آثار الإعلام على الأمن التربوي وسبل الحد من سلبياته

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

بقلم: الشيخ خضر نور الدين

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في البداية من الأهمية بمكان الإشارة إلى مفهوم الأمن بشكل عام، باعتبار أنّ هذا المصطلح يشير عند العامة من الناس إلى العيش بسلام، بعيداً عن الأعمال العسكرية أو الأمنية أو الإجرامية، واليوم أصبح مفهوماً أعم من ذلك. لأنّه يشمل الأمن الفكري، الأمن التربوي، الأمن الاجتماعي، والأمن الأخلاقي......

معنى كلمة أمن هو السلام وطرد الخوف، والعمل على أمن المجتمع بشكل عام، يعني تحصينه من كل ما يشكل ضرراً أو خطراً على المجتمع البشري لتأمين الاستقرار المعيشي.

وقد استعمل هذا المصطلح (الأمن التربوي) لأول مرّة عام 1977 بحسب تقارير الأونيسكو، بعد أن دخلت وسائل الإعلام إلى البيوت والمقاهي والمكاتب وغيرها...

وعملية التربية هي عملية شاملة، وغير عادية باعتبار أنّ طبيعة الإنسان المركبة من طموحات وآمال وشهوات ورغبات، تميل أكثر إلى التفلّت من القيود.

وعملية التربية هي بالأساس تؤكد على التزام الإنسان من صغره، بكل ما يحفظ إنسانيته وفطرته وتسمى بالتهذيب والتزكية، بالإضافة إلى تحصيل المعارف المطلوبة لتنمية الشخصية المطلوبة...

وهي عملية نقل المعارف والقيم، من جيل إلى جيل. وقد كانت في السابق في عهدة الأهل والمدرسة والمسجد، ثمّ تشكلت جمعيات ونوادي، للعمل عليها.

واليوم وبعد انتشار وسائل الإعلام المتعددة بعد التطور التكنولوجي الهائل، أصبحت هذه الوسائل تلعب دوراً أساسياً في هذه العملية. بحيث باتت السلطة الأولى بعد أن كانت السلطة الرابعة، لأنها بالعموم تؤثر على المجتمعات في كل الميادين السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها. وأصبحت السلاح الأساس في الحرب الناعمة التي تستهدف المجتمعات بشكل عام وخصوصاً المجتمعات النامية والضعيفة وغير المحصّنة.

أسباب تقدم وسائل الإعلام على غيرها في العملية التربوية

- اعتمادها على أسلوب الجذب الذي يتماشى مع الرغبات والغرائز الموجودة عند الإنسان.

- استسهال الاستفادة منها باعتبارها مصدراً سهلا، يؤمن معظم ما يبحث عنه الإنسان وخصوصاً الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي.

- التفلّت من رقابة الأهل والمدرسة وغيرها من المؤسسات التربوية بحيث يستفيد من هذه الوسائل دون محاسبة وبعيداً عن الرقابة.

- كثرة المواد الترفيهية الموجودة فيها والتي تتماشى مع حب الإنسان للترفيه، وتمضية الوقت بأمور مسلية من ألعاب الكترونية وغيرها.

- باعتبار أن الإعلام عابر للحدود، والمتابع يشعر أنه يتواصل مع كل المجتمعات بشكل سهل. مما يتيح له تحصيل ما يريد من معارف وتحقيق ما يريد من رغبات بشكل أفضل.

أثر التلفزيون على التربية للناشئة:

- الخبير الإعلامي هالوران يقول: "إن إحدى الدراسات الميدانية توصلت إلى نتيجة مرعبة تتمثل في أن 87% من الأطفال في سن الحادية عشرة يثقون بالتلفزيون أكثر من أي مصدر آخر". وجواباً على سؤال إذا سمعتم قصة عن المدرسة أو التلفزيون أو الأهل فأي رواية تصدقون، أجاب 45% التلفزيون". ويقول عالم بريطاني (عالم اجتماع) اسمه غيدنز في أشكال الإعلام في التأثير على الجماعة أن "طبيعة الوسيلة الإعلامية المستخدمة في المجتمع تؤثر في بنية المجتمع أكثر مما يتركه المضمون والمحتوى أو الرسالة التي تنقلها وسائل الإعلام". ويضيف أن "وسائل الاتصال في العالم العربي مع استثناءات قليلة هي بنت السلطة أو ربيبتها. وهي الأدوات الأساسية للتعبئة السياسية أو الشحن العاطفي النفسي".

- وباعتبار أن الإعلام المرئي، يجمع بين الدور التثقيفي والتربوي والترفيهي ويخاطب حاستي السمع والبصر، عند المتلقي. كان له الأثر الفاعل في جذب الانتباه. ومعلوم أن هذا الأسلوب، يعد من أهم الوسائل التعليمية المتميزة، بسبب قدرته على إشباع الاحتياجات الإنسانية لمرحلة الطفولة، خصوصاً حاجات النمو العقلي، مثل الحاجة إلى الحب والحاجة إلى حب المعرفة وحب الاستطلاع.

- ويساعد على تنمية خيال الطفل وتغذية قدراته المعرفية. وباعتبار أن معظم البرامج الموجودة على التلفزيونات والشبكة العنكبوتية، هي أجنبية وغربية وتحمل قيم الغرب، التي لا تمت بالعموم إلى قيمنا بصلة، بدءاً من الأفلام الكرتونية والمسلسلات المكسيكية والأمريكية والتركية وغيرها.....

- ولهذه المسائل آثار سلبية على الدين أيضاً والنظرة إلى الله عز وجل بحيث أنها تدفع إلى التذمر من كثير من المسائل المتعارفة عندنا كالعادات والتقاليد والعقلية.

- بالإضافة إلى تعليم الولد الشطارة بحيث لا يحسب حساباً للآخرين وهكذا...

- وبهذا تتزعزع روح الانتماء للطفل والشاب لأمته ولبيئته، بحيث تجذبه شعارات وطموحات كاذبة تطرحها البرامج الغربية، على رأسها تعميم مفهوم "الغاية تبرر الوسيلة". ومعلوم معارضة هذا المفهوم للقيم الدينية عندنا.

وبعد اطلاعي على دراسات عدّة متنوعة ذكرت أنّ أطفال ما قبل المدرسة يقضون ما بين ثلث إلى نصف أوقاتهم على مشاهدة التلفزيون، وبعد دخولهم المدرسة تكون مدّة مشاهدته مساوية لمدّة وجودهم في المدرسة. وفي أيام العطل الغلبة لمشاهدة التلفزيون، بحيث ذكرت مجلة المعرفة السعودية حول قضاء الوقت للطلاب في إجازاتهم الصيفية إذ أن 30% منهم يضعون الأولوية للتلفزيون، و11% للقراءة.

كما أشير هنا إلى أنّ دراسة تفصيلية عن برامج الأطفال خصوصاً الكرتونية، تنمي العنف والكراهية بشكل مريع، حيث تحتل 42% من شخصيات سلاحف النينجا و40% من توم وجيري، و24% من غراندايزر.

ولقد تنوّعت أشكال العنف الذي مارسته الشخصيات الكرتونية: 35% مشاجرات، 33% مقالب، 14% معارك، 5% تعذيب، 5% تهديد، والأطفال يميلون إلى تقليد ما يشاهدونه بنسبة 80% من الذكور، و 35% من الإناث.

وهنا يقول الناقد الإعلامي جورج غوير أنّ الذين يشاهدون التلفزيون بكثرة يرون العالم أكثر عنفاً مما هو عليه، وهم أكثر شكاً من الذين لا يشاهدونه.

وإذا ما أردنا مدى التأثير على مستقبل الأطفال، نذكر دراسة بريطانية أجريت على 927 طفلاً بريطانياً لأطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشرة: "إنّ الأطفال الذين لا يشاهدون التلفزيون يفوقون الأطفال المشاهدين للتلفزيون في مستوى الأداء المدرسي".

وأزيد ما خَلُصت إليه الباحثة ماري دبين بنتيجة مراقبة مجدية "أنّ الأطفال في المرحلة الأولى من نموهم أي في المرحلة الحسية لا يتعلمون من التلفزيون شيئاً يذكر في الجانب اللغوي، بل تظهر في العمر ما بين ثلاث سنوات وأربع سنوات، حيث ثبت أن الطفل يستوعب 20% من مسار الأحداث الواردة في البرامج، ويستطيع أن يتابع عشرين فعلاً أو حركة كاملة متلاحقة".

في حين أنه لا يستطيع أن يستوعب في الذاكرة أو يستفيد بواسطتها أكثر من ست أفعال أو حركات كاملة.

وقد أثبتت هذه الدراسات والتجارب التربوية إلى أنه من الخطأ الإكثار من مشاهدة برامج التلفزيون، فهي تؤدي إلى التعطيل الكلّي لفاعلية الدماغ بل لا بدّ من تأثير نسبي محدود.

وهذا لا يعني أن بعض نواحي النمو الدماغي قد لا يصاب بالخلل نتيجة أسباب قد تحدث في مراكز معينة في المخ، وقد تؤدي إلى تأخر في النطق أو فقدانه أحياناً.

لذلك يمكن القول إنّ المشاهدة المكثفة من قبل الطفل للتلفزيون قد تؤدي إلى عاملين سلبيين:

1- الاكتفاء بالاستماع من جهة واحدة، وهذا يؤدي إلى أن لا يفهم الطفل منه إلا نسبة ضئيلة ولن يحتفظ في ذاكرته إلا بنسبة قليلة.

2- إن الانشغال عن تحريك النطق والحوار الكلامي والمنطقي أثناء المشاهدة التلفزيونية المكثّفة يؤدي إلى ضعف في مركز استقبال الكلام، وهذا يعني حدوث اضطرابات في عملية النطق، ويمكن إن تتأخر عن الحدّ الطبيعي، الذي يفترض أن يكون في مرحلة معينة من مراحل الطفولة التي يستقبل فيها الطفل أو يشاهد البرامج التلفزيونية المخصصة له.

اعلى الصفحة