فيه أن هناك زيادة في عدد الوحدات السكنية التي تمت المصادقة على بنائها وتلك التي شرع ببنائها، بما في ذلك في يسمى بـ"المستوطنات المعزولة". وأشارت المعطيات إلى أن أكثر من ثلث الوحدات السكنية التي بدأ بناؤها العام الماضي تقع شرقي جدار الفصل العنصري. كما تمت المصادقة على مخططات لبناء 6676 وحدة سكنية تقع غالبيتها شرقي جدار الفصل. وهو ما يعتبر زيادة حادة مقارنة مع 1607 وحدات سكنية تمت المصادقة عليها في العام 2011، وبضع مئات صودق عليها في العام 2010. كما تمت المصادقة على بناء 3500 وحدة سكنية في المنطقة المسماة "E1"، وأكثر من 500 وحدة سكنية في المستوطنة الجديدة "غفعوت"، ومئات الوحدات السكنية في مستوطنة "إيتمار". وخلال العام 2012 تمت إقامة أربع بؤر استيطانية جديدة؛ "ناحالي طال" قرب رام الله، و"تسوفين تسفون" قرب قلقيلية، و"نحلات يوسيف" قرب نابلس، ونقطة جديدة في "إيتمار – غفعاه". وتشير المعطيات إلى أنه تم بناء 317 وحدة سكنية في البؤر الاستيطانية خلال العام الماضي، وهي بدون ترخي. انطلاقاً مما سبق، وعلى قاعدة أن ما يحكم سلوك الدولة العظمى هو اعتبارات المصالح الأمريكية فقط وليس المناكفة مع نتنياهو وقرص أذنه فقط، يتنبأ بعض المحللين بأن تنحو السياسة الأمريكية المتوقعة حيال الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وقضايا المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة، باتجاه فسح المجال أمام أوروبا التي تعتبر الشريك الأكبر لإسرائيل من الناحية التجارية، وتمنح البضائع الإسرائيلية إعفاءات جمركية وتعاملها كبضائع الاتحاد الأوروبي على أكثر من مستوى، لتمارس الدور الذي طالما أحجمت عنه لصالح واشنطن التي احتكرت الملف السياسي الشرق أوسطي، وكان دورها (أوروبا) يتلخص في تقديم التمويل والدعم المادي لدول المنطقة المنغمسة في عمليات سياسية مدعومة من واشنطن. ويستشهد هؤلاء بالتسريبات التي تتحدث عن مضمون خطة سياسية أوروبية يقال إنها من إعداد فرنسا وبريطانيا، ومدعومة من ألمانيا ومن رئاسة الاتحاد الأوروبي، أي أنها على درجة كبيرة من الأهمية والقوة فيما لو أخذت ضوءا أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية. وتتضمن، وفق التسريبات الإسرائيلية، إحياء المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على أساس القبول بحل الدولتين على حدود حزيران من العام 1967 مع تبادل أراضٍ متفق عليه، وتجميد الاستيطان، على أن تنتهي المفاوضات وتتحقق التسوية في غضون هذا العام. وبطبيعة الحال هذه الأسس والقواعد ترفضها إسرائيل تماما. وبالتالي سيكون من غير الطبيعي أن تقبل حكومة نتنياهو المتوقعة أن تدخل طوعاً في هكذا عملية تفاوضية، إلا إذا تعرضت لضغط شديد من قبل الولايات المتحدة. في الاستخلاص يمكن القول، إن واشنطن مستمرة في إعادة تموضعها مالياً وسياسياً وعسكرياً، وفي إجراء تحول فعلي في السياسة الخارجية الأمريكية بطريقة تتناقض مع إرث المحافظين الجدد، لاسيما وأن أوباما كان أول رئيس يأتي من جيل ما بعد الحرب الباردة، وهو المرشح الرئاسي الذي وعد الأمريكيين بإنهاء حرب العراق، وطي صفحة هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ما يعني أن أصوات طبول الحرب ضد الدول التي تعتبرها واشنطن وتل أبيب "معادية" ستخفت في ردهات البيت الأبيض والبنتاغون، وأن نمطاً جديداً من التعاطي الأمريكي مع العالم الخارجي والمشكلات الدولية والأزمات الإقليمية بصدد التبلور تحت وطأة المتغيرات الوازنة التي يشهدها النظام الدولي السائد. وفي متن هذه الصورة، وعلى هوامشها، تبدو إسرائيل المرشح الأبرز للتأثر بالتغييرات الأمريكية المنتظرة لاعتبارات عدة، لعل أهمها تلك العروة الوثقى التي تصل ما بين الحليفين الاستراتيجيين، على مختلف الأصعدة والمستويات، وانفتاح الأبواب أمام تحوَل الكيان الإسرائيلي إلى عبء استراتيجي على الولايات المتحدة، واضطراره، والحالة هذه، وفي حال تبلور تلك الإستراتيجية الأمريكية المتوقعة، إلى تغيير أولوياته وسياساته العدوانية تجاه الفلسطينيين والعرب والمحيط الإقليمي. ويبدو أن رئيس الكنيست الإسرائيلي رؤوفين ريفلين قد لامس هذا التقدير عندما اعتبر اختيار هاغل لتولي حقيبة الدفاع "لا يؤثر فقط على إسرائيل بل على التوازن الاستراتيجي العالمي كله. فنظرية (العزلة المريحة) التي ينادي بها هاغل تغيَر إستراتيجية الولايات المتحدة في العالم". كاتب فلسطيني(*) |
||||||