|
|||||||
|
على الرغم من تفادي الكويت رياح التغيير التي هبت على عدد من دول العالم العربي، إلا أن الصراع بين الحكومة والمعارضة وصل إلى حد الغليان في الفترة الأخيرة. فقد احتدم التوتر بعد تعديل قانون الانتخابات الذي أقره أمير الكويت صباح الأحمد الصباح في ١٩ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو التعديل الذي رفضته المعارضة واعتبرته انقلابا على الدستور، وردت عليه بالنزول إلى الشارع في تظاهرات شارك فيها عشرات الآلاف. أمير الكويت، من جهته، خير الكويتيين بين طريق القانون أو الفوضى، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي أكدت تضامنها الكامل مع الكويت واستعدادها لتقديم كل الإمكانات للحفاظ على أمنها واستقرارها. كلام أمير الكويت هذا عن دعم خليجي له، يتزامن مع جدل كبير في البلاد حول أنباء عن مشاركة قوات أردنية خاصة إلى جانب قوات الأمن الكويتية في قمع الاحتجاجات، وهو ما دفع أشهر رموز المعارضة مسلم البراك إلى شن هجوم على الملك الأردني نفسه واصفاً إياه بـ"ملك العمالة"، و"الملك الصهيوني" الذي وافق على إرسال ٣ آلاف و ٥٠٠ من رجال الأمن الأردنيين إلى الكويت للمشاركة في قمع الاحتجاجات. الكويت تدخل مرحلة جديدة من الصراع السياسي في أضخم تجمع شعبي غير مسبوق بتاريخ الكويت، انطلقت مسيرة " كرامة وطن " التي قادتها المعارضة وحراك القوى الشبابية اعتراضا على مرسوم الضرورة بتعديل النظام الانتخابي. المسيرات التي تحركت في مناطق متعددة من العاصمة الكويتية قدرت بأكثر من ٥٠ ألف شخص، وقد تعرضت لإطلاق قنابل دخانية من قبل القوات الخاصة التي حاولت تفريقها. وزارة الصحة الكويتية أعلنت عن علاج نحو ٤٠ إصابة في المسيرة، معظمها حالات اختناق بسبب الدخان. أما وزارة الداخلية، فقد أعلنت في بيان لها عقب المسيرة، أنها سبق وحذرت مراراً من تنظيم المسيرات والتجمعات، وأن ما حصل هو خروج على القانون وتعطيل لمصالح البلاد ومؤسساتها، مشددة على أنها سوف تتعامل مستقبلا بحزم وشدة مع أي تجمعات أو مسيرات. وبذلك، دخل الصراع السياسي في البلاد مرحلة جديدة لم تعرفها الكويت من قبل. أفادت مصادر المعارضة بأن أعداد المتظاهرين تجاوزت ٥٠ ألفاً موزعين على أكثر من موقع في العاصمة، في سابقة لا مثيل لها في الكويت، التي يبلغ عدد سكانها ٣ ملايين نسمة، منهم مليون و ١٠٠ ألف مواطن يحملون الجنسية الكويتية. لقد نجت الكويت من رياح الربيع العربي بفضل ما تتمتع به من ديمقراطية نسبية وطفرة مالية، ولكن الصراع بين الحكومة والمعارضة تصاعد في الشهور الأخيرة، وتزايدت حدته، لاسيما بعد إعلان أمير الكويت إصدار مرسوم لتعديل الدوائر الانتخابية التي ستجري بناء عليها الانتخابات المقبلة. كانت انتخابات مجلس الأمة التي جرت في فبراير/شباط الماضي قد أسفرت عن فوز ثلث المجلس من المعارضين وغالبيتهم من الإسلاميين، لكن المحكمة الدستورية العليا قضت في يونيو/حزيران بحل البرلمان وإعادة مجلس ٢٠٠٩ الموالي للحكومة. وقد فشل ذلك المجلس في عقد جلساته مرتين على التوالي لعدم اكتمال النصاب، مما جعل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح يصدر قرارا بحله في ٧ أكتوبر/تشرين أول الماضي. تشكك المعارضة في نوايا الحكومة بتعديل الدوائر الانتخابية، قائلة بأنها تهدف إلى منع تكرار فوزها بالأغلبية مرة أخرى، معتبرة مرسوم تغيير الدوائر الانتخابية انقلاباً جديداً على الدستور، داعية على مقاطعة الانتخابات المقررة في مطلع ديسمبر/كانون الأول، وإلى الخروج في مسيرات احتجاجية رفضا لهذه الخطوة. لكن الحكومة تصر على اعتبار هذه المظاهرات مخالفة للتعليمات، حيث إنها حددت موقعا واحدا هو ساحة الإرادة قبالة مجلس الأمة يسمح فيه للمتظاهرين بالتعبير عن آرائهم، وهو ما رفضته المعارضة. وهكذا، فإن العلاقة بين السلطة والمعارضة في الكويت وصلت إلى مرحلة حرجة مع إصرار كل طرف على موقفه والمضي في طريق التحدي حتى النهاية. وقد شهدت الكويت مظاهرات منتظمة منذ العام الماضي بسبب صراع طويل الأمد بين الحكومة والبرلمان، شكل فيه أعضاء إسلاميون وعشائريون تكتلاً للمعارضة يحظى بالأغلبية. استمرار الاحتجاجات والاعتصامات في الكويت تتزامن الانتخابات التشريعية في الكويت مع احتفالية رسمية تقام بمناسبة مرور ٥٠ عاما على التصديق على الدستور الكويتي، وتجرى هذه الانتخابات على وقع جدل وأزمة سياسية تتعلق بقانون الانتخاب. وقد أغلق باب الترشيح والتسجيل للترشح للانتخابات الجديدة في الكويت على ٣٨٧ مرشحاً، بينهم ١٥ امرأة و ٢٣ نائبا سابقا، وأغلب المرشحين هم من الوجوه الجديدة غير المحسوبة على التيارات السياسية المقاطعة لهذه الانتخابات. في نظرة سريعة إلى خريطة هؤلاء المرشحين وتوجهاتهم، نجد أن أغلبهم محسوبون على الموالاة، وأن بعضهم الآخر من الوجوه الجديدة التي لم تجد فرصا سابقة في الوصول إلى قبة البرلمان. أغلب القوى السياسية والنيابية والشبابية أعلنت عن عزوفها خوض هذه الانتخابات ترشيحاً واقتراعاً، ما عدا بعض المستقلين والمحسوبين على الموالاة. في سياق متصل، أقيم تجمع كبير حضره حوالي ١٢٠ ألف مواطن كويتي، حسب تقديرات اللجنة المنظمة لتجمع " إرادة أمة " الذي دعت إليه القوى النيابية والشبابية المعارضة في ساحة الإرادة في العاصمة الكويتية، وسط حضور أمني كثيف وتحليق للطائرات العامودية فوق موقع التجمع. رئيس مجلس الأمة السابق ـ أحمد السعدون ـ قال إنه لا أحد يرغب باستمرار هذه التجمعات، ولكنها سوف تستمر إلى آخر رمق حتى يتم إسقاط مجلس الأمة القادم شعبياً. من جهته، أكد النائب السابق مسلّم البرّاك أنه من حق الشعب استخدام كل الأدوات السلمية للاعتراض على النظام الانتخابي، مشيداً بمقاطعة معظم القبائل والعائلات للانتخابات المقبلة. لقد تواصلت الاحتجاجات والإعتصامات لليلتين على التوالي في الكويت، وللمرة الأولى تخللها احتكاك مع رجال مكافحة الشغب واعتقال عدد من المحتجين الشباب. لكن الأهم هو أن نواب المعارضة رفعوا سقف التحدي، فلم يعودوا يكتفون بانتقاد الحكومة، بل أصبحوا يتناولون أمير البلاد شخصياً، ما يشكل نقلة سياسية نوعية غير معهودة حتى الآن في الكويت، إذ إن نجم المعارضة النائب مسلم البراك خاطب الأمير أمام نحو ٥ آلاف، احتشدوا في ساحة الإرادة بالقرب من مقر البرلمان قائلاً " لن نسمح لك بالحكم الفردي". كانت أوساط الحكم قد أبلغت المعنيين أنها منشغلة بترتيبات القمة الآسيوية لحوار التعاون، التي دعيت إليها ٣٢ دولة على أن تعود بعدها إلى الشأن الداخلي. لقد استعادت السلطة الكويتية أساليب قديمة كانت تتبعها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لمواجهة المعارضة السياسية والاحتجاجات الشعبية من تصد حازم للتظاهرات واعتقال للعشرات، بينهم عدد من النواب السابقين، لاسيما من يتصدرون المواجهة الحالية. وقد قال أحد هؤلاء النواب: "إن السلطة عملت مع تظاهرة مساء الأحد بمبدأ ابطش بطشة واحدة وينتهي الأمر". يبدو أن هذا النهج لم يحقق هدفه، بل سوف يزيد النقمة بدليل أن قادة الحراك الشعبي كانوا يعدون العدة للتظاهرة التي جرت بعد عطلة عيد الأضحى. كان لافتاً في التظاهرة الأخيرة أنها رفعت شعارات تتعرض مباشرة للأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح. وعلى الرغم من أن بياناً صادراً عن الأسرة الحاكمة يدعو إلى طاعة الأمير، إلا أن أنباء متداولة أفادت بوجود خلافات بين شيوخ الأسرة حول ما يجب فعله لحل الأزمة وتحصين موقع الأمير، وبالتالي، التوصل إلى مناخ مصالحة مع مجتمع كويتي تغيرت تركيبته التي صنعت الصيغة السابقة للحكم بين الأسرة الحاكمة والتجار. في الواقع، ازدادت الأزمة تعقيداً بعد أن أصدرت الحكومة بإيعاز من الأمير قراراً يحدد الأول من شهر كانون أول موعداً لإجراء الانتخابات التشريعية، مرفقاً بمرسوم آخر يعتمد نظام الصوت الواحد للمرشح الواحد، الذي فهمت المعارضة منه بأنه يرمي إلى إسقاط معظم رموزها وإحباط تحالفاتها، وسط انتقادات تقول بأن هذا النظام يخالف الدستور. يذكر أن الحراك السياسي والاحتجاجات الشعبية انطلقت في الكويت اعتراضا على تغيير القانون الانتخابي بشكل فردي من جانب الحكومة، من ٤ أصوات للناخب إلى صوت واحد، في حين ترى المعارضة أن ذلك التغيير يعد مخالفة دستورية وتعديا على إرادة الأمة. لا شك أن هذا الموقف سوف يقوض الاستحقاق النيابي سواء بمشاركة متدنية من قبل الناخبين، أو بإنتاج برلمان ضعيف في مقابل معارضة قوية في شارع ساخط وناقم. تقول أوساط الحكم إنه لم يجد خياراً آخر غير التحدي للرد على التحدي، وأنه لو سكت لوجد نفسه أمام مطالبة بإسقاط نظام حكمه. صحيح أن لدى المعارضة خيارات كثيرة للاستمرار في التحرك، إلا أنها بدأت تراجع تكتيكاتها، لأن الأزمة دخلت منعطفا خطيرا سيؤدي حتما إلى إطالتها. لقد كان لافتاً أن يلجأ أمير الكويت إلى توجيه كلمة إلى الشعب أمام مئات المواطنين وليس عبر التلفزة، كما جرت العادة، لينتقد تحركات المعارضة في الشارع احتجاجاً على تعديل قانون الانتخابات، كما كان لافتاً أيضاً أن يشدد الأمير في كلمته هذه على الدعم الخليجي له ووقوف دول الخليج إلى جانبه في مواجهة خصومه. الأزمة التي تشهدها الكويت اليوم ليست الأولى من نوعها، لكن الخطير هذه المرة هو إسقاط الكثير من الخطوط الحمر في الصراع بين المعارضة والأسرة الحاكمة. كويت ما بعد الانتخابات التشريعية قال أمير الكويت بأن الكويتيين باتوا مخيرين بين طريق القانون والدستور أو الفوضى. وكان يشير إلى التظاهرات التي دعت إليها المعارضة احتجاجاً على مرسوم الصوت الواحد للمرشح الواحد الذي أصدره الأمير الكويتي، وسوف يتم تطبيقه في الانتخابات القادمة، وسط دعوات ناشطة لمقاطعة التصويت. لقد بذلت السلطة جهوداً كبيرة لم تعرف نتائجها لإقناع الليبراليين من أبناء العائلات التقليدية بالترشح، بعد ما تبين أن جميع تكتلات المعارضة السابقة، بما فيها حركات ذات طابع ديني كالإخوان المسلمين والسلفيين، قاطعوا الترشيح. وقد تردد أن عدداً من المرشحين الجدد قد نالوا إغراءات مالية لقاء ترشحهم. بالنظر إلى نوعية الأشخاص الذين تقدموا بترشيحاتهم، سوف يكون البرلمان المقبل خالياً من أي تكتل معارض، أي لن يشهد تحت قبته لعبة سياسية، لأن الأغلبية المتوقعة فيه هي من الموالين للحكم. تراهن الحكومة الكويتية على مثل هذا البرلمان الهادئ لإقرار خطط اقتصادية لم تتمكن من طرحها في ظل البرلمانات السابقة التي اعتبرتها سلبية وغير متعاونة. لا تنوي المعارضة الكويتية عن توقف تصعيد خطواتها الاحتجاجية، فبعد إعلانها عن مقاطعة الانتخابات المقررة قي مطلع ديسمبر/كانون أول ترشحاً واقتراعاً، ها هي تعمل على استثمار مناسبة حلول الذكرى الخمسين لإقرار الدستور الكويتي، بتنظيم احتفالات ومسيرات مضادة لتلك التي تقيمها الحكومة، وهو مؤشر على تصاعد حدة التوتر بين الطرفين. |
||||||