|
|||||||
|
نحن مضطرون دوماً للحديث عن جدوى المقاومة ضد العدو، لأن من نتوجه بالحديث إليهم هم أهلنا ومن أبناء جلدتنا، وهم عزيزون علينا، ولأننا منهم وهم منا فنحن حريصون عليهم أن تضلَّ بهم الطريق، وأن يرتدوا على أعقابهم فينقلبوا خاسرين. نحن ندرك أن الدعاية والإعلام المشبوه بما يمتلك من قدرات وتقنيات، وبما أصبح لديه من وسائل مساعدة قادرٌ على التأثير على العقول والقناعات، وعلى الذهاب بالألباب إلى حيث يطيش بها الحال فتختلط عليها الأمور حتى تقع في الحيرة، أو تصل إلى حد إتهام النفس والشك بها، ويأتيها السؤال من داخلها أو من خارجها: هل من المعقول أنّ كل هؤلاء من محللين سياسيين ومعلقين وحملة دكتوراه وخبراء استراتيجيين وسياسيين خاطئون في طروحاتهم وآرائهم وما يدعون إليه، وهم يُنَظِّرون للتسويات والحلول السلمّية، والدبلوماسية، والسياسية، أو هم يدعون إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المنظمات الدولية والإقليمية من أجل استعادة الحقوق السليبة واسترداد الأراضي المحتلة، هل هم خاطئون؟ وأَنَّ دعاة المقاومة والممانعة ورفض التسويات المذلة يصيبون في ما يدعون إليه؟. كما أننا ندرك أيضاً أن الحروب اليوم لا تبدأ بالقذائف والرصاص، بل إن الحروب تنتهي بالقذائف والرصاص والنار، وبداياتها تكون بالإشاعة والأكذوبة والنفاق والجدل والتزييف. وما يسمى حرب الكلمة التي تمهد الأرضية للخطوة الأخيرة إن اقتضى الأمر، وهي نيران الحمم والقذائف. إن أمتنا أمة الجهاد والإعداد، فأما أنها أمة الجهاد فدليله قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين﴾ (البقرة:190/191). ولقوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾(الحج: 78). وإما أنها أمة الإعداد فلقوله عز وجل: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾(لأنفال:60). ومع ذلك فإن من أبناء الأمة من أصبحوا يؤثرون حياة الدِعة والخضوع ويقبلون المذلة والمهانة، ويرضون أن تكون السبيل عليهم وعلى أمتهم للذين كفروا، ورضوا بأن يكونوا كالدمى في أيديهم، وأن يصوغوا لهم قناعاتهم، فإذا قال لهم أولياء أمورهم إن اليهود أصدقاءكم، صدقوهم وأعرضوا عن قول الله تعالى في محكم كتابه: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾(المائدة: 82). وإذا قال لهم أولياء نعمتهم (وهم أعداؤهم) إن بعض المسلمين هم أعداؤكم الأساسين، ساروا في ركب الفتنة، وقاتلوا أبناء شهادة التوحيد، ونسوا قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾. بعض الناس قد ينحرفون عن الصراط ليس عن سوء نية، وإنما بسبب التضليل الذي يُمارس عليهم، ولكن وبالتأكيد فإن أولئك الذين ذكرناهم من الذين يعملون على تضليل أبناء الأمة ويدفعونها للسير في طرقٍ غير طريق العزة والكرامة، وفي طريق ذات الشوكة، فهؤلاء حتماً هم خونة ومأجورون باعوا دينهم بدنيا مَنَّ بها عَليهم أعداؤهم، طمعاً بمالٍ أو منصبٍ أو شهرةٍ أو سلطة يطمحون إليها. كيف نحكمُ على هؤلاء الناس بالخيانة؟ وهل الأمر مجرد إدعاء وتحكُّم وإتباع هوىً؟! كلاَّ، إنه ليس كذلك أبداً، وإنما هو عودة إلى الله وكتابه ورسوله (ص) وعملاً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودا﴾(النساء: 59/61). إن الذين يضلون الأمة ويحرفونها عن المسار الصحيح إنما هم الذين يصدون عن كتاب الله وسنة نبيه (ص)، لأنهم يوجهون الأمة باتجاه غير ذات الشوكة التي يريدها الله للأمة: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾(الأنفال:7). إن طريق الضعف والهوان ليست هي الطريق التي اختارها الله تعالى للمسلمين، بل اختار لهم طريق القوة والمنعة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(المائدة:54). لذلك نهاهم عن الطريق التي تؤدي إلى ضعفهم وفشلهم فقال: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾(الأنفال:46). والله سبحانه وتعالى يريدنا أقوياء لا لنعتدي على أحد أو نظلم أحداً، بل لنرد الظلم والعدوان عن أنفسنا، وعن كل ضعيف تعرض لظلم أو عدوان أو اغتصب حقه، والآيات الناهية عن العدوان كثيرة في كتاب الله ويختصرها قوله عز وجل: ﴿وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. وأما القتال دفاعاً عن المستضعفين ففي قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً﴾(النساء:75). فإذا كانت هذه هي أوامر الكتاب المبين التي أمرنا أن نعود إليها عند الاختلاف، فهل تقوم لأولئك المفرطين في حق أمتهم حجة في وجه من أعّد واستعد وقاتل أعداء الله وأعداء الإنسانية جمعاء. نكبة فلسطين سمّيت نكبة لأن العرب جميعاً نكبوا فيها بضياع فلسطين أرضاً وبتشريد أهلها منها وبوقوعها تحت سلطة اليهود المدعومين من مختلف أمم الأرض في اغتصابهم لفلسطين، لم تكن يومها للعرب قوة يصدون بها عدوان اليهود كما قيل، والأصح أنه لم يكن لدى قياداتهم إرادة، فقد كانت تلك القيادات صنيعة الاستعمار الغربي، وكان أصحاب العروش المهترئة يخافون على عروشهم من غضب الغرب الاستعماري الذي أنشأ لهم تلك العروش على دول رسم لهم حدودها وفق ما تقتضيه مصالحه، وكان واقع الشعوب واقعاً سيئاً فلم تنفع محاولاتهم التصدي لليهود لأنه لم يكن لديهم القدرة على مواجهة قوتهم وقوة تنظيمهم. ضاعت فلسطين عام 1948 وتبعتها بقية أجزائها عام 1967 وولدت منظمة التحرير الفلسطينية وولدت بقية الفصائل التي آلت على نفسها القتال من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر، ولكن وقوع المنظمة تحت تأثير الدول العربية وحكامها أدى بها في نهاية المطاف إلى الرضى بأي سلطة على شبر من أرض فلسطين، وكان احتلال لبنان من قِبل العدو الصهيوني نقطة تحول في مسار الصراع. أعلن بعض الفلسطينيين اليأس من الكفاح وأصيب آخرون بالإحباط، وفي هذا الوقت ولدت المقاومة الإسلامية في لبنان، وواجهت العدو الإسرائيلي في جهاد وقتال لم يعهده من قبل وحققت عليها فوزاً في النقاط منذ انطلاقتها مما حول احتلالها لقسم من لبنان إلى كابوس انتهى بانسحابها عام 2000 دون قيد أو شرط، لقد أعادت المقاومة الإسلامية إلى شعب فلسطين حماسته وحيويته في مواجهة العدوان والاحتلال، وقامت الانتفاضات الأولى والثانية، وولدت حركة حماس من رحم هذا الجهاد المبارك. وانتهى الأمر إلى انسحاب إسرائيل من غزة دون قيد أو شرط تحت ضربات المقاومين من أطفال الحجارة إلى الاستشهاديين. سحب العرب أيديهم من القضية الفلسطينية, ووقعوا معاهدات الصلح مع اليهود، وكذلك فعلت السلطة الفلسطينية، وهي سلطة صورية لا حول لها ولا طول تعيش بفعل إرادة إسرائيل لها بالبقاء لتكون لها عوناً ضد شعب فلسطين وإذا كان الشهيد أبو عمار بارعاً في المناورة مع العدو الإسرائيلي وكان يريد للمقاومة أن تستمر وكان يسهل لها ذلك ما استطاع فإن سلطة محمود عباس مالأت الإسرائيليين إلى أبعد حدود. وكذلك برزت حركة الجهاد الإسلامي وشكلت مع حماس والقيادة العامة - الجبهة الشعبية وبقية المنظمات الفلسطينية أملاً جديداً في مواجهة العدو بالمقاومة المسلحة، لاسيما بعد أن فشلت كل المفاوضات والتسويات في دفع إسرائيل إلى التنازل عن أبسط الحقوق للفلسطينيين. لم تجد الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية القيادة العامة من العرب من يقف إلى جانبها ويقدم لها الدعم المادي والمعنوي، فتصدت إيران للقيام بهذا الدور وقدمت كل دعم ممكن مادياً ومعنوياً، ومن الدعم الذي قدمته للفلسطينيين المال والسلاح والتدريب، وتولت بالتعاون مع كل من سوريا وحزب الله وبعض الجهات الأخرى مسؤولية إيصال هذا الدعم إلى داخل الأراضي المحتلة، مع ما في ذلك من مخاطر وما يقف في وجهه من عقبات. في الوقت الذي كانت فيه إيران تقدم للفلسطينيين كل الدعم والتأييد كانت محل انتقاد وهجوم إعلامي وسياسي وكانت عرضة للتحريض والاتهام بالمذهبية والفارسية والمجوسية، وكان البعض يصل به الأمر إلى اتهامها بالتعاون والتنسيق مع أمريكا وإسرائيل بدون حجة ولا برهان ولا دليل منطقي يقبله العقل. وكانت قيادات الجمهورية الإسلامية في إيران ترد على ذلك بدعوة العرب والمسلمين إلى الوحدة والتناصر والتعاون ضد الطامعين بأمتنا وخيراتها، ولطالما عرضت على العرب المشاركة في ما حققه من تقدم تكنولوجي وعلمي، ولكن العرب كانوا وما زالوا خاضعين للرغبة الأمريكية في ضرورة معاداة إيران والضغط عليها لتسير على خط الخضوع لأمريكا وإرادتها في المنطقة. حرب غزة اعتادت الدولة اليهودية الغاصبة لأرض فلسطين أن تفرض ما تريده على الفلسطينيين بقوة الحديد والنار، فكانت تقتل وتغتال وتعتقل من تريد، وعلى العالم أن يسلم لها بما تريد، حتى مجلس الأمن الدولي كان يعجز عن إدانة المجازر الجماعية التي ترتكبها إسرائيل فضلاً عن اغتيال الأفراد، وذلك بقوة الفيتو الأمريكي. وقامت إسرائيل باغتيال أحد أهم قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أحمد الجعبري، في خطوة تدل على الاستخفاف بالعرب والعالم فضلاً عن الاستخفاف بالفلسطينيين، ولتعلن للعالم أنها قادرة على فعل ما تشاء من دون رادع، ثم أعقبت ذلك بحرب غارات جوية على قطاع غزة لتدمير ما تظنه مخازن أسلحة وصواريخ. وكانت المفاجأة غير المتوقعة أن غزة لم تعد غزة الضعف والوهن، فكانت صواريخ المقاومة من مختلف القياسات والأنواع ترد على العدوان الإسرائيلي فتصل إلى تل أبيب وهرتزليا وديمونة وغيرها من المواقع والمدن التي ظلت آمنة منذ عام 1948 عام نشؤ الكيان الصهيوني على أرض فلسطين. لقد وقعت القيادة الصهيونية في إرباك شديد ورأينا على شاشات التلفزيون صور الهلع على وجوه الصهاينة، وصور جنودهم وهم منبطحين أرضاً على جوانب الطرق اتقاءً للصواريخ الغزاوية، وصارت وسائل الإعلام تتحدث عن مفاوضات تجري هنا وهناك مع وسطاء من أجل التهدئة، وصرنا نسمع عن شروط تضعها المقاومة للقبول بالتسوية أو التهدئة. لقد وقفت غزة في وجه العدوان وهي لا تملك من مقومات المواجهة إلا إرادة المقاومة الشعبية وهذه الصواريخ التي كان رجال حزب الله يوصلونها إلى غزة من سوريا وإيران عبر أفريقيا أو البحر أو سيناء. أرادت إسرائيل وقيادتها الصهيونية أن تستعيد قدرة الردع التي خسرتها أمام المقاومة الإسلامية في لبنان منذ عام 1982 وحتى انسحاب عام 2000، والتي تأكدت خسارتها بما لا يقبل الشك في حرب تموز عام 2006، ولكن نتائج الهجوم على غزة جاءت لتؤكد أن نهج المقاومة المسلحة ونهج الاستعداد القرآني لإرهاب العدو ومن يقف وراءه هو النهج الذي على أمتنا أن تتبناه وأن تسير عليه. إن إسرائيل هددت بعملية برية في غزة لوقف الهجمات الصاروخية على مدنها ومواقعها المهمة، ولكن المحللين الاستراتيجيين الدوليين يكادون يجمعون على أنها تهول بعملية برية كونها عاجزة عنها لا لعدم قدرتها على ذلك فحسب ولكن لخوفها مما سيلحق بجنودها من خسائر في الأرواح، فلم تعد المدرعات الصهيونية محصنة كما كانت ليحتمي بها الجنود وهم يقتلون الأطفال والناس العزل، بل يعتقد الإسرائيليون أن هذه المدرعات ستكون قبوراً من حديد ملتهب لجنودها بفضل الصواريخ المضادة للدروع التي أوصلتها إيران إلى أهل غزة المقاومين. لذلك هم يفكرون ألف مرة قبل أن يرسلوا جنودهم إلى داخل القطاع المحاصر أصلاً من قبل العرب وليس من قبل الصهاينة فقط. تجربة تتعزز إن مقاومة الشعوب للمحتلين بمواجهة المحتل بقوة السلاح تجربة تتعزز على مر الأيام، فيما التسويات السلمية التي يكون احد طرفيها غالباً والآخر مغلوباً تثبت يوماً بعد يوم أنها لا يمكن أن تكون في صالح الشعوب والدول الحرة. لقد رأينا اتفاقية كمب ديفيد كيف كبلت مصر وانتقصت من سيادتها على أرضها، وكيف حرمت على الحكومة المصرية إرسال ما تريد من قوة إلى سيناء واشترطت أن لا يتجاوز عدد العسكريين المصريين بضع مئات من الجنود. أما اتفاقية أوسلو تكاد تفرغ فلسطين من شعبها وعلى الرغم مما فيها من تخلٍ عن الحقوق التاريخية والسياسية المؤكدة بموجب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لاسيما فيما يتعلق بالقدس الشريف فإن إسرائيل ما زالت ترفض تنفيذ أي بند يعيد للفلسطينيين أبسط الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية، وهي تستمر في سياسة زرع المستوطنات بوتيرة متسارعة، ولو (سعل) مسؤول فلسطيني يكون رد اليهود عليه بإقامة مستوطنة جديدة أو بتوسيع مستوطنة قديمة. كل هذا الفشل يؤكد أن نهج المقاومة المسلحة هو الأجدى، فها هي أمريكا تغادر العراق مهزومة عسكرياً بسبب المقاومة التي جابهها بها الشعب العراقي، ولولا تلك المقاومة التي واجهتها القوات الأمريكية المحتلة وحلفاؤها لما فكرت أمريكا في الانسحاب. والوضع في أفغانستان أشد سوءاً بالنسبة لقوات الاحتلال مما كان عليه الوضع في العراق، وقد أجبرتها المقاومة الأفغانية على التفكير في انسحاب يحفظ لأمريكا ماء الوجه. أما لبنان فمقاومته كانت قدوة للشعوب الحرة، وقد لقي الاحتلال الصهيوني على يد المقاومة الإسلامية التي قدّمت عشرات الاستشهاديين الهزيمة تلو الهزيمة، لقد كانت إرادة اللبنانيين أهم سلاح للمواجهة، وكان الدعم الكامل للمقاومة من الجمهورية الإسلامية وسوريا هو من أعطى هذه الإرادة قوة الصمود بما قدمته من سلاح ومال وكفالة للمجاهدين، وبما قدمته سوريا من دعم وحصانة في وجه القوى المتآمرة، وقد أعلن السيد حسن نصر الله أنه لولا سوريا وإيران لم تكن المقاومة لتصل إلى كل نلك النتائج الباهرة. وها هي غزة تفرض تغييراً في المعادلة بإرادة وقوة المقاومة والسلاح الإيراني، فهل يتعظ دعاة الاستسلام والتسوية العرب ويستدركون على ما فاتهم من شرف دعم وتأييد المقاومة في فلسطين فيقدمون للشعب الفلسطيني المال والسلاح ليقوم بتحرير أرضه؟ وهو شرف كان للجمهورية الإسلامية وقيادتها الحالية مفخرة المبادرة إليه والفوز به. كما كان للإمام الخميني الفخر بأنه قال: "إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها وإزالتها من الجذور". وإلى شهداء غزة من أطفال ونساء وصبية ورجال وقادة فإننا نحتسبكم عند الله سبحانه الذي يقول: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:169/171). |
||||||