اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الخامسة عشر ـ العدد 175  ـ (رمضان ـ شوال  1437 هـ ) ـ (تموز 2016 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


لمدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

المال والحب.. والسعادة!!..

كلُّنا يرجو السعادة لنفسه ويبتغيها، ولكنَّ العجيبَ في الأمرِ أننا إذا سألنا واحداً عما يعينه بقوله: "السعادة"، تلعثم ولم يحسن القول ولا البيان.. فإذا أصر على أنه من العارفين فإنَّ وصْفَهُ لأسبابِ السعادة يبدو غامضاً غير واضح المعالم..

كثيراً ما نسمعُ قولَ القائل: "بِوُدِّيَ لو كانت لديَّ ثروةٌ طائلةٌ" فإذا ما سألناه ماذا سيفعل بهذه الثروة الطائلة، وماذا تفعلُهُ الثروةُ له.. فإنّه لا يعطي جواباً واضحاً مفهوماً..

وربما كانتِ المرأةُ أقدرَ على تحديدِ أسبابِ السعادةِ التي تَبْغيها لنفسها.. فإننا إن سألناها عما ترجوه لنفسها وما تتمناه أجابتنا: "أنها تريد الحبَّ والعطفَ من الزوج القوي، والأطفالَ والدارَ الجميلةَ، والاطمئنانَ الاقتصاديَّ، إنها الآمالُ التي تجيشُ في قلبها، وتجولُ في ذهنها، وتحلُمُ بها وترجو الله أن تتحققَ يوماً ما".

إلا أن الرجلَ أكثرُ طموحاً وأشدُّ طمعاً، والرِّجالُ بمُعْظَمهم- إنْ لم نقُلْ كلُّهم- يعلِّقون أهميةً كبرى على المالِ والقوةِ والجاهِ والسلطان، فإذا ما تحققت آمالهُم ونالوا ما يَنْشُدون فهل نراهم قد تنعَّموا بالسعادة؟!.

ولْنتناولَ المالَ الذي تحومُ حولَهُ خواطرُ الناسِ جميعاً.. هل يستطيعُ أحدٌ من الناس أن يقول إن الأغنياءَ سعداء؟!..

إن الواقعَ الذي لا نستطيعُ إنكارَهُ هو أن الحاجةَ إلى المالِ تخلقُ الشقاءَ، وفي المقابل فإنَّ كثرةَ المالِ من جهة أخرى قد تدفعُ البعضَ إلى المغامرةِ والإكثارِ من اللَّهو والطربِ والسهراتِ الماجنةِ وإلى الإدمان على الشراب، وإلى الخياناتِ الزوجيةِ، كما وأنَّ المحافظةَ على الثروة تبعثُ على القلقِ، إذ أن المالَ الكثيرَ ليس في الواقعِ من الأمورِ التي يُعْتَمَدُ عليها كثيراً في خَلْقِ السعادة..

إذاً فلْنتَّفِق على أنَّ المالَ ليس كلَّ شيء – كما بات مُتعَارفاً - وقد أضحتْ هذه المقولة على الألسنْ إلا أنها قد تكونُ عكسيَّةً حين الحصول على المال بأسلوب النَّهم بعدَ سنين عجاف، أي تصبح المقولةُ نعم المالُ كلُّ شيء في الحياة.. إلا أن الواقعَ الذي قد لا يختلفُ عليهِ إنسانٌ هو أن السعادةَ لا تُحصَّلُ بأموالِ الدنيا كلِّها، إذ ما نَفْعُ المالِ حينَ يكونُ الغمُّ والنَّكَدُ والخوفُ على النَّفسِ من الموت، والحزنُ وما شابَه ذلك من منغِّصاتِ الحياةِ ما نفعُ المالَ الذي لا يغيِّرُ الأقدارَ ولا يُلغي الموت والفناء والخوف والقلق؟؟.. وماذا عن الحب والسعادة؟!!.

إن الحبَّ الذي نتغنَّى به كثيراً، هذا الحب الذي أرَّقَ الشعراء والأدباء على مرِّ العصور، قدْ يسلبُنا بعضَ حريتنا، ويضيِّقُ مجالَ نشاطِنا الاجتماعي، فليحذر الإنسان أن يخنُقَهُ الحبُّ ويعوِّقَهُ عن أَداءِ الواجبِ، ولهذا فإن علينا أن نحتفظ بأصدقائنا، وأن نمنح أنفُسَنا الوقتَ الكافي للاسترخاءِ والتفكيرِ بعقلانيةٍ ممزوجةٍ بعاطفةٍ غير جارفةٍ، فالحب وإن كان تجربةً لذيذةً إلا أنَّه إذا لم يُعالَج بحكمة، ويُعرَضْ على العقل الواعي البعيدِ عن الولَه الجارف يصبح مرَّ المذاق.. على أنَّ هذا الحبَّ، باعثَ السعادةِ والهناءِ، حقيقٌ وجديرٌ بكلِّ ما يُبْذَلُ في سبيلِ الظَّفَرِ بهِ والمحافظةِ عليه.

أمَّا الضمانُ الاقتصاديُّ فإنَّهُ يمْنَحُ المرءَ الشعورَ بالرَّاحة والأمان، وهذا مما لا ريبَ فيهِ، وحسْبُ المرءِ أنْ يُحِسَّ بأنه لن يُقاسي آلامَ الجوعِ أو الكفافِ، وأنه سوف يحيا حياةً مستقرةً تكاد تكونُ أحسنَ من حياةِ الكثيرين، وأنه لن يعتمدَ على أولادِهِ مُسْتَقْبلاً أو على الصَّدَقَاتِ التي سوف يحصلُ عليها، ومثلُ هذا الإحساس يُكْسِبُ الإنسانَ الثِّقَةَ بنفسِهِ والاطمئنانَ على حياتِهِ، إلا أن هذا الشعورَ بالسعادةِ يبقى فرعاً واحداً من السعادة كلها...

الضمانُ الاقتصاديُّ، هذا الفَرعُ الواحدُ والهامُّ جداً على طريقِ السعادةِ المُبتغاةِ هو الأهمُّ عند المرأة، إذ إنه يمنحُها الفرصةَ لأَداءِ مَهَمَّتِها في الحياةِ كزوجةٍ وأمٍّ وربةِ بيتٍ، وكلُّ هذه المَهمَّاتِ الجليلةِ المتعددةِ الجوانبِ سوفَ تكونُ عسيرةً على المرأة إذا لم تكن مقرونةً بالضمانِ الاقتصادي.

كما أنَّ الزوج الصالحَ في نظرِ المرأةِ المثاليةِ ليس أيَّ رجلٍ!!.. فهي لا تُقدِّرُ الرَّجُلَ الذي يعتمِدُ على زوجته في كل شيء، والذي لا يُحْسَبُ له حسابٌ في الإرشادِ وفي الحمايةِ وإعطاء الشعور بالأمان لعائلتِهِ.

إنَّ المرأةَ، بطبيعتِها تحبُّ أن يكونَ زوجُها رجلاً قويَّ الشخصيةِ، عطوفاً عظيمَ الأفْقِ في فَهْمِهِ للأمور، ناصحاً أميناً وصديقاً حميماً ومُحِبَّاً مخلصاً ووفياً.

أما الكثيرُ من الأزواجِ فيرَوْنَ السعادةَ في المالِ والقوةِ والسلطان، وهذا لا يعني أنَّهم لا يعيرونَ عواطِفَهم اهتماماً أو يلغونَ مشاعِرَهُم.. إنهم بالتأكيد يقدِّرونَ الحبَّ حقَّ قَدْرِهِ، ويَفخرونَ بزوجاتهم وأولادهم، ولكنهم أشدُّ طموحاً وأبعدُ آمالاً من ذلك... (وهنا لا ينبغي أن يأخذنا هذا القول إلى انتفاءِ الطُّموحِ لدى النساء.. إلا أنهُ جانبٌ ثانويٌّ إذا ما وُضعَ في سُلَّمِ الأولوياتِ لديهن)..

إذاً الرجالُ أشدُّ طموحاً وأبعدُ آمالاً.. إنهم يؤمنون إيماناً عميقاً أنَّ المالَ يُكْسِبَهُمْ السلطانْ على الآخرين في مختلفِ الأعمالِ وغيرِها من ضروبِ الصِّلات الأخرى، فإذا ما ظَفَروا بالمالِ فإنهم يعتقدون بأنهم نالوا السعادة المبتغاة.

بَيْدَ أن الواقعَ الملموسَ الذي يستطيعُ الإنسانُ أن يراهُ بأمِّ العين في أكثرِ الحالات.. أن هذه الأهدافَ التي يرنو إليها الكثيرُ من الرجالِ ليست دائمةً، وأن السعادةَ التي يَجْنيها الإنسانُ من ورائها قصيرةُ العمرِ، وهي في كثيرٍ من الأحيان تنتهي بآلامٍ وعزلةٍ عن الناس... على أنَّ الذي تجدُرُ ملاحظَتُهُ هو أنَّ كلَّ الأهدافِ التي تُعْتَبَرُ من أسبابِ السعادةِ - فيما عدا الحب - هي أهدافٌ ماديةٌ، وحتى الحبُّ في أغلبِ حالاتِهِ يكونُ نوعاً من الأنانية الشديدةِ.

وسواء أكانَ الحبُّ للزوجِ أو الزوجةِ أو الآباءِ أو الأطفالِ أو أيِّ شيءٍ من هذا القبيل، فقد يختلِطُ في كثيرٍ من الأحيان بطبيعة التملُّك، فيُضَيِّقُ مجالَ العاطفةِ حتى يصبحَ ذا طبيعةٍ طاغيةٍ عنيفةٍ عظيمةِ الخوفِ من فقدانِهِ، كما يُغَيِّرُ طبائعَ الإنسانِ فيخلُقُ فيِهِ الرَّيْبَ والشكَّ.. وبذلك يقضي على الغاية المنشودةِ منه.. وهي السعادة...

إذاً فالحبُّ أيضاً في كثيرٍ من حالاتِهِ ليسَ دائماً مبعثاً للشعورِ بالأمان والسعادةِ، وقد لا يُفضي إلى السعادةِ بل إلى نقيضِها في الحالاتِ التي ذكرناها.

اعلى الصفحة