|
|||||||
|
الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية في البلاد العربية والعالم الإسلامي، تصف نفسها بأنها "إصلاحية شاملة". وتعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، أسسها حسن البنا في مصر في مارس عام 1928م كحركة إسلامية وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست. ولطالما مثّّل سقوط نظام " مبارك " صاحب العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية المعادية لإيران ووصول الإخوان المسلمين إلى حكم مصر بل وحكم أكثر من بلد عربي مشرقاً ومغرباً فرصة لنسج علاقة جديدة بين القوة السنية الصاعدة إلى الحكم وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الرغم من وجود بعض التعارض المذهبي والسياسي بين الثورة الإسلامية وإخوان مصر. وسرعان ما رحبت طهران بحكم الإخوان المسلمين لمصر، وتصوّر بعض القادة الإيرانيين أن انتخاب محمد مرسي رئيسًا لمصر انتصار للصحوة الإسلامية التي أطلقتها الثورة الإسلامية الإيرانية قبل أكثر من ثلاثة عقود. لكن هذا التفاؤل الإيراني سرعان ما تبدد، بسبب الكثير من الوقائع والتطورات المستجدة التي أخذت تؤثر على السعي الإيراني للتقارب مع القاهرة، وخاصة فيما يتعلق بانحيازهم إلى النموذج التركي في الحكم وابتعادهم ورفضهم للنموذج الإيراني أضف إلى ذلك اختلاف موقف البلدين الحاد من تطورات الأوضاع في سوريا، فضلاً عن سعي إخوان مصر للتقرب من المملكة العربية السعودية وقطر هو ما يقلق طهران. الإخوان وتحدي نموذج الحكم وهذا ما بدا واضحاً في كلام الدكتور محمد سعد الكتاتني عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين والمتحدث الإعلامي باسم الجماعة وأول رئيس لمجلس الشعب المنتخب بعد الثورة أمام وسائل الإعلام عندما أكد رفض الإخوان للنموذج الإيراني في قيادة الدولة ، مؤكدًا أن الجماعة هي واحدة ممن ينادي بالدولة المدنية بمعنى أن الشعب والأمة هم مصدر السلطات، ومن ثَمَّ يستطيع الشعب أن ينتخب رئيسه ويتمكن من محاسبته، موضحًا أن الإخوان ينادون بدولةٍ مدنيةٍ تعمل بمبادئ الشريعة الإسلامية التي تعدُّ في الأساس مبادئ تصلح للدنيا بأكملها لأنها داعمة لكل الحقوق والحريات. فأي نموذج اختاروا؟ من مفارقات القدر أن النموذج التركي أصبح هو الحلم الذي يداعب خيال جماعة الإخوان المسلمين ويلهب قريحة الباحثين. محاولين الاقتداء بنهج حزب العدالة والتنمية التركي الذي يعد حزباً تعددياً يتشكل من فصائل متنوعة تجمع بين التوجهات الليبرالية والمحافظة والمعتدلة . ولكن حتى الآن لم يستطع إخوان مصر الخروج من النفق واستيعاب التيارات والقوى الوطنية المصرية المخالفة لهم.. ولعل هذا ما يقودهم نحو تحدٍ آخر. والمطلوب احترام خصوصية تجربة كل نموذج والاستفادة من خبرات الجميع بما يعزز بناء مصر كدولة إسلامية قوية مهابة الجانب تسعى لتأمين القدرات الإنمائية والاجتماعية لأبنائها وتلتزم موقفاً سياسياً واضحاً من أعداء الأمة الغاصبين لمقدساتها لا تشوبه " تقيّة" ولا تمييع.. تحدي فهم الآخر واستيعابه من يراقب اللحظة الراهنة التي تعيشها مصر الآن يجد أنها تتسم بدرجة عالية من الاستقطاب غير المسبوق في الحياة السياسية المصرية، حيث انشطر المجتمع المصري إلى قسمين: احدهما يؤيد الرئيس الإخواني محمد مرسي والآخر يعارضه، ويضم الفريق المؤيد جماعة الإخوان والتيارات الإسلامية الموالية لها والمتفقة معها في مشروعها الإسلامي كالتيارات السلفية والجماعة الإسلامية المصرية ، في حين يضم الفريق المعارض القوى المدنية من كل التيارات السياسية والتوجهات، وهي تدفع نحو اختيار الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ولا تعارض القوى المدنية في مشروعها وموقفها المعارض للرئيس وجماعته، الشعار الإسلامي ولا تعارض الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع بل تتمسك القوى المدنية بثوابت الدولة المدنية الحديثة القائمة على المواطنة والحرية والديمقراطية معترفة بأن قيم المجتمع المصري هي قيم إسلامية. كيف تعامل الإخوان مع هذا التحدي؟. خاض الإخوان معركة الاستفتاء على الدستور وكسبوا الجولة بأكثر من 64% من أصوات الناخبين وخاضوا معركة تمرّد القضاء وتلطي"فلول مبارك" خلف بعض الشخصيات السياسية كعمرو موسى والبرادعي وحامدين صباحي.. لكن هذا الأمر أوجد شرخاً عميقاً في المجتمع المصري. استطاعوا أن يحققوا الكثير لكن في مجال فهم واستيعاب المخالفين ربما لم يستطيعوا تقديم شيء سوى المنازلة والاحتكام إلى الشارع تارة وصناديق الاقتراع وكسبوا الانتخابات وعداء قطاعات عديدة مخالفة لهم من الشعب المصري أياً كان حجمها. والمطلوب شيء من سعة الصدر السياسية التي يمكن من خلالها استيعاب المعارضة المصرية وإشراكها في الحياة السياسية.. تحدي الاقتصاد المأزوم إن الأزمة الاقتصادية المفتعلة أو الحقيقية، ومنع حل المشكلة الاقتصادية كان جزءاً ولا يزال من تطويع الإرادة المصرية تجاه إسرائيل، وهذا هو السبب الحقيقي في الضغوط الأمريكية لمنع مصر من حل أزمتها الاقتصادية، وبديهي أن مصر تختلف عن تونس، لأن مصر هي القوة العربية الكبرى أولاً، ثم هي دولة مواجهة وعلى حدود إسرائيل من ناحية ثانية. ومنذ جاء الإخوان إلى الحكم في مصر وبوادر الحرب الاقتصادية على اقتصاد مصر تتراكم يوماً بعد يوم. وعلى الرغم من محاولات الحكومة المصرية تسويق خطة اقتصادية استثمارية على 3 مراحل، الأولى بضخ نحو 45 مليار دولار لتشغيل المصانع المتوقفة بسبب الأزمة المالية الراهنة، والمرحلة الثانية سيتم فيها إنشاء شركات ومصانع جديدة في منطقتي التجمع الخامس والسادس من أكتوبر، بينما تهدف الثالثة إلى توظيف أكثر من250 ألف شاب كل عامين، وستكون الأولوية للحاصلين على مؤهلات المعاهد الفنية والصناعية، لكن سرعان ما بدأ اللعب بالبورصة والدفع بالجنيه المصري للانخفاض في مقابل الدولار في ظل شح المال الخليجي إن لم نقل انقطاعه. والمطلوب مصارحة الشعب المصري ووضع كافة القوى أمام مسؤولياتها الوطنية والاستفادة من طاقاتها وإشراكها في معالجة الأوضاع الاقتصادية ونسج شبكة أمان مالية محلية من المتمولين والمستثمرين المؤمنين بالمنهج الاقتصادي الإسلامي. وبين الدول الإسلامية القابلة سياسياً والقادرة اقتصادياً على تعويم الاقتصاد المصري فبل حلول الكارثة. تحدي استعادة الدور المصري المفقود بعد كامب ديفيد مصر المحروسة هي بوابة العرب وقوتهم من قوتها، ولها تأثير كبير في رسم السياسة العربية والعرب خسروا كثيراً عندما غاب الدور المصري نتيجة توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية السلام مع "إسرائيل" منذ توقيع تلك الاتفاقية شهد النظام العربي تدهوراً مستمراً نتيجة خروج مصر من الساحة العربية. وبإزاء التركة الثقيلة التي ورثها الإخوان وفي مقدمها اتفاقية كامب ديفيد مع كيان العدو الصهيوني برز تضارب واضح في موقف الإخوان تجاه هذه الاتفاقية والموقف الأمريكي الداعم لها حيث أكدت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن جماعة الإخوان المسلمين قدمت تأكيدات واضحة بأنها تؤيد معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل. وقالت نولاند في رد علي سؤال حول إمكانية عدم اعتراف الأحزاب الإسلامية في مصر بمعاهدة كامب ديفيد لقد أعطونا تعهداً واضحاً بتأييد المعاهدة, وأكدت لدينا تطمينات جيدة بشأن تلك القضايا وسنستمر في التأكد من الاهتمام بتلك الأمور في مصر. فيما علي الجانب الآخر, نفي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين في مصر إبراهيم منير المتحدث باسم الإخوان في أوروبا أن تكون الجماعة أعطت أي ضمانات لواشنطن بشأن احترام اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الإسرائيلي علي حد قوله. لكن الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق للجماعة يوضح موقفها: "هذه المسألة من ثوابت الجماعة وليست محل جدل أو نقاش"، مشيراً إلى أن "إسرائيل في نظر الجماعة مجرد كيان صهيوني مغتصب لأراضينا العربية والإسلامية المقدسة، قام علي (الجماجم) والدماء، وسنعمل على إزالته مهما طال الزمن". لكن الأمر بعد قيام ثورة 25 يناير في مصر بات يشوبه شيء من الالتباس بعد بروز أصوات إخوانية ترى أن اتفاقية كامب ديفيد لا تراجع عنها وان كان من الممكن تعديل بعض البنود فيها، وهذا ما يبدو واضحاً كرسالة لإسرائيل وللقوى الدولية بأنهم – أي الإخوان لم يأتوا إلى الحكم لدمار الدولة العبرية كما هو مشهور عند الإسلاميين عامة. والمطلوب العودة والالتزام عملياً بما قاله المرشد السابق محمد مهدي عاكف، وقد شارك الإخوان منذ البداية في حرب فلسطين ضد إنشاء الدولة العبرية، ما كان له أكبر الأثر في اضطهاد الجماعة تاريخياً بسبب بلائهم الحسن في هذه المعارك، وكان له أكبر الأثر في تاريخ الجماعة أيضاً وأدبياتها حيث تبنت قضية فلسطين تماماً في الأناشيد والفكر وإستراتيجية التوجه الفكري العام. ومن الجدير بالذكر أن حركة حماس تتبع فكر الجماعة في كل شيء تقريباً، وتعتبر فرع الجماعة في فلسطين، ومواقفها العامة من كل القضايا تنبع مباشرة من رؤية الإخوان المسلمين العامة لكافة القضايا. تحدي العلاقات مع الدول الخليجية تتمتع حركة الإخوان بتأييد كبير في الأوساط الشعبية الخليجية ولكن على الرغم من أتباع الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، سياسة ضبط النفس، وتجنب أي صدام مع السلطات في بلدان الخليج. لكن الدول الخليجية تشعر بالقلق من سيطرة الإخوان على مصر وتونس وليبيا والسودان ومحاولتهم للسيطرة على الأردن واليمن وسورية، مما يجعل هذه الدول محاصرة وبالتالي مهددة بالسقوط في أيدي المحور ألإخواني الجديد، تطبيقا لنظرية "الدومينو" السياسية. ومن يتابع الإعلام الخليجي اليوم، والسعودي منه على وجه الخصوص، يلمس وجود حملة شرسة ضد حركة الإخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية بشكل عام. هذه الحملة على الإخوان، وربما التيارات السلفية لاحقا، تشكل نقضا لتحالف تاريخي بين الأنظمة الخليجية المحافظة وهؤلاء، وهو التحالف الذي أدى إلى استقرار هذه الأنظمة، ومحاربة كل الأفكار اليسارية والقومية التي كانت تشكل تهديداً لهذا الاستقرار في نظر الحكام. وإذا كان الإخوان يراعون الموقف الخليجي فلا يبادرون إلى تعزيز علاقاتهم بإيران ومحورها بل ينازلونها في سوريا ما يجعل علاقاتهم معها أكثر تعقيداً. فإن الخليجيين لا يبدون أي حماس لنجاح الإخوان في قيادة مصر نحو استعادة دورها الطليعي في المنطقة. بل يناصبونها العداء والضغط الاقتصادي والسياسي دون إعلان. والمطلوب مواجهة السعار الإعلامي بالعقل والروية وترشيد الأمور وتعزيز العلاقات على قاعدة الموازنة بين القوى الخليجية عرباً وعجماً على قاعدة الخروج من دائرة الاستخدام إلى دائرة خدمة المشروع الإسلامي العام بخطوطه الرئيسية دون الخوض في خصوصيات الدول وتناقض أدواتها السياسية. التحدي المذهبي لطالما نادى الإخوان في أدبياتهم بوحدة الأمة الإسلامية وضرورة التعاون بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم لكن الصراعات السياسية أرخت بظلالها المذهبية على موقف الإخوان مما اعتبروه تمدداً شيعياً على حساب الأكثرية السنية في العالم الإسلامي. ولطالما مثلت ساحات الصراع الساخنة في سوريا أو البحرين أو العراق وحتى في المنطقة الشرقية من السعودية سبباً للخلاف السياسي المستحكم. وتتفاوت الحدة في التناقض وارتفاع منسوب الصراع المذهبي بين الإخوان وإيران بحسب الأقطار ففي سوريا التي يخوض فيها الإخوان صراعاً دموياً مع نظام الرئيس الأسد حليف إيران يعلن إخوانه على لسان المرشد "الشقفة" أنهم سيكسرون ظهر الهلال الشيعي.. فيما إخوان مصر يحاولون مد جسور التعاون "الحذر" مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في محاولة للخروج من نفق الفتنة المظلم المطل على عالمنا العربي.. وهذا التحدي المذهبي يكاد يكون الأخطر إذ يمكن اعتباره قنبلة تدميرية موقوتة تهدد العالم الإسلامي لا مناطق النزاع فحسب. والمطلوب العودة إلى الجذور واستقرائها والسعي إلى إعادة صياغة العلاقات مع القوة الإسلامية الشيعية الأكبر "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وفقاً للأسس الإسلامية الراسخة حتى لو تباينت القراءات السياسية والدفع باتجاه رأب الصدع وتحديد الأولويات وتوجيه الصراع باتجاه أعداء الأمة بدل الغرق في مستنقع الدويلات الطائفية المتناحرة. |
||||||