|
|||||||
|
لقد تم استنكار الإساءة التي وجهت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل مُعدِّي فيلم "براءة المسلمين" من كل شعوب أمتنا الإسلامية بل من كل الشعوب الحرة التي تُقيم للقيم السماوية وزناً والتي تميز بين حرية التعبير عن الرأي كحق مضمون للإنسان وبين حرية الإساءة للآخرين التي لا توافق عليها كل الشرائع السماوية ولا الوضعية. غير أن المطلوب اليوم هو فَهم الرسالة التي حملها الفيلم والتي يجب أن يُدرك العالم بأسره أنه فيلم يحرض على حروب دينية على كامل الكرة الأرضية، لن تسلم منها البشرية بأجمعها فيما لو سُمح لهم بالتمادي في هذا النهج وهو ما يفرض على المؤسسات الدولية إن كانت حريصة على الأمن والسلم الدوليين أن تضع القوانين التي تجرم هكذا أعمال وتقدم من يقف وراءَها إلى المحكمة الجنائية الدولية إذ أن المحرض على القتل هو تماماً كالقاتل إن لم يكن أشدّ. إن دراسة موضوعية لمضمون الفيلم تبين أن الصهيونية العالمية تقف وراءَه بشكلٍ واضح فهو يسعى إلى: 1- فتنة طائفية في مصر: يبدو واضحاً أن الفيلم تبدأ أحداثه في مصر حيث يُقدم ملتحون مسلمون على قتل أقباط بدمٍ بارد وسرقة صيدلية مسيحي قبطي، زوجته طبيبة ما يستدعي أن تسأله بناته بعد هروبهم لمأمن عن سبب فعل المسلمين هذا. فيُعيد هذا الصيدلي الأمر إلى بدايات الإسلام ليوضح أن المشكلة في أصل الدين الإسلامي الذي يصوره على الشكل المهين والمشين الذي ظهر من خلال الفيلم. إن السرد بهذه الطريقة يحاول أن يشعل فتنة نائمة في مصر بين المسلمين والأقباط مما يضعف مصر مقدمة لتقسيمها لدويلات طائفية لا تقوى معها بنظامها الجديد على مقارعة الصهاينة والدولة الصهيوني، فتشطب مصر من معادلة الصراع العربي الصهيوني وتسلم إسرائيل. وحسناً فعل الأقباط عندما أدانوا هذا الفيلم ومضمونه وأنه لا يعبر عنهم حتى لو كان المنتج أو المخرج قبطياً. 2- حق الصهاينة بالعودة إلى شبه الجزيرة العربية: يتناول الفيلم بشكلٍ واضح هذه الفكرة من خلال عرض مزور لمسألة مقتل زوج أم المؤمنين صفية (رضوان الله تعالى عليها) والتي كانت ترى مقتل زوجها بأسلوب همجي وهو يهودي كما هي أيضاً لتسأله عن وصيته فيقول لها بما معناه إن اليهود سيجتمعون في آخر الزمان في أرض فلسطين عندها يجب أن لا ينسوا استردادهم لحقوقهم في أرض الجزيرة العربية. إن توقيت تسويق هذه الفكرة مع الطرح الصهيوني الجديد للتعويض على أملاك اليهود في شبه الجزيرة العربية كالحجاز واليمن وغيرها من المناطق كرد على حق عودة الفلسطينيين يُعطي فكرة واضحة أن هذا الفيلم لا ينطلق من محاولة عبثية متهكمة لإثارة مواضيع سطحية بل يأتي ضمن سياق خطة محكمة تطرح أفكاراً في مواقيت محددة ضمن سياق سياسي وأمني. يجب أن يكون الرد من قِبَلِنا واضحاً بأننا نُصر على حق عودة الفلسطينيين ولا مانع لدينا بل نطلب أن يعود اليهود إلى كل البلاد التي خرجوا منها ليعود لكل ذي حق حقه فمن أتى من روسيا وأمريكا وأي بلد حتى لو كان عربياً فليعد إليه، في نفس الوقت الذي يعود للفلسطينيين الحق بعودتهم إلى وطنهم فلسطين. 3- الإهانة للمسيحيين: لقد أوحى الفيلم من خلال مشهد ذهاب أم المؤمنين خديجة ( رضوان الله تعالى عليها) لخالها ورقه بن نوفل لسؤاله أن يقدم لها عوناً في رفع شأن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فرد عليها ورقه بأنه سيأخذ بعض النصوص من الإنجيل وأخرى من التوراة ويضع كتاباً جديداً يكون سبباً لرفع شأنه. وهنا أنا لا أريد الدخول في الرد الفكري على ذلك فهو واضح من خلال الإعجاز الموجود في القرآن ومناسبات الآيات وحوادث الزمان في ذلك الوقت، بل ما أريد إيضاحه هو أن الفيلم تعمد إهانة رجل الدين المسيحي من خلال إعطائه صورة الدجال الذي يسعى للإساءة إلى دينه قبل الإساءة إلى غيره، وهذا غير صحيح بل إن ورقه وجد في محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه نبي من خلال معرفته بالنبي وما أنبأ به الإنجيل في ذلك. يجب أن يكون هناك مواجهة إسلامية مسيحية وحتى يهودية مخلصة للإساءة التي يوجهها الصهاينة للقيم الدينية وللديانات نفسها من خلال فضحهم وفضح خططهم الجهنمية. 4- تبرير وجود الصهاينة في فلسطين: لقد أوحى الفيلم وبشكلٍ واضح من خلال عرض مسألة ذلك اليهودي الذي جاء مندوباً عن قومه وحاول النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إقناعه بالإسلام وعندما رفض، عرض عليه ثلاثة خيارات: إما أن يؤمن بالإسلام، وإما أن يدفع الجزية، وإما أن يذهب لفلسطين. فاختار اليهودي بعد تعرضه للقرآن بشكلٍ مهين أن يذهب لفلسطين والإيحاء من خلال هذا الفيلم أن الصهاينة ذهبوا إلى فلسطين بطلب من النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالتالي فإن وجودهم هناك له مستند شرعي عند المسلمين لا يجوز لهم نقضه. إن هذا الأمر يعتبر تزويراً للتاريخ حيث أن اليهود عندما خرجوا من شبه الجزيرة العربية لم يذهبوا إلى فلسطين بل انتشروا في أكثر من بلد من بلاد المسلمين ولم يطلب منهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) الخروج إلى فلسطين تحديداً وإن خرج بعضهم إلى هناك فإنه خرج بملء اختياره وهذا لا يعطي حقاً للذين احتلوا فلسطين في العام 1943، فالفارق الزمني كبير يمتد إلى عدة قرون، ولكن هناك سقطة مهمة من خلال هذا الطرح وهي أنهم يعترفون أنهم لم يكن لهم وجود في فلسطين ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي طلب منهم ذلك. هذه بعض من أهم الأفكار المنحرفة والمحرفة التي قدمها الفيلم أما الإساءات الرخيصة والشخصية للنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجاته (رضوان الله تعالى عليهن) وأصحابه فهي مجرد شتائم لا تستحق الرد، يكفي أن الله عز وجل قال عن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) . |
||||||