أزمة المرجعيات الدولية والإقليمية بين الواقع والحلول

السنة الخامسة عشر ـ العدد 173 ـ  (رجب - شعبان 1437 هـ ) ـ (أيار 2016 م)

بقلم: الدكتور الشيخ حسان عبد الله(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

عندما نريدُ أن نتحدَّثَ عن الجمهوريةِ الإسلاميةِ الإيرانيةِ وما قَدَّمَتْهُ لفلسطينَ ولبنانَ لا بد من تحديدِ ماهيةِ هذا الدّعمِ!..

لقد عاشت الشعوب لفترة طويلة وهي تعلق آمالاً كبيرة على المرجعيات الدولية والإقليمية في الحفاظ على أمنها ورعاية حقوقها وضمان سيادتها انطلاقاً من العناوين البراقة التي حملتها مواد إنشاء هذه المرجعيات.

وبعد المصائب والويلات التي مرت بها الشعوب وخصوصاً شعوب أمتنا الإسلامية بات المواطن يشعر أن غايات إنشاء هذه المرجعيات ليست ما هو موجود في مواد إنشائها بقدر ما هو الحفاظ على مصالح الدول العظمى التي كانت وراء إنشائها وضمنت لنفسها إمكانية إفشال أي مشروع يتعارض مع مصالحها، وللدخول إلى صلب الموضوع سأوجز واقع كل مرجعية على حِدا لاستخلص نتيجة تحدد الموقف الشرعي والعملي في الدفاع عن قضايا أمتنا وبالأخص قضية فلسطين.

الأمم المتحدة: لقد أُنشِئت هذه المنظمة أو المرجعية تحت عنوان الحفاظ على الأمن والسلام العالميَيْن واحتوت في مضامين إنشائها إعطاء حق لخمسة دول عظمى أن تمنع صدور أي قرار عن مجلس الأمن تحت عنوان "الفيتو" وبالرجوع إلى قرارات مجلس الأمن نجد بالأخص في موضوع القضية المركزية لأمتنا وهي القضية الفلسطينية أن كل القرارات الصادرة كانت ظالمة للشعب الفلسطيني، إذ إن هذه المرجعية كرست احتلال الصهاينة لفلسطين وقسمت فلسطين إلى أراض الـ 67 وقطاع غزة، معطية للكيان الصهيوني الحق في الوجود إلا أنها في هذا الأمر لم تفرض على الكيان الصهيوني أن يُعيد الأرض التي لم يقرها عليها بل تعاملت مع انتهاكات الصهاينة بأسلوبين:

الأول: في كل مرة يدان فيها الكيان الصهيوني على مجزرة أو استباحة أو استيطان كان الفيتو الأمريكي جاهزاً لتعطيل القرار.

الثاني: حتى في الموارد التي صدرت فيها قرارات إلا أنها لم تأخذ الإطار التنفيذي الإلزامي لتبقى حبراً على ورق.

وظلت المؤسسات الحاكمة في العالم الإسلامي تلزم شعوبها بانتظار تنفيذ القرارات الدولية ونحن في لبنان بقينا سنوات طوال نردد عبارة تنفيذ القرار 425 وما من مجيب لا مجتمع دولي ولا منظمات إقليمية، فما الذي حصل؟.

لقد استطاعت الانتفاضة في فلسطين أن تستعيد غزة وتفرض على الكيان الصهيوني أن يدخل في مفاوضات أوسلو وغيرها لإجهاض الانتفاضة من خلال تنازلات سياسية.

أما المقاومة في لبنان فاستعادت الأراضي المحتلة بلا شروط مذلة كما هي في القرار 425 وهي مستمرة في السعي لتحرير باقي التراب المحتل في الجنوب اللبناني.

الجامعة العربية: هذه الجامعة التي لم تستطع أن تحقق ولو إنجازاً واحداً لصالح الأمة ولم تتخذ أي قرار له بُعد تنفيذي متعلق بالاحتلال الصهيوني لأراضي عربية في مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان بل كانت كل قراراتها حبراً على ورق إلى أن جاءت مشكلة سوريا لنجدها تجتمع وتتخذ قرارات ذات بُعد تنفيذي وتطرد سوريا من الجامعة العربية وتتخذ قراراً باعتبار أشرف ظاهرة على وجه الأرض في هذا العصر حزب الله والمقاومة الإسلامية بأنها جماعات إرهابية، كل ذلك بتحريض من المملكة العربية السعودية وتحت سلطة المال والتجبر في حين إنها في الوجه الآخر تستجدي سلاماً مذلاً مع العدو الصهيوني مقدمة لمصالحة كاملة قد نجد معها بعد وقت ليس ببعيد إذا استمرت الأمور على هذا المنوال أن الكيان الصهيوني بات جزءاً من هذه المنظمة الإقليمية المسماة الجامعة العربية.

إن توصيف حزب الله بأنه منظمة إرهابية من دولة هي المسؤولة عن تخريج الآلاف من الإرهابيين السعوديين ومن جنسيات أخرى انطلاقاً من الفكر الوهابي الذي تعتمده هو نوع من التناقض الذي لا يمكن أن يقبله أي عاقل.

إن واقع الجامعة العربية كمرجعية إقليمية قومية فقد دوره وبات سبباً في تضييع آمال الأمة في تحرير فلسطين وأخذته السعودية ودول الخليج لكي تكون مرجعية لمحاربة المقاومة بدلاً من أن تكون سنداً ودرعاً لها.

منظمة التعاون الإسلامي: هذه المنظمة التي كان في أساس إنشائها إن تحرض على وحدة الأمة وعلى حماية المقدسات الإسلامية في الأمة وخاصة فلسطين باتت اليوم وبعد اجتماعها الأخير منظمة لتنفيذ إرادات الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال وكيلها الإقليمي المملكة العربية السعودية، إن السقطة الكبرى لهذه المنظمة من خلال اتهام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم الإرهاب وتوصيف حزب الله بالإرهاب أفقد هذه المنظمة عنوانها الإسلامي لتتحول إلى منظمة في خدمة المستكبر والظالم بدلاً من أن تكون كما هو الإسلام في حقيقته إلى جانب المستضعفين وقضاياهم المحقة، وبدلاً من أن تكون عناوين التحرير والوحدة ودعم المقاومة والنهضة بشعوب المنطقة هو عنوان القرارات الأساسي باتت التفرقة والفتنة ومحاربة المقاومة خدمة للصهاينة هو ما يميز قرارات هذه المنظمة المفترض أن تكون مرجعية للأمة. انطلاقاً من هذه العناوين نستخلص ما يلي:

"إن عنوان الصراع في الأمة اليوم هو القضية الفلسطينية وكل الحروب التي تحصل تهدف لحرفنا عن هذا المسار والاقتتال فيما بيننا لمصلحة العدو الصهيوني وأدواته من حكام عملاء مأجورين أو منظمات تكفيرية هي جزء من آلية احتلاله لأمتنا... وبالتالي فإن هذه المرجعيات يوجد بينها قاسم مشترك هو محاربة المقاومة والحفاظ على الكيان الصهيوني وهو الداعي في الأساس لإنشائها، وإن تعليق الآمال عليها هو ضرب من ضروب الجنون وقلة التدبير وإن الطريقة الوحيدة التي نُعيد فيها كرامتنا وعزتنا وحريتنا وسيادتنا وأرضنا هي المقاومة التي بها ننتصر وبها نستعيد ما فقدناه من موقع بين الأمم عندما كنا رواداً وقادة وبناة حضارة وتقدم.

رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين(*) 

اعلى الصفحة