التغييرات في السياسة الخارجية الهندية  اتجاه إسرائيل والفلسطينيين

السنة الخامسة عشر ـ العدد 174  ـ (شعبان ـ رمضان  1437 هـ ) ـ (حزيران 2016 م)

 ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مركز أبحاث الأمن القومي مجلة تقدير استراتيجي

بقلم: أوشريت بيردوكار

لقد كونت عناصر كالدين، ومعاداة الامبريالية والاستعمار، تقديس الدولة العلمانية والدول غير المنحازة، علاقة الهند بالقضية الفلسطينية على مدار السنين. بداية، الصراع بين حزب المؤتمر الهندي، وحركة "الجامعة الإسلامية" تركز على تسخير الطائفة المسلمة في الهند للنضال الفلسطيني للتحرر الوطني.

الهند والفلسطينيون – تاريخ من التضامن

ومع نقل مسألة ارض إسرائيل إلى الأمم المتحدة تحولت الهند إلى لاعب هام من وراء الكواليس. وفي إطار الجلسة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 أحبطت الهند فرض حظر على الاجتماع العام للأمم المتحدة بمبادرة من أعضاء"اللجنة العربية العليا" ودول عربية بسبب وضع شروط ذات أفضلية لصالح الوكالة اليهودية خلال عملية النقاش – فرض حظر كان من شأنه أن يحجب على إقامة دولة إسرائيل. كما، تمكنت أن تشمل في مجموعة الدول الأعضاء في اليونيسكو، في إطار خلق "مشروع اتحادي" – فكرة تم رفضها من قبل الأغلبية. ومع إقامة دولة إسرائيل وعلى مدار جميع حروبها أعربت الهند دعمها القوي للعرب.

أمام هذا الدعم الأخرق للدول العربية خلال الحرب الهندية الباكستانية في العام 1965، ولاحقا في العام 1971 في بنغلادش، منحت إسرائيل غطاء تاما للهند عن طريق تزويدها بتجهيزات المدفعية. بالنسبة لكثير من أعضاء البرلمان كان معلوما عدم وجود تناغم في العلاقات بين الهند والدول العربية. في صراع "رابطة الشعب الهندي" (BJS)، التجسيد السابق لحزب مودي "حزب الشعب الهندي" (BJP) -حزب وطني معارض لأبناء الأقليات – تعززت فكرة التحالف اليهودي مع إسرائيل، وانتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة في العام 1967 تزامن مع انتصار الهند على باكستان في العام 1965. وعلى الرغم من ذلك، استمرت الهند بانتهاج آلية متشابهة في السياسة الخارجية. فحاولت الهند الاشتراك في مؤتمرات إسلامية مختلفة، وأدانت أعمال إسرائيل وأرسلت تجهيزات طبية للمتضررين من حروب إسرائيل. ودعمت الهند اشتراك منظمة التحرير الفلسطينية في أطر مختلفة كالحصول على عضو مراقب في الأمم المتحدة في العام 1974. وانضمت إلى قرار الأمم المتحدة رقم 3379 الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية وذلك في العام 1975. وفي العام 1977 صعد إلى دفة الحكم في الهند حزب جاناتا (Janata) المكون من تحالف أحزاب من بينها "رابطة الشعب الهندي" (BJS)، الذين عارضوا سياسة الطوارئ لرئيسة الحكومة أنديرا غاندي. والكثيرون من مناصري إسرائيل عادوا إلى البرلمان الهندي وأثاروا توقعات في القدس بتغيير الوضع القائم. ومع ذلك، فإن أصوات الناخبين المسلمين منحوا الحزب نصره، وتميزت أعمال الحكومة بالحذر الشديد واستمر دعم العرب.

في نهايات أعوام الثمانينيات لوحظ تغيير في السياسة الهندية تجاه إسرائيل، والسبب في هذا التغيير هو متعدد الأبعاد، فعلى صعيد الخطاب السياسي الداخلي، فإن صعود حزب جديد إلى السلطة في العام 1989 خفف من النغمة المعادية لإسرائيل وخلق أساساً للتغيير، وعلى الصعيد الإقليمي، فإن الإرهاب الأصولي قارب ما بين الهند وإسرائيل. وإلى جانب ذلك، فإن التراجع في أسعار النفط الإجمالي قلل من قدرة الدول العربية من ممارسة الضغط باستخدام النفط، كما كانت تفعل ذلك في الماضي. وفي المقابل فقد اكتشفت الهند قوة الولايات المتحدة، واحتاجتها من أجل تخليصها من الأزمة الاقتصادية التي علقت فيها.

وشكل انهيار الاتحاد السوفيتي في العام 1991 مؤشراً على انتهاء النظام القديم في ميزان القوى العالمي، والذي أصبح حينها أحادي القطبية برئاسة الولايات المتحدة. العداء الهندي تجاه إسرائيل شكل فشلاً في علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلا أن التغيير العلني في السياسات أصبح أسهل على ضوء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين في أعقاب "مؤتمر مدريد". وعلى الرغم من إقامة العلاقات مع إسرائيل في العام 1992، استمرت الهند في دعهما التقليدي للفلسطينيين. وهذه العلاقات الجيدة تمت المحافظة عليها بواسطة الزيارات المتبادلة، الدعم المالي، والتعاون المشترك وإدانة إسرائيل. وظلت القضية الفلسطينية تحظى بشعبية في الهند، ومؤخرا تستخدم كأرض خصبة لنشاطات منظمة (BDS) في شبه القارة الهندية.

التغييرات في السياسة الخارجية الهندية تجاه القضية الفلسطينية

شكل صعود رئيس الحكومة مودي إلى السلطة في الهند في العام 2014، تغييراً في تاريخ الهند، وكذلك تغييراً في علاقات الهند والسلطة الفلسطينية. وأعلنت الحكومة اليمينية المسيطرة عن تغييرات كبيرة في علاقات الهند الخارجية، ووضعت على أجندتها اليومية ثلاثة مواضيع رئيسية: قيادة خط صارم فيما يتعلق بالأمن القومي، تسريع المرحلة الثانية من الإصلاحات الليبرالية الجديدة وتمجيد فكرة الثقافة القومية. والعلاقة المتغيرة تجاه الشرق الأوسط هي إحدى المجالات المتطورة في قضية علاقات الهند الخارجية.

ومن أجل دراسة التغييرات قي سياسة الهند الخارجية بالنسبة للقضية الفلسطينية، فلا يجوز فصل ذلك الأمر عن التغييرات في العلاقات بين الهند وإسرائيل. فتعزيز العلاقات من الممكن تمييزها من عدة زوايا: الأمن، زيارات دبلوماسية، تغييرات في النظرة العامة والسلوك في التصويت في الأمم المتحدة. ففي مجال الأمن – عززت إسرائيل علاقاتها الأمنية مع الهند، وتحولت شبه القارة الهندية لواحدة من أهداف التصدير الكبرى لإسرائيل، وخاصة في مجال شراء التجهيزات العسكرية. وتعتبر إسرائيل المزود الرابع للهند بالأسلحة. وتزايد عدد الزيارات الدبلوماسية بين البلدين بالتدريج منذ إقامة العلاقات. وخلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، في أيلول 2014 التقى مودي مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتباحثا، حول المشروع النووي الإيراني وتوسيع التعاون بين البلدين. وفي شهر تشرين الأول من نفس العام قام رئيس وزراء الهند بزيارة تاريخية لإسرائيل. ومثالاً على التحالف الدبلوماسي المتزايد من الممكن مشاهدته في صيف العام الماضي، أثناء عملية "الجرف الصامد". فخلال العملية عملت حكومة مودي على منع إدانة إسرائيل في البرلمان الهندي – وهو الأمر الذي اعتبر لدى الكثيرين دعماً للحكومة في إسرائيل.

تحولت الأمم المتحدة إلى الساحة الأكثر أهمية لتفحص التغييرات في علاقات الهند الخارجية. فطريقة التصويت لغاية الآن أثبتت ولاءً في دعم الفلسطينيين والمعاداة الواضحة لإسرائيل. وخلال عملية "الجرف الصامد" تلقت الهند انتقاداً كبيراً على عدم إدانتها الأعمال الإسرائيلية في قطاع غزة. ويبدو أنه وبهدف موازنة دعمها لإسرائيل، صوتت الهند لاحقاً لصالح تشكيل لجنة تحقيق خاصة حول غزة من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وفي النهاية أعلنت الهند أنها تعرب "عن قلقها" تخوفاً من تصاعد العنف بين إسرائيل والفلسطينيين. وفي تموز من العام 2015 امتنعت الهند، إلى جانب دول مثل اثيوبيا، كينيا، برغواي ومكدونيا، عن التصويت لصالح تقرير الأمم المتحدة الذي يدين إسرائيل بسبب عملية "الجرف الصامد". ووصف السفير الفلسطيني في الهند عدنان أبو الهيجا (Adnan Abu Alhaija) قرار الهند "بالصاعق"، وحسب رأيه فإن ذلك جاء بتأثير من منظومة العلاقات العسكرية بين إسرائيل والهند. وأفادت مصادر هندية أن نتنياهو توجه بصورة شخصية إلى مودي وطلب منه الامتناع عن التصويت. وفي آب من العام 2015 أكدت وزيرة الخارجية سواراج شارما (Swaraj Sharma)، على تطلعها للوصول إلى قلب الجمهور العربي والمسلم، وأن لا تغيير في سياسة الهند تجاه السلطة الفلسطينية، وان دعم الهند للنضال الفلسطيني سيظل قويا. وأكدت أن الهند مستمرة في إتباع سياسة مميزة ترفع شعار عدم التدخل. وبكلمات أخرى، فإن الهند على استعداد للاستمرار في منح الدعم للعرب، ولكنها تفضل أن يقرروا مصيرهم هم بأنفسهم. 

هناك من يدعي أن التغيير في السياسة تجاه إسرائيل بدأ قبل عهد مودي، في فترة "أزمة كرغيل" في أيار من العام 1999، وعندما تم تزويد الهند بالسلاح من قبل إسرائيل من أجل الانتصار في الحرب ضد باكستان. وبدءاً من العام 2012 أعربت الهند "عن قلقها" ولكنها أدانت نشاطات إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن الهند ظلت تدعم إقامة دولة سيادية فلسطينية على أساس حدود العام 1967، إلا أن تعابير دعهما للسلطة الفلسطينية بدأت تتغير تدريجياً. ومنذ وصول مودي إلى منصب رئيس الحكومة ، تمر العلاقات الهندية – الإسرائيلية بإعادة تقييم. والتصويت الهندي هو مؤشر للتقارب المستمر بين حكومات الهند وإسرائيل. وامتناع الهند عن التصويت لا يشكل حيادية، بل العكس. فبعد سنوات من السياسة الداعمة والفاعلة للفلسطينيين في الأمم المتحدة، فإن الحديث يدور عن تغيير في سياسة الهند الخارجية.

الأسباب للتغييرات في سياسة الهند الخارجية

تستخدم السياسة الخارجية هدفاً وحيداً فقط في أحيان نادرة. وبشكل عام فهي تستخدم ذلك من أجل تحقيق أهداف معينة، مثل الأمن، المساعدات، التجارة، موقف. فغالبية دول العالم تميل للمحافظة بحماسة شديدة على المبادئ الأساسية الموجهة لسياستها الخارجية. فسياسة الهند تم تكوينها على أيدي رئيس الوزراء الهندي الأول جواهر لال نهرو (Jawaharlal Nehru)، وظلت سائدة أيضاً بعد موته. وعلى مدار السنوات، وكدولة أزاحت عن كاهلها قيود الاستعمار، انتقلت المشاكل الداخلية إلى مركز الأجندة اليومية للهند، ولم تبقِ الهند لها دوراً فاعلاً في مجال العلاقات الدولية. ومع ذلك، وفي أعقاب إجراء الإصلاحات الاقتصادية بعد الأزمة الاقتصادية في العام 1991، والتي فتحت الاقتصاد الهندي أمام السوق العالمية، تم الإحساس بتغيير جوهري في سياسة الهند الخارجية. وأشارت الإصلاحات إلى انهيار النهج السابق في السياسة والاقتصاد التابع للنهج الاشتراكي، والذي رافق الهند حتى منذ أيام النضال لنيل الاستقلال. واليوم يحدث في الهند صراع حول الطريق السليمة لإدارة سياستها الخارجية، على ضوء التحديات الجديدة الماثلة أمامها.

ومن الممكن الإشارة إلى أربعة عناصر تملي على الهند سياستها الخارجية:

1– ترسيخ مكانة الهند كدولة كبرى

2– صورة الأمة

3– التغييرات في علاقات القوى الإقليمية

4– سياسة رئيس الوزراء مودي، كما سيتم تفصيلها فيما يلي:

أ– ترسيخ مكانة الهند كدولة - عظمى -:

مع انتهاء الاستعمار والحصول على الاستقلال، كانت المهمة الأساسية أمام الهند هي تعزيز وترسيخ الدولة الجديدة. وعلى الرغم، من أن الهند كدولة لم تتمسك بسياسة خارجية مقررة، خلافاً لرئيس حكومتها نهرو، الذين كونها من خلال، خبرته الدبلوماسية، وقوته وإبعاد الأمور الخارجية عن الجمهور الذي أتاح له ذلك. مع صعود لال بهادير شاستري (Lal Bahadur Shastri) إلى السلطة كرئيس الوزراء الثاني للهند، ظلت البيروقراطية الهندية مهيمنة واهتمامات الهند الدولية استبدلت بالاهتمام بالشأن المحلي والإقليمي. غالبية، سنوات الدولة الأولى لم تتميز بالنقاش المهيمن على السياسة الخارجية، حيث تركزت على الشؤون الداخلية وتكوين الأمة، مثال الاقتصاد الوطني والمعاداة للاستعمار. في هذه السنوات تم تجنيد السياسة الخارجية أيضاً لمواجهة المشاكل الداخلية في البلاد.

والتغيير الرئيسي الذي تمت الإشارة إليه في سياسة الهند الخارجية يكمن فيما عدا الانتقال من الخطاب السياسي – الدبلوماسي، الذي مجد المثالية، إلى الواقعية. تحمل المدرسة الواقعية أن السياسة تتطلع دائماً إلى القوة التي يتم التعبير عنها تحديدا بالقوة العسكرية. لقد رأت الهند بنفسها تحقق قيما مثل النزوع للسلام، عدم الانحياز، التعاون وتقرير المصير الديمقراطي، التي لم تكن لها دور فعال. فهذه كانت طريقها من اجل الوصول إلى مكانتها المميزة والمستقلة في أوساط دول العالم. التطبع حيث من الممكن تبني نظرة واقعية السياسية جاءت بالتدريج، بسبب التوترات مع الصين وباكستان. ففي حين كانت الدولتان تتسلحان وتتعاونان بمساعدات ذاتية، كانت الهند غارقة في المشاكل الداخلية. وطرحت العلاقات مع إسرائيل في خط واحد مع هذه المؤشرات من النظرة الواقعية من قبل الحكومة. يبدو أن المساعدة العسكرية الإسرائيلية للهند تتم بين الحروب، سواء في حرب العام 1965 مع باكستان أو في العام 1971 مع بنغلادش.

قبل الأزمة في مجال العملة الصعبة التي عصفت بالهند في بداية سنوات التسعينيات، كانت السياسة الخارجية الهندية تتميز في البحث عن مساعدة خارجية – وهي مهمة جاءت في نفس مستوى حاجاتها المتزايدة. إستراتيجية الانفتاح الاقتصادي للهند في سنواتها الأولى أكدت على أهمية التنظيم الحكومي.. وتميزت التجارة مع الهند بتعرفة جمركية مرتفعة وفي معيقات هيكلية، وبذلك كان القيد الأكبر في آسيا. وخلال سنوات الثمانينيات بدأت الهند بإصلاحات للتخفيف على عملية الاستيراد، ولكن سياستها التجارية ظلت محدودة. وتوجهت الهند إلى صندوق النقد الدولي (IMF)) بطلب المساعدة، الذي اشترط الدعم، بإصلاحات في سياستها التجارية. وفي حينه مورست على الهند ضغوط في مجال المنافسة في السوق العالمية، وفي ظل غياب الغطاء من قبل الاتحاد السوفيتي دخلت الدبلوماسية الهندية إلى "ارض مجهولة".

فقد أملت شروط السوق حاجاتها على الهند، والتي تركزت في البحث عن مستثمرين  أجانب والوصول إلى أسواق جديدة. لقد كانت الإصلاحات الاقتصادية بطيئة ولكنها مثمرة، ونجحت الهند في تحقيق النمو بسرعة. ووضعت أساساً للتغيير في علاقاتها مع الدول العظمى والإقليمية، وكذلك مع خصومها – الصين وباكستان. وخلال السنوات الثماني الأخيرة تزايد معدل النمو السنوي للهند بـ13%، بفضل سياسة التجارة الحرة والاستثمارات الأجنبية. ومن شأن الهند أن تسرع من معدل النمو لديها ولان تضع نفسها في المرتبة الثالثة عالميا وفقا لمفهوم الناتج المحلي الإجمالي. ومع النمو الاقتصادي إلى جانب عناصر مثل القوة العسكرية والنووية، تزايد الازدهار الاقتصادي بصورة كبيرة، وسيصبح سكانها الأكبر في العالم والجيل الشاب الكبير – ومن هنا تأتي المسؤولية العظمى.

تسعى الهند لرفع مكانتها في منظمة الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم (البريكس BRICS) والتي يشاركها في عضويتها كل من روسيا، البرازيل، الصين وجنوب أفريقيا، بهدف تعزيز مكانتها على الساحة العالمية. وعلى الرغم من تطلعاتها المسيطرة على الروابط الأكثر قرباً مع الغرب، كانت كتلة البريكس هي التي أتاحت للهند الدخول إلى المنظمات الدولية. وفي المقابل، فإن الغرب، لم يكن سخياً تجاهها في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا بقبولها كقوة أكثر قوة في صندوق النقد الدولي. وبقيت منظمة البريكس قوية في دعمها لحقوق الفلسطينيين لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ويبدو أن موقف البريكس هو الذي جعل من سياسة الهند تجاه إسرائيل سياسة مركبة. على خلفية الشرف الكبير الذي تحظى به الهند داخل هذه المنظمات، وكذلك من قبل دول كإيران ودول الخليج العربي، فإن التقارب بين الهند وإسرائيل والولايات المتحدة سيضطر الهند للسير على حبل دقيق.

ب– صورة الأمة:  

في العالم الرقمي، فإن ثورة الانترنت جعلت من الإنتاج مسألة – كيف يندمج المستهلكون ويختبرون العلامات التجارية. فاليوم فإن العلاقات بين المنتج والزبون لا تنتهي بشراء المنتج، بل إن المنتج يصبح جزءاً من تصنيع العلامة التجارية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة. وتحولت صورة الإعلام إلى أن تصبح جزءاً هاماً من قوتها في الساحة العالمية. الباحث سيمون انهولت (Simon Anholt) وضع المصطلح "علامة الأمة التجارية" (Nation Branding)، الذي يربط بين النظرية في مجال إدارة الأعمال مع مجالات مختلفة التي تتعامل في هوية الأمة. والهند كانت مصممة لأن تثبت للمزودين أنها مرشحة ملائمة لوصف "قوة عظمى"، ولذا اتبعت سياسة خارجية تدمج بين العلامة التجارية السياسية، إلى جانب استخدام القوة الناعمة.

لقد آمنت الهند بقدرتها على لعب دور كبير على الساحة الدولية ورأت نفسها كدولة عظمى، ولكنها لم تحظ بالاحترام المناسب من قبل دول العالم.. فالصورة التي حظيت بها خدمت المصالح السابقة لها كدولة ضعيفة، بحاجة إلى المساعدة الخارجية. بالإضافة إلى الدعم على مدار السنين للدول العربية بشكل عام وللقضية الفلسطينية بشكل خاص، ولن تعتبر الهند في نظر دول العالم كمصدر للقوة. ومع التعاظم الاقتصادي والعسكري للهند، نشأت الحاجة إلى أن يتم مجدداً تفحص صورة الأمة. يبدو أن العقد الأخير مر بالعديد من التغييرات على هذا الصعيد، ونتائج كبيرة. وتحولت الهند من صاحبة صورة لدول العالم الثالث، إلى اسم يلاحق في مجال الحواسيب، الإعلام والخدمات. هذه الاعتبارات تساوقت مع نفس الدرجة مع رغبة الهند  في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، والتي تملك هي أيضاً خبرة في مجالات متشابهة.

ج – تغيير في علاقات القوى الإقليمية:

تسببت العديد من الأحداث، كالربيع العربي، والحرب الأهلية في سوريا والمليشيات السنية في القارة الهندية في إجراء تقييم جديد للعلاقات. فالحكومة الحالية في الهند ترى بالشرق الأوسط الحي الواسع أمامها، والحيوية للمصالح الوطنية للهند. فالهند جوبهت بنجاح من الإسلاميين في تونس ومصر، وتزايد قوة الدولة الإسلامية. إلى جانب ذلك، تزايدت المخاوف من أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط سوف يؤدي إلى تزايد الإرهاب في الهند. فالهند هي مستهلك رئيسي للطاقة فهي تستورد 68% من النفط الذي تستهلكه من دول الخليج، ولأجل ذلك، فإن أي تشويش في تزويد الطاقة المنتظم إلى البلاد من شأنه أن يمس بالتقدم الاقتصادي عندها، وكذلك في معدل نقل إيرادات حوالي 7 مليون عامل هندي في دول الخليج. والمخاوف من التغييرات أدت إلى تزايد في المشتريات العسكرية للهند. وبلغ معدل التجارة الأمنية بين إسرائيل والهند منذ تولي مودي السلطة في الهند في العام 2015 حوالي 695 مليون دولار. هذا المبلغ اكبر من معدل التجارة بين البلدين قبل ثلاث سنوات من صعوده إلى الحكم. هذه التغييرات جاءت في تناسق مع علاقات الهند مع إسرائيل، التي هي قوة عسكرية ومصدر ة للتكنولوجيا المتطورة.

أخذت الولايات المتحدة في السنوات في تعزيز علاقاتها مع الهند تدريجيا، والتي تحولت إلى قوة عظمى في المشرق. بعد أن أبعد الطرفان الشكوك التي صبغت العلاقات بينهما، نجحا في الدفاع عن المصالح العالمية والإقليمية لهما، على التوالي. وتحولت نظرة نيودلهي بالنسبة إلى المشروع النووي الإيراني إلى حجز الزاوية بالنسبة لواشنطن تجاه علاقاتها مع الهند. فسياسة الهند بالنسبة للمشروع النووي الإيراني تميزت بحذر شديد من عدة زوايا – إمدادات الطاقة، إستراتيجية وتجارية. والتوتر الذي ساد بين الهند والولايات المتحدة، طوال فترة العقوبات وصل إلى نهايته مع التوقيع على الاتفاق النووي مع الدول العظمى في تموز 2015. توثيق العلاقات بين الدولتين من شأنه أن يعطى زاوية مميزة لتدخل الهند في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. قوة الهند العليا، والتزاماتها العميقة على مدار سنوات مع القضية الفلسطينية وعلاقاتها الجيدة مع إسرائيل من الممكن أن تتيح لها إيجاد اتفاق متعدد الاتجاهات. في إطاره يحظى كل طرف من أطراف النزاع بدعم ذاتي مقبول بالنسبة للطرفين. فوضع الهند كوسيط إضافي في الصراع الذي طال كثيرا سوف يعطيها إمكانية جذب الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الداخل. هذا الدور سوف يتماشى مع علامة الهند التجارية الجديدة كدولة عظمى، تتطلع إلى حصولها على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولكي تبرز تميزها كجسر للتسامح.

د – سياسة رئيس الحكومة مودي:

منذ تولي مودي مقاليد الحكم في الهند، وترأسه الحزب القومي، بدا كممثل لجيل جديد في السياسة الهندية التي ترفع لواء البراغماتية الاقتصادية. هذه النظرة وجدت تعبيرها أيضاً عندما كان يشغل منصب مسؤول حكام مقاطعة جوجراط، كما انه زار إسرائيل في فترة توليه هذا المنصب. وخلال الفترة القصيرة التي تولى فيها مودي منصب رئيس الحكومة عزز من الجرأة السياسية في سياسة الهند الخارجية. فالواقعية تحولت إلى رؤية إجبارية من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية للهند. فالتطبع هو أن الاقتصاد الهندي لا يمكنه أن يدوم بدون تصنيع سريع. واتخذت الحكومة سياسة ليبرالية جديدة. تلقى مودي لصالح الحملة الانتخابية أموالاً كثيرة من رجال أعمال، من خلال التطلع إلى تسريع الإجراءات الرأسمالية. وبعد أن تم انتخابه، خلق بيئة ناعمة لرجال الأعمال، التقليل من الإجراءات البيروقراطية وتحسين البنى التحتية. كذلك، وبوحي من النموذج الصيني، أرادت الحكومة أن تحول الهند إلى مركز إنتاج. واحد النماذج البارزة لهذه السياسة، كان مشروع "صنع في الهند" (Made in India)، الذي يهدف إلى جلب الاستثمارات الأجنبية عبر تعزيز الصناعة المحلية.

بالتناسق مع السياسة التي ترفع راية النمو الاقتصادي، شكل مودي علاقات الهند مع دول العالم. وتماشى الأمر مع الأسواق التي تمتاز بها إسرائيل ومعنية بتصديرها مثال الهاي تك، الزراعة، الاتصالات والأمن. لغاية الآن ما زال جزء من سياسة الهند الخارجية يحركه عداؤها مع دول مثل الصين وباكستان. ولكن الهند برئاسة مودى وضعت أمامها هدفا بالاستفادة الكبرى من الفرص، من اجل التعريف مجددا بمكانتها في المنطقة. انطلاقاً من هذه النظرة يستمر مودي بالسير على خطى "حزب المؤتمر"، الذي وجه في حينه علاقات مع إسرائيل عندما كان التوقيت مريحا بالنسبة له. كذلك، فإن مودي مستمر في تقاليد حزبه التي ترى في علاقاته مع إسرائيل تحالفاً عضوياً للمصالح الداخلية والإقليمية لهما معا. وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا تجاهل العلاقات الشخصية بين زعماء البلدين – مودي ونتنياهو. ومن الممكن إيجاد خطوط متشابهة في النظر إلى العالم لديهما، كدعم الخط المحافظ، اليميني، الرأسمالي.

خلاصة

لغاية سنوات التسعينيات استندت السياسة الخارجية الهندية على التضامن مع "دول الجنوب"، تحت راية منظمة دول عم الانحياز. ومع ذلك، فإن سياسة عدم الانحياز ليست بالضرورة هي سياسة خارجية، بل رداً تكتيكياً لخرق محدد لنظام القوة لدى الدول العظمى. تكوين السياسة الخارجية الهندية هو إجراء متقدم. الاتجاهات الجديدة للدبلوماسية الهندية تبدو أمام الجميع. اعتبارات داخلية لتعزيز القوة الاقتصادية على ضوء العلاقات الدولية هي التي أدت إلى التغييرات في علاقات الهند تجاه إسرائيل. وكذلك العلاقات مع الفلسطينيين هي أيضاً إجراء تكاملي مع منظومة الاعتبارات الجديدة للهند المتعاظمة. لقد أثبتت الهند تراجعاً في طريقة تصويتها في الأمم المتحدة، التي اعتبرت ساحة الدعم والتأييد الأبرز للفلسطينيين. ومع ذلك، فإن أحداث مثل عملية "الجرف الصامد" قد أثبتت الوضع المعقد العالقة به الصين. الارتباك الجوهري المميز لدولة تحررت من وضع استعماري وتحاول تحديد سياسة خارجية مستقلة، وفي نفس الوقت تتطلع لان تصبح دولة عظمى. تحاول الهند أن توازن بين التحالفات الجديدة التي أنشأتها مع دوافعها المختلفة، ولذا ليس بالضرورة أن نسميها كمعادية للفلسطينيين. من المنطقي الافتراض أن الهند لن تتخلى عن دعمها للفلسطينيين، المتوافق مع قيم هندية كثيرة. للسياسة الخارجية الهندية برئاسة مودي نتائج معقدة. فالكثير من خطواته حظيت بالمديح إلا أنه مع ذلك، تم توجيه انتقاد له بسبب تهربه من بلورة سياسة واضحة تجاه الشرق الأوسط.

اعلى الصفحة