|
|||||||
|
على الرغم من تظاهر الإسرائيليين بأن اختراق طائرة الاستطلاع "أيوب" سواحل وأجواء فلسطين المحتلة، وتمكّنها من تصوير مناطق واسعة من القواعد المختلفة والمطارات العسكرية ومناطق التحضير للمناورات المشتركة بين الجيشين الإسرائيلي والأمريكي ومنصات الغاز والعديد من المؤسسات والبنى الحيوية، بما فيها، ربما، مفاعل "ديمونا"، وفق ما ذكرت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، نقلاً عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، لا يشكّل خطراً عليهم، ولا يُعتبر هجوماً يستدعي ردّاً على طريقة حرب تموز 2006 يوم خطفت المقاومة جنديين إسرائيليين على تخوم ما يسمى "الخط الأزرق". إلا أن هذا التطور "النوعي" الذي يقلب معادلات الصراع والردع إلى درجة كبيرة، كان له وقع الصاعقة على المؤسستين السياسية والأمنية الإسرائيليتين، وكذلك على مختلف الأوساط المجتمعية ووسائل الإعلام التي لم تجد بدَّاً، وعلى الرغم من الصمت الذي طالبتها به الحكومة، من التهكم على من كان يهدد، قبل أيام، بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وعلى قدرات الجيش ومنظومات الدفاع الجوي(القبة الحديدية) والاستخبارات التي تمرغت سمعتها في الوحل. ولعل التعليق الإسرائيلي الأهم على هذا الاختراق الاستراتيجي الذي سيقلب موازين الردع في المنطقة، هو اعتبار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "الدرس العام الذي نستخلصه من التغييرات في الشرق الأوسط، هو أن أي قدرة عسكرية يمكن أن توجه ضدنا"، وتلويحه بتنفيذ عملية عسكرية ضد سوريا التي يمكن أن تقوم "بنقل أسلحة كيميائية" إلى المقاومة الإسلامية في لبنان. وفي محاولة لدفع الاتحاد الأوروبي إلى إدخال "حزب الله" في قائمته الخاصة بالمنظمات الإرهابية اتهم نتنياهو الحزب بأنه "يشارك في الأحداث داخل سوريا إلى جانب النظام"، وهو بدا متناغماً مع موقف واشنطن التي أعربت المتحدثة باسم خارجيتها فيكتوريا نولاند عن قلق إدارتها من تنامي نفوذ "حزب الله" في لبنان، واستخدام إيران للحزب لتحقيق مساعيها في دعم الرئيس السوري بشار الأسد، واعتبارها أن واشنطن ترفض تأكيدات الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بعدم وجود مقاتلين للحزب في سوريا. "أيوب" والمشهد الإقليمي المعقّد وقبل الحديث عن الرسائل المتعددة التي وجهها "حزب الله" عبر الطائرة "أيوب" التي تعتبر عملية إطلاقها بمثابة تحول استراتيجي كبير في معادلة توازن الرعب والردع بين إسرائيل والحزب، ودليل ساطع على القدرات العسكرية المتطورة للمقاومة الإسلامية، وعلى إمكانية توجيهها ضربات للمنشآت الإسرائيلية العسكرية والاقتصادية في البحر والبر، وفي مقدمتها مفاعل ديمونا النووي، لا بد من إمعان النظر في الأبعاد الأمنية والعسكرية لهذه العملية النوعية التي شكلت حدثا استثنائيا وسط الأمواج المتلاطمة التي تمر بها المنطقة على وقع الغزوة الشرسة التي تتعرض لها سوريا من قبل الإرهاب المدعوم عربيا وإقليمياً ودولياً، واستمرار التهديدات التركية ضد دمشق، وتموضع قوات أمريكية وبريطانية في الجوار الأردني، وانفتاح بازار المساومة الأمريكية، عشية الانتخابات الرئاسية، لمصلحة إسرائيل التي تتسابق أحزابها، بعد تقديم موعد انتخابات الكنيست، على رفع منسوب التطرف ضد الجميع: الفلسطينيين وإيران و"حزب الله" وسوريا، والبدء بترجمة ذلك عبر نقل منظومات من صواريخ "باتريوت" إلى شمال فلسطين المحتلة، وتبني نتنياهو قانونا لشرعنة الاستيطان في الضفة الغربية التي سيتم اعتبارها أراضي "غير محتلة"، ونشر حكومته إعلانا في صحيفة "معاريف" لبناء 800 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة "جيلو" في القدس الشرقية بالقرب من بيت لحم، وهو ما يعتبر المرحلة الأخيرة من الموافقة الحكومية على مخطط البناء. وعلى نحو مواز بدأ الجانبان، الأمريكي والإسرائيلي، تنفيذ أضخم مناورة عسكرية مشتركة في شمال فلسطين المحتلة في مجال الدفاع الجوي، وشملت المناورة محاكاة اكتشاف طائرات من دون طيار واعتراضها، على خلفية الحادث الأخير، وذلك على الرغم من تشديد مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، وفق ما نقل عنه موقع "واللا" الإخباري، على صعوبة اكتشاف الطائرة من دون طيار، التي أطلقها "حزب الله"، أو اعتراضها، فضلاً عن إجراء الأخيرة (إسرائيل) مناورة منفردة لحماية الجبهة الداخلية التي تعاني، ووفق اعترافات المسؤولين، من جوانب خلل وثغرات خطيرة. وتستند سيناريوهات العمل في هذه المناورة التي تندرج في إطار السلسلة الدورية المسماة "نقطة تحول"، على مواجهة هزات أرضية شديدة في أرجاء إسرائيل، أو وقوع تسونامي يسقط فيها آلاف الضحايا، فضلاً عن مواجهة الصواريخ والقذائف. وشارك في المناورة كل السلطات المحلية والوزارات والكتائب النظامية في الجيش الإسرائيلي. كما تم استدعاء القوات الاحتياطية التابعة لقيادة الجبهة الداخلية ووحدات الدفاع المدني والشرطة، فـضلاً عن منظمات أهلية. أما بخصوص المناورة المشتركة، فقد نقل الموقع العبري، الآنف الذكر، عن قائد القوات الأمريكية المشاركة في المناورة، الجنرال كرييج فرنكلين، أنها الأكبر بين الجيشين الأمريكي والإسرائيلي، ويشارك فيها أكثر من 3000 جندي أمريكي، من بينهم 1000 موجودون داخل إسرائيل. وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية، فإن هذه المناورة المسـمـاة "Austere Challenge 12" (التحـدي الصارم 12) ، والتي سبق وتم تأجيلها في الماضي على خلفية التوتر بين الدولتين، ستركز على الدفاع في مواجهة الصواريخ. وبالإضافة إلى بطاريات صواريخ "باتريوت" التي حملتها القوات الأمريكية التي وصلت إلى إسرائيل على متن سفن حربية رست في ميناء أسدود، ستنصب بطاريات صواريخ من طراز آخر أبرزها منظومة "إيجيس" لاعتراض الصواريخ. ووفق الصحف الإسرائيلية، فإن فرضية العمل في المناورة هي سيناريوهات هجوم بالصواريخ من الشمال والشرق، ومواجهة احتمالات الحرب مع كل من إيران و"حزب الله". حيث سيقوم طرفا المناورة بتفعيل كل منظومات الدفاع الجوي القائمة عملياً وتلك التي يجري تطويرها، ومن بينها منظومات "حيتس 2"، و"حيتس 3"، ومنظومة "Thaad" الأمريكية، ومنظومات "باتريوت" و"عصا الساحر" المعدة لاعتراض صواريخ متوسطة المدى، فضلاً عن منظومة القبة الحديدية. ولعل الملفت في هذه المناورة، وفق ما ذكرت المواقع الرسمية للبنتاغون وقيادة الجيش الإسرائيلي، هو أن واشنطن تستخدم فيها أكبر عدد من القوات الأمريكية بالمقارنة مع مناورات عام (2009) التي استخدمت فيها (140) جندياً فقط. والهدف المعلن لها هو حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات من الصواريخ وتأمين حرية تحرك القوات الإسرائيلية عبر الحدود (والمقصود الجبهة الشمالية لإسرائيل). وكشفت الصحف الإسرائيلية أن قيادة القوات الأمريكية في ألمانيا ستشارك من موقعها القيادي في ألمانيا بإدارة المناورة وعملياتها ودروسها وكأنها موجودة في ساحة الشرق الأوسط، وهو ما جعل المحللين العسكريين في أوروبا يشيرون إلى مشاركة القيادة المركزية للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والموجودة في عدد من الدول العربية في إدارة المناورة بطريقة وسائل الاتصالات المتطورة نفسها. ومرد ذلك، وفق ما يعترف به الخبراء العسكريون الأمريكيون والإسرائيليون، هو أن إسرائيل لم تتمكن في عدوان تموز 2006 من الاستمرار بعملياتها الحربية ضد قوات حزب الله على الرغم من وجود قوات أمريكية في ذلك الوقت في العراق القريبة منها ومن سورية. الأبعاد الأمنية والعسكرية في كل الأحوال، ما يمكن استخلاصه من أبعاد أمنية وعسكرية أولية لعملية "أيوب"، هو التالي: - أن العملية قلبت معادلة الصراع في المنطقة من حالة توازن القوى "السلبي"، أي تلك التي يمتنع فيها أي من الخصمين عن المبادرة إلى الحرب في ظل السرية شبه التامة التي تلف قدرات ومواقع "حزب الله" العسكرية، وتعذر إطلاعه الدقيق على القدرات والمواقع العسكرية الصهيونية، إلى حالة توازن قوى "إيجابي" لمصلحة المقاومة التي يمكنها، من الآن وصاعداً، كشف وإحباط أية مخططات للعدوان في مهدها. – انتقال عنصر المفاجأة إلى المقاومة التي بات بإمكانها اختيار التوقيت المناسب للمعركة والأهداف بدقة، وهو ما يحدث للمرة الأولى في تاريخ المقاومات في العالم. - وضع حد للتفوق الجوي الإسرائيلي الذي كان يعتمد عليه العدو بشكل رئيسي خلال كافة الحروب والاعتداءات السابقة، ووضع القوة العسكرية الإسرائيلية برمتها في دائرة التساؤل، ولاسيما في ظل التقدير باستمرار تآكل قوة الردع التي ظهَرها صمود المقاومة في عدوان تموز/ يوليو 2006، وانكفاء قدرة الجيش على اتخاذ قرارات حاسمة. – إسقاط قدرة الرادارات الإسرائيلية على اكتشاف هذا النوع من الطائرات التي يعتبر اختراقها لأجواء فلسطين المحتلة، ووفق ما يؤكد موقع مجلة "إسرائيل ديفنس" العبري المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، ليس إلا عَينة مما ستشهده الحرب المقبلة مع "حزب الله"، حيث "يُتوقع أن يرسل الحزب عشرات من هذه الطائرات إلى الأجواء الإسرائيلية، ما سيتسبب بصعوبة اعتراضها". إلى جانب ذلك، يمكن القول إن عملية "أيوب"، وبخلاف ما حاول القادة الصهاينة ترويجه عندما قام نتنياهو ووزير حربه أيهود بارك، وبدلاً من عرض الفشل المحقق، بتهنئة رئيس هيئة الأركان وقائد سلاح الجو بما أطلقا عليه "العملية الحادة الناجعة التي تم في أثنائها اعتراض وتدمير الطائرة بلا طيار في المنطقة جنوبي الخليل". هذه العملية وجهت ضربات سياسية واقتصادية وإعلامية ونفسية، ليس فقط إلى نتنياهو وحكومته اليمينية والطبقة السياسية الإسرائيلية، وإنما كذلك إلى مجمل التجمع الصهيوني في فلسطين المحتلة، وذلك بعد أن أثبتت بالملموس أن إسرائيل بدأت تفقد قدرتها على المبادرة والتأثير، وتفقد بالتالي وظيفتها الإستراتيجية المركزية، فضلاً عن تضرر سمعة صناعاتها العسكرية، ولاسيما في مجال سلاح الجو والتكنولوجيا التي تباهي بها الدولة العبرية، وتحاول الترويج لها على مستوى العالم، لا بل إنها استطاعت تسويق بضاعتها بشكل جيد، ووجدت لنفسها أسواقا كثيرة لبيع تقنياتها المتطورة، واحتمال تعرضها لخسائر اقتصادية كبيرة في هذا المجال، ناهيك عن ارتفاع منسوب القلق والهواجس الوجودية والتوجس من المستقبل الذي بات قاتما أمام عدد متزايد من الإسرائيليين. وما يزيد الأمر سوءاً، بالنسبة لهؤلاء الإسرائيليين، هو أن "أيوب" التي تشكل حلقة في سلسلة المفاجآت التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله أمين عام "حزب الله"، ربما تشكل باكورة رزمة من مثيلاتها الأكثر تطوراً التي تخشى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن تؤسس لتغيير نوعي في ميزان "الردع والرعب" ليس فقط بين "حزب الله" وإسرائيل، وإنما أيضاً بين المنظومتين اللتين تتشكلان على مستوى المنطقة والعالم. وهو ما ألمح إليه رئيس "منظمة المستضعفين" (الباسيج) التابعة للحرس الثوري الإيراني، العميد محمد رضا نقدي، الذي دعا الدولة العبرية إلى الاستعداد لمواجهة تحليق مئات الطائرات من دون طيار في أجوائها، حيث نقلت وكالة "مهر" الإيرانية للأنباء عنه قوله للصهاينة "الذين أقالوا قادتهم وأصبحوا في حالة إغماء لمدة أسبوع اثر تحليق طائرة من دون طيار في أجوائهم، إن عليهم الاستعداد ليوم تحلق فيه مئات الطائرات من دون طيار من 25 طرازاً موجهة من بعد في أجوائهم". وهو ما أشار إليه كذلك، وإن بطريقة مواربة، نائب القائد العام لحرس الثورة الإسلامية في إيران العميد حسين سلامي، الذي أكد في حديث لوكالة "مهر" الإيرانية، أن "تحليق الطائرة من دون طيار، يشير إلى خواء القوة العسكرية للكيان الصهيوني"، الذي "تبين أنه لا يتمتع بقوة عسكرية تذكر، وأن جبهة الثورة والمقاومة تمكنت من الوقوف بوجهه"، مضيفاً إن "الأذرع والاستراتيجيات الدفاعية للثورة الإسلامية أصبحت قوية للغاية، وإن الثورة الإسلامية الإيرانية بإمكانها أن تصمد في الحروب الأكثر قوة، فيما البنية الدفاعية للكيان الصهيوني ضعيفة ومعرضة للاستهداف"، واصفا تهديدات إسرائيل بالهجوم على إيران بأنها "تأتي ضمن الحرب النفسية، لأن الصهاينة يدركون جيداً أنهم لو أرادوا الهجوم على إيران فسيقضى عليهم". واستتباعاً، تؤكد مصادر "حزب الله" أن ما اكتشفته إسرائيل هو شيء لا يذكر بالمقارنة مع حجم الطلعات الجوية لهذه الطائرات في أجواء فلسطين المحتلة، وهذا يعني، بكلام آخر، أن رصيد بنك أهداف "حزب الله" يتعاظم في مقابل بنك أهداف إسرائيل في لبنان. لأن قدرة الحزب على الوصول إلى المواقع الأكثر تحصيناً في إسرائيل وتصويرها، والحصول على معلومات دقيقة حولها تساعد أنظمة صواريخه التي تقدمت كثيراً بالمقارنة مع ما كان لديه إبان حرب العام 2006، ما يجعل قدرته أكبر وأكثر دقة في ضرب المواقع الإستراتيجية الإسرائيلية. التوقيت.. والرسائل وبالانتقال إلى التوقيت والرسائل التي أطلقتها عملية "أيوب" في أكثر من اتجاه، يمكن التوقف أمام رزمة من المؤشرات، أولاها، وضع حد لعربدة نتنياهو وتهديداته ضد إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة، والتي تم الترويج لها بشكل واسع في الأشهر والأسابيع الأخيرة، وكسر حدَة هذه العنجهية، وثانيها، العمل على إنزال الأمريكيين والإسرائيليين عن صهوة ما يسمى "الربيع العربي" وإعادة تصويب وجهة وطبيعة الصراع باعتباره صراعاً عربياً- صهيونياً، بعد أن حققت واشنطن بعض النجاح في أخذ بعض الأنظمة العربية والعديد من مجموعات الإرهاب الطائفية نحو مربع "الصراع المذهبي" الذي يراد تعميمه في مجمل الخريطة العربية انطلاقا من سوريا التي يترجم فيها المخطط الأمريكي بشكل دموي وحشي، وثالثها، إفراغ المناورات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، التي جرى الترويج لها بشكل غير مسبوق، من مضمونها، وإفهام طرفيها بأن المقاومة قادرة على التعاطي مع شكلها ومضمونها ونتائجها، وعلى اختراق ما كان يعتبر من المحرمات، وإدخال الصهاينة وحلفائهم في غيبوبة من "الصمت العميق"، فضلاً عن القول، بلسان فصيح، إن شن الحرب الإلكترونية لم تعد حكرا على الإسرائيليين، وإنما باتت في قبضة المقاومة التي يمكن أن تخوضها بكفاءة عالية من الآن وصاعدا. أما بخصوص الرسائل، فثمة عناوين متعددة لعملية "أيوب"، لعل أهمها تلك الدول العربية التي باتت تنتظم في أكثر من اتجاه: الأول: هو ذلك المتحالف يشكل يكاد علنيا مع إسرائيل، ولا همَ له سوى القضاء على المقاومة، وتفكيك منظومتها الإقليمية والدولية، حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير بلد محوري في المنطقة (سوريا). الثاني: هو الذي ما زال يعيش هاجس الخوف من إسرائيل عسكرياً، وبالتالي يفضل التوجه نحو طاولة المفاوضات تحت قيادة الولايات المتحدة. الثالث: هو من يلتزم الصمت حيال احتلال عدوانية الدولة العبرية واستمرار احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية. ومفاد هذه الرسالة هو أن لا مستقبل لعملاء إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، وأن إسرائيل ليست أكثر من "بيت عنكبوت" يمكن تمزيقه، في حال توفر الإرادة السياسية. أما العنوان الأخر فهو الجانب الفلسطيني، وبالأخص طرفي المعادلة الفلسطينية في كل من رام الله وغزة، وجوهر الرسالة هو ضرورة الخروج من وهم "السلام" مع إسرائيل، والوصول إلى حل الدولتين الذي لم توافق عليه إسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة، بالنسبة للطرف الأول، وضرورة العودة إلى مربع المقاومة، وإسقاط الرهان على محور ما كان يسمى "دول الاعتدال" بالنسبة للطرف الثاني. في موازاة ذلك، كان ثمة رسالة واضحة وصريحة موجهة إلى تركيا والدول التي تسلح المعارضة السورية، وتساهم في سفك الدم السوري، ومفادها أن أية نوايا أو إعمال تؤدي إلى تدخل عسكري في سوريا ستواجه حرباً من نوع مختلف، تتجاوز الدبابات والطائرات، لا بل ستكون حربا تتعدى ما شهده العالم في منطقة الشرق الأوسط حتى الآن. ولا يكتسب هذا الاستخلاص البديهي مصداقيته من إشارة السيد نصر الله الجزر السعودية المحتلة، في إطار ربط النزاعات الحاصل، فقط، وإنما كذلك في حيثيات وتفاصيل المشهد الجيو/استراتيجي المتكوّن في الإقليم والعالم، حيث يبدو جليا أن ثمة جبهة إقليمية وعالمية تتبلور بشكل مرئي، وتمتد من بكين، مروراً بموسكو وطهران وبغداد، وصولاً إلى دمشق وجنوب لبنان. ويمكن التقدير أنه، وعلى خلفية هذا المشهد، جاءت عملية "أيوب" التي لم يخف، على هامشها، أمين عام "حزب الله"، أن المقاومة الإسلامية يمكن أن تقاتل في حال حدوث تطورات نوعية تفرضها الضرورة في الأزمة السورية الدموية، وهو ما فهم على أنه غير موجه إلى المعارضة السورية، وإنما إلى أعداء سوريا الخارجيين، ولاسيما تركيا التي باتت تواجه اليوم تداعيات عدوانها على سوريا وقرصنتها على الطائرة السورية ـ الروسية، بعد أن قررت موسكو الرد على الرسالة الأردوغانية ـ الأطلسية، وأوعزت بنشر صواريخ "س 400" في مواجهة الحدود التركية. في الاستخلاص، يمكن القول إن عملية "أيوب" أحدثت خضّة كبيرة في إسرائيل يصعب على الأخيرة هضمها، خصوصاً وأنها ضربت دولة الاحتلال والعدوان في أشد مناطقها حساسية وفعالية، ألا وهو تفوقها الجوي وحصانة أجوائها أمام أية اختراقات من جهات معادية لها. وبالتالي، يمكن التقدير بأن تل أبيب لا يمكنها التسليم بهذا الخرق والإنجاز التكنولوجي الكبير لـ "حزب الله" بغض النظر عن الدولة التي تقف خلفه وتدعمه، كما لا يمكنها التعايش طويلا مع هذا الوضع المتدحرج نحو ارتفاع منسوب الاختلال في موازين القوى لغير مصلحتها، وتزايد مستوى التهديد من الشمال والجنوب، وبقاء مساحات وتجمعات سكانية كثيرة تحت رحمة صواريخ "حزب الله" وفصائل المقاومة في غزة. غير أن المفارقة هي أن هذه الدولة التي تعودت على الانتصارات السهلة ضد الأنظمة العربية، خلال العقود الماضية، تدرك تماما أن كلفة الحرب ضد "حزب الله" ربما تضع مصيرها برمته على المحك، وبالتالي فهي بحاجة إلى التفكير ألف مرة قبل الإقدام عليها، دون أن يلغي ذلك إمكانية هروب قادة اليمين الإسرائيلي العنصري والمتطرف، وتحت وطأة الخوف المتصاعد، من الهرولة نحو "خيار شمشون"، أو الاكتفاء بحرب محدودة ضد الخاصرة الأضعف في قطاع غزة. كاتب فلسطيني(*) |
||||||