فرادة الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

إن الجمهورية الإسلامية في إيران نظام سياسي وثقافي ثابت الأركان، وتداول السلطات فيه يحصل وفق دستور مؤيد من الشعب، ومستفاد من الشرع، ومستفيد من النظريات الدستورية المعاصرة، الأمر الذي يجعل منه تطبيقاً خلاقاً لنظرية الحكم في الإسلام، أعطاها الاجتهاد الفقهي في محله سمة المعاصرة والتعايش مع أنماط أخرى من الحكم في حوار وتعاون متبادلين.

وإن المؤسسات الدستورية تعمل وفق هذا النظام باستقلال وتعاون يسمحان بانطلاق جهاز إدارة شؤون البلاد ودفعها في طريق النمو المطّرد والتقدم الواثق.. السلطات فيها منفصلة ومتصلة، وذات استقلال وسيادة وفعالية في نطاق عملها الخاص. ولا يعني ذلك عدم وجود عقبات ولا نشوء أزمات، بل لعل العقبات والأزمات جزء من فعل المؤسسات وإشكالية العمل وطبيعة الإدارة، ويمكن وصف هذا الشكل من الإدارة في الحكم بالحرية والديمقراطية والعدالة، والنظر إلى السياسة في نطاقها كعمل شرعي (سياسة شرعية)، وفي نطاقها كعلم قائم بذاته (سياسة وضعية).. الأولى تقوم بدور الأساس للبناء، والأخرى تقوم بدور الآلة للبناء، أو علم البناء وفنّه. وإذا تعددت المصادر بتعدد الخصائص، صار الاجتهاد موضع الإبداع الخلاق في العمل السياسي، وصارت موضوعات من نوع العلاقة بين الموالاة والمعارضة جزءاً تكوينياً في العملية السياسية.

تميزت إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979 بكونها التزمت نظاماً إسلامياً أرادت من خلاله أن تقدم نموذجاً معاصراً للحكم الإسلامي هو" الجمهورية الإسلامية" أي الدمج بين الفكرة الغربية "الجمهورية" والفكرة الدينية "الإسلامية". وبقدر ما أعطاها هذا الدمج تميزاً وفرادة بين النظم السياسية الأخرى بقدر ما زاد من أعباء النظام وتحدياته، وربما تناقضاته بين ما يفرضه النظام الجمهوري من قواعد للحكم تعطي للشعب الحاكمية وبين ما تفرضه إسلامية هذا النظام من التزامات تعلي من شأن النصوص الدينية ورجال الدين في وقت اعتمد فيه هذا النظام على مبدأ محوري هو "ولاية الفقيه" الذي يعطي الحاكمية للولي الفقيه الذي يجمع بين المرجعية الدينية والزعامة السياسية فهو المرشد والموجه للنظام. وانعكست خصوصية نظام الجمهورية الإسلامية على نظام الحكم، والقوى السياسية المختلفة. واستطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بفضل هذا النموذج أن تضرب مثلاً يحتذى للدولة المعاصرة, وأن تحقق إنجازات قل نظيرها قياساً لعمرها الزمني وما تعرضت له من تحديات وعقوبات.

إيران حالة متميزة

تعد إيران حالة متميزة كدولة ونظام حكم بسبب العديد من الثنائيات والتي يعتقد البعض أحياناً أنها تصل إلى درجة من التعارضات أو التناقضات في بلد واحد: الثيوقراطية مع دستور مكتوب، نظام المركز الواحد مع انتخابات عادية، نظام خارج من التعبئة الجماهيرية، بنفس الوقت لا يسمح بالتجاوزات المبدأية، مبدئيون وإصلاحيون، مؤسسات منتخبة ومؤسسات معينة. كما تقوم جمهورية إيران الإسلامية على شرعية مزدوجة دينية ودستورية، انصهار بين الدين والسياسة، ما جعل الثقافة الإيرانية متغيراً رئيسياً في المعادلة السياسية في إيران.

ولقد وضعت الثورة الإسلامية الإيرانية فور نجاحها دستوراً يقنن علاقات السلطات، ويحدد ملامح السياسة الخارجية. وتلك خاصية تختلف بها الثورة الإسلامية عن باقي الثورات ومنها الثورة البلشفية التي ظلت من دون دستور لبضع سنوات. وينص الدستور الإيراني على أن الدين الرسمي هو الإسلام، وأن هذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير. بنفس الوقت فإنه يراعي وجود مختلف الفئات الأخرى, لذا لابد من أن يكون هذا الدستور وسيلة لتثبيت أركان الحكومة الإسلامية المحكومة بقواعد الديمقراطية المعاصرة.

وتنص المادة الرابعة منه صراحة على أن الموازيين الإسلامية أساس جميع القوانين والقرارات المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها. وأن هذه المادة نافذة على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى إطلاقاً وعموماً. لقد جعل الدستور الإيراني الإيمان بولاية الفقيه من الركائز الأساسية للجمهورية الإسلامية فلا يستقيم نظامها إلا بها ولا يكتسب شرعيته إلا بإعمالها. وفي الوقت ذاته أكد الدستور على أن القائد يتساوى مع كل المواطنين أمام القانون, وأن الولي الفقيه يجمع بين المرجعية الدينية والزعامة السياسية، ومن ثم فهو المرشد والموجه للنظام السياسي وشئونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، له فتواه الدينية والسلطة لتنفيذها. وقد حددت المادة التاسعة بعد المائة الشروط اللازم توافرها في القائد، كما حددت المادة العاشرة بعد المائة وظائفه وصلاحياته. وبناء عليه فإن المرشد يتمتع بوضع شديد التميز والتمدد أيضاً لأنه يشرف على عمل مختلف سلطات الدولة.

وقد اعتمد الدستور بشكل أساسي على المفاهيم الديمقراطية التي لا تتعارض مع الموازين الإسلامية. حيث أقر الدستور المشاركة السياسية والانتخابات والاستفتاءات, وفي هذا المجال يمكن القول أنه جرى في إيران منذ قيام الجمهورية وحتى يومنا هذا أكثر من 35 عملية انتخابية شلت مختلف المؤسسات والهيئات الموجودة من المجالس المحلية إلى مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة, كما أن هذا الدستور لا يفرض حكم حزب واحد مما يترك مجالاً لتطوير المؤسسات التمثيلية إلى حد ما من جهة، وظهور مراكز قوى متعددة متنافسة من جهة أخرى. ومما لا شك فيه إن وجود دستور مكتوب يرشد الحكومة الثيوقراطية، ويميزها عن الثيوقراطية الأخرى.

وكان قد تم تعديل الدستور ثم الاستفتاء عليه في يونيو عام 1989 أي بعد شهر ونصف من رحيل الإمام الخميني الذي كان قد وافق على التعديل وحدد عناصره. وتضمن التعديل عدداً من المواد منها ما هو تطرق إلى القيادة وتغيير الدرجة العلمية للقائد من مرجع إلى مجتهد التي يراها البعض منعاً لاحتكار كبار العلماء لها. كما تطرق التعديل إلى السلطة التنفيذية، فألغى منصب رئيس الوزراء. فضلاً عن أن التصويت بالثقة أصبح على كل وزير على حدة مما يسمح بالاحتفاظ ببعض العناصر في الحكومة مما يحول دون سقوط الحكومة ككل. كذلك شمل التعديل عدد مقاعد مجلس الشورى الإسلامي بحيث تزيد كل عشر سنوات بما يتواءم مع الزيادة السكانية. ونص الدستور المعدل على وجود مجمع تشخيص مصلحة النظام، وله اختصاص الحل، والفصل بين مؤسسات الدولة، ووضع السياسات العامة وتحديد مصلحة النظام.

يرى البعض أن مؤسسات صنع القرار المختلفة في إيران تكشف جانباً من الهواجس الإيرانية المتعلقة باحتكار السلطة. حيث تبدو شبكة العلاقات بين المؤسسات متداخلة ومعقدة إلى حد كبير بحيث لا تتيح لأي مؤسسة أن تنفرد أو تطغى. ولكن في الوقت نفسه قد يسبب هذا الأمر - حسب رأي البعض - بيروقراطية في الإدارة، وفي سرعة اتخاذ القرار.

أيضاً انعكست ثنائية (جمهوري وإسلامي) على تصنيف المؤسسات الحاكمة ما بين مؤسسات منتخبة ومؤسسات معينة، وعلى التنافس فيما بينها مع خصوصية واضحة لدولة فريدة في نظام الحكم.

أكثر من 207 ألف شخص منتخب

ينعكس ما هو جمهوري في الجمهورية الإسلامية على المؤسسات التي تتشكل بالاختيار المباشر للمواطنين لها وتتمثل في مجلس الخبراء، ورئيس الجمهورية، ومجلس الشورى الإسلامي, والمجالس المحلية.

مجلس الخبراء: ويتألف من 86 عضواً ينتخبهم الشعب مباشرة لمدة ثماني سنوات، لا تقل سن أحدهم حسب القانون عن ستين عاماً، ولا يتقاضى أعضاؤه راتباً. ويتميز هذا المجلس بأنه يشرع بنفسه لنفسه، وأعضاء المجلس غير ممنوعين من تولي المناصب الحكومية المختلفة مثل عضوية مجلس الشورى. ومهمته انتخاب المرشد الأعلى ومراقبة أدائه وإقالته عند الضرورة أو عند ارتكابه ما يخالف الإسلام أو أسس النظام.

رئيس الجمهورية: ينتخب رئيس الجمهورية انتخاباً مباشراً من الشعب لمدة أربع سنوات، ولا يجوز انتخابه لأكثر من دورتين متتاليتين (المادة 114). ويحدد الدستور خمسة شروط في الرئيس الإيراني هي على التوالي: "أن يكون إيراني الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية، قديراً في مجال الإدارة والتدبير، حسن السيرة، تتوافر فيه الأمانة والتقوى، مؤمناً معتقداً بمبادئ جمهورية إيران الإسلامية ".

ويتولى التثبت من توافر هذه الشروط في المرشحين مجلس صيانة الدستور. ويعتبر رئيس الجمهورية أعلى سلطة رسمية بعد المرشد في البلاد، وهو المسئول عن تطبيق الدستور، وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث. وقد ألغى منصب رئيس الوزراء في الدستور المعدل ليصبح صلاحياته بيد رئيس الجمهورية الذي يرأس الحكومة في البلاد، ويطلب الثقة من مجلس الشورى لهذه الحكومة لكل وزير بمفرده وليس للتصويت بالجملة على الحكومة كلها. ورئيس الجمهورية مسئول أمام الشعب وأمام القائد ومجلس الشورى (طبقاً للمادة 122 من الدستور).

ومن أهم التطورات في الدستور الإيراني المعدل في عام 1989م أنه توسع في حق رئيس الجمهورية في تعيين معاونين ونواب له مع الوضع المتميز للنائب الأول. وارتبط هذا التوسع بإلغاء منصب رئيس الوزراء، والحاجة إلى التخفيف من المسئوليات التي على عاتق رئيس الجمهورية. وقد نص الدستور على دور محدد للنائب القانوني لرئيس الجمهورية يتمثل في النيابة عنه في التوقيع على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وأيضاً النائب الأول هو المخول بأداء وظائف رئيس الجمهورية والتمتع بصلاحياته في حالات وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين وذلك بعد موافقة المرشد الأعلى ولا يحتاج إلا إلى تصويت البرلمان بالثقة عليهم. وهناك العديد من المهام التنفيذية المناطة للوزراء في إطار الدستور وتعديلاته.

مجلس الشورى الإسلامي: يشكل مجلس الشورى الإسلامي المكون الأول من السلطة التشريعية، وينتخب مباشرة من الشعب، ومدة الدورة أربع سنوات. ونص الدستور على أن عدد نواب مجلس الشورى هو مائتان وسبعون نائباً، وبعد كل عشر سنوات يمكن إضافة عشرين نائباً كحد أعلى. وينتخب الزرادشت واليهود كل على حدة نائباً واحداً، وينتخب المسيحيون الآشوريون والكلدانيون معاً نائباً واحداً، وينتخب المسيحيون الأرمن في الجنوب والشمال كل على حدة نائباً واحداً.

إن التشريع في القانون الإيراني يعني التبيين والشرح، ولا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو المغايرة للدستور. ويتولى مجلس صيانة الدستور مهمة البت في هذا الأمر طبقاً للمادة السادسة والتسعين من الدستور. وبالإضافة إلى دوره التشريعي، فصلاحية مجلس الشورى أيضاً مراجعة المرشحين من قبل السلطة التنفيذية، ويمكن استدعاء وزراء لمحاسبتهم على سلوكهم.

إن مجلس الشورى الإسلامي هو المؤسسة الوحيدة غير القابلة للحل. وهو لا يعد مسئولاً أمام السلطتين التنفيذية والقضائية، ولكن تتم مراقبته والإشراف عليه بواسطة مجلس صيانة الدستور. كما يمكن لمجلس الشورى عدم قبول وجهات نظر خبراء مجلس صيانة الدستور وأن يرجع الموضوع محل الخلاف إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام.

المجالس المحلية: تشير الإحصاءات إلى أن الإيرانيين يهتمون بالسياسة المحلية جداً، وترتفع نسب إقبالهم على الانتخابات المحلية مقارنة بالانتخابات الرئاسية. وتُظهر المدن الصغيرة والمناطق النائية عادة حضوراً كبيراً. وفي المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان يكون الإقبال على الانتخابات المحلية عموماً أقل، وذلك بسبب أن القضايا الاجتماعية هي الأكثر أهمية من القضايا السياسية في المدن الصغيرة والقرى بينما في المدن الكبرى وعواصم المحافظات يتجه الاهتمام من القضايا الاجتماعية إلى المجال السياسي. وتمتلك هذه المجالس المحلية ميزانيتها الخاصة وتتمتع بسلطات فرض الضرائب وجمعها.

هناك أكثر من 207 ألف شخص منتخب في المجالس المحلية للمدن والقرى ويدل هذا الرقم الكبير على أهمية هذه الانتخابات. ويمكن أن يضاف لهذه الأهمية كون المحليات تخرج العديد من المسئولين والكوادر المؤهلة لخوض الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية وتولي المناصب القيادية في البلاد. والقضية التي تفرض نفسها على ساحة الانتخابات بشكل عام هي مسألة الرقابة على الترشح واستبعاد بعض الشخصيات من قبل الهيئة المشرفة على الانتخابات. ووفقاً للقانون الإيراني تقوم لجنة الشئون المحلية البرلمانية على عملية الإشراف على قوائم الترشح واستبعاد من لا تنطبق عليه الشروط في حين تشرف وزارة الداخلية على لجان الاقتراع وإعلان النتائج.

مؤسسات ضامنة

ومن أهم هذه المؤسسات: مجلس صيانة الدستور، مجمع تشخيص مصلحة النظام، السلطة القضائية، مجلس الأمن القومي الأعلى، المؤسسات الأمنية والعسكرية.

مجلس صيانة الدستور: يعتبر مجلس صيانة الدستور أحد المقومات الفريدة التي تتسم بها السلطة التشريعية إذ يتكون من ستة من كبار رجال الدين وستة قانونيين إسلاميين. ويقوم المرشد بتعيين رجال الدين الستة وتتمثل مهمتهم في الإشراف على عملية سن القوانين ورفض تلك التي تتنافى مع تعاليم ومبادئ الإسلام. ومدة المجلس ست سنوات. وكذلك له سلطات واسعة من حيث الإشراف على الانتخابات التي تجري في البلاد وعلى الاستفتاء العام.

مجمع تشخيص مصلحة النظام: لقد تم تشكيل هذا المجلس رسمياً عام 1988. ويتكون المجمع من 31 عضواً يمثلون مختلف التيارات السياسية الإيرانية. ويعين المرشد أعضاء المجمع الدائمين، والمتغيرين ما عدا رؤساء السلطات الثلاث فإنهم ينضمون إلى المجمع بشكل آلي بعد التعديل الجديد الخاص بقانون المجمع. مدة المجمع 5 سنوات، ويلتحق بعض الأعضاء بشكل غير دائم إذا كانت المسائل المطروحة تتعلق بصلاحياتهم كبعض الوزراء.

ومهمة المجلس تتركز في كونه حكماً بين مجلس الشورى، ومجلس صيانة الدستور في حال نشوب خلاف بينهما وتصبح قراراته بشأن خصومة المؤسستين نافذة بعد مصادقة المرشد. وأن يقدم إلى المرشد النصح عندما تستعصي على الحل مشكلة ما تتعلق بسياسات الدولة العامة.

إن المجمع يمثل في الواقع المشرف على الأوضاع العامة، والمحدد للاستراتيجيات والسياسات المستقبلية بالإضافة إلى مهمته اليومية، والمستمرة المطلوب أن يضطلع بها في مجال متابعة مدى تنفيذ السياسات الكبرى المتخذة من القيادة لحظة بلحظة من قبل الأجهزة المختلفة والمطالبة بتطبيقها عبر آلية الأمانة العامة. الأمر الذي جعل من رئيس المجمع الرجل الثاني في هيكل السلطة وليس رئيس الجمهورية.

السلطة القضائية: تتكون السلطة القضائية من كبار مسئولي السلطة القضائية في الدولة كرئيس المحكمة العليا، والمدعي العام للبلاد، ورئيس ديوان العدالة الإدارية، ورئيس دائرة التفتيش القضائي وغيرها. وقد حل رئيس السلطة القضائية محل رئيس القضاء الأعلى بعد تعديل الدستور في عام 1989م وله مجلس استشاري. وقد حدد الدستور صلاحيات القضاء الإيراني. وهناك ثلاثة أنواع للقضاء في إيران فإنه يشمل القضاء العام، والقضاء الخاص: مثل محكمة الأسرة، ومحكمة الصحافة، والمحاكم العسكرية، ومحكمة رجال الدين، والنوع الثالث هو القضاء الثوري ويعتبر قضاءً استثنائياً، ولم يضم إلى المنظومة القضائية الإيرانية إلا في عام 1994م. وينظر القضاء الثوري في جرائم الأمن الداخلي والخارجي، وإهانة مؤسس الجمهورية الإيرانية، التآمر ضد النظام والتجسس، تهريب المخدرات، التربح غير المشروع.

ويعين رئيس السلطة القضائية من قبل المرشد لمدة خمس سنوات. ويؤكد الدستور على استقلالية القضاء، فلا تستطيع السلطة التشريعية (مجلس الشورى)، ولا السلطة التنفيذية عزل رئيس السلطة القضائية.

مجلس الأمن القومي الأعلى: يهدف المجلس إلى تأمين المصالح الوطنية، وحراسة الثورة الإسلامية، ووحدة أراضي البلاد، والسيادة الوطنية، وذلك عن طريق القيام بالمهام التالية:

- تعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.

- تنسيق النشاطات السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية – الأمنية العامة.

- الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.

ويتشكل مجلس الأمن القومي الأعلى من: رئيس الجمهورية, وزير الدفاع, رئيس مجلس الشورى, رئيس السلطة القضائية, رئيس الأركان, مسئول الموازنة والتخطيط, مندوب المرشد, قائد الجيش, قائد الحرس الثوري, وزير الخارجية, وزير الداخلية, وزير الاستخبارات والأمن.

نظام ثابت الأركان

تقول ذاكرة الحاضر إن الجمهورية الإسلامية في إيران قوة سياسية إسلامية ودولية بارزة، استطاعت أن تحل المشكلات الداخلية في سياق من الحوار على كفة الأمان الداخلي وثبات أركان النظام، وأن تقيم سياسة خارجية ناجحة في عالم مضطرب قريب منها وبعيد عنها، وأن تتحول إلى لعب دور التوازن المستفاد من العقلانية السياسية والاعتدال الايجابي، في محيط إقليمي يزداد اضطراباً.. استطاعت إيران أن تخرج منه بمكاسب صريحة، وأن تطوق كل محاولات العزل والاحتواء السياسي والمحاصرة الاقتصادية والحملات الإعلامية والتهديدات الأمنية، لمصلحتها ومصلحة شعوب المنطقة الإسلامية المحيطة بها ، وأن تنتقل إلى حمل مشروع إنقاذ عالمي من خلال الدعوة إلى حوار الحضارات والتعاون مع الغرب الأوروبي ونقد المشاريع الأمريكية في الإدارة الحالية للمنطقة الإسلامية، من دون أن تنجرّ إلى حروب مجانية، ولا إلى معاهدات مفروضة وغير عادلة، ومن دون أن تفرّط بالحقوق المشروعة.. كما تدعو إلى العيش العادل والأمن وحق التعاون والحوار بين الشعوب في عالم مضطرب، أحواله تبعث على القلق الدائم عند ساكنيه.

استطاعت إيران أن تواجه كوارث الطبيعة وكوارث السياسة الدولية المضطربة، بقدرة لافتة على حفظ الذات والمحافظة على الآخر. وأعطاها هذا التصرف العقلاني والمعتدل القدرة على إيجاد التوازن واحتمال الصدمات، الأمر الذي يكشف عن صحة وعافية في بنيانها السياسي وقوة عناصر الممانعة، وتعدد مصادر هذه القوة في طاقات الأمة، وحسن إدارة الأزمات في الأزمنة المريحة والصعبة على السواء.

في الواقع، الأعوام الـ37 السابقة أخذت الجمهورية الإسلامية إلى الموقع المختلف عن الموقع السابق لعهد الثورة. فإيران، كبلد كبير يتمتع بموقع جغرافي وسياسي واستراتيجي مهم، ويمتلك ثروات كبيرة، أكبرها الشعب الإيراني بحد ذاته، كانت بعيدة عن الفعالية والحيوية والتأثير بسبب التبعية للغرب في العهد البائد، هذه التبعية التي جعلت منها ذيلاً لأمريكا وللدول الغربية، وقد استطاعت الثورة أن تنهي هذه التبعية بقضائها على النظام الشاهنشاهي، حيث نقلت إيران إلى موقع آخر على الخارطة الدولية، وهو موقع متميز باعتراف الجميع، والسبب الأساسي أنها ـ أي الثورة ـ أخرجت إيران من هذه الدائرة الاستكبارية ونقلتها إلى الدائرة الإسلامية والعربية، وكانت أول إشارة بالغة الدلالة هذا التحول الحاصل في إيران هي إنزال العلم الصهيوني ورفع العلم الفلسطيني مكانه..

إذاً إيران أصبحت في تطلعاتها وتوجهاتها أقرب إلى القضايا العربية والإسلامية على عكس ما كانت عليه سابقاً في عهد الشاه الذي يعتقد أن إيران لا علاقة لها بالعالم العربي والإسلامي، كان هاجس الشاه أن يستقطع هذا الجزء ـ إيران ـ من العالم الإسلامي ويلحقه بالغرب.

كما هو معروف فإن إيران لا تتخذ قراراتها على طريقة البلدان المجاورة بل هناك مؤسسات "تطبخ" القرار وأن المسؤول التنفيذي أو التشريعي يتحرك ضمن آلية معقدة ولديه "منطقة فراغ" يمكن أن يجتهد فيها، وإلا تكون هناك فوضى في مسار تنمية البلاد وتطورها. لذلك فإن السياسية الخارجية الإيرانية والتي تحكمها ثنائية "الإسلامي – الوطني" ستبقى على حالها في خطوطها العامة، ولا يمكن لأي مسؤول (رئيسا كان او مشرعا) أن يتجاوز هذه الخطوط الثنائية أو يأخذ بواحدة منها على حساب أخرى.

قد يكون مصدر الإشكالية هو التقسيم التقليدي للساحة الإيرانية بين مبدئيين وإصلاحيين، وما ينفخ فيه الإعلام الأجنبي من تحريض ومحاولات لتشويه صورة الحياة السياسية الإيرانية وتضليل الرأي العام العالمي، والقول مثلاً أن المبدئيين متشددين في القضايا الإسلامية وأن الإصلاحيين يمثلون التوجه الليبرالي إلى غير هذه القرارات البعيدة عن الواقع.. بالعكس كان هناك تيار كبير داخل الإصلاحيين ولا يزال أكثر تشدداً وهجومية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تيار يتخطى من هذه الناحية أكثر الاتجاهات المتشددة بين المبدئيين.

إضافة إلى ذلك هناك حقائق أخرى تتعلق بالانتخابات والداخل الإيراني، ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار عند الحديث عن مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية تجاه القضايا الإسلامية:

1- إن تحديد الخطوط العامة للسياستين الخارجية والداخلية من اختصاص قائد الثورة الإسلامية.. ومن يعرف سماحة القائد ومطلع على آراءه يعلم ماذا يعني ذلك.

2- هناك مؤسسات تقليدية وثورية (دستورية) مواقفها معلومة مما يدور في المنطقة والعالم، وفي مقدمة تلك المؤسسات الحوزة العلمية وحرس الثورة الإسلامية.

3- جميع القوى الدستورية تتبع للسياسات العامة التي تقيم دراستها من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام ويصادق عليها قائد الثورة الإسلامية. وكل خطوة في هذه السياسات تخضع لدراسة أكثر من مؤسسة مختصة في الدولة.

هناك مسألة أخرى أساسية مهمة، ينبغي أخذها بنظر الاعتبار وهي أن ما دعا إيران للاشتباك مع القوى الغربية وبعض الأنظمة الإقليمية، لم يكن بسبب السياسة الإيرانية بل جاء كرد فعل إزاء العدوان الغربي – التكفيري على استهداف الدول الأخرى في الجوار والمحيط الإقليمي الإيراني ...

إن ارتباط السياسات الغربية اليوم بالإرهاب والتجزئة والفوضى والدمار، يجعل كل القوى الوطنية والإسلامية في مواجهتها.. فليس مسموحاً أن يتحول العراق إلى تهديد مباشر لإيران وسوريا وحتى تركيا كبلد على يد الأمريكان والخليجيين ولا يمكن أن تقبل إيران (بجميع مكوناتها السياسية والمذهبية) بأن يُهدد أمنها في باب المندب وخليج عدن من قبل القراصنة تارة وأميركا والكيان الصهيوني والسعودية تارة أخرى ... وهكذا الوضع في سوريا وما يمثله من أهمية لإيران مبدئية واقتصادية وأمنية.

المراجع والمصادر

1- طلال عتريسي، إيران التاريخ والواقع المعاصر، مجموعة باحثين، دبي: مركز المسبار للدراسات والبحوث، 2012, ط1.

2- د. محمد السعيد إدريس، تحرير، الانتخابات التشريعية في إيران. مجلس الشورى السابع ومستقبل المشروع الإصلاحي، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2005.

3- منال محمد محمد أحمد، دور القيادة السياسية في التحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية مع التطبيق على الحالة الإيرانية 1979، رسالة ماجستير، جامعة أسيوط: كلية التجارة. قسم العلوم السياسية، 2008).  

4- دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، (طهران: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية ، مديرية الترجمة والنشر، 1997)،المادة الثانية عشرة من الفصل الأول.

5- محمد السعيد عبد المؤمن، السياق الدستوري والقانوني للعملية الانتخابية، في، د. محمد السعيد إدريس, الانتخابات التشريعية في إيران. مجلس الشورى السابع ومستقبل المشروع الإصلاحي، القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2005.

6- وليد خالد المبيض، جورج شكري كتن، خيارات إيران المعاصرة. تغريب. أسلمة. ديمقراطية، دمشق: دار علاء الدين، 2002.

7- د. نيفين عبد المنعم مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية- الإيرانية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2001.

8- د. محمد السعيد عبد المؤمن، مجلس الخبراء يكمل الدائرة الأصولية، مختارات إيرانية ، العدد 45، أبريل 2004.

9- محمد أحمد محمد مشرح، العوامل المؤثرة في تطور العلاقات اليمنية الإيرانية في الفترة 1990- 2008 دراسة تحليلية، رسالة دكتوراه، جامعة أسيوط: كلية التجارة – قسم العلوم السياسية ،2012.

10- محمد رضا، مكانة مجلس الشورى الإسلامي في هيكل السلطة السياسية، انتخاب (الاختيار)، في مختارات إيرانية، العدد 42، يناير 2004.

11- محمد علي صنيعي منفرد، فصل السلطات في الدستور الإيراني، حكومت إسلامي (الحكومة الإسلامية)، في، مختارات إيرانية ، العدد: 25، أغسطس 2002.

12- وليد خالد المبيض، جورج شكري كتن، خيارات إيران المعاصرة . تغريب . أسلمة. ديمقراطية، دمشق: دار علاء الدين، 2002.

13- علاء الرضائي, ملامح السياسة الخارجية الإيرانية في المرحلة القادمة, الجمعة 4 مارس 2016.

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة