المخاطر الحقيقية للمزاعم الصهيونية في "ملف اليهود العرب"!!

السنة الحادية عشر ـ العدد 131 ـ (ذو الحجة 1433 هـ - محرم  1434هـ ) تشرين ثاني ـ نوفمبر ـ 2012 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في سابقة خطيرة وللمرة الأولى بتاريخ المنظمة الدولية وبحضور نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون وافقت الأمم المتحدة على عقد جلسة في مقرها في نيويرك لمناقشة ما أسمته "مزاعم" اليهود الذين كانوا يقيمون في بعض الدول العربية بأنهم طُردوا في يوم الجمعة بتاريخ 21/9/2012.

وتعليقاً على ذلك فقد عبرت وسائل الإعلام العبرية عن فرحة إسرائيلية غامرة بهذه الجلسة واعتبرت مصادر إسرائيلية أن موافقة الأمم المتحدة على عقد مثل هذه الجلسة هي اعتراف بحقوقهم من قبلها بان اليهود طردوا من الدول العربية وان الاعتراف بهم كلاجئين ليس اعترافاً معنوياً بل أساسا قانونيا على حد الزعم.

ماذا تعني هذه الخطوة؟ وما هي المخاطر الحقيقية لها؟ وما هي الأهداف التي يسعى الكيان الصهيوني إلى تحقيقها من وراء ذلك؟.

اعتراف صريح

إن الخطوة الأممية، التي تحدث للمرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة، تعني أن "هناك اعترافاً صريحاً من جانب المؤسسة الدولية بأن اليهود طردوا من الدول العربية وأن لهم حقوقاً كلاجئين، ستكتسب الشرعية القانونية، وليس المعنوية فحسب"، وفق مسؤولين إسرائيليين.

ولأول مرّة، أمام المحفل الدولي، يتم مناقشة الطرح الإسرائيلي الذي يزعم باضطرار 900 ألف يهودي على الفرار من الدول العربية، مع قيام الكيان المحتل في فلسطين عام 1948، مردفاً بمطلب العودة والتعويض عن أملاكهم بقيمة تتراوح ما بين 100 - 400 مليار دولار.

ويدّعي الاحتلال أن هؤلاء اليهود هجّروا "قسراً" من الدول العربية والإسلامية، وهي الأردن ومصر وسورية واليمن والعراق وإيران والبحرين والمغرب وليبيا وتونس والجزائر وموريتانيا، بين الأعوام 1948 حتى 1956، ولهم الحق بالتعويض عن عقاراتهم وأملاكهم التي فقدوها. وفي هذا الصدد تستعد وفود شكلتها وزارة الخارجية الإسرائيلية لزيارة البلدان العربية والإسلامية لجرد وإحصاء أملاك وعقارات اليهود ممن غادروها نحو فلسطين تحضيراً لدعاوى التعويضات التي سيتم تحريكها بموجب القانون الذي شرعته سلطات الاحتلال باشتراط دفع تلك التعويضات في أي تسوية سياسية واتفاق سلام مع الدول العربية.

ويخلط الادعاء الإسرائيلي، وفق أوساط سياسية وقانونية، بين "واقع الخروج الطوعي لليهود من تلك الدول وفق آليات صهيونية وبين أسطورة الطرد القسري، لتشويه حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وأراضيهم التي هجّروا منها قسراً بفعل العدوان الصهيوني الوحشي عام 1948".

كما يتم، الزجّ بالأردن في التحرك الإسرائيلي الأخير، علماً بأنه البلد العربي الوحيد الذي لم تقطنه جالية يهودية، ولا يوجد أثر تاريخي لإقامتها في شرق الأردن. وتزعم الأنباء الواردة في وسائل الإعلام الإسرائيلية عبر مواقعها على شبكة الانترنت، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن "حجم أملاك اليهود في الأردن يقدر بملايين الدولارات، تعود للفترة ما قبل عام 1948 وحتى منتصف خمسينيات القرن المنصرم، وتطال مساحات أراض شاسعة في جنوب الأردن تحديداً". وأن الكيان الصهيوني يسعى من خلال ذلك إلى ذر الرماد في عيون المجتمع الدولي تحت ذرائع ما تسميه "اللاجئ اليهودي" في الدول العربية. والحقيقة الساطعة كنور الشمس والتي يعرفها تماماً المجتمع الدولي هي أن توجه اليهود إلى فلسطين عام 1948 كان طوعياً، وفق مخطط المنظمة الصهيونية العالمية التي كانت تلجأ، غالباً، للعنف والإجرام ضدهم لإجبارهم على الخروج من أماكن تواجدهم والاستيطان في ما يسمونه "أرض الميعاد". وهذا الأمر، لا يستقيم مطلقاً مع سياسة التطهير العرقي والمجازر الصهيونية التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني لتهجيره من أراضيه ودياره إلى أماكن اللجوء والشتات، وبموازاة ذلك، نشطت حملة صهيونية مؤخراً لإشاعة مزاعم اضطهاد اليهود في البلدان العربية والإسلامية التي قطنوها قبل خروجهم قسراً إلى فلسطين، وحجم الأملاك التي أجبروا على تركها وراءهم.

بيدَ أنه لم يسجل تاريخياً أي نشاط عربي إسلامي قسري ضد قاطنيها من اليهود لحملهم على "الخروج"، وإنما كانوا يعيشون بأمن وسلام، وقاموا بتسوية أملاكهم قبل مغادرتهم طوعاً، عبر الأذرع الصهيونية التي كانت تلجأ، غالباً، للعنف، لإجبارهم على الخروج نحو فلسطين لاستيطانها بعد طرد شعبها الفلسطيني.

وتفيد معطيات الهجرة الإسرائيلية باستيطان حوالي 3.5 مليون مهاجر خلال الفترة ما قبل 1948 وحتى نهاية 2007، موفـّرة 44.7% من إجمالي الزيادة المحققة في عدد السكان، فيما يبلغ عدد سكان الكيان المحتل اليوم حوالي 7.88 مليون نسمة، وفق تقديرات 2012, منهم 5.931 مليون إسرائيلي، حوالي 9% منهم من آسيا وأفريقيا.

وكمثال على التزييف والتضليل الصهيوني في هذا المجال نقول إن الوضع في الأردن يتمايز عن البلدان العربية والإسلامية بالنسبة للوجود اليهودي، حيث لا وجود تاريخيا لليهود في الأردن، بينما الحديث الصهيوني عن مرور العبرانيين عبر شرق الأردن نحو فلسطين لا أساس له من الصحة.

وإن الفترة الواقعة ما قبل عام 1948 وحتى منتصف الخمسينيات تقريباً لم تشهد وجوداً تاريخياً لجالية يهودية في الأردن، بينما عرفت حقبة الستينيات حضوراً يهودياً على المستوى الفردي، إلى أن أكسبت معاهدة وادي عربة (عام 1994) وجودهم الشرعية.

وإن عمليات شراء الأراضي نشطت على المستوى الفردي، الخطير جداً، حيث كانت الصفقات تتم بين شخصيات أردنية متنفذة ومؤسسات يهودية، مثل الوكالة اليهودية، وتطال مساحات أراضي شاسعة في مناطق حيوية، بقيم مالية ضئيلة. ولكن هذا الأمر اختلف بعد المعاهدة الأردنية– الإسرائيلية التي أمدتهم بقوة الوجود في الأردن، وإيجاد الممتلكات فيها. والحقيقة أن اليهود غادروا البلدان العربية طواعية، وليس قسراً كما يزعمون، وبالتالي لاحق لهم في الأملاك التي تركوها بمحض اختيارهم.

وتتناقل بعض الأوساط، دون سند وثائقي، معلومات عن شراء اليهود أراضي في منطقة العمد ومطار الملكة عالية والقطرانة، جنوب عمان، بالإضافة إلى أراض في مأدبا، ولكن لم يعرف ما إذا كانت تلك الأراضي ما تزال بحوزتهم وما إذا كانت عمليات الرهن التي تمت قد جرى تسويتها.

وتأسيساً على ذلك، لم تشهد منطقة شرق الأردن، تاريخياً، عملية تملُّك لجاليات يهودية، أسوة باليهود العراقيين في العراق أو اليهود المغاربة في المغرب مثلاً، إذ لا يوجد هذا النوع من الملكيات لديها، في حدود ما تفصح عنه الوثائق.

حملة دولية واسعة

منذ عدة أشهر أطلقت الحكومة الإسرائيلية حملة دولية واسعة النطاق للاعتراف بوضع "اللاجئين" لمئات الآلاف من يهود الدول العربية الذين هاجرو إلى إسرائيل منذ إعلان قيامها عام 1948. وتقول إسرائيل إن هؤلاء اليهود أُجبروا على الهجرة في ظروف بالغة القسوة دفعتهم إلى ترك ممتلكاتهم، ومن ثم فهي تُعدُّ ملفاً للتعويضات المستحقة لهم، وتدَّعي أن أعدادهم فاقت أعداد اللاجئين الفلسطينيين، وأنهم بسبب طبيعة أعمالهم كانوا أثرى بما لا يقارن مع اللاجئين الفلسطينيين، بما يجعل ملف التعويضات المطلوبة لـ"اليهود اللاجئين العرب" ثقيلاً. ومع الأسف فإن إحدى الركائز القانونية التي ترتكز إليها إسرائيل هي ما ورد بقرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 بشأن "إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين"، إذ تقول المصادر الإسرائيلية إن النص صريح على وجود مشكلة لاجئين عامة وليست فلسطينية فحسب.

في البداية يمكن للمرء أن يتخيل أن الأمر ليس سوى نوع من السخف المطلق ناسياً أن إسرائيل تأخذ كل أمورها -حتى ولو كانت قضية بلا أساس كهذه القضية- بمنتهى الجدية، ولكن هذا المرء سيفيق من هذا التخيل على نبأ عقد اجتماع في الأمم المتحدة في الواحد والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر الماضي لهذا الغرض، ومن الطبيعي أن هذا الاجتماع عُقد برضا الأمم المتحدة وموافقتها وفي مقرها، بل إن الدول العربية عندما حاولت الضغط لمنعه ورُفض طلبها تقدمت بطلب إلى الأمانة العامة لوضع طاولة على مدخل قاعة الاجتماع لتوزيع بيانات للصحافة، ورُفض طلبها هذا أيضاً، وعُقد الاجتماع وشارك فيه مسؤولون كبار من المنظمة الدولية وعدد من سفراء الدول الغربية ورجال القانون. وجوهر هذه القضية التي تثيرها إسرائيل إذن أن اليهود العرب الذين هاجروا إليها "لاجئون"، وهو طرح غير معقول، فقد بذلت إسرائيل منذ نشأتها جهوداً خارقة من أجل إغراء يهود الدول العربية بالهجرة إليها، أو تهديدهم بتدبير خفي لعمليات عنف موجهة ضدهم، أو بمحاولة الاتفاق مع حكومات الدول العربية المعنية بوسيلة أو بأخرى على تهجيرهم، ومن قوام هؤلاء المهاجرين يتكون "شعب" إسرائيل. ويفترض وفقاً للفكرة الصهيونية أن يكون هؤلاء قبل هجرتهم إلى إسرائيل مشتتين في بقاع الأرض، وأن هجرتهم إلى إسرائيل هي ممارسة لـ"حق العودة" وفقاً للوعد الإلهي المزعوم، فهل يكون المنطق القائل إنهم "لاجئون" في إسرائيل يتفق وهذا؟ ثم إن الحل العادل لقضية اللاجئين هو أن يعودوا إلى ديارهم، فهل تقبل إسرائيل أن تتخلص من نصف شعبها مثلاً إن كان حقاً من اللاجئين؟ وهل تفعل ذلك تحديداً في وقت تطاردها فيه القنبلة السكانية الفلسطينية وتؤرق مضجعها؟.

غير أن التطور الجدير ذكره في هذه القضية هو أن بعض هؤلاء اليهود -وتحديداً يهود العراق المعروفين باعتزازهم بالانتماء لوطنهم الأصلي وحياتهم فيه- قد فندوا المزاعم الإسرائيلية، فشكلوا لجنة أطلقوا عليها "لجنة يهود بغداد"، وقال رئيسها إن الحكومة الإسرائيلية ووزراء من اليمين يحاولون "استغلال تاريخنا بطريقة مهينة في ألاعيبهم السياسية"، وأضاف: وهذه الخطوات خطيرة جداً، ونعتبرها القشة التي قصمت ظهر البعير، فهذه ليست المرة الأولى التي يجري فيها محو تاريخنا واستغلاله وتشويهه.

وما أثار غضب واستفزاز مطلقي هذه الحملة هو ما أعلنه رئيس اللجنة بأنها جاءت "لتكون الخطوة الأولى في استئناف المطالبة بتاريخنا وثقافتنا وأملاكنا أيضاً، ولن نترك للآخرين ومن ضمنهم الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل الاستحواذ عليها لصالحهم"، وفي توجههم للحكومة قال أعضاء اللجنة: "نشكر الحكومة من صميم قلوبنا على الخطوة السريعة التي استغرقت 62 عاماً لكي تعترف بنا كلاجئين"، وواصلوا القول بسخرية: "نقترح الاعتراف بالأشكيناز أيضاً كلاجئين لكي لا يخطر ببالهم أن يرسلوا إلينا ضباط وحدة (عوز) الأفاضل"،ـ عوز هي الوحدة التي تلاحق اللاجئين الأفارقة في إسرائيل ـ.

وطالبت اللجنة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تفحص صحة ما ذكر عن كون رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك (ديفيد بن جوريون) أجرى مفاوضات مع رئيس حكومة العراق نوري السعيد عام 1950 أقر فيها بأنه يمكنه الاحتفاظ بأملاك يهود العراق إذا أرسلهم إلى إسرائيل، كما طالبت اللجنة بالكشف عن الجهة التي أرسلت الأوامر بإلقاء القنابل على كنيس يهودي في العراق عام 1950، وما إذا كانت جهة رسمية قد فعلت ذلك بهدف تخويف اليهود العراقيين حتى يهاجروا.

وهددت اللجنة برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية إذا تبين أن بن جوريون تفاوض على أملاك يهود العراق، وأن جهة رسمية إسرائيلية هي من ألقت القنابل على المعبد اليهودي. وتضمن منطق اللجنة أن "حكومة إسرائيل غبية في طرحها هذه الحملة لتحصيل حقوق اللاجئين اليهود من الدول العربية، فمن يبحث عن الحل المنصف للاجئين يجد أنه يتمثل في إعادتهم إلى أوطانهم، فيعود اللاجئون اليهود إلى الدول العربية، ويعود الفلسطينيون إلى فلسطين. فهل هذا ما تريده إسرائيل؟ ألم نتعلم في مدارسنا أننا كيهود عدنا إلى وطننا الأول القديم، أرض الميعاد، فكيف أصبحنا لاجئين في إسرائيل؟".

من الواضح بطبيعة الحال أن إسرائيل تقوم بحملتها هذه كسلاح يمكنها -إن نجحت- استخدامه بفعالية في قضية اللاجئين الفلسطينيين، فهي تتحدث عنهم مستخدمة أوصافاً لا تقل سخفاً عن فكرة الحملة ذاتها، وتصفهم حيناً بـ"العرب الذين هربوا" وحيناً آخر بالذين "عادوا إلى فلسطين الانتداب" أو إسرائيل، وكأنهم هربوا أو غادروا ديارهم بإرادتهم، وكأن مذابح إسرائيل لترويعهم لم تقع، وملف "اللاجئين اليهود العرب" سيكون ورقة تفاوضية في مواجهة ملف القضية الفلسطينية.

فالأمر إذن ينطوي على مخاطر حقيقية يتمثل أهمها في تعويق غير مسبوق لمسار أي مفاوضات تجرى في المستقبل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولذلك فإن وصفه بالسخف لا يعني أن ننأى عن مواجهته تحسباً لكل الاحتمالات.

وثمة أسئلة مشروعة وبديهية في هذا الصدد. أين كان التحرك الفلسطيني والعربي والإسلامي عندما كانت المسألة في بدايتها منذ سنوات قليلة؟ ولماذا لم يتم حشد دبلوماسي دولي كافٍ خلف مطلب إلغاء عقد ذلك الاجتماع؟ وأين التعريف الواسع بمداولات هذا الاجتماع وما انتهى إليه حتى يصبح ذلك كله تحت سمع وبصر كل مواطن فلسطيني وعربي ومسلم؟.

من الواضح أن إسرائيل تتحرك في ظل هدوء تام للجبهة الدبلوماسية العربية الإسلامية، ولذلك تقدم على مبادرات من نوع افتعال قضية حول "اليهود اللاجئين العرب"، ولذلك فإن تفعيل هذه الجبهة مطلوب حتى تكون قضية اللاجئين الفلسطينيين حاضرة دوماً، ومطلوب كذلك ملف تعده الدول العربية والإسلامية المعنية تحت إشراف الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي يتضمن بالوثائق حق هذه الدول في التعويض عما لحق بها من أضرار مثل استنزاف بترول سيناء وخليج السويس في مصر منذ 1967 إلى 1982 ومثل تدمير البنية التحتية غير مرة في لبنان، وهكذا. ولماذا لا تعلن الدول العربية والإسلامية في خطوة تكتيكية بارعة أنها تقبل ببساطة عودة يهودها إليها، فإسرائيل لا يمكنها أن تقبل هذا الطرح وإلا تكون قد خسرت وجودها نفسه.

المهم أن بديل السكوت غير مطروح على الإطلاق، ففضلاً عن كونه علامة على الرضا كما يقول المثل الشائع فإنه قد يحول الصفاقة الإسرائيلية إلى كابوس عربي حقيقي، وبدلاً من أن نهاجم إسرائيل دبلوماسياً من أجل حق عودة الشعب الفلسطيني نجد أنفسنا مضطرين إلى التخندق لصد المطالبات الإسرائيلية اللامعقولة.

الأهداف الداخلية والخارجية

إن أزمة العرب والمسلمين مع إسرائيل، لا تكمن فقط في احتلال الأراضي وممارسة أبشع أنواع الانتهاكات ضد الفلسطينيين، بل تتجاوز ذلك بكثير وتصل إلى اختلاف كبير في طريقة التفكير ومحاولة إيجاد أمر واقع يصعب تغييره والانتقال من قضية لأخرى، حتى عندما نصل إلى مفتاح في واحدة منها نكون نسينا القضية الرئيسية وجرى الاستغراق في فروع مختلفة. ففتح ملف "اليهود العرب" من جانب إسرائيل ليس بجديد، فقد سبق لها ـ طوال السنوات الماضية ـ أن أشارت إليه في كثير من أدبياتها السياسية واستخدمته في بعض المواقف الدبلوماسية، لكن الجديد الآن أن فتحه لم يأت جزافا، وجاء مصحوباً بخطة ممنهجة، مدفوعة بمجموعة من الأهداف الداخلية والخارجية. على الصعيد الأول تريد حكومة نتنياهو كسب ود قطاع مهم من اليهود الشرقيين الذين يميلون تاريخيا لدعم حزب العمل، من خلال توصيل رسالة إليهم تقول إنها تسعى لجلب أموال إليهم ولا تتجاهل جميع حقوقهم. ويريد ليبرمان توظيف الملف في تعكير صفو أي محادثات منتظرة مع السلطة الفلسطينية، التي يتحفظ بدوره عن كثير من القضايا التي سيتم التطرق إليها، حال استئناف قطار المفاوضات الذي لم يغادر محطته منذ سنوات، أملا في أن يقتنع مؤيدوه بعدم تغيير تصوراته، وأن مشاركته في حكومة نتنياهو لم تمنعه من رفض سياسات تبدو بعيدة عن قناعاته المتشددة المعروفة عنه حيال الفلسطينيين.

وعلى الصعيد الخارجي، تسعى إسرائيل إلى إحداث مزيد من الارتباك في الصفوف العربية، خصوصاً وأن مخاطبة تل أبيب لجامعة الدول العربية للاعتراف بملف اليهود العرب أدت إلى ردود أفعال غاضبة، من حيث الشكل والمضمون، لأنها تفتح ثغرة، يأتي الانخراط فيها على حساب قضايا عربية غاية في الأهمية، أو على الأقل قد يتسبب الكلام في هذا الموضوع في وقف ضغوط بعض الدول العربية لتدشين مفاوضات جادة، والإلحاح على قوى غربية أن تسارع للامساك بزمام المبادرة، طالما أن الولايات المتحدة لا تزال غير معنية بممارسة دورها التقليدي في ملف التسوية السياسية.

الخطاب الإسرائيلي بدا خلال الأيام الماضية ممنهجاً ويعرف مراميه بصورة جيدة، حيث ركز بكثافة على تصوير المشهد بالنسبة لليهود العرب وكأنهم تعرضوا لاعتداءات منظمة وممنهجة من قبل السلطات. وهو ما يحمل إشارتين مهمتين, الأولى، تتعلق بالفلسطينيين، فإذا كان هؤلاء تعرضوا لمشكلات وظلم وانتهاكات، فإن اليهود العرب تم الاعتداء عليهم بوسائل متعددة، بهدف الوصول إلى مساواة بين الضحية والجلاد. فالفلسطينيون العرب(الضحية) يتشابهون في المعاناة التي واجهها بعض اليهود (الجلاد) في عدد من الدول العربية. والإشارة الثانية، تخص الأسطوانة المشروعة التي تكررها إسرائيل بشأن ما يوصف بمحارق الغاز التي واجهها اليهود في أفران النازي. في محاولة لطبع صورة ذهنية مماثلة عن العرب، تجعلهم تقريباً في كفة موازية مع الألمان في عهد هتلر. وينطوي الربط بينهما على مخاطر معنوية وسياسية أيضاً، يمكن أن تفضي إلى التأثير على أي بوادر حماس من جانب الغرب لدفع المحادثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين للأمام.

الواضح أن الكيان الصهيوني في تدشينه للحملة الإعلامية الخاصة بهذا الموضوع، فإنه يسعى إلى توظيف بعض الأشكال النمطية السلبية للعرب والاستفادة من المكتسبات التي حققها من وراء علاقته الوثيقة بجماعات الضغط الأمريكية. فقد كتب رون بروزور مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة مقالاً نشره في صحيفة "هافنجتون بوست" أكد فيه أن منطقة الشرق الأوسط لن تحقق السلام دون اعتراف الدول العربية بأن "التاريخ العربي مليء بالكراهية والاضطهاد وسفك الدماء والظلم البين لليهود، وأنه يتعين على هذه الدول الاعتراف بما ارتكبته من جرائم ضد سكانها الأصليين من اليهود وأن المذابح التي يتعرض لها حالياً السنة في سوريا لا تختلف كثيراً عن المذابح المروعة التي تعرض لها يهود هذه الدول خلال القرن العشرين". كما أن إسرائيل تتبنى خطة للترويج بأن تعريف اللاجئ ينطبق على يهود الدول العربية. وتنوي طرح هذه المسألة في أي مفوضات سياسية تدخلها مع السلطة الفلسطينية أو أي دولة عربية، وذلك بعد أن نجحت منذ عام 2008 في انتزاع قرار من الكونجرس الأمريكي أكد أهمية هذا التعريف.

الخطورة أن إسرائيل تسارع في خطوات تسويق منهج المساواة بين ملف اليهود العرب واللاجئين الفلسطينيين. وبدأ راعي حملة "أنا لاجئ يهودي" داني أيالون نائب وزير الخارجية في الاستفادة من جذوره الجزائرية لإضفاء مسحة من الثقة والصدق في حملته التي جهز لها إعلامياً وسياسياً بطريقة محكمة. حتى أن التقديرات والمقارنات المادية والعددية التي قدمها أخذت طريقها في الانتشار. فقد قدر مثلاً قيمة الممتلكات التي فقدها اليهود في الدول العربية بحوالي ستة مليارات دولار، بأسعار الوقت الحالي، بينما يبلغ ما فقده اللاجئون الفلسطينيون بسبب التهجير (في نظر أيالون) بحوالي أربعة مليارات دولار. وتعمّد أن يكون التقدير العددي لصالح بني جنسه، حيث قدّر عدد اليهود الذين هاجروا من الدول العربية بنحو 900 ألف يهودي ويهودية، في حين بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين 750 ألف شخص. وترمي إسرائيل من وراء استخدام لغة الأرقام والأعداد المتقاربة في الخسائر والمتضررين إلى تعزيز ما تعتبره عدالة بالنسبة لملف اليهود العرب، لحض جهات كثيرة على التعامل معه بجدية.

الظاهر أن الاعتذار الذي تطلبه إسرائيل من جامعة الدول العربية أو التلميح لمسألة التعويض تهدف إلى تحقيق جملة من المكاسب السياسية. في مقدمتها، الإيحاء بأنها تطرح "قضية عادلة"، وقد سبق أن قدم بيرلسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق اعتذاراً إلى ليبيا على تجاوزات الاحتلال الإيطالي في حق الليبيين. وعندما طلبت الاعتذار توقعت أن تطالب بالمثل بالنسبة للفلسطينيين. وبالطبع لن تمانع، إذا حصلت على ما تريده من جامعة الدول العربية، لأنها ستصل بذلك إلى مبتغاها في المساواة. أما حكاية التعويض المادي فقد طرحتها حتى تشغل العرب بالدخول في تفاصيل الرياضيات المعقدة، من عمليات طرح وجمع وضرب. وبالتالي نبتعد كثيراً عن جوهر قضية اللاجئين الفلسطينيين. كما أن التفاهمات السابقة حول عودة بضعة آلاف تريد تل أبيب التنصل منها، لأنها لا تريد القبول بمبدأ العودة، حتى لو كان العدد ضئيلاً. كما أن المساومة بملف اليهود العرب، يمكن أن تساعدها في الوصول لهذا الغرض، أو التخلي عن طرحه، لأنه ربما ينكأ جراحا كثيرا لا يريد أحد من العرب فتحها.

اليهود المغاربة "نموذجاً"

لماذا ترك اليهود المغاربة بلدهم وهاجروا مبكراً إلى فلسطين المحتلة؟ في معرض جوابه عن هذا السؤال يقول شمعون ليفي، اليساري المغربي ومدير المتحف اليهودي بالدار البيضاء، إن اليهود المغاربة هاجروا إلى إسرائيل على دفعات بدواع متعددة. وأول دفعة من اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى إسرائيل، حسب ليفي، كانت سنة 1948، أي مباشرة بعد قيام الكيان الصهيوني. ويقدّر عدد هؤلاء بحوالي 90 ألف فرد كان معظمهم يزاولون حرفاً بسيطة ويتحدرون من فئات اجتماعية متواضعة، وكان دافعهم إلى الهجرة هو الرغبة في تحسين ظروفهم الاجتماعية. أما الدفعة الثانية من اليهود المغاربة فقد هاجرت إلى إسرائيل، يقول ليفي، بعد حصول المغرب على الاستقلال، غير أن معظم هؤلاء لم تكن لهم رغبة في الهجرة، وإنما تم تهجيرهم ربما بقرار من الدولة نظراَ للصراع السياسي الذي ميّز تلك المرحلة من تاريخ المغرب، مشيراً في هذا السياق إلى أن الراحل الحسن الثاني في بداية حكمه اضطر، حسب ما يروج، تحت إكراه معارضة سياسية قوية في تلك الفترة، إلى التفاوض مع عدة أطراف دولية لغض الطرف عن تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل. لكن تبقى أكبر محطة في تاريخ هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين المحتلة هي تلك التي وقعت سنة 1967.

فاللوبيات المختصة في تهجير اليهود، بحسب بعض المراقبين، استغلت نكسة 67 لتسوق صورة سيئة عن العرب، ذلك أنها كانت توظِّف بعض الأحداث المعزولة التي تقع ضد بعض اليهود المغاربة من أجل تحريضهم على الهجرة لأن بقاءهم، في نظرها، قد يعرضهم إلى حملات انتقامية.

وكان عدد اليهود المغاربة قبل الهجرة إلى فلسطين يقدر بأكثر من 30 ألف يهودي لم يتبق منهم حاليا إلا حوالي 5 آلاف يهودي رفضوا مغادرة المغرب، رغم الإغراءات التي قدمت لهم من طرف إسرائيل، وفق ما يقوله محمد الحداوي المختص في الدراسات اليهودية في الغرب الإسلامي. ويشكل العرب والأمازيغ من العدد الإجمالي لليهود المتبقين في المغرب نسبة 99.1 في المائة، فيما يشكل اليهود 0.2% أما العرقيات الأخرى فتشكل نسبة 0.7%. واعتبر الحداوي هجرة اليهود المغاربة إلى فلسطين خسارة كبيرة ليس فقط للاقتصاد الوطني، وإنما خسارة أيضا للهوية المغربية.

غير أن ما تنبغي الإشارة إليه، حسب الحداوي، أن هناك فئة من اليهود المغاربة، خصوصاً النخبة منهم، فضلت الهجرة إلى أوربا وأمريكا وكندا بدل الهجرة إلى إسرائيل. لكن الحداوي لا يحمل مسؤولية تهجير اليهود إلى الجهات الرسمية فحسب، بل يرى أن الأحزاب السياسية هي بدورها تتحمل جزءا من هذه المسؤولية.

وذكر الحداوي في هذا السياق كيف أن جريدة "العلم"، لسان حال حزب الاستقلال، عندما كان علال الفاسي وزيراً للأوقاف والشؤون الإسلامية، كانت تنشر بعض المقالات الدعائية التي تمجد اليهود الذين تخلوا عن الديانة اليهودية واعتنقوا الديانة الإسلامية، تحت عنوان عريض "هؤلاء أسلموا". مثل هذه المقالات في جريدة أقوى حزب سياسي في تلك الفترة، يقول الحداوي، كان لها مفعول خاص على اليهود المغاربة الذين يخشون على ديانتهم من الزوال وخلقت وسطهم نوعا من "الفوبيا" إزاء كل ما هو إسلامي، إذ إن بعضهم اعتبر أن نشر تلك المقالات هو بمثابة تعصب لديانة دون أخرى ومحطة تمهيدية لإكراه اليهود المغاربة على تغيير ديانتهم إذا ما أرادوا البقاء في المغرب.

أما لماذا يفضل أبناء اليهود المغاربة في إسرائيل الانتماء إلى الأحزاب اليمينية بدل الأحزاب اليسارية، فقد عزا الحداوي سبب ذلك إلى التعدد الإثني والعرقي والثقافي الذي يخترق الطوائف اليهودية المكونة للمجتمع الإسرائيلي، ذلك أن اليهود المغاربة يندرجون في طائفة يهود المشرق، أو ما يسمى بــ"السفارديم". وهذه الطائفة تعاني من التهميش والاحتقار من طرف يهود الغرب، أي ما يعرف بــ"الإشكناز" الذين ينظرون بازدراء إلى كل اليهود الآتين من الدول العربية. ولهذا السبب، يقول الحداوي، انخرط اليهود المغاربة في حزب الليكود بدل حزب العمل الذي أسسه مؤسسو الدولة الإسرائيلية مثل شيمون بنغوريون وشيمون بيريز.

وتتعدد الروايات عن نشاط الحركات الصهيونية المختصة في تهجير اليهود المغاربة إلى فلسطين، ذلك أن بعض المؤلفات تشير إلى أن عمل هذه الحركات في تهجير اليهود المغاربة يعود إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل وتحديداً إلى بداية العشرينيات من القرن الماضي. إذ تتحدث بعض الإحصائيات عن تهجير حوالي ألف يهودي مغربي إلى فلسطين طيلة الفترة الممتدة بين 1919 و1947، وهي الفترة التي شهدت ظهور بعض المنظمات اليهودية - الصهيونية المغربية مثل رابطة "شعاري تسيون" أي أبواب صهيون، ورابطة "شيفات تسيون" أي العودة إلى صهيون، ورابطة "أهفات تسيون" أي حب تسيون، ورابطة "حيبت تسيون" أي محبة صهيون. وكانت معظم هذه الروابط والمنظمات تعمل على استكمال دور الحركة الصهيونية التي فشلت في التغلغل بصورة فعالة في أوساط يهود المغرب ولاسيما الطبقة المثقفة منهم.

أما بخصوص نشاط الحركات الصهيونية في المغرب، خلال الفترة المحصورة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية 1918-1939، فقد أشارت بعض المؤلفات إلى أن الحركة الصهيونية خلال هذه الفترة عملت على توسيع حجم نشاطاتها في المغرب مستخدمة في ذلك عدة أساليب من أبرزها إيفاد مبعوثين تابعين للصناديق القومية الصهيونية للمغرب، كوسيلة اتصال مباشرة مع يهود المغرب بالإضافة إلى استمرار تبادل الرسائل مع الروابط الصهيونية بالمغرب.

أما في الفترة الممتدة ما بين 1943-1947 فقد ساعدت مجموعة الأحداث، سواء قبل نشوب الحرب العالمية الثانية أو خلالها، على ازدياد التعاون مع النشاط الصهيوني وعلى اجتذاب مختلف الشرائح اليهودية للعمل الصهيوني، رغم اختلاف توجهاتها وكان من أبرز تلك الأحداث فشل سلطات الحماية الفرنسية في سنّ قوانين تفصل اليهود تماما عن الحكم المغربي، ونشوب الثورات الفلسطينية ما بين عامي 1936-1939.

وحول عمليات تهجير يهود المغرب إلى فلسطين في الفترة ما بين عامي 1947-1964، أشارت بعض المصادر إلى أن عملية تهجير يهود المغرب إلى فلسطين استغرقت فترة زمنية طويلة نسبيا، ففي البداية حظيت بزخم خلال الفترة 1947- 1948 تحت تأثير الدافع العاطفي بقرب إعلان قيام دولة إسرائيل، ثم حدث انخفاض ملحوظ خلال العام 1953 بسبب الأزمة الاقتصادية التي عانت منها إسرائيل في تلك الفترة، لكن خلال عام 1956 وهو عام حصول المغرب على استقلاله حققت الهجرة أرقاما قياسية.

لكن حالياً تشير بعض المصادر إلى أن العديد من اليهود المغاربة الموجودين في إسرائيل يراودهم حلم العودة إلى المغرب بعد أن أصيبوا بخيبة أمل من اللوبي الصهيوني الإسرائيلي الذي وعدهم بالجنة فوق الأرض الموعودة، قبل أن يصدموا بواقع حرب طويلة الأمد أصبحوا معها مهددين في أرواحهم وأمنهم.

وأخيراً نقول: إن المطلوب اليوم ليس كشف وفضح المزاعم الصهيونية لقيام الكيان الصهيوني, بل وكشف ونشر كل الوثائق التي تتحدث عم ما يسمى باللاجئين اليهود العرب, لن هؤلاء هجروا من خلال عمليات منظمة ساهمت فيها الحركة الصهيونية بالتعاون مع بعض الجهات المحلية في الدول العربية, حيث هاجر هؤلاء في عمليات هجرة سرية من بعض البلاد العربية ووصلوا إلى أرض فلسطين، حيث قاموا مع غيرهم من يهود العالم بتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه وبناء (دولة يهودية) على حساب هذا الشعب, وإن على المجتمع الدولي بمنظماته المختلفة أولاً أن يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية اتجاه اللاجئين الفلسطينيين بدءا من وعد بلفور عام 1917 مرورا بالنكبة عام 1948، هذا بالإضافة لما تبع ذلك من معاناة للمواطن الفلسطيني وإلى الآن سواءً بمصادرة الأراضي أو بناء الجدار العازل وتدمير المنازل والتهجير القسري للسكان وبناء الهيكل.

اعلى الصفحة