مؤتمر هرتسليا 2016.. أضواء ونتائج!!

السنة الخامسة عشر ـ العدد 175  ـ (رمضان ـ شوال  1437 هـ ) ـ (تموز 2016 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عُقد يوم الثلاثاء 14/6/2016، ما يسمى بمؤتمر "هرتسيليا للمناعة القومية" السادس عشر، من مقر الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين، تحت شعار "أمل إسرائيلي رؤيا أم حلم". جاء عقد المؤتمر هذا العام، بموجب ما سماه معهد "هرتسيليا" المتعدد المجالات، وفق الرؤية التي طرحها الرئيس الإسرائيلي ريفلين العام الماضي، ودعا فيها إلى بلورة ما وصفه بـ"هوية إسرائيلية جديدة في دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية"، على حد زعمه.

وركزت جلسة الافتتاح على "رؤية" ريفلين من أجل صوغ "هوية إسرائيلية مشتركة"، جامعة لما يطلق عليه ريفلين "القبائل الأربعة" المكونة للمجتمع الإسرائيلي، وهي بحسب تعريفه: "العلمانيون، والصهيونية الدينية، والحريديم، والعرب". 

يشكّل مؤتمر هرتسيليا عملاً استراتيجياً صهيونياً نوعياً، وفي الوقت نفسه يشكل تحدياً سنوياً متجدداً للجامعات ومراكز البحوث والدراسات السياسية والإستراتيجية الإسرائيلية، ليساهم كل طرف بما يستطيع في حماية كيانهم، وضمان تصديه لكل محاولات النيل منه، وتحصين مناعته الداخلية والخارجية.

فإذا أردنا أن نعرف حقيقة السياسات التي ستنتهجها الحكومات الإسرائيلية على مدى السنوات القريبة القادمة، فإننا نستطيع ذلك إلى درجة كبيرة نوعاً ما، من خلال متابعة مقررات مؤتمرات هرتسيليا السنوية، ونستطيع أن نبرهن على ذلك، من خلال مراجعتنا لكافة المؤتمرات السابقة التي وضعت للحكومة الإسرائيلية توصياتٍ مستقبلية إستراتيجية.

وشارك في الجلسة الافتتاحية عدد من قادة الأحزاب الإسرائيلية، وفي مقدمتهم رئيس البيت اليهودي نفتالي بينت، وزعيم حركة شاس أريه درعي، ورئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة، وزعيمة حركة "ميرتس" زهافا جلئون.

أضواء على المؤتمر

دأبت النخب الإسرائيلية في معهد السياسة والإستراتيجية الإسرائيلي على عقد مؤتمر هرتسيليا في كل عام، وهو مؤتمر استراتيجي - أكاديمي يعقد سنوياً بتنظيم من مركز هرتسيليا متعدد المجالات، بالتعاون مع العديد من مراكز البحوث والدراسات الإسرائيلية والدولية، وهو يبحث في القضايا الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية التي تخص الكيان الصهيوني، وقد عقد المؤتمر الأول في مدينة هرتسيليا الساحلية في عام 2000، ومنه أخذ الاسم واشتهر به، وكان تحت شعار عام هو، ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي، وبقي هذا الشعار دائماً لكل المؤتمرات التي عقدت بعد ذلك.

يتناول مؤتمر هرتسيليا عناوين بحثٍ كثيرة ومتنوعة، تصب جميعها في الرؤى الإستراتيجية للدولة العبرية، وتتناول التحديات والصعاب التي يواجهها الكيان الصهيوني، ويقترح الحلول والمشاريع لمختلف أشكال التحديات، كما يتناول جوانب القوة والتميز لدى المجتمع الإسرائيلي، ولا يوجد في مؤتمر هرتسيليا مواضيع محرمة أو عناوين ممنوعة، فكل الأفكار تطرح وتناقش، ويتم تبادل الرأي حولها.

يتميز المؤتمر بالجرأة والتحدي، والتنوع والشمولية، والقوة والصراحة، فالخطابات والمداخلات والحوارات، والأوراق التي تقدم فيه تتناول جميع هموم الدولة العبرية، والتحديات الداخلية والخارجية، وفيه ترفع الحصانة عن كل الأشخاص، وتزول السرية عن معظم الموضوعات، فلا تعود محرمات أو ممنوعات، ويتحدث المتطرفون، كما يناقش المعتدلون، حمائمٌ وصقور، كلٌ يقدم ما عنده عن معظم الموضوعات في سوق الأفكار، ومنتدى المفكرين.

ونظراً لأن المؤتمر مفتوح ومرصود، فإن كل مداولات ومقترحات المؤتمر، قد تجمع بين الغموض في بعض أجزائها والوضوح في بعضها الآخر، فهم يحافظون على أسرار كيانهم، فيقتربون منها بحذر، ويلامسونها بخشية، ولكن المؤتمرين هم جزء لا يتجزأ من الدولة العبرية، وطرفٌ أساس من الإستراتيجية الإسرائيلية، لذا فإن خطابهم يكون دوماً تجاه الآخرين حمَّال أوجه، وفيه الكثير من الغموض المقصود، بما يمكن تفسيره على نحو دبلوماسي لدى المجتمع الدولي إذا اضطروا لذلك، وعلى نحو ابتزازي لدى الفلسطينيين ودول الجوار العربي إذا رغبوا، وعلى نحو تكتيكي يرضي كل مكونات المجتمع الإسرائيلي بقواه الأمنية والحزبية والنخبوية.

وقد عقد حتى الآن ستة عشر مؤتمراً، ومازال انعقاده يتواصل بانتظام، ويتطور تنظيمه وتزداد أهميته، ويعد هذا المؤتمر من أخطر المؤتمرات التي تعقد في المنطقة، لاعتبارين أساسيين هما، الأول طبيعة المواضيع التي يتم اختيارها، وكيفية معالجتها وطرحها في ضوء المعلومات الغزيرة التي يتم توفيرها، والأفكار التي يتم طرحها. والاعتبار الثاني هو نوعية الحضور والمشاركين، حيث يشارك في المؤتمر عددٌ كبير من النخب الإسرائيلية والدولية، منها رموز عسكرية واستخباراتية، وأكاديمية واقتصادية وسياسية وتكنوقراطية، من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ومن العرب أحياناً، من المتعاطفين مع الكيان الصهيوني، وهم يخاطبون شرائح المجتمع الصهيوني كله، ففيه متسع لليسار الإسرائيلي، ولما يسمى بالحمائم ولليمين اليهودي المتطرف، ولليمين الأمريكي المحافظ، ولكبار الأمنيين الأمريكيين وغيرهم.

ولذلك يوصف مؤتمر هرتسيليا بأنه مؤتمر التحديات الصهيونية المتجددة، وأنه يساهم في استشراف وتحديد مستقبل إسرائيل والمنطقة، وقد أصبح أهم وأشهر مؤتمر سياسي يعقد في الكيان الصهيوني، وبات الكثير من المراقبين ينتظرون انعقاده سنوياً، ويستقون منه المعلومات، ويفهمون منه اتجاهات السياسة في المنطقة، ويعرفون السياسة الإسرائيلية في المرحلة القادمة، أقلها خلال عامٍ تالي.

والمبادرون لعقد هذا المؤتمر هم مجموعة كبيرة من الشخصيات البارزة في النخبة الأمنية والأكاديمية في الكيان الصهيوني، ولكنها محسوبة في أغلبها على المعسكر اليميني المتطرف، ويركز المؤتمر دائماً على أهمية تعزيز سيطرة إسرائيل المركزية على كافة المنظمات اليهودية والصهيونية في العالم، والتأكيد على دورها الكبير في إسناد الدولة العبرية، وفي لعب دور الدبلوماسية الخارجية الإسرائيلية، وكذلك مع كل المنظمات الحليفة لإسرائيل على المستوى الدولي، وخصوصاً الجماعات والمنظمات الصهيو/مسيحية، بالإضافة إلى حث كل اليهود في العالم على الهجرة إلى الكيان الصهيوني، للنهوض بالروح المعنوية الإسرائيلية المتهالكة.

كما ينشغل المؤتمر دائماً في كيفية التخلص من الخطر الديموغرافي العربي على إسرائيل، والذي إذا ما ظل وفقاً للمقاييس الحالية للنمو، فإن عدد السكان الفلسطينيين في إسرائيل سيفوق عدد اليهود في عام  2025، وهذا خطر يجب منعه لأنه سيؤثر بالضرورة على يهودية دولة إسرائيل، التي يسعى الإسرائيليون لأن تكون نقية وخالية من الشوائب، ولتلافي هذا الخطر، فإن الحل يتركز من وجهة نظر المؤتمر في اتجاهين، ترحيل جزء من الفلسطينيين خارج أرض إسرائيل، وفي مبادلة المناطق ذات الكثافة السكانية العربية العالية في إسرائيل بمناطق تابعة للسلطة الفلسطينية.

وبمتابعتنا لأعمال المؤتمرات السابقة كلها، فإننا سنجد المؤتمرين جميعاً يتحدثون عن يهودية الدولة العبرية، النقية الخالية من الشوائب العربية سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين، وهذا ما كان مخططٌ له تفصيلاً في المؤتمر الأول الذي عقد في العام 2000.

يصدر المشرفون على المؤتمر بعد بضعة أيام من انعقاده، كتاباً يشمل جميع أعمال المؤتمر، والكلمات التي ألقيت، والأوراق التي طرحت، والاستنتاجات التي خلص إليها الباحثون، لتضاف إلى ما راكمته المؤتمرات الهرتسيلية التي سبقته من وثائق، والتي توصف عادة بأنها ثمره جهود تنصب في مجملها على مواضيع التفكير الآني والاستراتيجي، لقادة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والأكاديمية الإسرائيلية، التي تعكس اتجاهات التفكير المختلفة المعبرة عن رأي تلك النخبة، والتي من خلالها  يلتئم شمل العقل الجمعي الإسرائيلي المفكر.

المؤتمرون الصهاينة يناقشون في مؤتمرهم الشهير أمورهم وقضاياهم بمسؤوليةٍ تامة، ويعرضون أزماتهم بجديّة كبيرة، ويحاسبون أنفسهم دون رحمة أو شفقة، ويقفون عند أخطاءهم دون محاباة لأحد، أو تمويهٍ للمشكلة ومسبّباتها، فلا يسايرون المسؤولين، ولا يسكتون عن أخطائهم، ولا تردعهم مناصبهم ومواقعهم مهما علت، فسلسلة مؤتمرات هرتسيليا ليست شكلية أو بروتوكولية، فهي تغوص في أعماق القضايا المطروحة، وتناقش الإشكاليات والأزمات القائمة، وتشخص الحالات، وتُشَرِّح الأزمات، وتقترح الحلول، وتطالب لجان التحقيق بأن تأخذ دورها، وتباشر صلاحياتها، وتُحاسب المقصّرين بشدّة، الأمر الذي يجعلهم نادراً ما يكررون أخطاءهم، أو يقعون في الأزمات نفسها لأكثر من مرة.‏

لعل متابعة مؤتمرات هرتسيليا والاطلاع على مقرراتها، هو أحد أهم الاشتراطات لمعرفة العدو من داخله، فمعرفة هذه المؤتمرات ودراسة مقرراتها، تكشف عن كثيرٍ من جبل الثلج، الذي لا يظهر منه للعامة سوى قمته الثلجية، وهذا أمرٌ شبه متاح حيث يعقد الإسرائيليون مؤتمرهم في ظل وجودٍ إعلامي دولي كثيف، ويعلنون صراحةً عن القضايا المطروحة للنقاش، وعن التحديات التي تواجه دولتهم، ولكنهم يحرصون في ظل حالة التحدي والمواجهة على إبراز صورة إسرائيل القوية، التي لم تعد تخاف من مناقشة قضاياها أمام الرأي العام، ذلك أنها تمتلك من القوة والقدرة ما يمكنها من حماية نفسها، والدفاع عن مصالحها، لكنهم لا يتمكنون من إخفاء حقيقتهم الخائفة، ولا واقعهم المذعور، ولا مستقبلهم المجهول.

الخوف من القوة الإيرانية

جاءت مداخلة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الجنرال هرتسي هليفي، في اليوم الثاني للمؤتمر, الذي أكد أن إيران هي عملياً الطرف الدولي الوحيد الذي يشكّل خطراً على إسرائيل.

واعتبر هليفي أن الاتفاق الدولي مع إيران منحها شرعية مزدوجة، الأولى عبر اعتراف دولي بمشروعية إدارة مشروع ذري، في المستقبل، وإن كانت ستسعى في السنوات الأولى إلى الالتزام ببنود الاتفاق الدولي. أما الثانية "فهي جعلها طرفاً شرعياً في اللعبة الإقليمية، التي تغيّرت قواعدها وشروطها، ولم تعد رقعة الشطرنج الإقليمية فيها تقتصر على لوني الأسود والأبيض، بل تتداخل خيوط وهويات الأطراف المتنازعة، لتجد نفسك مضطراً في بعض الأحيان إلى إنذار عدو أو خصم من ضربة قد يتلقاها، لا تريد أن تقع له في الخطة الزمنية المحددة، لأن البديل مجهول أو ليس في صالحك". 

وفي سياق تطرّقه إلى قدرات حزب الله، قال هليفي إن الحرب المقبلة في حال اندلاعها مع الحزب ستكون أشد ضراوة على الجبهة الداخلية. واعتبر في تلخيصه لوضع إسرائيل الاستراتيجي إنها زادت من قوتها لكن الصورة الإقليمية باتت أكثر تعقيداً.

ومع أن هليفي قال إن الطرفين، حزب الله وإسرائيل، غير معنيين بمواجهة عسكرية بل إنهما كانا يفضّلان أن يحظيا بعقد إضافي من الهدوء، إلا أن الصراعات الحالية والمواجهة المقبلة قد تندلع بفعل ديناميكية مواجهة محلية أو عملية عينية قد تقود في سلسلة ردود الفعل إلى مواجهة جديدة. واعتبر هليفي أن التحديات الرئيسية التي تواجهها إسرائيل اليوم، تتمثّل في القوة الإيرانية، خصوصاً أن إيران تقطف حالياً ثمار الاتفاق الدولي الذي يمنحها في واقع الحال شرعية في المستقبل لإدارة مشروعها الذري، وفي تعزيز دورها الإقليمي.

إلى ذلك أشار هليفي إلى أن الساحة الفلسطينية تفرض تحدّيات كبيرة على إسرائيل، خصوصاً أن الانتفاضة الحالية، بحسب هليفي، تعكس عملياً عدم تجاوب من الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، إذ يُطلق عليها الفلسطينيون هناك ومعهم السلطة الفلسطينية تعبير الهبّة، بينما تسميها حركة "حماس" انتفاضة وتطالب بتفجيرها كانتفاضة شعبية في الضفة الغربية والقدس. ووصف هليفي الانتفاضة الحالية بأنها انتفاضة ما بعد الحداثة، مناهضة للأيديولوجيات والفصائل والتنظيمات. ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية وعلى رأسها محمود عباس، تعارض الكفاح المسلح، لكنها تسعى بموازاة ذلك إلى تدويل الصراع، ونقله إلى الساحة الدولية.

في المقابل اعتبر مستشار الأمن القومي السابق، عوزي أراد، الذي شغل أيضاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي ومستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أنه باستثناء مركّب القوة العسكرية الذي يضع إسرائيل دائماً ضمن المواقع العشرة الأولى عالمياً، فإن أداء الاقتصاد الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية، في باقي نواحي الحياة، يشكّل تحدياً يجب مواجهته وتحسينه. ولفت إلى أن إسرائيل تُصنّف عالمياً، من قبل البنك الدولي في المرتبة 35، بينما تصنف في مجالات الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى في مراتب متدنية، وذلك بحسب رأيه بفعل عقم في نظام الحكم الإسرائيلي وبفعل ضعف أداء القيادة الإسرائيلية كقيادة مسؤولة. واعتبر أراد أن أحد أهم التحديات التي تواجه إسرائيل اليوم هو كيفية استعادة متانة وقوة تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية الذي تضرر في السنوات الأخيرة.

أما المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد، فتطرق إلى علاقات إسرائيل الدولية، معتبراً أن الصورة التي يحاول خصوم إسرائيل رسمها لها بأنها تعاني من عزلة كبيرة ومن توتر في علاقاتها مع القارة الأوروبية، هي غير صحيحة على الإطلاق، مدعياً أن حكومة نتنياهو لم تترك القارة الأوروبية وإنما تعمل إلى جانب علاقاتها مع أوروبا على تحسين مكانتها وشبكة علاقاتها الدولية مع جنوب شرق آسيا، وهي تسجل نجاحات تتمثّل في توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الصين، وأخرى مع كوريا والهند، ناهيك عن عودة إسرائيل إلى أفريقيا وإلى قلب دول إسلامية في أفريقيا.

كما تحدث غولد مجدداً عن اتصالات مكثّفة، بما فيها تلك التي قام بها شخصياً، مع أطراف عربية في الخليج العربي في "معسكر الدول السنّية المعتدلة"، معلناً أن إستراتيجية حكومة نتنياهو تقضي بإرساء قواعد التعامل مع هذه الدول وفق المصالح المشتركة، التي لا تضع المسألة الفلسطينية في أعلى سلم أولوياتها، لكن مع مراعاة السرية في الاتصالات حالياً بفعل حساسية الرأي العام العربي في هذه الدول. ولفت إلى أن الإستراتيجية التي يتّبعها نتنياهو تقوم على التوصل لعلاقات إقليمية وثنائية من خلال المصالح المشتركة وليس من باب القضية الفلسطينية، وإنما عبر توظيف خوف هذه الدول أولاً من القوة الإيرانية المتصاعدة في الخليج وتهديداتها لهذه الدول. وخلص غولد إلى القول إنه على الرغم مما يبدو من جليد يسود علاقات إسرائيل بهذه الدول، إلا أنه تجري تحت طبقة الجليد مياه ساخنة للغاية.

القلق من مواجهة حزب الله

عبّر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي عن خشيته من أن تترك إسرائيل وحيدة في نهاية المطاف كي تواجه حزب الله منفردة. وفي كلمته في مؤتمر هرتسيليا السادس عشر، تحت عنوان "جدول أعمال إسرائيلي في محيط شرق أوسطي مضطرب"، عرض هليفي تقويماً للوضع الأمني والتهديدات والفرص في مختلف الجبهات، مع التشديد على تهديد حزب الله الذي تنامى وتعاظم عسكرياً في السنوات الأخيرة.

وكانت الحرب المقبلة مع الحزب حاضرة بقوة في كلمة رئيس الاستخبارات الإسرائيلية الذي استبعد نشوبها ضمن "معقولية منخفضة"، لكنه شدّد في المقابل على أنها لو نشبت فهي "لن تكون سهلة"، لافتاً إلى أن قدرات حزب الله لم تعد كما كانت عليه، وتحديداً بعد تدخله العسكري في سوريا، و"صحيح أنه مُني هناك بخسائر بشرية، إلا أنه اكتسب خبرات وتجارب وحقق نجاحات". 

واستعرض هليفي تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية حول الموقف من الوضع الراهن على امتداد الحدود، ومصلحة إسرائيل في الإبقاء عليها هادئة، وقال: "الجانبان غير معنيين بنشوب حرب، ولا يعارضان عشر سنوات إضافية من الهدوء... من جهة إسرائيل نحن لا نريد حرباً، لكننا جاهزون لخوضها ونعمل على تحسين قدراتنا، تحسباً لأي طارئ".

وأعرب هليفي، عن خشيته من مواجهة قاسية جدًا ضد حزب الله في المستقبل. وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أشار هليفي إلى أن معارضة البيت الأبيض المفاجئة لقرار الكونغرس بمنح إسرائيل مساعدة مالية تبلغ قيمتها 455 مليون من أجل تمويل المنظومة الدفاعية الصاروخية التي تشمل (القبة الحديدية) و(العصا السحرية) و (حيتس 3) سوف تزيد الأمور تعقيداً، وتجعل الحرب ضد حزب الله ليست بسهلة.

وأشارت صحيفة "يديعوت احرونوت" إلى قلق في شعبة الاستخبارات من مواجهة مستقبلية قاسية على الساحة الشمالية.

وبحسب الصحيفة، على خلفية معارضة البيت الأبيض زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل لحمايتها من الصواريخ؛ حذر رئيس الاستخبارات اللواء هرتسي هليفي، صباح اليوم الأربعاء، من حرب غير هينة مع حزب الله.

وأوضح هليفي، خلال مؤتمر هرتسيليا الـ 16، أنه "خلال المواجهة القادمة ستشهد الجبهة تجربة قاسية جداً". وبيّن أنه "من ناحية الوضع تحسن، نحن أقوى من كل الجهات المحيطة بنا، ومن ناحية أخرى نحن في بيئة معقدة. بعبارة أخرى، الوضع قد تحسن وتحول لمعقد".

وحلل رئيس الاستخبارات الأحداث التي وقعت في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، مضيفاً "علينا أن نعتاد على أن الشرق الأوسط غر مستقر. إسرائيل هي الجهة القوية في المنطقة، الجيوش القوية ذهبت وضعفت، ذهبت وتغيرت. نشأت حولنا تهديدات جديدة، تهديد إطلاق النار، تهديد التسلل بطرق مختلفة".

من جهته أكد عضو الكنيست عن حزب "يش عتيد"، عوفير شيلح، وجود حقيقة بين إسرائيل وحزب الله لا يمكن إلا الإقرار بها، وهي أن "حزب الله مردوع من قبل إسرائيل، وما لا يقل عن ذلك، إسرائيل أيضاً مردوعة من قبل حزب الله". تعليق شيلح لا ينظر إليه كعضو كنيست وحسب، بل بوصفه رئيس إحدى اللجان السرية المتفرعة عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، ويحظى، بحكم منصبه، بمعرفة واسعة باستعداد الجيش الإسرائيلي وجاهزيته للحرب، إضافة إلى تقديراته حولها.

أضاف شيلح فيه أن "العمل البري الذي بادر إليه الجيش الإسرائيلي في نهاية الحرب الماضية، كان بلا فائدة وهراءً بهراء، وقد جرى تفعيل الخطة البرية فقط من أجل القول إن لدى إسرائيل الجرأة على تنفيذ أعمال كهذه. لا يمكنك أن تقوم بأعمال كهذه فقط كي تظهر للعدو أنك جريء، وأنك من الرجال". 

انتقادات واسعة للمشاركة الفلسطينية

حظيت المشاركة الفلسطينية في مؤتمر هرتسيليا السنوي، بجملة انتقادات واسعة، خصوصاً لما تشكله من ضربة لجهود حركة المقاطعة الدولية. ولم تمنع الانتقادات والتصريحات الإعلامية ضد فوز إسرائيل باللجنة القانونية في الأمم المتحدة، من مشاركة مسؤولين فلسطينيين رسميين في المؤتمر، في مشهد صارخ بالتناقض.

وقال نائب رئيس لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي إلياس الزنانيري ، أن اليوم شهد إلقاء كلمة لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد المجدلاني. وأوضح الزنانيري أن جلسة حوارية مطولة ستعقد خلال مؤتمر هرتسيليا عن مبادرة السلام العربية.

وعن الانتقادات حول المشاركة الفلسطينية في هذا المؤتمر، ان مؤتمر هرتسيليا السنوي، تحول إلى مؤتمر دولي تدعو إليه إسرائيل شخصيات من كل العالم للمشاركة به، وهذه فرصة للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير لأن تطرح موقفها بصورة واضحة دون أي شوائب.. فما الخطأ في ذلك؟ وأضاف "هذا الموضوع ليس له علاقة بالتطبيع والمقاطعة، وإنما هو اشتباك سياسي من الدرجة الأولى، وعلى كل فلسطيني أن ينتهز الفرصة لنقل الموقف الفلسطيني الواضح إلى كل جهة سواء إسرائيلية أو غير إسرائيلية، وفي هرتسيليا او في لندن".

وكانت حركة مقاطعة إسرائيل "BDS" نشرت على صفحتها على "الفيسبوك" صورة لعضو اللجنة التنفيذية احمد مجدلاني تحت عنوان "احمد مجدلاني شارك في مؤتمر هرتسيليا، الذي يهدف لحماية إسرائيل، ومواجهة حركة المقاطعة!

في غضون ذلك قال المنسق العام لحركة المقاطعة الـ"BDS" محمود نواجعة ،"أن مشاركة الفلسطينيين  في مؤتمرات إسرائيلية، هو ضد الشعب الفلسطيني، المقاومة، ويضعف حركة المقاطعة الدولية".

وأضاف نواجعة: "أن المشاركة الفلسطينية في مثل هذه المؤتمرات تخدم إسرائيل في ضرب حركة المقاطعة، وتستخدمها للادعاء أن هناك جسوراً للسلام لا تزال قائمة مع الفلسطينيين"

من جانبه قال منسق اللجان الشعبية في الحملة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان سهيل السلمان، "أن المشاركة في مؤتمر يضع استراتيجيات دولة الاحتلال، يشكل وصمة عار على جبين المشاركين، وطعنة لحركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل".

وأضاف "أن المشاركين في المؤتمر قدموا خنجر على طبق من ذهب لإسرائيل لطعن حركة المقاطعة، التي خصصت إسرائيل ملايين الدولارات لمواجهتها في العالم". ودعا السلمان إلى مقاطعة كل من شارك في المؤتمر وعزلهم وعدم المشاركة معهم في أي عمل وطني.

وأوضح السلمان "أنه بدل المشاركة في مؤتمر يضع الاستراتيجيات لدولة الاحتلال، كان الأجدر عودة تلك القيادات إلى شعبها وحل القضايا التي بين أيديها من انقسام بغيض، وصياغة موقف وطني جامع وموحد للشعب الفلسطيني، والتوجه للمحافل الدولية وخصوصا محكمة الجنايات الدولية ومحاسبة إسرائيل ومقاطعتها على مستوى العالم".

بدوره، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومنسق القوى الوطنية والإسلامية واصل أبو يوسف "اعتقد أن أي مشاركة فلسطينية في مؤتمرات مثل هرتسليا له علاقة بأمن وإستراتيجية الاحتلال في السنوات القادمة مبدأ مرفوض".

وأضاف "مثل هذه المشاركات مضرة وخاصة في ظل هذه الحكومة الفاشية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، وتعطي تفسيرات غير منطقية، وان مبدأها مرفوض".

وأضاف أبو يوسف، ان الموقف الفلسطيني إزاء المشاركة في هذه المؤتمرات ينطلق من دعواتنا الى وجود مقاطعة شاملة للاحتلال وتعزيز لحركة الـ(BDS)، وانه في اللحظة التي نطالب فيها العالم بمقاطعة الاحتلال لا يجوز أن نطبع نحن معه، وأي مشاركة فلسطينية هي محاولة لإظهار أن هناك شيء مشترك.

وأضاف "بدلاً من المشاركة في هذه المؤتمر، يجب  علينا ترتيب بيتنا الداخلي، وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة، والقيام بخطوات على المستوى الداخلي لتعزيز مقاطعة الاحتلال، والتوجه إلى المؤسسات الدولية ومجلس الأمن الدولي ومحكمة الجنايات الدولية لمحاسبة إسرائيل ومعاقبتها على جرائمها." وطالب أبو يوسف بـ"إدانة أي مشاركة في مثل هذه المؤتمرات".

اعلى الصفحة