الانتخابات الإيرانية ترسيخ للديمقراطية وتعزيز للقوة الوطنية

السنة الخامسة عشر ـ العدد 172  ـ (جمادي الثانية  1437 هـ ) ـ (نيسان2016 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

صرح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أثناء لقائه وفداً من دائرة الأوقاف الإسلامية في إيران برئاسة حجة الإسلام والمسلمين محمدي إن إيران تشكل نموذجاً مميزاً من الديمقراطية الحقيقة.

وصرح البطريرك الراعي خلال هذا اللقاء بأن لبنان يحتاج إلى مساعدة أصدقائه داعياً الجمهورية الإسلامية الإيرانية للوقوف إلى جانب لبنان في هذه الفترة التاريخية الحساسة لحفظ التوازنات السياسية فيه. وأشار الراعي إلى الحياة المشتركة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان مضيفاً إن المشكلة الحالية هي الفراغ الرئاسي والانتخابات.

وأثنى البطريرك الراعي على النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشيراً إلى الديمقراطية التي تتمتع بها وانتخاب الشعب بشكل مباشر رئيس الجمهورية.

وتعتبر الانتخابات محطة مهمة في السلوك السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فعندما انتصرت الثورة الإسلامية دعا الإمام الخميني (قدس) إلى الاقتراع على النظام السياسي بعد اقل من شهرين، وهذا يعكس أن العودة إلى الشعب في القرار السياسي هو احد ركائز هذه الثورة الإسلامية.

إن استمرارية حضور الشعب الإيراني في اتخاذ القرار السياسي بشان النخبة الحاكمة بقي على حاله منذ انتصار الثورة إلى يومنا هذا، وأن أحد أسباب استمرارية الثورة في إيران تعود إلى العامل الشعبي.

انتخابات تبهر العالم

خلق الشعب الإيراني ملحمة أخرى بمشاركته الحماسية في انتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي والدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة. حيث توجه الإيرانيون منذ صباح يوم الانتخابات إلى مراكز الاقتراع لاختيار مرشحيهم في انتخابات مجلسَي الشورى والخبراء، حيث تنافس 4 آلاف و844 مرشحاً على مقاعد مجلس الشورى الإسلامي الـ290، كما تنافس 159 مرشحاً على مقاعد مجلس خبراء القيادة الـ88. وكان قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي أوّل من أدلى بصوته في هذه العملية الانتخابية في تمام الساعة الثامنة صباحاً، ودعا سماحته إلى مشاركة جماهيرية واسعة في الانتخابات وتسجيل ملحمة انتخابية في هذا الاستحقاق بالشكل الذي يزرع اليأس في قلوب الأعداء.

وقال سماحة الإمام القائد في تصريح مقتضب أدلى بها بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات إن التعاليم الإسلامية تدعو إلى الإسراع في انجاز أعمال الخير وعلينا أن نكون سباقين في أداء أعمال الخير ونحن سعينا إلى انجاز هذا العمل الحسن والكبير والمتمثل بالانتخابات والتي تعد واجبا علينا وحقا لنا في الساعات الأولى قدر الإمكان. وأضاف سماحته أن الانتخابات تحظى بأهمية وتزداد أهميتها في بعض المراحل ووصيتي للشعب الإيراني العزيز أولاً وكما قلت سابقاً أن يشارك الجميع في الانتخابات. وقال قائد الثورة إن على من يحب إيران والجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن يحب شموخ وعزة ورفعة الوطن المشاركة في هذه الانتخابات كما أوصى سماحته الشعب الإيراني العزيز بالسعي والتسابق إلى أداء هذا الحق وانجاز هذه المهمة وقال إن الإسراع في انجاز هذا الأمر لا يعني العجلة والتخبط. كما أوصى سماحته الشعب إلى المشاركة في هذا العمل الكبير بنية حسنة وتقرباً لله وبهدف تحقيق المزيد من الرفعة والاستقلال الكامل للبلاد. وأوضح قائد الثورة الإسلامية: نحن لدينا أعداء ولديهم أطماع وينبغي أن تجري هذه الانتخابات بشكل تزرع اليأس في قلوب أعدائنا وان ندلي بأصواتنا بدقة وبصيرة.

بدوره صرح رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني، بعد إدلائه بصوته في مقر وزارة الداخلية وتفقده للجنة الانتخابات، الجمعة، قائلاً: نحن نحترم أي تشكيلة لمجلس الشورى الإسلامي على أساس أصوات الشعب.

وقال الرئيس: إننا نحترم أي تركيبة لمجلس الشورى الإسلامي تنبثق من أصوات الشعب، مصرحاً: أن كل أفراد الشعب يحترمون أصوات الأغلبية. وأضاف: تسلمنا الآن تقارير تفيد أن الأمن مستتب تماماً في أنحاء البلاد وان هناك مشاركة ملحمية للشعب عند صناديق الاقتراع. وتابع: أن انتخابات اليوم هي في الحقيقة رمز للسيادة الوطنية وللاستقلال السياسي للبلاد، فإذا كانت الأيادي الأجنبية هي التي تتخذ القرار لإدارة البلاد قبل انتصار الثورة، فإن الشعب الإيراني وطيلة السنوات الـ37 من عمر الثورة، هو الذي يتخذ القرار للبلاد من خلال الانتخابات. ووصف روحاني الانتخابات بأنها بمثابة استثمار مربح جداً، إذ أن صرف سويعات لدى صناديق الاقتراع، تتبعه ثمار أربع سنوات لمجلس الشورى الإسلامي وثمان سنوات لمجلس خبراء القيادة والتي لها آثار ايجابية كبرى على الأمن القومي والاستقرار والاستقلال السياسي للبلاد والأمل بالمستقبل والازدهار الاقتصادي. وذكر الرئيس روحاني أن كل الأنظار الصدیقة والعدوة مشدودة إلى الانتخابات وإیران الإسلامية، والملحمة التي سیجسدها الشعب الإيراني في هذه الانتخابات. وأضاف أن التقارير التي استلمناها حتى الآن، تؤكد حضور الجماهیر الفاعل لدى صنادیق الاقتراع، معتبرا أن الشعب الإیراني سجل حضوراً ملحمیاً بمشاركته في الانتخابات. وقال رئیس الجمهوریة: إن كل التیارات الیوم هي منتصرة عبر حضورها في الانتخابات، وكل المشاركین في الانتخابات فائزون، مؤكداً أن أي مجلس، مهما كانت تشكیلته، ستكون نتیجته لصالح أصوات الشعب.

من جهته، أعلن رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني أن مشاركة الجماهير في الانتخابات مدعاة للسعادة وتمهد الأرضية لتكريس التنسيق وتعزيز قدرة إيران. وفي تصريح للصحفيين عقب إدلائه بصوته في انتخابات مجلسي خبراء القيادة والشورى الإسلامي في مدينة قم المقدسة اعتبر لاريجاني مشاركة الشعب بأنها مشهودة وقال إن هذا الحضور مدعاة للسعادة لأنه علامة على رغبة الجماهير في تقرير مصيرها بنفسها ومن شانه ان يكرس التنسيق ويزيد من قدرة البلاد. ووصف البرلمان بأنه أحد الأركان المهمة لاتخاذ القرار في البلاد وقال إن مجلسي خبراء القيادة والشورى الإسلامي من أركان اتخاذ القرار في النظام وهم من يؤسسون لحركة البلاد وان قرارات البرلمان مؤثرة على المديين القريب والبعيد. وأكد لاريجاني أن البرلمان يؤثر بشكل مباشر على حياة ومعيشة الشعب وقال إن مستقبل البلاد وتحسن أوضاعه رهن بدخول أعضاء مقتدرين إلى مجلس الشورى الإسلامي. وقال إن أهم مشاكل البلاد تكمن في الجانب الاقتصادي وأضاف أن كفاءة الاقتصاد وازدهاره والتصدي للركود هي بعهدة البرلمان المقبل. وأوضح لاريجاني بان البرلمان القادم يسعى إلى توفير الأرضية المناسبة في حقل الاستثمارات وتسهيل القضايا اللازمة في هذا الإطار وتطوير الإشراف. وأكد أن الفوز والخسارة في الانتخابات ليس شيئاً مهماً وقال إن سعي الأفراد لخدمة الجماهير والمساهمة في رفع مشاكل البلاد هو الأمر المهم فان لم نتمكن من تقديم الخدمة في هذا الميدان فهناك ميادين أخرى للخدمة.

بدوره أعلن رئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني أن الشعب الإيراني سيعلن اليوم أنه لا يولي أي اهتمام لإيحاءات الأجانب وسيدلي بصوته الحقيقي في صناديق الاقتراع. وعقب إدلائه بصوته في انتخابات مجلسي خبراء القيادة والشورى الإسلامي في مدينة ساري (شمال البلاد) قال لاريجاني للمراسلين إن المشاركة الحاشدة للجماهير في الانتخابات سيعزز من اقتدار وصلابة النظام الإسلامي. وأشار إلى أن المشاركة الملحمية للجماهير في الانتخابات رسالة واضحة للدول الغربية مفادها أن الشعب موحد في الدفاع عن النظام وقيادته وقال إن الشعب الإيراني سيعلن اليوم أنه لا يولي أي اهتمام لإيحاءات الأجانب وسيدلي بصوته الحقيقي في صناديق الاقتراع. وقال آملي لاريجاني إن الشعب الإيراني سيسطر بمشيئة الله ملحمة وسيعلن للعالم بأعلى صوته أن الأجانب لا يحق لهم التدخل ولا إطلاق أية إيحاءات داخل البلاد.

من جانبه أكد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام آية الله الشيخ اكبر هاشمي رفسنجاني أن أصوات الشعب في الانتخابات لها تأثير على مصير ومستقبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقال آية الله رفسنجاني في تصريح صحفي له عقب الإدلاء بصوته في حسينية جماران بالعاصمة طهران: أن الشعب يمتلك تجارب سابقة ويدرك جيداً بأن أي صوت يتم الإدلاء به سيترك تأثيراً على مصير ومستقبل البلاد. ودعا رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أبناء الشعب الإيراني إلى المشاركة الواسعة في انتخابات مجلسي خبراء القيادة وشورى الإسلامي وقال: من حق الجميع أن يكون مؤثراً في مستقبل بلاده ومن واجبنا أن نعزز من مصداقية وعزة البلاد كما أن المشاركة الواسعة تدل على وعي الشعب. وأضاف: أن الحضور عند صناديق الاقتراع يعد أمرا هاما وهذا يدل على مستوى وعي وشخصية واهتمام الشعب إزاء مصير البلاد ويعد نقطة ايجابية للبلاد. ودعا رفسنجاني المعنيين بشأن الانتخابات إلى الالتزام بالنزاهة والخلق الإسلامية وعدم الخيانة بالأمانة وقال يجب عليكم أن لا تسمحوا بأن يطرأ أصغر خلل في هذه العملية.

من ناحيته، قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف عقب إدلائه بصوته في انتخابات مجلسي خبراء القيادة والشورى الإسلامي إن الانتخابات هي مظهر السيادة الشعبية الدينية وان هذه الانتخابات هي التي منحتنا القدرة في المفاوضات النووية. وعقب إدلائه بصوته أعلن ظريف أن الانتخابات هي مظهر السيادة الشعبية الدينية والتي هي أهم ذكرى للإمام الراحل والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتابع أن الشعب برهن دوماً تلاحمه مع النظام والجمهورية الإسلامية الإيرانية ويعد دعامة للنظام الإسلامي. وأوضح ظريف انه هذه الانتخابات هي التي فوضتنا الدخول في المفاوضات باقتدار. واعتبر ظريف الانتخابات بأنها صفحة ذهبية في تاريخ إيران وتلعب دوراً مهما في تقرير مصيرنا. وأفاد بأنه كلما كانت المشاركة الشعبية اكبر سيفهم العالم أكثر انه يجب التعاطي مع إيران بلغة الاحترام والتكريم. وردا على سؤال حول أولوية السياسة الخارجية الإيراني قال ظريف إن أولويتنا كانت وستبقى دوما هي استتباب الاستقرار في المنطقة. وأكد أن المشاركة الملحمية في الانتخابات هي ببركة دماء الشهداء وجهود القوات المسلحة. في السياق ذاته شارك المسؤولين الإيرانيين وكبار مراجع الدين والعلماء إلى جانب أبناء الشعب الإيراني في انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة وأدلى بصوتهم في الانتخابات، وأشاد المسؤولين ومراجع الدين بالمشاركة الشعبية الواسعة والملحمية للشعب الإيراني في الانتخابات.

ترسيخ للديمقراطية

تؤكد الجمهورية الإسلامية طريقها الديمقراطي الذي شقته منذ انتصار الثورة بتقاليد المنافسة السياسية والتعدد وحرية تكوين التكتلات والتيارات على أساس البرامج والتوجهات السياسية والاقتصادية، ويمكن الحديث في وصف التجربة الإيرانية الانتخابية المستمرة عبر إجراء عمليات انتخاب شعبية متواصلة نظمت دوريا.

وجرى من خلالها تجديد سائر المؤسسات والمجالس العليا والمحلية في الدولة على امتداد عمر الجمهورية التي عاشت حتى اليوم دورة مستقرة من التداول الطبيعي للسلطة، وحققت درجات استقرار وتماسك عالية وفرت المناعة ضد التدخلات والتهديدات والحروب التي شنت على إيران طوال العقود الماضية .

اليوم وبعد الانتخابات الإيرانية يمكن القول إن الجمهورية نجحت بجدارة في تكوين إرث ديمقراطي كبير يقوم على المنافسة والتعدد ويحمل خصوصيات إيرانية من خلال الهوية الإسلامية للدولة وهي هوية جامعة لشبه قارة يقطنها شعب يتمسك باستقلال بلاده بقوة وصلابة، كما برهنت مقاومته القادرة والمنتصرة لعقود قاسية من العقوبات والحصار توجت بقيام معادلة جديدة في المنطقة والعالم تنطلق من الاعتراف بإيران القوة العظمى الصاعدة اقتصاديا وسياسيا.

ما روجه خصوم الجمهورية في الغرب والمنطقة على مر هذه السنوات عبر وسائل الإعلام المجندة للحرب منذ فجر الثورة تساقط في جميع المحطات والمفاصل، وبقدر ما حمل معه من الأكاذيب والدجل والعداوة فقد نم عن جهل عميق بالخصوصيات التاريخية والثقافية والسياسية للتجربة الإيرانية منذ انتصار الثورة التي تمكنت في أصعب الظروف من مواصلة برامج البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وراكمت تقاليد التعدد السياسي وتداول السلطة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية على صعيد جميع المؤسسات والمواقع دون أن تفلح الحملات الاستعمارية في تفكيك اللحمة الشعبية الداخلية والنيل من الصلابة في الدفاع عن الاستقلال الوطني الذي شكل محور الثورة التقنية الصناعية وموضوع ملحمة الصمود والتفاوض التي توجت بانتصار تاريخي .

يعتبر هذا النجاح الذي حققه الشعب الإيراني باقتدار ووعي كبيرين إنجازاً تاريخيًا في معركة التحرر من الهيمنة الاستعمارية ويعود فضل كبير في رسم إستراتيجية إدارة الصراع إلى المرشد الإمام آية الله الخامنئي الذي عمل على نشر وعي شعبي عميق لطبيعة كل مرحلة من الصراع وحدد لها أهدافها ومبادئها وثبت عقلية المؤسسات والاحتكام إلى الشعب وإرادته في تكوينها وثبت احترام الاختلاف ومنع أي تناحر يضر بالوحدة الوطنية. ومنذ انطلاق التفاوض مع الغرب الاستعماري الذي رضخ لإرادة الاستقلال الإيرانية يواظب الإمام الخامنئي على نشر وعي لطبيعة المرحلة الجديدة بوجهيها: التهديدات والفرص وهو قدم مساهمات نوعية في تنوير النخب والجماهير وشعوب العالم حول استراتيجيات القوة الناعمة التي يلجأ إليها الاستعمار الغربي في السعي إلى كسر إرادة الاستقلال واختراق المجتمعات العصية على الإخضاع بالقوة العسكرية، ولذلك فقد ركز السيد الخامنئي مؤخرا على فكرة الاستقلال والتصدي لأطماع المستعمرين والتنبه لمؤامراتهم المتجددة ضد إيران ودعا مواطنيه لاختيار ممثلين يملكون القدرة على تحقيق هذه الغاية، وهو بذلك يتوج حملة تعبوية متواصلة أطلقها منذ رضوخ الولايات المتحدة والغرب لفكرة التفاوض مع الجمهورية.

تتمسك الجمهورية باستقلالها وبعقيدتها الإستراتيجية المناهضة للهيمنة الاستعمارية وبصورة خاصة دعمها لمقاومي مركز منظومة الهيمنة في المنطقة الكيان الصهيوني. ويبدو واضحا من أجواء الحملات الانتخابية أن هذا البعد في هوية ووعي الشعب الإيراني قوي وثابت فقد برهنت السنوات الأخيرة أن ما تحملته إيران من تضحيات في سبيل تعزيز خيار مقاومة الاستعمار والصهيونية في المنطقة كان مكوناً رئيسياً لرصيد دفاعها عن استقلالها وحقوقها، وهو ما ظهر في مسار التفاوض حول البرنامج النووي السلمي ونتائجه المهمة التي انعكست بانقلاب شامل في السلوك السياسي لدول الغرب التي يتسابق قادتها إلى طلب الود في طهران، وهذا ما يعزز شعور الإيرانيين بالكرامة الوطنية والعزة القومية التي تشكل أحد معالم المواجهة المستمرة في إطار الحرب الباردة العالمية، حيث انتزعت إيران موقعا مقرراً في معادلات العالم المتغير إلى جانب الصين وروسيا وسط اعتراف دولي متزايد .

المنافسة داخل المجتمع الإيراني تتركز على مضامين اقتصادية وسياسية تتعلق بوجهة التقدم المنشود في جميع المجالات وهي تعكس تلاوين التعددية السياسية الإيرانية وستحمل معها خصوصيات تجربة مهمة وجديرة بالدراسة والفهم بعيداً عن النمطية والمواقف المسبقة.

المشاركة الواسعة للجماهير

في الوقت الذي تكافح شعوب المنطقة "داعش" والقاعدة والجماعات التكفيرية، وفي الوقت الذي تعصف الفوضى والصراعات الدموية بالعديد من بلدان المنطقة، يتوجه أبناء الشعب الإيراني للإدلاء بأصواتهم لانتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي في دورته العاشرة، وأعضاء مجلس خبراء القيادة في دورته الخامسة. والملفت أنه وفي الوقت الذي تشن أمريكا وبريطانيا و"إسرائيل" عبر إعلامها حرباً نفسية ضد الشعب الإيراني، وتشن حكومات الرجعية العربية، التي لا دور لشعوبها في الحياة السياسية والاقتصادية، هجمات إعلامية شرسة على الانتخابات الإيرانية، تؤكد معلومات وزارة الداخلية الإيرانية على ارتفاع عدد المرشحين للانتخابات الحالية بنسبة 120%، مقارنة بالانتخابات السابقة.

الديمقراطية الإيرانية، المعروفة بالداخل الإيراني بـ "السيادة الشعبية الدينية"، هي نسخة من الديمقراطية الخاصة بنكهة إيرانية، مستمدة من مبادئ الإسلام الحنيف ومن الثقافة الإيرانية الشرقية، التي يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى للشعوب الإسلامية الأخرى، لمشاطرة الشعوب العربية والإسلامية الأخرى للشعب الإيراني في هذه الأواصر، وهذا النموذج الإيراني الباهر في الدمج بين الإسلامية والجمهورية، ما جعل من الشعب الإيراني صاحب الكلمة الفصل في كل شؤون البلاد. وعلى أصوات هذا الشعب تقام كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية في إيران بدء من القيادة ومرورا بمجلسي خبراء القيادة وصيانة الدستور وانتهاء بمجلس الشورى الإسلامي.

ما شهدته إيران من انتخابات نيابية بعيدا عمن سيشكل الأغلبية في المجلس القادم كان فريدا ليس في إيران فحسب بل في العالم اجمع. فحماسة الشعب الإيراني وزحفه المقدس نحو صناديق الاقتراع أدهش العالم واثبت للأعداء قبل الأصدقاء أن الغرب ليس اليوم بمقدوره الدخول في عملية للمزايدة على نظام الجمهورية الإسلامية حول مسار الديمقراطية وتطبيقها وفعلا كلما تجري انتخابات في بلادنا فان ناقوس الخطر والقلق يدك حصون أعدائنا خاصة في الغرب حيث يسوقون لشعوبهم صورة قائمة عن النظام الإسلامي في إيران.

إنها كارثة في عالم السياسة أن توصم احد اكبر وأفضل الانتخابات التشريعية في العالم ديمقراطية وشعبية بأنها دليل على صراع داخلي وليس تنافسا انتخابيا مع شهادة عالمية بان الانتخابات الإيرانية التي تجاوزت الثلاثين من نوعها لم تشهد أي عمليات عنف أو إخلال حين إجرائها. وأن انتخابات الأمس كانت حقاً يوماً انتخابياً بامتياز ستضخ دماء جديدة في مؤسسات الدولة خصوصاً وإن مؤسستي مجلس خبراء القيادة ومجلس الشورى الإسلامي يضطلعان بدور مميز في مسار الدولة وقوانينها وأي كان الفائز فإن الشعب في النهاية هو المنتصر فيها بما يشكله من رصيد شرعي وقانوني كبير.

لا شك أن للمشاركة الجماهيرية في الانتخابات التي تجري في إيران الإسلامية، أثارا بليغة على مقومات السياسة الداخلية، كالوحدة الوطنية والأمن الوطني، والتغلب على الانقسامات الاجتماعية والأزمات السياسية والاجتماعي. وبالمقابل فان ضعف المشاركة يؤدي إلى تزايد حدة التباينات والتناقضات الاجتماعية.

كما أن المشاركة الفاعلة تزيد من قدرة السياسات الخارجية للبلاد وعلاقاتها الدولية. وبالنظر إلى أن النظام الإسلامي في إيران هو نتاج الثورة الإسلامية التي أسقطت أعتى نظام في العالم، لذا فان للانتخابات في إيران أهمية بالغة.

إن القوة الناعمة المتمثلة بالمشاركة الشعبية تعتبر من الآثار الرئيسية للثورات وخصوصاً الثورة الإسلامية في إيران، وتعزز حياة الثورة وتضمن ديمومتها، كما إن المشاركة الجماهيرية التي تجسدت بأبهى صورها في أرجاء إيران الإسلامية تشكل أبرز عوامل الردع أمام الضغوط المتزايدة والمستمرة للأعداء. أي أن المشاركة الجماهيرية تعزز قوة إيران الإسلامية وصلابتها، كما كانت خلال الأعوام السبعة والثلاثين الماضية من عمر الثورة.

إن الشعب الإيراني الذي عرف بوعيه وإدراكه لما يخطط له من قبل الأعداء والذي استطاع أن يفشل جميع المخططات الاستكبارية وعلى مدى ثلاثة عقود ونيف، فانه وبناء على طلب القائد السيد الخامنئي (حفظه الله) ذهب إلى صناديق الاقتراع وبحماسته المعهودة ووجه صفعة قوية للمستكبرين ومن يمالئهم في التوجه ولقنهم درسا قاسيا ليؤكد للعالم اجمع أنه لا زال ثابتاً ووفياً لثورته الإسلامية المباركة التي قدم من اجلها التضحيات الجسام ولقيادته الحكيمة التي امن بها وسار وراءها باطمئنان.

لقد شكل التواجد الحماسي للشعب الإيراني والمشاركة الفاعلة في الساعات الأولى لانطلاق انتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي والدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة، صدمة عنيفة للتيارات المناهضة لنظام الجمهورية الإسلامية.

إن المشاركة الواسعة لجميع أطياف الشعب الإيراني ومكوناته الاجتماعية والسياسية في الانتخابات، جعل البلاد على أعتاب صنع ملحمة كبيرة، ملحمة ستحبط مؤامرة أعداء النظام الإسلامي في مواجهة اقتدار وعظمة الثورة الإسلامية الشعبية. إن المشاركة المسؤولة للشعب الإيراني في عملية التصويت واستمرار هذه المشاركة ذات المغزى، تعتبر خطوة كبيرة في تجديد الميثاق مع مبادئ الثورة الإسلامية في إيران، بحيث جعلت وسائل الإعلام الأجنبية والتيارات التي أرادت التدخل في الانتخابات الأخيرة، تلتزم الصمت المميت.

وخلال  للانتخابات، فان وسائل الإعلام الأجنبية مثل "بي بي سي" و"صوت أمريكا" التي رأت الأصابع البنفسجية للإيرانيين شوكة في عينها، اكتفت ببث أخبار مقتضبة عن إقامة الانتخابات في إيران، ولم تتحدث عن فشلها الذريع مرة أخرى حول ملحمة مشاركة الشعب الإيراني في الانتخابات.

في هذه الانتخابات، أعلن قلة ممن ادعوا بحدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية عام 2009 قرارهم قبل عدة أيام بالمشاركة في الانتخابات، مما يدل على انه حتى المعارضين اقتنعوا أخيراً بان السبيل للوصول إلى الحكم في إيران يتم عبر صناديق الاقتراع وآراء الشعب، ويجب ممارسة العمل السياسي ضمن قواعد النظام الإسلامي.

واستنادا إلى ذلك، فان كلا من النظام الإسلامي والشعب الإيراني يعتبران كلاهما قد حققا الانتصار المبكر والقيم والملحمي في هذه الانتخابات في مواجهة الأعداء الألّداء، انتصار عظيم يحتم على جميع أفراد المجتمع ، تحمل مسؤولية جسيمة في صيانته وديموميته.

واهتمت وسائل الإعلام الأجنبية بالانتخابات التشريعية وانتخابات مجلس خبراء القيادة والتي أقيمت أمس الجمعة في أرجاء الجمهورية الإسلامية في إيران وبثت الفضائيات العربية والغربية عشرات التقارير مشيدة بالحضور الكثيف لأبناء الشعب الإيراني في هذا العرس الانتخابي.

وكشف خبراء إقليميون ودوليون أن الاهتمام الكبير الذي أولته وسائل الإعلام العالمية والدوائر السياسية في غالبية دول العالم لمسيرة الانتخابات الديمقراطية والنزيهة المقامة في الجمهورية الإسلامية بسبب أن دور إيران ومكانتها يختلف عن الكثير من ادوار الدول في المنطقة، يعني إذا يحصل تغيير سلبي في إيران سيؤثر بشكل على معادلات المنطقة الجيو/سياسية، وإذا يحصل انتصار لتيار معين سيؤثر ذلك بشكل او باخر، وهذا يدل على أن إيران بحد ذاتها هي لها موقع مهم ودور مهم يمثل مفتاح ودور رئيسي على مستوى الإقليم والمنطقة.

وقالوا: أن الانتخابات في إيران ونتائجها لها تأثير في الإقليم والمنطقة كبير، وأيضاً لها تأثير في الداخل ومسارات الثورة الإسلامية بعد تحديد النتائج وبعد شفافية هذه النتائج والتيارات المرشحة والمنتصرة والتي ستحصد اكبر عدد ممكن من المقاعد وتوجهات هذه التيارات السياسية وكل هذا يولي اهتمام كبير بإيران ومسارها وخصوصا في الظرف الراهن في المنطقة.

وشددوا بالقول: أن هذه الانتخابات تعتبر الأولى من نوعها وبعد الاتفاق النووي بين طهران والسداسية الدولية وبعد انفتاح العالم على طهران وبالعكس، فان كل العالم يتحسس انه كيف ستتم عملية الاقتراع والانتخابات في إيران وماذا ستفرز من نتائج في نهايتها؟؟!!.

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة