السنة الخامسة عشر ـ العدد 172  ـ (جمادي الثانية  1437 هـ ) ـ (نيسان2016 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

ناعمةٌ كحرير البرزخِ

في آخرِ عمري ‏يتماوجُ حنانُكِ سفينة نجاةٍ، ويهزُأُ بالأمواجِ..

ويدفعُ للريحِ لطائفكِ‏.. ويبتكر الحنانْ..

هل قلتُ الحنانْ؟؟!!!

عذراً أماهُ.. يا آمنةَ الضلع وياقوتةَ الأمانْ.. 

في آخر نشيجٍ أنشجُهُ أماهُ.. يرتادُني توقُ عناقٍ.. وشوقُ قُبلٍ..

وأكتُب بمدادِ الروعِ أنشودةَ الزمانْ 

وأنا في عزلة صحوي‏ أتضوأُ بالشمسِ تُشِعّ من عينيكِ على أوجاعي

وأنتِ على فراشِ السقم تقاومين عتمة الوحدةِ بالوميض..

هاتِ أماهُ يدكِ.. فشلالُ النورِ دافقٌ.. وأنا من عطشٍ يلوب يراعي..

أسترجعُ عبوركِ الشارعَ المفضي إلى الحي كبرق

يقولون سبقتِ حتى الوميضَ.. ياااااااااااه.. ما أبهاكِ يا أمّ حسانْ

يا عينيكِ الساهرتين على حمَّايَ.. كم تُمطرُ من محجريكِ الرَّوح والريحانْ

تغرسُ في اليبابِ شتولها فيُزهرُ العمرُ وتشتعلُ فيَّ الألوانْ..

فيفتّح جسمي نبضاً‏.. رعشاتٍ‏.. وأغانيَ خضراً‏ وسماءً تمطر أسفاراً..

فاعذري تقصيري.. فمِن عمقِ العمقِ أتعبني القلب وانسد الشريانْ

وخلتُ سأمضي بجميع لوائح عمري‏ دون هواكِ.. وتقبيل يديكِ..‏

قلتُ.. هل ثمة جنةٌ سوى قدميكِ تستقبلُ وافداً أمعن في العصيان؟..

لكِ أعرض كلَّ حروبي..‏ عثراتي..‏ فليسَ يرحمني بعد الله إلاكِ..

ولكِ أخفض جفني‏ وجناح الذلِّ من الرحمةِ..

ولكِ يشمخ صمتي‏ فيصير سكوتي شجراً يتسامقُ من قَطْر نداكِ‏

أماهُ.. يمضي المركِبُ وتأخذني الأمواجُ إلى نهاياتي..

وضفاف الروحِ تضيعُ.. وتتنقلُ خلف ألف آهٍ أناتي..

والوجعُ اللا يفارق يغتالُ الفرح مني.. ويستلُّ من عميقِ الحزنِ آهاتي..

أماهُ...

يا حاديةَ قافلةِ العمر.. إن مرّ يومُكِ على قارعة الروح‏ِ..

لا تشيحي بوجهكِ عني..

أقيليني أماه من عثراتِ البعدِ‏.. سامحيني لقساوةِ هذا الذي بصدري

أشتاقُكِ كثيراً.. ولستِ بعيدةً عني.. اغفري لي تقصيري.. كعادتِكِ..

العذرُ رفيقُ روحِكِ.. تبتدعينه لأجلنا..

آهٍ ما أروعَكِ حين تقولين: "الله يعطيهم العافية.. عندهم مسؤوليات"!!

وآهٍ ما أبشعَ روحي حين تأخذها الدنيا عنكِ أياماً...

ها أنذا أتيتُكِ.. قومي بربِّكِ.. ‏

فأنا في حضرة سريركِ ـ الهودج ـ عرّابٌ‏.. أو نسَّاكٌ‏.. أو توّاقُ‏.

أتيتُكِ اليومَ.. ومن مقلةِ قلبي يتطاير شِعري‏

وأحسّ ملائكةَ الريحان‏ تشيّعني‏ في نبضي تحملني في الشوقِ إليكِ..

لأقراص (الفراكة).. لـ(كدوشة) الزعترِ.. للـ(مجدرة) الحمراء..

توصلني إلى صنارةِ الحياكةِ بين يديكِ..

ومن ثمَّ ترْجعني‏ كيلا أتأذّى‏ مِنْ وخْزها‏..‏

أتأبّط فيكِ شعوري‏.. يا زنبقة الرؤيا..‏ يا زاهدةً في كل بريقٍ في الماء..‏

يا كلّ الجنةِ عند أقدامها الطفلية..‏ هل تحمِلُ رياضُكِ نبضَ القلب إليها‏؟؟

أم هل تنقل نصفَ اللبّ‏ ويكتحل المعنى‏ تحت غطاءٍ يغطي قدميها الناحلتين؟!‏..

أماهُ... آهٍ لقساوتي.. وتباً لكلِّ لحظةِ من لحظات انشغالي..

آهٍ لنحولكِ وجسمِكِ الصغير..

رقيقةٌ كما خدِّ الوردِ.. ناعمةٌ كحرير البرزخِ.. وهمساتُكِ

حين أكونُ في حِجْركِ تنقلب الدنيا من أحرفِكِ نحو ظلالِ يديكِ‏

وتنام بجفنيكِ‏ كلُّ أُمم الطيرِ.. تأخذُ من إغفاءةِ جفنكِ عشّها..

وحين تفيق على فجرِ ابتسامتِكِ تسبح باسم ربها

وتضعُ صغارَها.. ثم تغادرُ لتعودَ إليكِ..

كيف لا تأوي كلُّ كائنات الأرضِ إلى رياض حنانِك..

وقد أرسى رب الأكوان الجنةَ تحت قدميكِ.. 

اعلى الصفحة