قصة " رجلين"...: إلى بلادي

السنة الثانية عشر ـ العدد 135  ـ ( ربيع ثاني ـ جمادى أولى 1434  هـ ) آذار ـ 2013 م)

بقلم:الشيخ محمد عمرو

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

لبنان وطن تعرض عبر الزمان للكثير من التغييرات الديمغرافية ومرَّ عليه غالبية حكام العالم القديم.

وتاريخ وطني الحديث " بحسب تقسيمات سايكس بيكو" ذاخرة بالذاكرة المؤلمة والمصائب المفجعة".

والميزة الجميلة فيه أنه يلفظ المحتل والمستبد ولو بعد حين... من وطني سأقص عليكم روايتين:

- الأولى: كان هناك حرب ٌ داخلية بين أبناء البلد استمرت خمسة عشر سنة، انتهت " بتبويس الذقون" وتشكيل حكومة " أمراء الحرب" لإدارة البلد!!!

المهم بالموضوع: أنه قيل لنا والقائل تقارير صحفية وإعلامية متخصصة أن أحدهم" الرجل الأول صاحب القصة " قد دفع لبعض الميليشيات وقبل انتهاء الحرب بقليل مبالغ طائلة ووعود كثيرة لكي تدمِّر ما تبقى من قلب بيروت والتي على أشلائها أقيمت شركة سوليدير.

ودخل هذا الرجل "المصلح" " الباني" وبنى لبنان " بحسب الإعلام المحلي والإقليمي والدولي" وكان الرئيس الأول، ولأن اللبناني شاطر ومتشاطر ويعرف من أين تٌؤكل الكتف، فإن جميع الرؤوساء والوزراء والنواب وقادة الأحزاب عاشوا بسعادة وهناء، ودوام وفرة، وبحبوحة حال، وحب ووئام....

والنتيجة كانت:

أ‌-          خمس وخمسون مليار دولار دين على بلدٍ لا يتجاوز العشرة آلاف كلم مربع، والرقم بازدياد مضطرد " لأن الفلسفة الاقتصادية للرجل الأول صاحب القصة الأولى ما زال أمراً مقدساً لا يجوز المس به".

وبمعدَّل خمسة عشر ألف دولار على كل من يحمل الجنسية اللبنانية فقط. "لأن من يحمل الجنسيتين خارج لأسباب خارجة عن الفهم".

ب‌-      تحويل قلب بيروت ووسطها إلى شركة خاصة لأناس خاصين، مواصفاتهم الأساسية أنهم شركاء وموالين لصاحب القصة الأولى... "ويعيش الاقتصاد" و " البلد ماشي"... و " الشغل ماشي".

ج- إنشاء الكثير من المجالس الموازية للوزارات العاملة، وحصر الأعمال بهذه المجالس لتسهيل نقل وانتقال الأموال والهبات والرشاوى والأهم لسعادة وهناء الأمراء المذكورين سابقاً، ولاستمرارية البحبوحة...

د- تحويل العمل السياسي في لبنان إلى " حكلي لحكلك" " مشيِّنا لنمشيك" "مرقلنا لنمرقلك" وكل مشكل سياسي له سعر، وكل رئيس أو وزير أو نائب أو... الكل له تسعيرة.

وتحوَّل البلد من وطن إلى مزرعة وإمارة ريع مصغَّرة.

ملاحظة:(( للموضوعية، لقد كان الجميع يعيشون بسرور وهناء لأن الزعماء- الأمراء- كانوا كذلك... وكانت حساباتهم في البنوك تزداد كلما طلعت الشمس. وهل يؤرق الإنسان غير جيبٍ فارغ؟!!))

وكان صاحبنا رجل دولة بامتياز يستطيع جمعهم ساعة يشاء وتفريقهم كذلك ساعة يشاء.

هـ - والقصة لم تنتهي يا أخوتي فما زلنا نعيش بعض فصولها حتى تاريخ كتابة هذه السطور الخجولة.

فبعض المهجَّرين لم يعودوا إلى بيوتهم ولو بعد إنقضاء ثلاثة وعشرين سنة من انتهاء الحرب والمهاجرين من البلد ازدادوا عدداً.

والكهرباء من سيء إلى أسوأ، من 18 ساعة إضاءة باليوم إلى 6 ساعات والقادم أسوأ.

والماء من تلوثٍ إلى وباء.

والله يرحم الليرة ويطوَّل عمر الدولار، فقد أصبح كل شيء في البلد بالدولار العزيز.

ملاحظة: دخل الرجل الأول إلى بلادي وفي جيبه ملياري دولار بحسب أعلى الأرقام" والعهدة على تقارير الصحف والإعلام".

وخرج" بطريقة مأساوية للأسف الشديد وبجريمة إنسانية".

وفي جيبه الخاص ثمانية عشر مليار دولار " والعهود على المصادر الصحفية"

أما الأمراء المحيطون والشركات الحليفة والحاشية والموالون والمنتفعون، فعليك وحدك أن تحدد الأرقام وتنظر إلى النتائج!!!

-         أما الرجل صاحب القصة الثانية: فقد جاء إلى لبنان بعد حرب 2006 حيث الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية على لبنان بطائرات أميركية وتسهيلات عربية وتمويل عربي!!!

جاء إلى بلادنا مصلحاً ومرمماً وبانياً.

ومرَّت ست سنوات من العمل الصامت دون ضجيج ورحل برصاصة غادرة وبصمت.

لكن أياديه البيضاء تركت في كل زاوية من زوايا بلادي مَعَلماً وأثراً وتذكاراً.

مئات الكيلو مترات من الطرقات ذات المواصفات الدولية وعشرات الجسور وعشرات المدارس ودور العبادة وعشرات الحدائق وجسور المشاة.

ومشاريع للفقراء والمحرمين في جنوب البلاد وشمالها وشرقها وغربها، ثم رحل.

دخل بلادي فقيراً لا يملك منزلاً وخرج فقيراً لا يملك منزلاً في بلاده.

أنفق في لبنان أكثر من أربعة مليارات دولار، ذهبت جميعها إلى لبنان كل لبنان، إلى المواطن والبيئة والبلدة والقرية والحجر والمدر...

رجلٌ من بلاد فارس يأتي بيده البيضاء يمسح الغبار والدمار ويُقيم لأهل لبنان الموئل والملاذ، فيرضى المحروم والفقير والمستضعف، ثم يرحل مبتسماً، أن قد أديَّت الأمانة، ووفيت بالعهد والتكليف.

لم يطلب شيئاً من لبنان ولا من أهل لبنان.

لم يطلب منصباً ولا مركزاً ولم يطلب من البلد موقفاً ولا قراراً، ولم يضع شرطاً ولا سؤالاً، ولو سُمح له لأنار لبنان ولعقَّم الماء و... و " لكن لعنة الله على النكد".

هو قدم عمله وسهر لياليه، وخلاصة فكره وعُصارة حّبه لكل لبناني فقير ومحتاج ومكلوم.

وعينيه شاخصة إلى بارئه طالباً رضاه ورحمته وأن يمن عليه بشهادة. وكان ذلك كذلك.

فرحل هادئاً كما كان قدومه، فائزاً بالقلوب المؤمنة التي أحبته، " وقلب المؤمن عرش الله"

فسلام عليك يا حاج حسام يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.

ملاحظة: الرجلان في القصة لم يدفعا من جيبهما الخاص بل كان هناك دول مموّلة وهي مشكورة على كل حال لكن هناك مثل يقول وهو ذو دلالة عالية: "  كما تكونوا يولى عليكم".

فلننظر ولنتعظ....

والحمد لله رب العالمين

اعلى الصفحة