|
|||||||
|
مجلة تقدير استراتيجي التي تصدر عن معهد بحوث الأمن القومي
في خلال سني عمل منظمة القاعدة الطويلة جعلت إسرائيل واليهود مع الولايات المتحدة عدو الإسلام المركزي وجزءاً مما أسمته "الحلف اليهودي الصليبي". ومع ذلك وبخلاف الخطابة السامة المسلحة التي وجهتها المنظمة وشركاؤها إلى إسرائيل واليهود اللذين رأوهما كيانا واحدا لا ينفصل، كان النشاط الإرهابي الذي نفذوه في أكثر سنوات نشاطهم على إسرائيل واليهود ضئيلاً نسبياً. وقد اختار أسامة بن لادن أن يُركز ويوجه إستراتيجية عمل منظمته وشركائه في طريق الجهاد العالمي على الولايات المتحدة في الأساس التي كانت تُرى العامل الأقوى في هذا الحلف بغرض أبعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، وقد آمن أنه بذلك تُزال رعاية الولايات المتحدة وتأييدها السياسي والعسكري والاقتصادي لحليفاتها في الشرق الأوسط. ورأى أن هذا يفضي إلى نهاية نظم الحكم العربية المستبدة التي انحرفت عن طريق الإسلام وإلى نهاية إسرائيل أيضاً التي هي مرعية الولايات المتحدة الرئيسة في الشرق الأوسط. أن سقف النشاط المنخفض على إسرائيل واليهود قياسا بجبهات أخرى لا يشهد بالضرورة على سلوك المنظمة الموجه عليهم ومخططاتها. ففي الواقع وفي موازاة نشاط القاعدة وشركائها المعزز الموجه على الولايات المتحدة وحليفاتها في الغرب في العقد الأخير، طرأت زيادة أيضاً على محاولاتهم المس بأهداف إسرائيلية ويهودية. واشتمل ذلك النشاط على عدد لا يستهان به من التخطيط ومحاولات الإضرار بأهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج خصوصاً بعد أن نجح قليل منها فقط ولم ينفذ أكثرها في حين نبعت أكثر أضرارهم المحدودة بالإسرائيليين وباليهود في الخارج من خلال نجاحات الجهات الاستخبارية والأمنية في أنحاء العالم في صد جهودهم، هذا مع محدودية قوة القاعدة وشركائها بسبب نقص في الموارد بإزاء كثرة المهام وكثرة الأعداء. وفي نطاق ذلك صدت جارتا إسرائيل مصر والأردن اللتان وقعتا على اتفاقَيْ سلام مع إسرائيل مخططات القاعدة وشركائها في الجهاد العالمي لتنفيذ عمليات إرهابية موجهة على إسرائيل من حدودهما. فقد رأت السلطات في هاتين الدولتين القاعدة وشركاءها عدوا لدودا وخطيرا على نظاميهما تنبغي محاربته بلا هوادة. وقد عاملت ناس هذه المنظمات في شدة وبذلك وفرت حماية لأهداف إسرائيلية في الدولتين وفي مقابل ذلك صدت تخطيطها للهجوم على إسرائيل من الحدود المشتركة بينهما. وعلى نحو مشابه عمل أعداء إسرائيل أيضاً: فقد منعت سوريا نشاط القاعدة في داخلها ووجهته إلى العراق؛ وضبطت حماس، وهي السيدة في قطاع غزة، بقدر كبير معظم نشاط منظمات الجهاد السلفية في القطاع ما عدا السماح بإطلاق عرضي لراجمات صواريخ وقذائف قسام صاروخية على جنوب إسرائيل أو توجيه نشاطها إلى شبه جزيرة سيناء. إن "حزام الحماية غير الطبيعي" هذا من قبل أعداء إسرائيل الذين حموها في حدودها قد نبع في الأساس من خشيتهم رداً عسكرياً إسرائيلياً شديداً عليهم رداًَ على النشاط الإرهابي الموجه على إسرائيل والذي قد يتصاعد ليصبح معركة عسكرية شاملة لا يريدونها. إن الزعزعة التي مرت على العالم العربي في السنتين الأخيرتين وعلى عدد من الدول المحاذية لإسرائيل قد أحدثت بالنسبة لإسرائيل محيطاً سياسياً أمنياً مختلفاً أقل استقراراً بل هو أخطر مما عرفته في العقود الثلاثة الأخيرة. أن هدف هذه المقالة حصر العناية في عرض صورة التهديد الذي يلوح على حدود إسرائيل من قبل القاعدة وشركائها، والفحص عن أنه هل تغير التهديد تغيراً جوهرياً وكيف يجب على إسرائيل أن تستعد لمواجهته؟. تهديد من الجنوب – القاعدة وشركاؤها في شبه جزيرة سيناء وفي قطاع غزة كان إسقاط نظام مبارك في مصر هدفاً استراتيجياً لمنظمة القاعدة وشوقاً شخصياً عند كثيرين من كبار مسؤوليها لسنوات طويلة ممن أصلهم مصري وعلى رأسهم زعيم المنظمة الحالي الدكتور أيمن الظواهري. وقد مكّن الفراغ في الحكم الذي نشأ في مصر نتاج سقوط مبارك إلى ان ثبت النظام الجديد برئاسة محمد مرسي، مكّن جهات الجهاد العالمي من استغلال الوضع الجديد للدفع قدماً بأهدافها. ومكّن هرب عناصرهم بل الإفراج عنهم من السجون حيث قضوا فترات سجن طويلة بسبب نشاطهم في الماضي، مكّن هذه المنظمات من تعزيز صفوفها بناس مخلصين ذوي تجربة عملياتية. وإلى ذلك ساعد الفراغ في الحكم في أنحاء سيناء مؤيدي الجهاد العالمي على تثبيت أقدامهم وتنظيم أنفسهم هناك مع استغلال عدم السيطرة الفعالة للسلطة المصرية في المنطقة، لمحاولة تأسيس حكم ذاتي هناك ذي طبيعة إسلامية شرعية. في السنوات 2004 – 2006 نُفذت في سيناء عمليات موجهة على أهداف سياحية في طابا ورأس الشيطان، وفي ذهب وفي شرم الشيخ على أيدي موالين للجهاد العالمي لكن العمليات المضادة العنيفة من قبل الجهات الأمنية المصرية في فترة نظام مبارك قمعت موجة الإرهاب بضع سنين؛ لكن على أثر الأحداث التي أفضت إلى إسقاط نظام مبارك، ظهرت في السنة الأخيرة عدة مجموعات تؤيد القاعدة والجهاد العالمي زادت نشاطها في سيناء بغرض فرض سلطتها على المنطقة وتحدي السيادة المصرية. 1- "أنصار بيت المقدس"، وهم الذين تُماهي ايديولوجيتهم وخطابتهم بل أهداف العمليات التي يختارونها ما للقاعدة. فعلى سبيل المثال زعمت المنظمة بتحملها المسؤولية عن عدة هجمات على أنبوب نقل الغاز من مصر إلى إسرائيل أنها تمت من اجل منع سلب الموارد الطبيعية التي أعطاها الله للمسلمين، والتي تُباع بأسعار زهيدة لأعداء الإسلام وفي مقدمتهم إسرائيل. ونذكر في هذا السياق انه ظهرت في الأفلام القصيرة التي كان فيها تحمل المنظمة للمسؤولية مقاطع امتدح فيها الظواهري الهجمات المكررة على أنبوب الغاز بل دعا حكومة مصر الجديدة إلى إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل وتطبيق أحكام الإسلام في مصر. ووعدت المنظمة بالعودة إلى تنفيذ عمليات كهذه في المستقبل أيضاً. ووعدت المنظمة في تحملها المسؤولية عن إطلاق صواريخ غراد على إيلات في شهر آب 2012 بأن تصيب قلب مدن إسرائيل وتستمر في قتال أعداء الله قتالاً لا هوادة فيه. بل إن المنظمة تحملت مسؤولية عن أفتك عمليتين نُفذتا على حدود مصر وإسرائيل: في آب 2011 في الشارع 40 المؤدي إلى إيلات حيث قتل ثمانية إسرائيليين، وفي الخامس من آب 2012 على حدود إسرائيل مع مصر حيث قتل 16 من حرس الحدود المصري، في حين قضى نشاط جنود الجيش الإسرائيلي بمساعدة مروحية على الخلية ومنع قتلا ودمارا في إسرائيل. وإلى ذلك كانت هذه المنظمة مسؤولة كما يبدو أيضاً عن عملية نُفذت في جبل حريف وقتل فيها جندي من الجيش الإسرائيلي في الواحد والعشرين من أيلول هذا العام. 2- "أنصار الجهاد" (يبدو أنها تماثل "الجبهة السلفية في شبه جزيرة سيناء")، أعلنت إنشاءها في العشرين من كانون الأول 2011 وأدت يمين الولاء للشيخ أيمن الظواهري زعيم المنظمة الجديد وهي تعِد بالاستمرار في نهج ابن لادن، الزعيم الذي اغتيل. وقد أعلن ناسها في الإعلان الأساسي أهداف نشاطهم وقالوا إنهم "يُقسمون أمام الله أن يفعلوا كل ما يستطيعون لمحاربة السلطة الفاسدة لليهود والأمريكيين وشركائهم". ووعدوا بتحقيق وعد أسامة بن لادن الذي قال: إن أمريكا وأولئك الذين يسكنون أمريكا لن يتمتعوا أبداً بالأمن ما لم توجد فلسطين وقبل أن تخرج جيوش الكافرين من أرض محمد". وإن كثيرين من نشطاء المنظمة هم سجناء مصريون سابقون كانوا ينتمون إلى الجهاد الإسلامي المصري (جماعة أيمن الظواهري في مصر)، وانضموا بعد الإفراج عنهم إلى المنظمة الجديدة بنية الدفع قدما برؤياهم المشتركة بينهم وبين القاعدة ألا وهي إنشاء خلافة إسلامية في مصر. 3- "التوحيد والجهاد" في سيناء، وهي المنظمة القديمة في سيناء التي تماهي هي أيضاً تصور القاعدة العام. وقد انشأ المنظمة طبيب أسنان بدوي من قبيلة السواخرة، سكن في منطقة العريش في شمال سيناء وقتل في سنة 2006 في تبادل إطلاق نار مع قوات مصرية بسبب زعم المصريين أن المنظمة كانت مشاركة في الهجمات الإرهابية على السياح ما بين السنتين 2004 – 2006. وأعلنت في تصريح نشرته مؤخراُ أن "مصر وجبل سيناء دخلا في مرحلة جديدة سيكونان فيها – بإذن الله – المركز في مواجهة أعداء الله: اليهود وشركائهم". 4- "مجلس شورى المجاهدين في القدس الكبرى"، وهي من المنظمات الفلسطينية الغزية الأشد نشاطاً في سيناء في الفترة الأخيرة. وهذه المنظمة هي المنظمة السقف لعدد من المنظمات الفلسطينية السلفية أبرزها "التوحيد والجهاد" الفلسطينية وتعمل إلى جانبها منظمة سلفية غزية أقل شهرة اسمها "أنصار السنة". إن مجلس شورى المجاهدين في القدس هو الذي تحمل المسؤولية عن العملية التي نفذت في منطقة بير ملكا في الثامن عشر من حزيران وقتل فيها سعيد فشافشة، وهو عامل إسرائيلي عربي كان يعمل في بناء الجدار الأمني على الحدود مع مصر. وقد نفذت العملية خلية مخربين اجتازت الحدود من مصر وبثت ألغاماً وكمنت لسيارات إسرائيلية تمر في الشارع، وفي الفيلم القصير الذي نشرته بعد العملية بشهر أهدت المنظمة الهجوم "هدية لأخوتنا في القاعدة وللشيخ الظواهري"، ورداً على اغتيال ابن لادن. وقد عُرض في معظم مشاهد هذا الفيلم القصير في الخلف علم القاعدة وواحد من المخربين الذين كانوا من أصول مصرية وسعودية وهو يتجه مباشرة إلى الظواهري ويقول إن المنظمة مستمرة في الالتزام والإيمان بـ "طريق الجهاد". وذُكر في الفيلم القصير أيضاً أن المنظمة لا تعترف بالحدود الدولية بل بـ "حدود الله" فقط. وفي فيلم قصير نشرته المنظمة قبل ذلك أعلنت أنها تشارك القاعدة في هدف إنشاء خلافة إسلامية. وتحملت هذه المنظمة أيضاً مسؤولية عن إطلاق قذائف صاروخية من غزة على مدن الجنوب في الأسبوع الثاني من أيلول وكان ذلك كما قالت انتقاماً لاغتيال طائرات سلاح الجو ستة نشطاء رداً على إطلاق نار سابق نفذه رجالها. يوجد في غزة مع هذه المنظمات منظمات سلفية قديمة تعمل من هناك مباشرة ضد إسرائيل وتستعمل سيناء أيضاً في نشاطها بغرض الالتفاف على القيود التي تفرضها إسرائيل عليها في عملها المضاد وللامتناع عن توريط حماس في رد إسرائيلي على غزة. ويحسن أن نذكر من هذه المنظمات خصوصاً "جيش الإسلام" الذي أنشأه في سنة 2006 ممتاز دغمش بعد أن انشق عن "لجان المقاومة الشعبية"، وهو نشيط جداً في إطلاق القذائف الصاروخية والهجمات على إسرائيل ومن ذلك مشاركته في اختطاف جلعاد شليط. وتجاوز نشاط المنظمة أيضاً سيناء فأرسلت نشطاء منها للقتال في سوريا – وهذه حقيقة كُشفت على الملأ حينما قتل أحد رجالها في المعارك. وتبرز إلى جانبها منظمة "لجان المقاومة الشعبية" التي يعمل عناصرها على جانبي الحدود ولهم علاقات قوية بجهات من الجهاد العالمي في سيناء. وارتبط اسم المنظمة مباشرة بعدة عمليات نفذت على حدود مصر كالعملية في 18 آب 2011 التي قتل فيها ثمانية إسرائيليين، والعملية التي قتل فيها رجال حرس الحدود المصري في آب هذا العام. ويمكن ان نجد شهادة على هذا النشاط في طلب المصريين أنفسهم إلى حماس ان تُسلمهم مسؤولين كبارا من المنظمة بشبهة مشاركتهم في قتل جنودهم. تهديد من الشمال – القاعدة وشركاؤها في سوريا ولبنان في خلال المعركة التي حدثت في العراق على أثر هجوم الولايات المتحدة وشريكاتها، اختار الرئيس السوري بشار الأسد مساعدة منظمة القاعدة وشركائها على الوصول إلى العراق لقتال قوات التحالف. واستُخدمت سوريا ميداناً رئيساً تم فيه استيعاب وإرشاد وتدريب المئات من المتطوعين الذين اعتُبروا في معسكر الجهاد العالمي. فانتقلوا إلى العراق للانضمام إلى الجهاد الذي أعلنته القاعدة على القوات الأجنبية وشركائها المحليين. وعلى الرغم من أن نظام حكم بشار الأسد حمل جميع علامات النظام الكافر كما عرّفتها القاعدة – يجب أن يُقاتَل قتالاً لا هوادة فيه لإحلال نظام إسلامي شرعي محله – تعاونت معه المنظمة بل تمتعت بمساعدته وتأييده. وبهذا أجلت القاعدة المواجهة الحتمية مع النظام العلوي السوري إلى أن يحين وقت مناسب. لكن مع تصاعد المواجهات العنيفة في سوريا بين النظام السوري وجماعات المتمردين، تغيرت سياسة القاعدة فيما يتعلق بمستقبل سوريا. ان الظواهري، الذي لم يُخف قط تصوره الأساسي لدور سوريا المركزي في حلمه الذي هو إنشاء الخلافة الإسلامية في المنطقة عبر عن هذا الموقف في عدة فرص في الماضي: ففي رسالة أرسلها في سنة 2006 إلى أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقاتل في العراق شبه الظواهري المعركة لجعل الإسلام يحكم المنطقة العربية بعصفور جناحاه مصر وسوريا وقلبه فلسطين؛ وفي شريط فيديو مسجل نشره في تموز 2011 تحدث الظواهري – لأول مرة باعتباره زعيم القاعدة – معارضاً النظام السوري ودعا المتمردين إلى قتال الأسد لأنه تعاون مع الأمريكيين، وعمل حارساً لحدود إسرائيل و"باع" أراضي الجولان. وقضى الظواهري بأن النضال لإسقاط الأسد جزء من معركة إقليمية أوسع مع الولايات المتحدة وإسرائيل؛ وفي شريط مسجل آخر نشره على أثر تصعيد المعركة في سوريا تحت عنوان "إلى الأمام يا أُسود الشام"، أعلن الظواهري أن سوريا ميدان جهاد مركزي، ودعا المسلمين من أنحاء العالم إلى المجيء إليها لمساعدة المجاهدين المحليين في المعركة لتنحية "القاتل ابن القاتل" الذي ذبح المسلمين – إلى أن يسقط النظام، ودعا إلى إنشاء دولة تدافع عن سائر الدول المسلمة وتطمح إلى تحرير الجولان وتتابع الجهاد إلى أن ترتفع راية النصر فوق تلال القدس المحتلة؛ وفي النهاية وفي الذكرى السنوية الحادية عشرة للهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة، نشر الظواهري شريطاً آخر عاد وصرح فيه عن تأييد منظمته للجهاد في سوريا، ومحاولة إنشاء دولة مسلمة باعتباره مساراً أساسياً في الطريق إلى القدس. وعلى حسب ما قال في الشريط، تمنح الولايات المتحدة نظام البعث العلماني فرصا أخرى مكررة خشية أن تصبح الحكومة التي ستنشأ في سوريا تهديداً لإسرائيل. في استجابة لدعوة الظواهري في شباط 2012 وصل إلى سوريا نشطاء يعتبرون في رجال "القاعدة في العراق" يعملون تحت اسم "جبهة النُصرة"، ويعتبرون اليوم أقوى منظمة في المعركة. ويقوم هؤلاء النشطاء بأعمال منظمة تعتمد على القدرة والتجربة العسكريتين اللتين جمعوهما في أثناء سنوات القتال في العراق ويبدو أنهم هم المسؤولون عن معظم الهجمات الجريئة القاتلة بصورة مميزة التي نُفذت في سوريا في الأشهر الأخيرة وفي مقدمتها العمليات الانتحارية. ويوجد إلى جانبها نشاط متفرق أقل تنظيماً لعناصر من الجهاد العالمي من اليمن والعربية السعودية وليبيا والأردن وغزة جاءوا إلى سوريا بصورة مستقلة من غير الانتماء إلى مجموعة ما، وانضموا إلى نشاط جيش سوريا الحر. ويراوح عدد المقاتلين الذين يعتبرون من نشطاء الجهاد العالمي بحسب تقديرات مختلفة بين بضع مئات وبضعة آلاف. ويثير وجود نشطاء الجهاد العالمي في سوريا بين كثيرين في سوريا ومنهم المقاتلون من المعارضة السورية، الخوف من وقف الدعم الغربي وفقدان نضالهم شرعيته. وسيثبت المستقبل هل يفضي القتال المشترك إلى تعاون بين الجهات المقاتلة في المستقبل أم يكون توتر وصراع بين الأطراف إذا سقط نظام الحكم. في لبنان أيضاً وجود لنشطاء الجهاد العالمي لكن نشاطهم الموجه ضد إسرائيل كان محدوداً في السنوات الأخيرة وانحصر أساساً في إطلاق عرضي لصواريخ على حدودها الشمالية. تهديد محتمل من الشرق – عناصر سلفية في الأردن اضطر النظام الهاشمي في الأردن إلى أن يواجه في السنين الأخيرة تأثيرات المعركة الجارية في العراق منذ أُزيل صدام حسين عن الحكم، وإلى أن يواجه في السنة ونصف السنة الأخيرتين أيضاً الأمواج الارتدادية النابعة من الزعزعة في الدول العربية. على الرغم من عمليات معدودة نفذت من داخل الأردن على أهداف إسرائيلية كان الأردن – منذ كان التوقيع على اتفاق السلام بينه وبين إسرائيل – جهة مهمة مركزية في إفشال النشاط الإرهابي من قبل القاعدة وشركائها وعلى رأسهم الزرقاوي، الموجه على أهداف إسرائيلية في داخله، ومن حدوده نحو إسرائيل. ويضطر الأردن اليوم إلى مواجهة مظاهر عدم الهدوء الداخلي الذي يسود المملكة وتعبر عنه مظاهرات احتجاج تُرفع فيها أعلام القاعدة وتوزع منشورات تفصل مطالب السلفية – الجهادية من النظام، وتُسمع دعوات إلى إنشاء خلافة إسلامية وتطبيق الشريعة قانونا للدولة، إلى جانب تصريحات تأييد لـ(أبو) محمد المقدسي (وهو من كبار إيديولوجيي الجهاد العالمي وهو الأب الروحي للزرقاوي). وتم قمع هذه الظواهر في الماضي قمعاً شديداً وبسرعة على يد النظام، وسُجن فوراً من تجرأ على إسماعها علناً. واليوم، بسبب تأثيرات أحداث الربيع العربي، وازدياد قوة جهات المعارضة والجرأة التي تميز نشاط الأحزاب الإسلامية، يحذر الملك من اتخاذ خطوات قمع متسرعة ويضطر إلى تنفيذ تغييرات سياسية في حكومته والامتناع عن خطوات اقتصادية شديدة كي لا يُهيج النفوس أكثر. وقد نجح الملك عبد الله إلى الآن في الاحتيال على جهات المعارضة ومنع تدهور الوضع الأمني الداخلي لكن من الممكن إذا سقط النظام السوري أن يضطر إلى مواجهة نتائج هذا الأمر في داخل حدود المملكة ومنه نشاط عنيف من قبل جهات معارضة سلفية جهادية قد تحاول توجيه نشاطها على إسرائيل أيضاً. يمكن أن نُقدر أن تستمر أجهزة الأمن في الأردن في هذه المرحلة في كونها حاجزا لمحاولات المس بإسرائيل لكن تحديها قد يصبح أقسى مما واجهته بنجاح حتى الآن. الخلاصة يبدو أن زيادة نشاط جهات الجهاد العالمي ومنظمات الإرهاب السلفية – الجهادية في داخل الدول المحاذية لإسرائيل، وفي منطقة سيناء في مصر، وفي سوريا، وربما في لبنان والأردن في المستقبل أيضاً، تُعرض إسرائيل لتهديد حقيقي هو زيادة قوة الإرهاب على الحدود المشتركة معها. ومن المهم أن نؤكد أن هذا التهديد ليس خطراً وجودياً على إسرائيل لكن يُتوقع أن يصبح تحدياً سياسياً وأمنياً مربكاً لقادة الدولة. ولا ينبع هذا التحدي من قدرة عسكرية – إرهابية غير عادية للأعداء، لكن بسبب كثرة الجبهات وبسبب شكل نشاط عناصر الجهاد العالمي التظاهري القاسي، وهم الذين يتجاهلون اعتبارات ضابطة تميز على نحو عام منظمات تأوي إلى كنف دول مؤيدة وتخضع لقيودها. إن عدم الضوابط هذا يحمل إمكانية احتكاك وتصعيد في العلاقات بين إسرائيل وجاراتها في حين أن هدف نشاط المنظمات، علاوة على المس بإسرائيل، هو جعل العلاقات تتدهور وتصعيدها إلى حد مواجهة مسلحة بين الطرفين. وبسبب ذلك يجب على إسرائيل ان تستعد لنشاط إرهابي قد يشتمل على هجمات خلايا تنوي أن تنفذ قتلا جماعيا بوسائل مختلفة ومنها: أ – إطلاق صواريخ لإسقاط طائرات مدنية (من سيناء خاصة)؛ ب – محاولات إصابة بالصواريخ لفنادق في إيلات أو في الشمال؛ ج – محاولات دخول إلى بلدات مدنية من أجل تنفيذ قتل جماعي لسكانها. لا حاجة في هذه المرحلة إلى استعداد خاص في المنطقة الشرقية. ومع ذلك فان الوضع غير المستقر في المملكة الهاشمية يقتضي استعدادا لتغير استقرارها – إذا حدث في المستقبل – وتعزيز متابعة ما يجري وتوثيق التعاون الأمني الحالي. وليس الأمر كذلك في الجبهتين الجنوبية والشمالية: تجري في هذه المرحلة في الحقيقة في مصر جهود من قبل الرئيس مرسي وقوات الأمن المصرية لكف نشاط عناصر الجهاد العالمي في سيناء وقد تم التعبير عن ذلك في عملية "سيناء" (التي أسمتها وسائل الإعلام عملية "نسر")، وكانت ردا على عملية في آب الأخير قُتل فيها 16 من رجال حرس الحدود المصريين وشملت نقل جنود ودبابات ومروحيات ومحاولة الحديث مع ممثلي البدو ومنظمات سلفية، لكن برغم تلك الجهود لمحاولة صد موجة الإرهاب في سيناء، يشير الهجوم الذي نفذه بدو محليون في 14 أيلول على قاعدة القوة المتعددة الجنسيات التي تبعد 15 كم عن الحدود مع إسرائيل، والعملية في جبل حريف التي نُفذت في 21 أيلول على حدود مصر وقُتل فيها جندي من الجيش الإسرائيلي، إلى ضعف سيطرتهم وإلى الصعوبات التي تواجههم في فرض السيادة المصرية هناك. ويبدو أن علاجاً جذرياً لمشكلة الإرهاب في سيناء يقتضي إنفاق موارد مالية كبيرة على السكان وعلى البنية التحتية للسكان البدو الذين أُهملوا سنين كثيرة. وفي المقابل يُحتاج إلى بناء قاعدة استخبارية فعالة واستعمال نشاط عملياتي طويل متتابع من قوات خاصة مدربة كي تكف زخم منظمات الجهاد العالمي العاملة في سيناء. وعلى كل حال يبدو أن إسرائيل ستضطر إلى أن يتم تنفيذ هذا النشاط، إلى مواجهة محاولات عمليات أخرى بل عمليات تصعيدية على الرغم من النشاط المصري الذي وصف آنفاً. وعلى ذلك يجب أن تكون سياسة إسرائيل لكف عمليات العناصر الإرهابية في سيناء وغزة حازمة صارمة تُبين لحماس وللمصريين أيضاً أن إسرائيل لن تتحمل استمرار أنشطة إرهابية من سيناء وسترد مباشرة على المخططين له في كل مكان تعلم وجودهم واستعدادهم فيه لتنفيذ عمليات قبل أن تُنفذ بالفعل. ومن الضروري أن تُبين إسرائيل لحماس أنها فضلاً عن مسؤوليتها عن منع الإرهاب من قبل قطاع غزة، تراها أيضاً عنواناً مسؤولاً عن جملة النشاط الإرهابي الذي تنفذه منظمات من القطاع موجهاً ضدها حتى لو كان يُنفذ من سيناء، وأن هذه الأعمال سيُرد عليها في قطاع غزة. وفي المقابل يجب على إسرائيل أن تتعاون مع مصر وأن تشجعها على العمل في نجاعة وتصميم في مواجهة منظمات الإرهاب السلفية المصرية والغزية التي تعمل من سيناء. ومن الجيد كذلك الإشارة إلى المصلحة المشتركة بين مصر وإسرائيل في مقابل حماس وجوهرها حفظ السيادة المصرية ومنع تصعيد في الجنوب يتوقع أن يحدث إذا استمر الإرهاب المباشر والإرهاب غير المباشر من قطاع غزة عن طريق سيناء. وفي الجبهة الشمالية لا يزال الغموض يلف نهاية المواجهة العنيفة في سوريا – فهل سيبقى النظام الحالي، وماذا ستكون هوية الجهة الحاكمة التالية، وكيف سيكون مبلغ سيطرتها على الدولة. ومن غير المعلوم كذلك تأثير الأحداث في سوريا على جارتها لبنان وصورة صراعات القوة في لبنان نتاج ذلك. ومع ذلك يبدو أنه على الرغم من الغموض فإن الخطر الذي تتعرض له إسرائيل لنشاط عناصر الجهاد العالمي – الموجودة اليوم في سوريا وتنحصر عنايتها في النضال لإسقاط حكم الأسد – قد أصبح موجوداً الآن في وقت يحاول بعضهم فيه انتهاز الفرص لغياب جهات أمنية سورية فعالة، تكف نشاطها الموجه ضد أهداف إسرائيلية. وقد يصبح الوضع أكثر سوءاً إذا سقط النظام السوري أو إذا نشأ في سوريا فراغ طويل في الحكم. في المقابل يجب على إسرائيل أن تستعد استعداداً دفاعياً وفقاً للخطر الذي أخذ ينشأ الآن على الحدود السورية وربما في لبنان أيضاً. ويجب حدوث رد في سوريا من أجل إصابة مركزة لعناصر الجهاد العالمي وأن يُطلب إلى النظام السوري ان يحقق سيادته ما بقيت موجودة، أما في لبنان فإن حكومة لبنان على اختلاف مركباتها هي عنوان الرد. يبدو في هذه الأيام أن ما كان يُرى في الماضي سيناريو مظلما ضئيل الاحتمال تكون فيه القاعدة والجهاد العالمي تهديدا مباشراً لإسرائيل من حدودها قد أخذ يتكون أمام أعيننا ليصبح واقعاً. والسؤال هل سيكون هذا المسار مصحوباً بدعوة رسمية معلنة من زعيم القاعدة الظواهري إلى مؤيديه – ليأتوا وليحاربوا إسرائيل؟ وماذا سيكون تأثير هذا الإجراء من قبله في مقدار الخطر على إسرائيل؟. يكمن جواب ذلك بقدر كبير في تصميم جارات إسرائيل على منعهم من العمل في أراضيها وفي قدرة إسرائيل بالطبع على كف نشاطهم من غير أن تتدهور العلاقات مع جاراتها وإلى خوض مواجهة عسكرية أو قطيعة سياسية. |
||||||