اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


لمدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

انخفاض الحروب بين الدول وازدياد العنف داخلها!!

الكتاب: لماذا تتحارب الأمم .. دوافع الحرب في الماضي والمستقبل  
الكاتب: ريتشارد نيد ليبو
الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت
ترجمة: الدكتور إياب عبد الرحيم علي

 ليس ثمة شك أن العنف المنظم يمثل نقمة ابتليت بها البشرية منذ العصر الحجري الحديث على الأقل و يتفق الباحثون في الشؤون العسكرية والإستراتيجية على أن البحث في أسباب الحروب لن تضع حداً لها ولما تتسبب به من كوارث للأمم والشعوب، لكن هذه القناعة لم تقف حائلاً أمام الكثير من العلماء في مواصلتهم البحث في هذه القضية الخطيرة التي تواصلت في مختلف الحقب التاريخية، ولم تتمكن التطورات الحضارية والثقافية والمعرفية من وضع حد لها. بل إن الدول والإمبراطوريات سارعت بتوظيف العلم والتكنولوجيا في خدمة الحروب أكثر من تفعيل المعرفة لتقف بالضد من هذه الكوارث والحروب. ولقد صدر حديثا في سلسلة عالم المعرفة الكويتية الترجمة العربية لكتاب لماذا تتحارب الأمم.. دوافع الحرب في الماضي والمستقبل للكاتب الأمريكي ريتشارد نيد ليبو..

يرى الكاتب أن أهم دوافع الحروب منذ العصور القديمة على الرغم من أننا لا نعرف إلا القليل عن الحرب في عصور ما قبل التاريخ، نستطيع أن نفترض على نحو معقول أنها نشأت عن صراعات على النساء، وآبار السقي، وأراضي الصيد، والأراضي التي اعتبرت ذات قيمة لأسباب دينية أو اقتصادية، ولم يكن موضوع المكانة غائبا في الكثير من الحروب التي شهدتها البشرية، لكن هذه المكانة بقيت محصورة في رقعة جغرافية محددة. وبينما كان التنافس أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على أشده في النصف الثاني من القرن العشرين، فإن التركيز في مجمل الطروحات التي برزت في تلك الحقبة لم يقدم إمكانية الهيمنة المطلقة لإحدى القوتين على جميع دول العالم لتبوء المكانة بدون منافس. لهذا فإن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يقوض بصورة نهائية وجود روسيا، ولم تشطب من قائمة الدول الكبرى، الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة لسلوك طريق آخر تحاول تأكيد مكانتها الأولى في العالم، فجاء احتلالها لأفغانستان عام 2001، وبعد ذلك احتلال العراق عام 2003.

وفي سبيل إيضاح موقفه من الحرب بصورة عامة يضع ثلاثة دوافع أساس لما يسميه بالسلوكيات المتعلقة بالسياسات الخارجية، وهي: الخوف والمنفعة والشرف، كما أنه يؤمن بما قاله مارتن لوثر كينغ، من أن الحرب إزميل سيئ لنحت الغد. وعن حرب العراق يبين الكاتب أن التدخل الأنجلو- أمريكي في العراق تسبب في إزهاق أرواح ما بين ستمائة ألف ومليون نسمة، كما كلف الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار إذا تضمنت التكلفة المزايا والرعاية الصحية التي سيحصل عليها قدامى المحاربين. كما أن الكاتب نيد ليبو ذهب إلى أن دافع المكانة يقف وراء التدخل الأنجلو- أمريكي في العراق، وأنه لم تكن هناك دوافع إستراتيجية أو اقتصادية مقنعة لغزو العراق، مخالفاً في رأيه عن دوافع الحرب الكثير من المفكرين والسياسيين الذين يعزون دوافع أمريكا إلى الجانب الاقتصادي وتحديداً قضية النفط.

وعلى الرغم من الادعاءات التي كثيراً ما صرح بها نعوم تشومسكي وغيره، والقائلة بأن الغزو كان مدفوعاً بالرغبة في السيطرة على نفط الشرق الأوسط، فإن هذا التفسير غير مقنع تقليدياً، ويعطي تفسيراً عقلانياً لهذه المسألة، تتمثل في حصول الولايات المتحدة على نفط العراق بيسر وسهولة، كما أن النفط سيذهب بكميات أكبر إلى الولايات المتحدة في حال وافقت الأخيرة على رفع الحصار المفروض على العراق منذ العام 1990. ولتأكيد ما ذهب إليه الكاتب، فإن أول باخرة نفط عملاقة أبحرت من ميناء البكر في شط العرب بعد توقيع اتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء عام 1996 كانت باخرة أمريكية على الرغم من العداء المعلن والواسع بين بغداد وواشنطن. ويشير الكاتب إلى أن الهدف من غزو العراق استعراض القوة العسكرية والإرادة السياسية الأمريكية، وبعث رسالة مفادها القوة والعزم إلى مجموعة متنوعة من الجماهير في الشرق الأوسط، تؤكد سهولة إسقاط الأنظمة وإقامة حكومات صديقة. وما يؤكد ما يذهب إليه الكاتب في هذه الجزئية المهمة أن أنظمة كثيرة قد أصابها الخوف والهلع بعد احتلال الدبابات الأمريكية مدينة بغداد في التاسع من أبريل 2003 وإسقاط التمثال الشهير للرئيس الراحل صدام حسين بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحرب التي اندلعت في أواخر مارس 2003.

ولم تتنفس العديد من الأنظمة الصعداء إلا بعد بروز المقاومة العراقية في وقت مبكر جدا وإرباكها المخطط الأمريكي، ثم إرغام إدارة البيت الأبيض على سحب القوات الأمريكية من العراق أواخر العام 2011.

وفي إثباته لفشل حرب المكانة يورد الكاتب المراحل التي مر بها الرأي العام في الولايات المتحدة، وكيف صدق المواطنون الأمريكيون الساسة الذين تحدثوا عن الأخطار القادمة من العراق وتهديدها للأمن القومي الأمريكي، ثم الارتداد الكبير في قناعات الأمريكيين في تلك المزاعم. فبينما ارتفع التأييد الشعبي للحرب في الأشهر التي سبقت الحرب على العراق وتحديداً بعد تقديم كولن باول أدلة مزعومة عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل في مجلس الأمن في الخامس من فبراير 2003، حيث وصلت نسبة التأييد للحرب إلى 72%، قبل أن يتسبب عدم العثور على أسلحة الدمار الشامل المزعومة بعد احتلال العراق إلى فقدان نسبة كبيرة من الجمهور الأمريكي الثقة بقيادته. وهذا ما أظهره الاستطلاع الذي أجرته الواشنطن تايمز في أغسطس 2004، وأكد فيه 67% من الجمهور الأمريكي أنهم يشعرون بتعرضهم للخيانة، معتبرين أن الحرب قد استندت إلى افتراضات زائفة. وطالما أن نتائج الحرب التي أرادتها الإدارة الأمريكية لإثبات المكانة في العالم - كما يرى المؤلف - بعد تفردها بالقطبية الواحدة قد جاءت سلبية على صعيدي الرأي العام الأمريكي والخسارة العسكرية الميدانية في العراق، فإنها لن تتكرر في مكان آخر.

وفي الوقت الذي يرى فيه الكاتب أن الحروب بين الدول في انخفاض كما يتفق العديد من العلماء، يزداد العنف داخل الدول، وبدون شك أن إلقاء نظرة على العديد من دول المنطقة العربية على الأقل يؤكد هذا الرأي، فهناك العنف المستمر في العراق منذ العام 2003، والعنف المتقطع في لبنان، والعنف الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، يضاف إلى ذلك العنف في كل من سوريا وليبيا ومصر واليمن ودول أخرى.

وإذا كانت حروب القرن العشرين وأعمال العنف قد تركت 160 مليون قتيل -كما يقول وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت ماكنمارا- فإن العالم قد تجنب الحروب النووية التي قرعت طبولها على أوسع نطاق خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتوقع المختصون أن نشوبها قد يوقع ما لا يقل عن نصف مليار قتيل من البشر، فضلاً عن الكوارث البيئية والخسائر في النبات والحيوان والطيور. كما أن أحداً لم يتمكن من تصور حجم الخسائر البشرية والاقتصادية التي ستتركها الحروب والعنف الداخلي، الذي من المتوقع أن تتسع رقعته في حال لزم المجتمع الدولي والمنظمات الدولية الصمت إزاء أعمال العنف تلك، ولم يتم التحرك الحقيقي والعملي لوضع حد لها وإنهائها. في خاتمة كتابه يتساءل نيد ليبو: هل لا تزال الحرب ممكنة؟ ويقدم جواباً مقتضباً ومركزاً، إذ يرى أن التفسيرات المتعددة لانخفاض وتيرة الحرب تقيم وزنا كبيرا لاستياء النخبة - فضلاً عن الجماهير- من الحرب، على الرغم من أنها تتباين في الأسباب التي تطرحها لهذا الموقف. والتساؤل المطروح في ضوء تراجع الحروب بين الدول واشتعال الحروب والعنف داخل بعض الدول هو: هل سيكون البديل عن حروب الدول التي سادت لعصور طويلة هو العنف والحروب بين أبناء البلد الواحد؟..

اعلى الصفحة