|
|||||
|
الشبكة العنكبوتية التهمت اللغة العربية!! من دون شك فإن اللغة العربية لا تستطيع الصمود إلا بصعوبة أمام التراكم الهائل للمصطلحات (اللصيقة بمشكلات الاتصال الجديد التي تطرحها اليوم شبكة الأنترنت). وإذا كان ما نزعم صحيحاً، فإننا أمام أمر جلل: انحسار اللغة العربية إلى درجة يائسة وربما موتها البطيء. ولكي لا نبقى في الإطار العمومي والتجريدي ولكي نعطي الأمثلة الواقعية، وما أكثرها في حقل مصطلحات الإنترنت، فإن مسحاً سريعاً لغالبية المواقع العربية سيضعنا أمام حقيقة مذهلة هي أن المشرفين على تلك المواقع تتملكهم الحيرة ويتخبطون في العجز المطلق وهم يواجهون أمرين: أولاً، إنهم لا يعرفون كيف يترجمون المصطلحات والمفردات حتى مع فرضية تفهمهم لمعانيها الدقيقة. في الكثير من المواقع العربية والخليجية تحديداً نقرأ التالي: (ووتشات رووم) (بنرات) (برامج البينت شوب والإتش تي أم أل والفيجيوال بايزك) (فوتوشوب وفلاش وجافا) (كروت أغاني وسكربتات للتشات) (الجافا سكربت) (إدارة التعليم بالرس) (كوب 2000) (موبايل ايجبت) (محرك بحث وب توب) (مصمم) (بتقنية الفلاش) (علي فور كوم) (ماسنجر). أية لغة هذه؟ هل يتعلق الأمر باللغة العربية أم بلغة أخرى نجهلها؟. ثانياً، إننا نتوقف كذلك أمام الضعف اللغوي المُطْبِق الذي تعاني منه تلك المواقع، ليس من ناحية ترجمة المصطلح وحسب، ولكن كذلك من جهة السيطرة على لغتها الأم. ترتكب هذه المواقع أخطاء جسيمة، أو تمرر أخطاء أكثر جسامة في ثنايا نصوصها. بعضها يندى له الجبين، إننا نقرأ مثلاً (دايم ياخذون بيظها) وليس دائماً وليس بيضها، وفي موقع كويتي نرى (مكتباة) بالتاء المربوطة وليس مكتبات. بعض المصطلحات يمكن بالتأكيد ترجمتها مثل (تشات رووم) أي غرف المشاهدة أو المراقبة. وبعضها يجب علينا جميعاً تقديم مقترحات لترجمتها. لماذا لا يريد هؤلاء السادة وضع (غرف المشاهدة) بدلاً من (تشات رووم) ووضع (كأس 2000) بدلاًَ من (كوب 2000) ووضع (الخليوي اللبناني) بدلاً من (ليبان سل)؟ لأنهم يجدون في المصطلح الأجنبي جمالاً ورهافة تعوِّض عن نقصهم المعرفي وجهلهم بلغتهم، أو لأنهم يظنون أنهم بذلك سوف يندرجون في معارج الحضارة والتعالي على مجتمعهم الجاهل، مثلما يفعل بعضهم ممن يستخدمون التعبيرات الإنكليزية في حياتهم اليومية منطلقين من الوهم نفسه؟.. (سو).. أي لذلك.. لا تتردد (جريدة عربية على الإنترنت) من أن تطلق على صفحتها(هومليس)، هكذا مكتوبة بالحرف العربي وهي بالطبع الكلمة التي يمكن ترجمتها بمرض الحنين إلى الأوطان، "الوصَب" مقابل الكلمة الإنكليزية homeless كما يمكن أن يقول أسلافنا. يبدو أن الهجوم الكاسح لوسائل الاتصالات الحديثة قد ضبب المشهد اللغوي كلياً وغيّب عن بعضهم مجال الرؤية السليمة، بحيث أنهم صاروا يستعينون بالمترجم الآلي في ترجمة البسيط والبديهي حتى من أسماء العَلم، ولأن هذا المترجم من الحماقة والغباء بمكان فإنه يتوصل إلى ترجمات من أكثر أمثلتها مأساوية القول. ما الذي يحدث بالضبط إذن؟. من غريب القول أن نذكر أننا مرغمون على الاندماج والأخذ بوسائل الاتصال المتسارعة هذه التي تخترع كل يوم تعبيراً ولفظة للدلالة على أمر مستجد في وسائطها، بحيث أن بعضهم لم يعودوا قادرين على التوقف، حتى ولو قليلاً لاستجماع قواهم والتبصر بحقيقة اللغة العربية مفضلين اقتباس المصطلحات والمفردات مثلما هي من دون ذرة من الجهد لترجمتها. تكاد شدة الهجمة تعشي بصر هؤلاء الأخوة. وبدءاً من كلمة أساسية حديثة الولادة في العالم هي (الإنترنت) لا يُستطاع ترجمتها وصولاً إلى معان لصيقة بأنظمة اللغات الخاصة بجهاز الحاسوب، ومنها لغة الجافا مثلاً فإن هناك استسلاماً وقبولاً إلى درجة أن كلمة (ميديا) Media (ومعناها وسائط الإعلام) تدخل القاموس العربي بلفظها اللاتيني لكن بكتابتها العربية على الرغم من إمكانية تعريبها اليسيرة. إن ترجمة (الجافا) تستوجب أولاً معرفة ما الذي تعنيه الكلمة على وجه الدقة. فإننا لا نستطيع ترجمة شيء لا نعرف معناه الحقيقي وآليات عمله. عندما ترجم النقد الأدبي العربي المصطلح الروائي (تيار الوعي) فإنه كان يفهم من الداخل المصطلح، وكان يستنطقه قبل أن يترجمه. لا شيء اليوم من قبيل الاستنطاق المسبق لمعاني كلمات مثل (الجافا) إلا لدى القلة القليلة من المتخصصين. هؤلاء يبدون بحالة من التباهي والزهو بمعارفهم ولا يمتلكون أية علاقة مع حقول معرفية أخرى ناهيك عن غياب الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لديهم إزاء لغة الجماعة التي ينتمون إليها. وعلى مستوى المصطلح العلمي، يبدو وكأن الانغمار اللا نقدي في قيم الحضارة الأمريكية والأوربية ومعاييرها هو سبب مباشر لأن يضرب العارفون والمتخصصون صفحاً عن ترجمة المصطلح أو الانتباه إلى المشكلات الثقافية والتاريخية المتعلقة بعدم ترجمته. على أن مفردات تشتغل بحقل المعرفة البشرية الضرورية مثل (الطاقة) أو (الذرة) أو (الطيف الشمسي) تجبرنا على التعرف على معناها الحالي الدقيق أكثر مما نحن مجبَرون على التعرف على السندويش. (الجافا) تشتغل في الحقل المعرفي الضروري ذاته، في حين تظل السندويش في إطار الأكزوتيكا (ها هنا مفردة أخرى لم تستطع ثقافتنا إلى اليوم معالجتها على الرغم من بعض المجهودات المحمودة). هاكم ما تقول جريدة (الأنوار) اللبنانية عبر الإنترنت: "عنوان كتاب الإيزوتيريك الحادي والثلاثين (تعرَّف إلى فكرك) تأليف الدكتور جوزيف مجدلاني، وهذه الإيزوتيريك يمكن ترجمتها (بالمعرفة الباطنية) أو (الباطنية) ببساطة بالمعنى العرفاني الصوفي. لماذا لا يريد المؤلف ترجمتها؟. على أن تثبيت مصطلح من المصطلحات وصيرورته بداهة ثقافية يحتاج إلى قرار وإصرار من طرف مستخدمي اللغة. عليهم في البدء احترام لغتهم. لقد برهن الليبيون على ذلك عندما أصروا على استخدام كلمة (الهاتف) بدلاً من (التليفون) والمغاربة على استخدام (التلفزة) -على وزن مَفْعَلَة- بدلاً من التلفزيون. ونحتاج جميعاً إلى إقرارات وإصرارات مماثلة لكي نثبت نهائياً خيار (الشبكة) بدلاً من الإنترنت. في مواقع أخرى فإن تهافت استخدام العربية يصير مهزلة خالصة: إنهم يكتبون العربية بالحروف اللاتينية متوصلين إلى كتابة خاصة جداً لأنها لا تُعنى بالحركات وبالتشكيل وتعنى بدرجة أقل بحروف العلة، متوصلين كذلك إلى سوء تفاهمات لا تحمد عقباها، وإلى فقر لغوي فظيع من جراء تجنبهم المعقَّد من الكلمات أو المحتشد بالحركات منها التي يمكنها تغيير المعنى المراد. هؤلاء المستخدمون توصلوا وحدهم، إلى أعراف موحَّدَة عن طريقة كتابة العربية بالحروف اللاتينية، فحرف الخاء يستعاض عنه برقم 5 اللاتيني، وحرف العين يستعاض عنه برقم 3 اللاتيني... وحرف 7 يعني حاء.. الخ. لهذا السبب فإن هذه الكلمة تتمنى أن تفتح سجالاً عميقاً عن كيفية ترجمة مصطلحات (الشبكة/الإنترنت) التي طرحنا بعض أمثلتها. لنُجِب جميعاً عن هذا التساؤل لنقترح، لنفتِّق أذهاننا، لنشرع مخيلتنا اللغوية على مصراعيها، لنستخدم المجاز والاستعارة، كما نستخدم المنطق البارد من أجل إخراج العربية من مأزق الشبكة العنكبوتية. نقول ذلك لأننا، نحن مستخدمي الشبكة، معنيّون مباشرة بالمشكلة بعدما برهنت مجاميع اللغة العربية على موات حقيقي وعدم قدرة على تتبع المستجدات وأثبتت امتلاكها لفهم متأخر ورجعي لروح اللغة العربية. وفي الحقيقة فإن التحدي مزدوج: من جهة يجب على أبناء العربية المعاصرين البرهنة على تمسكهم بلغتهم الثقافية والروحية، ومن جهة أخرى فإنهم مجبرون على تأدية الدور الذي لم تستطع الاضطلاع به مجاميع اللغة. تصير البدائل لهذا السبب مشروعاً مفتوحاً أمام القراء والمستخدِمين قبل غيرهم، ومنهم من يستطيع تقديم بدائل جميلة للغاية ومعقولة (وواحد منها وصلني من صديق يعيش في أمريكا يقترح كلمة (مرسال).. بديلاً من (الماسنجر). ما أحلى كلمة مرسال وأشد تعبيرها عن مضنون الماسنجر!.
|
||||