في الذكرى الـ"34" لانتصار الثورة الإسلامية
إيران والوصول إلى مرحلة الردع الاستراتيجي

السنة الثانية عشر ـ العدد 134 ـ (  ربيع أول ـ ربيع ثاني 1434  هـ ) شباط ـ 2013 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

 يقول الجنرال محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري، أن قدرات القوات الإيرانية وصلت إلى مرحلة الردع الاستراتيجي. وقال جعفري، حسبما نقلت قناة "العربية" الإخبارية، يوم السبت 13 أكتوبر 2012: "إن قوات حرس الثورة ترصد التهديدات المحدقة بإيران على طول الخط، وتعمل على تعزيز قدراتها الدفاعية والردعية البرية، وتطوير قدراتها الصاروخية، فضلاً عن قدراتها الدفاعية والهجومية في البحر، لتصل إلى مستوى الردع الاستراتيجي".

وجاءت تصريحات جعفري، في الوقت الذي أكد فيه السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وصول طائرة "أبابيل" الاستطلاعية إلى موقع ديمونه الإسرائيلي النووي في صحراء النقب.

كذلك فقد أكد البريجادير حسين سلامي، مساعد القائد العام لحرس الثورة الإيرانية، أن "دفاعات الكيان الإسرائيلي لن تصمد أمام ضربات إيران، في حال ما شنت إسرائيل هجوما عسكريا على منشآتها النووية". وأوضح سلامي، في كلمة له في مراسم انطلاق مناورات الرد السريع لقوات التعبئة الشعبية في العاصمة الإيرانية طهران، يوم الخميس 18 أكتوبر 2012، أن "إسرائيل تفتقر للعمق الدفاعي، فضلاً عن أن دفاعاتها ضعيفة، ولن تصمد أمام الضربات الشاملة الإيرانية".

ولفت القائد الإيراني إلى أن "دفاعات إسرائيل لم تصمم لخوض حروب كبيرة وطويلة، وستتعرض للدمار إذا ما سولت لها التحرك خارج إطار الحرب النفسية".

ولكي نتمكن من معرفة ماهية تصريحات القادة الإيرانيين وأهميتها يجب علينا التعرف أولاً إلى إستراتيجية الردع في السياسة الدولية, وعلى طبيعة العلاقات الإيرانية الأمريكية, وإلى حقيقة التهديدات الإسرائيلية لإيران...

إستراتيجية الردع

كما هو معروف تحكم المجتمع الدولي علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية، سمتها التعاون وتعزيز الشراكة وتطوير العلاقات الإستراتيجية فيما بينها، وهو ما يؤدي إلى إحلال الأمن والسلم في الساحة الدولية، إلا أننا نجد في الجانب الآخر مظاهر للصراعات والنزاعات المسلحة سواء كانت حدودية أم نزاعات على قضايا إقليمية تهم الدولتين المتنازعتين أو الصراع حول انتهاك أحد مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومواثيق المنظمات الإقليمية والدولية وهو ما يؤدي إلى تهديد الأمن والاستقرار الدولي.

وتتخذ هذه النزاعات منحى خطيراً قد يهدد كيان الدولة أو يمزق أحد أقاليمها البرية أو البحرية أو انتهاك مجالها الجوي سواء بالطيران العسكري أم بالأقمار الاصطناعية المتطورة تقنياً، كما قد تتخذ هذه النزاعات اتجاهاً آخر وذلك بإرسال مقاتلين أو مرتزقة أو أسلحة لإحداث أعمال تخريبية، أو الوقوف في صف قوى سياسية متنفذة في مواجهة أجهزة السلطة ومؤسساتها المختلفة، وهو ما يؤدي بالقائمين على السلطة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات لحماية سيادة الدولة من الانتهاك وردع القوى المهاجمة المعتدية باللجوء إلى الوسائل الدفاعية الوقائية المختلفة للحيلولة دون إقدام أي دولة أو دول أخرى على انتهاك مجالها البري والبحري والجوي، أو اللجوء إلى وسائل هجومية إذا ما تم الاعتداء أو انتهاك سيادة الدولة من قبل أية دولة أو دول أخرى.

إن تطور وسائل التكنولوجيا العسكرية وأنظمة الاتصالات الحربية المختلفة جعلت دولاً تمتلك تقنيات عسكرية إستراتيجية متطورة تتجاوز التقنيات العسكرية الإستراتيجية التقليدية والحصول على أسلحة إستراتيجية متطورة لا تملكها الكثير من الدول، وقد خلق هذا الوضع مجالاً دولياً غير مستقر، حيث مكن الدول المتطورة تكنولوجياً من التحكم بالقرارات السياسية الدولية عبر منظمة الأمم المتحدة أو المنظمات والهيئات الاقليمية المختلفة، أو عن طريق فرض سياسات مباشرة وغير مباشرة على الدول الأخرى النامية والتي تفتقر إلى اقتصاد يؤهلها إلى الانخراط في المجتمع الاقتصادي العالمي وتخصيص ميزانية لتطوير برامج الأسلحة الإستراتيجية الرادعة.

لقد خلق السباق نحو تطوير التكنولوجيا العسكرية الإستراتيجية مناخاً غير آمن لدى الكثير من الدول النامية ما دفعها للسعي إلى امتلاك أسلحة إستراتيجية متطورة تتجاوز الأسلحة الإستراتيجية التقليدية كالأسلحة النووية والسعي إلى صنع القنبلة الذرية والحصول على مكوناتها الأولية، وتعزيز البرامج النووية، بالإضافة إلى تصنيع الصواريخ الإستراتيجية عابرة القارات وتطويرها ويستخدم هذان السلاحان الاستراتيجيان في أوقات الحرب.

وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية "الردع المتدرج" في بداية الستينات من القرن العشرين التي رسم معالمها وزير الدفاع الأمريكي السابق السير روبرت ماكنمارا.

وتقوم هذه الإستراتيجية على الرد على كل اعتداء بسلاح مشابه له وليس على التهديد المباشر بالسلاح الذري لدى كل خلاف ينشأ بين الدولتين العظميين كما كان متبعاً إبان حكم ترومان وأيزنهاور خاصة وهذا يقضي بالاهتمام بجميع أنواع الأسلحة ابتداءً من الأسلحة التقليدية حتى الصواريخ التقليدية.

وتمتد إستراتيجية الردع لتشمل الأسلحة الإستراتيجية الأخرى التي تلجأ إلى امتلاكها الدولة لرصد أي هجوم خارجي قد تقوم به دولة أو دول أخرى تفوقها من الناحية التسليحية والتكنولوجية، كتطوير أنظمة الاتصالات عبر صنع أقمار اصطناعية متطورة تكنولوجياً وتقنياً قادرة على رصد المواقع الحيوية الإستراتيجية للدولة أو الدول الأخرى، ورصد أي تحرك عسكري أو نشاط تكنولوجي قد تقوم به الدولة أو الدول الأخرى بتهديد سيادتها، إلى جانب سلاح استراتيجي آخر هو سلاح النفط حيث يدخل في دعم الآليات والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى المردود المالي الهام الذي يحققه النفط، للدولة ويمكنها من مواجهة متطلبات التنمية الداخلية، ويوفر في نفس الوقت استقراراً داخلياً يعزز من الجبهة الخارجية في مواجهة التحديات الخارجية المختلفة، ويستخدم هذان السلاحان الاستراتيجيان (الأقمار الاصطناعية، النفط)، في زمن السلم والحرب..

إن امتلاك إستراتيجية الردع أصبح ضرورة للدول التي تسعى لحماية سيادتها والحضور الفعلي في الساحة الإقليمية والدولية، وقد عبر عن هذه الإستراتيجية مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق في حكومة الرئيس نكسون الدكتور هنري كيسنجر بقوله: "إن القوة الرادعة هي قدرة الدولة على منع أو تحييد تهديدات أو أخطار معينة ودفعها بعيداً عن حيز العمل المباشر ومجال التنفيذ الفعلي عن طريق مواجهتها بتهديدات أو أخطار مقابلة أو مضادة تساويها أو تفوقها في الحجم والتأثير". كما جاء في كتاب العقيدة الإستراتيجية الأمريكية ودبلوماسية الولايات المتحدة، لهنري كيسنجر، ترجمة حازم مشتاق، الطبعة الأولى، الدار العربية، بغداد، ص33.

فالقوة الرادعة تعتبر مظهراً من مظاهر الإستراتيجية المعاصرة في مواجهة التهديدات والتغيرات في التقنيات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة عندما تصبح الأسلحة الإستراتيجية التقليدية غير قادرة على مواجهة الصواريخ الإستراتيجية عابرة القارات، أو الأسلحة النووية الفتاكة التي لا يمكن إيقافها إلا عن طريق امتلاك أسلحة مشابهة في الدول الأخرى حتى يتم تحقيق التوازن العسكري الاستراتيجي بين الدولتين المتنازعتين، وهو ما أطلق عليه بعض الباحثين في الدراسات الإستراتيجية بمفهوم (توازن الرعب) فعندما تعلم الدولة المعتدية أن الدولة الأخرى تملك نفس التقنيات والأسلحة الإستراتيجية الموجودة معها سوف تمتنع عن استخدام القوة وتلجأ إلى المفاوضات الدبلوماسية والمحادثات السياسية الثنائية أو متعددة الأطراف في حالة النزاع بين دولة وعدة دول أخرى.

ولعل سعي كوريا الشمالية لامتلاك الأسلحة النووية الإستراتيجية وإجراء تجربة نووية ناجحة بالإضافة إلى امتلاكها ترسانة من الصواريخ الإستراتيجية عابرة القارات لدليل على سعي حكام كوريا الشمالية لتعزيز إستراتيجية الردع لديهم في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها خارج حدودها (كوريا الجنوبية، اليابان).

كما أن إيران هي الأخرى تخوض معركة سياسية حادة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بعد أن أصرت طهران على تعزيز قدراتها النووية في المجال السلمي وقد تعثرت المفاوضات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وقد ردت الولايات المتحدة وحلفاؤها بالتهديد باللجوء الى مجلس الأمن لإجبار إيران على التوقف عن السير في تطوير برنامجها النووي، وإخضاعه لمراقبة وإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إن قادة إيران يرون ضرورة تعزيز قدراتهم في المجال النووي للأغراض السلمية ويعتبرونه حقاً لا يمكن التنازل عنه ويسعون لتطوير صواريخهم الإستراتيجية بعيدة المدى لمواجهة التحديات والأخطار التي قد تواجههم من قبل الولايات المتحدة أو أية دولة أخرى في المنطقة الإقليمية المجاورة لإيران.

إن سعي أعضاء المجتمع الدولي لتعزيز إستراتيجية الردع لديهم يهدف من جهة إلى تعزيز السياسة الدفاعية الوقائية لديهم، وتطوير القدرات الهجومية ضد الدولة المعتدية التي تملك أسلحة إستراتيجية متطورة والسعي للحفاظ على المصالح القومية للدولة وتطويرها من جهة أخرى، وبهذه الطريقة تنتقل إستراتيجية الردع من الإستراتيجية العسكرية القائمة على القوة العسكرية إلى الإستراتيجية الشاملة.

وما يمكن قوله في هذا السياق إن إستراتيجية الردع التي تسعى الدول لامتلاكها ليست لأغراض انتهاك القانون الدولي أو الاعتداء على أحد أعضاء المجتمع الدولي ولكن الغرض منها هو تعزيز القدرات الوقائية الدفاعية الإستراتيجية للدولة في مواجهة التغيرات الجيوستراتيجية خارج حدودها، وتهدف في الوقت نفسه إلى تطوير مصالحها القومية في عالم تتغير فيه المصالح وحاجيات الدول وتطلعاتها.

تصاعد التوترات

كما ذكرنا فقد تصاعدت حدة التوترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين حول أنشطة الأولى النووية ذات الطابع العسكري، منذ نشر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول أنشطة إيران النووية أوائل نوفمبر 2011، إذ سبق التقرير تصعيد سياسي إسرائيلي على أعلى المستويات تجاه إيران، والتهديد بشن غارة عسكرية على منشآتها النووية؛ حماية لأمن إسرائيل، ومنع إيران من تطوير قدراتها النووية.

وفي هذا السياق، نُشر تقرير من جانب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أعده الكسندر ويلنر وانتونى كوردسمان، والذي يتعرض بالدراسة والتحليل للتنافس الأمريكي- الإيراني في منطقة الخليج، والمحيط الهندي، والمشرق العربي، والذي هو في حقيقته - طبقا للتقرير - منافسة على الهيبة العسكرية والمكانة الدولية، من خلال استخدام القوات العسكرية للتأثير في سلوك الدول الأخرى.

عرض التقرير لخلفية التنافس الأمريكي – الإيراني، التي يرجعها التقرير إلى سقوط نظام الشاه، وتأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979. ومن وقتها، وإيران تُعد أشد أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً مع سعيها لتكون قوة إقليمية بارزة في المنطقة، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لتحجيم هذا النفوذ، بداية من دعمها للعراق أثناء الحرب العراقية– الإيرانية (1980 - 1988) ببيع الأسلحة والمساعدات التكنولوجية، ثم بفرض العقوبات الاقتصادية عليها، وفرض حصار حول إمكانية حصولها على الأسلحة من دول أخرى، وكذا تقديم الدعم العسكري المتطور لحلفائها من دول الخليج كالمملكة العربية السعودية، وحصولها على أسلحة متطورة من أمثلة AH-64 المروحية من طراز أباتشي، ودبابات أبرامز M1، و15 S، لتوفير رادع رئيسي للقوات الإيرانية آنذاك.

ويبدأ التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بمارس/آذار 2001 بتوقيع اتفاقية تعاون بين طهران وموسكو، ثم في أبريل/نيسان تم توقيع اتفاق أمنى بين طهران والمملكة العربية السعودية بهدف مكافحة الاتجار بالمخدرات والإرهاب. وفى الربع الأخير من العام نفسه، تم توقيع اتفاق عسكري بين طهران وموسكو، متضمناً بيع صواريخ وطائرات مُقاتلة، ثم إدانة المرشد الأعلى "على خامنئي" للضربات الجوية الأمريكية بأفغانستان.

وكذا إصدار وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لتقرير تتهم فيه طهران بامتلاك واحد من برامج الأسلحة النووية الأكثر نشاطاً في العالم، بالإضافة إلى أن إيران تسعى للحصول على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية من روسيا والصين وكوريا الشمالية.

وفي يناير/كانون ثاني 2002، وصف الرئيس بوش في خطاب له بأن إيران والعراق وكوريا الشمالية هي "دول محور الشر". وفى سبتمبر/أيلول من العام ذاته، قامت إيران ببناء أول مُفاعل نووي لها في بوشهر بمساعدة روسية، وهو ما تمت مواجهته باعتراض كبير جدا من جانب الولايات المتحدة، أعقبه اتهام لها في ديسمبر بامتلاك إيران لبرنامج سرى لتصنيع الأسلحة النووية في ناتانز.

وعقب غزو الولايات المتحدة للعراق، قامت إيران وسوريا بتكثيف التعاون فيما بينهما لضمان أنهما لن تصبحا أهدافاً لواشنطن، من خلال دعم المقاومة العراقية للاحتلال، وتوسيع التعاون الثنائي في مجال الدفاع.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2004، وافقت إيران على تعليق تخصيب اليورانيوم، مقابل الحصول على تنازلات تجارية من أوروبا. وكذا في يونيو/حزيران 2005، قامت إيران وسوريا بتوقيع اتفاق تعاون عسكري للدفاع بهدف توحيد الجهود الدفاع، وتعزيز الدعم المُتبادل بينهما.

وفى نفس الشهر من العام ذاته، تم منح إيران لقب مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون، ولكن تم تعليق العضوية الكاملة لها في مارس/آذار 2008 بسبب العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة.

ويشار هنا إلى نفي الولايات المتحدة في أبريل/نيسان 2006 ما تردد عن توجيه ضربة نووية تكتيكية ضد منشآت إيران النووية تحت الأرض، وما استتبعه تهديد إيران بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، عقب تقديم مشروع قرار بفرض عقوبات ضدها بمجلس الأمن؛ لتتقدم الولايات المتحدة بطلب للاتحاد الأوروبي للدخول في مفاوضات مباشرة مع طهران، إذا وافقت على تعليق تخصيب اليورانيوم. وفى ديسمبر/كانون أول من العام نفسه، صدر قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي.

يبدأ عام 2007 بالقبض على أعضاء من الحرس الثوري الإيراني في العراق، لينتهي العام نفسه بزيادة التوتر بينهما، عقب تقرير للاستخبارات الأمريكية يفيد بأن إيران علقت برنامجها للأسلحة النووية، ولكنها مستمرة في تخصيب اليورانيوم. وفي عام 2008، اتهمت الولايات المتحدة إيران بأنها الراعي الرائد للإرهاب في العالم، ودعمها للمتمردين الأفغان. وفى يوليو/تموز من العام ذاته، قامت طهران بإجراء تجارب ومناورات بصواريخ شهاب 3 الباليستية متوسطة المدى، خلال المناورات العسكرية التي عرفت باسم "النبي الأعظم 3".

واستمرت الولايات المتحدة في اعتبار إيران دولة راعية للإرهاب، في حين ترد إيران بأن الولايات المتحدة ليست في موقف اتهام دول أخرى، في ضوء تصرفاتها بمعتقل غوانتانامو، لتقوم إيران في منتصف مايو/أيار 2009 باختبار الصاروخ الباليستى سجّيل 2، الذي يبلغ مداه 1500 ميل. وفى سبتمبر/أيلول من العام ذاته، تعترف طهران ببناء منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم قرب مدينة قم، وتعلن أنها مخصصة للأغراض السلمية. وفى نهاية الشهر ذاته، تجرى طهران تجارب على عدد من الصواريخ الباليستية شهاب 1، شهاب 2، توندار 69، وفاتح 110.

وفي عام 2010 قُتل مسعود على محمدي، أستاذ الفيزياء الإيراني في انفجار بطهران، في حين أنه لم تعلن أي جماعة مسئوليتها عن الحادث، إلا أن الحكومة الإيرانية قالت بأن الولايات المتحدة وإسرائيل هما وراء هذا الحادث. وتقوم طهران بتوقيع اتفاقية أمنية مع قطر لمكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون الأمني، ثم تقوم طهران بإجراء مناورة "النبي الأعظم 5" لتستخدم فيها صواريخ مضادة للسفن، بالإضافة إلى اختبارها نسخة جديدة من فتح 110، وهى صواريخ باليستية قصيرة المدى تصل إلى 155 ميلاً.

وفي بداية عام 2011، تعلن طهران امتلاكها التكنولوجيا اللازمة لصنع لوحات قضبان الوقود لمفاعلاتها النووية. وفى فبراير/شباط، تكشف النقاب عن "فارس الخليج"، وهى صواريخ باليستية مضادة للسفن، قادرة على تدمير حاملات الطائرات. وفى يوليو/تموز، تقوم بتجارب صواريخ في مناورة "النبي الأعظم 6" لتختبر صواريخ بعيدة المدى، بالإضافة إلى كشفها عن صوامع صواريخ تحت الأرض.

ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أنماط للتنافس العسكري الأمريكي- الإيراني في منطقة الشرق الأوسط ، والتي تتمثل في:

النمط الأول، القوات التقليدية الإيرانية: فإيران تسعى إلى تحسين هذه القوات بهدف توسع نفوذها، والحد من خيارات الولايات المتحدة العسكرية. وفي المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى حرمان طهران من الأسلحة التقليدية والحديثة. لكن إيران تفاوضت مع روسيا بشأن مبيعات لأنواع متقدمة من الطائرات المُقاتلة الحديثة، وصواريخ أرض جو، ودفاعات صاروخية باليستية. ومن ثم، فالنتيجة النهائية هي التحدي المستمر والمتزايد للولايات المتحدة في منطقة الخليج.

النمط الثاني، الحرب غير المتكافئة وغير المنتظمة: فقد بذلت إيران جهوداً كبيرة لتحسين قدراتها في مجال الحرب غير المتكافئة، وبخاصة قوات الحرس الثوري. وقد أثبتت إيران بالفعل قدرتها على استخدام قواتها في الحرب غير المتكافئة وغير المنتظمة بطرق عديدة، منها، على سبيل المثال لا الحصر (حرب الناقلات الإيرانية مع العراق، وتسرب النفط والمناجم العائمة في الخليج، واختبارات الفضاء والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتوسيع نطاق برامج الصواريخ، وسلسلة التدريبات العسكرية للحرس الثوري الإيراني في الخليج للتدليل على قدرتها على مهاجمة الأهداف الساحلية والمنشآت البحرية).

النمط الثالث، توسيع مجالات العمل والتأثير: فالتنافس بين الولايات المتحدة وإيران امتد لأنحاء كثيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وآسيا الوسطى والجنوبية.

النمط الرابع، الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل: أعلنت إيران عن امتلاكها للأسلحة الكيميائية والصواريخ بعيدة المدى. هذا، وتحاول الولايات المتحدة السعي لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية مع تطوير الخيارات لردع إيران. وتشير التقارير إلى إحراز إيران تقدماً في تصاميم أجهزة الطرد المركزي، والصواريخ بعيدة المدى، بما في ذلك من تطوير نظم الوقود الصلب، وترجح كذلك قدرتها على تصنيع غاز الأعصاب، وربما القدرة على تصنيع وامتلاك الأسلحة العنقودية.

كذلك يمكن الإشارة إلى اختلاف القوى الدولية، التي تأتي في مقدمتها الولايات المتحدة، وكذلك الدول الأوروبية وإسرائيل، حيال التعامل الأمريكي مع الأزمة النووية الإيرانية. وفي المقابل، تتبنى إيران وجهة نظر مغايرة للتعامل الأمريكي والإسرائيلي مع أزمتها النووية.

ففيما يخص وجهة النظر الأمريكية، فإن صناع القرار الأمريكي والمخططين الأمريكيين يرون أن قيام إيران بتطوير قدراتها النووية والصاروخية هو خطر يهدد منطقة الخليج بأسرها، بما في ذلك العديد من دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اعتبارها تهديداً محتملاً لأوروبا، وللصادرات النفطية الخليجية وأسواق النفط العالمية، وكذا تراها واشنطن تهديداً لعملية السلام العربية- الإسرائيلية. وفى إطار محاولة استبعاد أي عمل عسكري ضدها في الوقت الحالي، وبالتالي الخيارات الدبلوماسية، هو الحل الأمثل، ومع ذلك تظل الخيارات العسكرية خياراً مطروحاً.

ومن جانبها، ترى إيران أن أمريكا هي التهديد الرئيسي لها، ثم يأتي التهديد الإسرائيلي في المرتبة الثانية. وتدافع بأن "إستراتيجيتها العسكرية هي دفاعية في طبيعتها، ولكن في الوقت نفسه تمتلك التكتيكات الهجومية".

هذا، ويجب على الولايات المتحدة إدراك أن الأمة الإيرانية لا يمكن إضعافها حتى بفرض العقوبات، فإيران اليوم هي القوة الفاعلة في منطقة الخليج والمنطقة. هذا ما أكده الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في 5 مايو/أيار 2011 عندما قال: "عندما ندرس التاريخ، نصل إلى استنتاج بأن الأمة الإيرانية قادرة على المرور من منحنى لآخر".

أما بالنسبة لإسرائيل فإنها تختلف في تصورها للمنافسة العسكرية مع إيران. فإسرائيل ترى أن إيران تُشكل تهديداً وجودياً لها بسبب الصواريخ بعيدة المدى، ودعمها لحزب الله في لبنان، ودعمها للمقاومة الفلسطينية في غزة.

التهديدات الإسرائيلية حرب نفسية

اعتبر الجنرال الإسرائيلي، عامير ايشيل رئيس شعبة التخطيط الاستراتيجي في الجيش الإسرائيلي: إن امتلاك إيران للسلاح النووي، يعني ردع إسرائيل عن خوض حرب مع جهات حليفة لطهران في المنطقة مثل حزب الله وحركة المقاومة الفلسطينية حماس.

وأشار إيشيل إلى أن بعض أعضاء الحكومة والمسؤولين الإسرائيليين يقولون إن إيران يمكن أن تتسبب بوجود غابة نووية عالمية، وتفتح الباب أمام سباق تسلح في الشرق الأوسط المضطرب أصلاً. وبحسب الجنرال إيشيل فإن مصدر قلق إسرائيل هو أن تشعر سورية وحزب الله وحماس بالطمأنينة في ظل وجود قنبلة نووية إيرانية. واضاف: "إن هذا الأمر سيُحدث تحولاً جذرياً في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، لأن الوضع سيكون مختلفاً بصورة جذرية إذا قررت إسرائيل اتخاذ خطوات معينة في غزة أو لبنان في ظل وجود مظلة نووية إيرانية".

وقال إيشيل: "عندما يكون لدى الطرف الآخر قدرة نووية، ويكون مستعداً لاستخدامها، تصبح أكثر ضبطاً لنفسك، لأنك لا تريد الوصول إلى هذا الوضع". وأضاف: "حالياً نحو 100 ألف صاروخ يمكن أن يطلقه نشطاء أو إيران أو سورية على إسرائيل".

ورأى انه "على الرغم من الوضع الذي تمر به سورية، فقد  استثمرت نحو ملياري دولار في مجال الدفاع الجوي خلال مدى العامين الماضيين، ومبالغ أخرى في مجال الوسائط المضادة لأي غزو بري قد تتعرض له، وربط كلا الأمرين بتوجس سورية من إسرائيل".

ورفض الجنرال إيشيل الإفصاح عما إذا كانت إسرائيل ستحاول مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أم أنها قد تقبل بوجود إيران النووية، باعتبارها أمراً حتمياً يمكن احتواؤه من خلال امتلاك إسرائيل للتفوق العسكري وتعزيز قدراتها العسكرية". وقال: "إن القرار في هذا الشأن يعود للحكومة، وأن القوات الإسرائيلية ستقدم مجموعة من الخيارات". وعلى الرغم من قول إيشيل أن لدى إسرائيل القدرة على "ضرب أي عدو، بشدة". لكنه حذر في الوقت ذاته "من توقع توجيه ضربة قاضية لأعداء إسرائيل".

من جهتها استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تزرع داخل رؤوس الكثير من (حلفائها) في العالم العرب. بأن إيران تمثل (الخطر الأكبر) على مصالحهم أو بلدانهم. وبالتالي فإن مواجهته تستدعي منظومة دفاعية لا بد أن تكون (إسرائيل) شريكاً فيها.

ولعل هذا الاستدراج وصل بالعديد من هؤلاء (الأصدقاء) لأمريكا لعقد علاقات وتفاهمات مع العدو الصهيوني ـ من تحت الطاولة ـ. يؤشر إلى هذا ما تردد عن حضور عسكري(عربي) للمناورات الأمريكية ـ الإسرائيلية لتعقب الصواريخ التي قد تستهدف الكيان الصهيوني من إيران. ومناورات أخرى من نفس الطبيعة وبذات التوقيت في إحدى الدول العربية الخليجية.

غير أن التحول الأمريكي عن سياسة العصا الغليظة التي سارت عليها على مدى عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش طرح واقعاً جديداً. هذا التحول الذي جاء نتيجة لتراكم معطيات عدة منها. سقوط الخيار العسكري ضد إيران من حساباتها بعدما تحققت من تكاليفه الباهظة دون تحقيق نتائج سياسية ملموسة منه. ثم سلسلة الخيبات في العراق وأفغانستان. هذا فضلاً عن الانتصار التاريخي للمقاومة صيف 2006 والذي شكل ضربة قاصمة لآخر الآمال الأمريكية في مشروع: "الشرق الأوسط الجديد".

لعل الواقع الجديد هو بكل بساطة تراجع المشروع الأمريكي وميل واشنطن للدبلوماسية للملمة خسائرها. فمع إيران تستخدم الآن سياسة مركبة من الحرب النفسية مع تقديم العروض عبر أقنية عديدة. والغاية الحقيقية ليس من العنوان المعلن أي "المشروع النووي الإيراني". بل إلزام إيران بوضعٍ يتيح لها عدم جني أية مكاسب أو نقاط جراء (الفراغ) الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من العراق.

أمام هذه الانعطافة أدرك العرب من (حلفاء) أمريكا. أن الأجدى بات في عودة الحرارة إلى الحوار مع إيران. الأمر الذي يشكل ضربة في الصميم لما بنت عليه أمريكا ـ و"إسرائيل" حملتهما النفسية كما سبق وذكرنا. والذي جنت منه هذه الأخيرة المكاسب. وانطلاقاً من هذا يأتي تهديد تل أبيب بضرب إيران، في إطار حرب نفسية تستهدف البعض من العرب وليس إيران التي تدرك عجز من هو أكبر من كيان العدو عن ضربها.

أما هذا البعض الذي يخشى من تداعيات المواجهة مع إيران على بلدانهم. فتأتي البروباغندا الإسرائيلية وسياسة التهويل نوعاً من اللعب على هذه المخاوف أو العزف على الأعصاب المهزوزة للبعض من الساسة العرب. بحيث يكون سقف تحركهم هو في (إقناع) "إسرائيل" بالكف عن أية مغامرة عسكرية طلباً للسلامة!.

وهكذا ونتيجة للسياسة الناجحة التي انتهجتها إيران ومسؤولوها ومواطنوها وقدرتها العالية على إدارة الصراع في مواجهة أعتى قوتين، القوة الأمريكية وما حولها والقوة الإسرائيلية، فقد نجحت في إدارة الأزمة بالسير في مسارات محددة وواضحة في هذه الاتجاه. وتمثلت هذه المسارات في امتلاك إيران القدرة العسكرية الرادعة والمتمكنة سواء من حيث امتلاك الصواريخ والزوارق البحرية والدخول إلى عصر الفضاء ومناوراتها المتتالية وكلها ناجحة وآخرها صواريخها بعيدة المدى.

كما أن إعلان إيران بجدية واضحة قدرتها على امتصاص أي ضربة عسكرية أمريكية إسرائيلية مشتركة أو منفردة ثم العودة في دقائق معدودة بإطلاق 11 ألف صاروخ على كل المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فان هذا الردع الجاد الذي اقتنعت به أمريكا اثبت بشكل قاطع بأن لدى إيران قدرات يمكن أن تدمر كل المصالح الأمريكية في المنطقة لو أقدمت أمريكا أو حتى إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لها.

إن إيران استعدت استعداداً واضحاً لتلقي ضربة عسكرية كاسحة من أمريكا وامتصاصها ثم الرد عليها وذلك من خلال إتباع إستراتيجية واضحة أولها الانتشار الواسع لكل القدرات الاقتصادية والعسكرية والمفاعلات وغيرها على كل أنحاء إيران بالدرجة التي تصعب جداً إجراء أي ضربة عسكرية صاروخية كاسحة لها.

باحث في القضايا الإقليمية(*)

اعلى الصفحة