دور الشباب... في بناء مستقبل الحركة الإسلامية

السنة الثانية عشر ـ العدد 134  ـ ( صفر ـ ربيع الأول  1434  هـ ) كانون الثاني 2013 م)

بقلم: الشيخ د. جمال الدين شبيب(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

إنّنا نتطلّع إلى يوم تسود فيه بين المسلمين قاعدة" أنا مسلم إذن أنا متحضّر". عندما يصبح الإنسان المسلم بحّد ذاته مشروعاً حضاريًا ساري المفعول!.. وقد رأينا المسلمين في العصور السالفة يطبّقون هذه القاعدة الذهبية فيقيمون تجمّعاً حضارياً في ظّل دولة بني أمية في الشام، وبني العباس في بغداد، وفي ظل الدولة الإسلامية في الأندلس..حيث الحضارة الإسلامية الزاهرة تتفتح في جميع نواحي الحياة فكرية ونظرية وتطبيقية!.

إنّ الحضارة الإسلامية تمثّل خلاصة لجميع ما سبقها من الحضارات وزيادة. وقامت هذه الحضارة على يد المؤمنين الذين كانوا يمثّلون خليطا ًذهبيا ًمن الأجناس والأعراق . أقاموا تجمّعهم على أرض معيّنة، في زمن معلوم يطبّقون على أنفسهم ومجتمعهم تصوّراتهم ومفاهيمهم محقّقين التفاعل الحضاري مع البيئة والأكوان.

هذه القاعدة تمثّل اليوم تحدياً ذاتياً للمسلمين، وخصوصاً الشباب وهم مستقبل الأمة وأملها الواعد... إذ كيف يمكن أن نؤثر في العالم، وديننا يواجه أخطر تحّد في تاريخه، ويوصم أهله بالإرهاب، ومجتمعه مهدّد من الداخل قبل الخارج. بالسبل المضللة والجماعات الفرّقة.

إنّ دور الشباب في بناء المجتمع الإسلامي وصياغة الغد المنشود هو دور هام لا ينكره ويجحده إلاّ مكابر أو جاهل لقد حالف نبينا (عليه الصلاة والسلام) الشباب وخذله "الشيوخ". وأخطر ما يهدّد الدعوة اليوم هم "شيوخ التخلف" ومرجفو السلاطين وأكبر مصيبة للأمة اليوم هي مصيبتها في قادتها وزعمائها وأهل "الحل والعقد" منها.

يقول أرنولد توينبي: إنّه لا بد لكلّ جماعة إنسانية من صفوة قائدة لكي تتقدّم وتتحسّن أحوالها. ولا يتمّ تقدّم الجماعة إذا عدمتها، فكأنّها خميرة التقدّم والنهوض". وهذه الصفوة المنشودة هي طليعة الأمّة شبابها وقادتها أليس لافتاً أن يختار النبي(ص) لبعث الشام ذلك الشاب أسامة بن زيد في جيش فيه كبار صحابته صلى الله عليه وآله وصحبه. وعندما امتدح ربّنا عزّ وجل أهل الكهف نعتهم بقوله:﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً﴾(الكهف: من الآية 13).

إنّ حركتنا الإسلامية أحوج ما تكون إلى قيادات تجدّد شبابها وتستنير بعقول الحكماء من شيوخ الدعوة فيها. وإنّ أخطر تحدّ يواجه أمّتنا هو شيخوختها المبكّرة، بحيث أصبحت المجتمعات الإسلامية والحركات الإسلامية حبيسة التخلّف والجمود والعقم القيادي. ومن المعلوم والمشاهد أنّ الحركات والمجتمعات إنّما تهرم بهرم قادتها عندما يعجزون عن أداء دورهم الطليعي في خط الصراع الحضاري والفكري والعلم، فيتقوقعون على أنفسهم ويغلقون على حركاتهم أبواب التطوير والتجديد. بحجّة أنّ ما يرونه هم هو الصحيح  والصواب بعينه، الذي لا يحتمل الخطأ. وكل رأي بعد رأيهم سقيم لا يخلو من شوائب تشوبه!!.. وإن ّمن الواجب على الجميع أن يرى ما يرونه هم من خلال نظرتهم حتى ولو كانت القاصرة ما داموا في موقع السلطة ويملكون القرار.. تماما ًكما قال فرعون لبني إسرائيل قبل مئات السنين ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾(غافر: من الآية 29).

إن شباب ّالحركة الإسلامية مدعوون اليوم للتمرّد على هذه الدكتاتورية والنظرة الفرعونية للقيادة لتتمكّن الأمّة من خلالهم استئناف مسيرتها في طريق الدفع الحضاري والتجديد.. من واجبهم إزاحة القادة الجامدين متحجّري القلوب عن مواقع القرار لتنطلق حركاتهم في خط المجابهة والتغيير.

وبالمناسبة فإنّ العقلية الجامدة لبعض القيادات أرهقت الحركات الإسلامية وورّطتها في مزالق خطيرة تتنافى ومنظومة القيم والحركات التي عمل النبي(ص) وخلفاؤه الراشدون على العمل بها والسير بأفراد المجتمع الواحد والأمة على وتيرتها. إن معاداة الانفتاح والتقوقع حول الذات وتحويل الحركة إلى مجموعة من بليدي الذهن وسيّئي التفكير ودعاة التنفير من شأنه أن يعرقل مسيرة العمل الإسلامي ويدمّرها من الداخل.

نحن لسنا بحاجة لقادة لا يعرفون زمانهم ولا يعيشونه، نحن لسنا بحاجةٍ لقادة منظّرين ومنفّرين ولا يعرفون قيمة ما تكتنزه حريتهم من كفاءات شابّة قادرة على الفعل والحركة والتأثير في الواقع وصياغة المستقبل.

أقول لإخواني قادة وقاعدة علينا جميعاً أن نتحمّل مسؤوليّاتنا وأن نقف عندها ورحم الله رجلاً عرف زمانه واستقامت طريقته. علينا جميعاً أن نرتفع إلى مستوى هذا الدين عقيدة وقولاً وممارسة. وإنما نرتفع جميعاً بقدر إخلاصنا لله تعالى وحرصنا على إدراك ما حولنا والإستفادة منه في طريق دعوتنا . ونقلع عن تخلّفنا وعقمنا وتهافتنا وافتئاتنا على أهل الحق.

إنّ الحضارة ليست كلمة تقال بل ممارسة اختيار واختبار ولا يمكننا أن نحكم على ما يؤخذ منها  وما يترك إلا ّإذا سيطرنا عليها بالمعرفة والخبرة ..ومنهما نستمد سلطان الاختيار!..

من هنا لا بدّ لنا من إعطاء زمام قيادتنا لقيادات شرعية متجدّدة تجمع بين الأصالة والمعاصرة وتتقن لغة القوم الذين نصطرع معهم حضارياً ولا بد ّمن تخريج وتدريب هذه الطلائع وتأهيلها لتمارس القيادة الفعلية لتقوم بدورها في خط المجابهة والمواجهة.

إن تطوير وإعداد وتأهيل الكفاءات القيادية الشبابية في الحركة الإسلامية وتجديدها مسؤولية شرعيّة، إنّ تطبيق قاعدة أنا مسلم إذن أنا متحضّر يجب أن يبدأ من ذات كل مسلم فيراقب قوله وفعله وممارسته في الحياة .وبالذات أبناء العمل الإسلامي والحركات الإسلامية..

واجب الشباب المسلم  والحركة الإسلامية العمل معاً بصبر ودأب على"تحضير" النخب القيادية في صفوفها لتكون طليعة القيادة المستقبلية نحو استئناف الحياة الإسلامية الراشدة من خلال تطوير المفاهيم القيادية والحركية.

إنّ المدد الشبابي يرفد الحركات الإسلامية دائماً بعناصر ممتازة تمتلك الكفاءة، ولا بدّ من أن نسمح لهذه الكفاءات بأن تمارس دورها في تحريك عجلة القيادة في ظلّ مواكبتنا لها وإرشادنا وتوجيهنا المستمر، لتتمكن من تجاوز المنعطفات الصعبة والسير في الطرق الوعرة وتتجنب المسالك المقفلة. يجب أن يأخذ الشباب دوراً فعلياً في صياغة المستقبل..

رئيس الهيئة الإسلامية للإعلام(*)

اعلى الصفحة