مواقع التواصل الاجتماعي.. ساحة جديدة للمقاومة

السنة الخامسة عشر ـ العدد 171 ـ  (جمادى الثانية 1437 هـ ) ـ (آذار 2016 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

مصطفى حسن خازم


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

شن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، هجوماً حاداً على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي الفلسطينية، وقال في مؤتمر صحفي 9\11\2015 "إن معركتنا الأساسية يجب أن تتركز ضد مواقع التواصل الاجتماعي التحريضية والإعلام الفلسطيني"، جاء ذلك بعد أسبوع حافل بالمواجهات العنيفة بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين.

اللافت أن وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين خلال الفترة الماضية كانت توصف بأنها أداة ناجعة لتفريغ الغضب والكبت لدى الفلسطينيين، بعيداً عن واقع الاحتلال وحراك الشارع، في إشارة إلى عدم تحرك الشارع الفلسطيني تجاه ممارسات الاحتلال تجاه المسجد الأقصى، وخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

إلا أن تطور الأحداث في الضفة الغربية والقدس المحتلة، يشير إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي دخلت على خط المواجهة مع المحتل بقوة، وأصبحت عاملاً مؤثراً في مجريات الأحداث على الأرض، وباتت صفحات الفايسبوك مثلاً دليلاً للمتظاهرين الفلسطينيين تظهر لهم خريطة الاشتباكات، وتنشر لهم معلومات توعوية حول أساليب الأمان خلال المواجهات، الأمر الذي أزعج الاحتلال ليسعى جاهداً في محاربة الفلسطينيين من خلال الفضاء الإلكتروني أيضاً.

إذ يصل عدد مستخدمي الفايسبوك في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى ما يقارب مليوناً ونصف المليون؛ منهم 840 ألفاً من الذكور، و600 ألف من الإناث، وفق إحصائيات العام الماضي.

ومن بين مستخدميه في فلسطين، بلغ عدد الشباب في الفئة العمرية (15-29 عاماً) نحو مليون وستين ألفاً؛ منهم 580 ألفاً من الذكور، و460 ألفاً من الإناث. هذه الأرقام تؤشر على الدور الفاعل الذي يمكن لموقع مثل الفايسبوك أن يلعبه، وهو ما ظهر جلياً في الأحداث الجارية حالياً، وما سبقها من أحداث خلال العامين الماضيين.

إظهار بشاعة العدوان

خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، استطاعت صفحات الفايسبوك الفلسطينية أن تظهر بشاعة العدوان، وتبرز دور المقاومة الفلسطينية في صد هجمات الاحتلال، الأمر الذي أزعج الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتشن حملة من التحريض ضد الفلسطينيين في وسائل التواصل الاجتماعي، ما نتج عنه إغلاق صفحات فلسطينية كبرى فيها ملايين المتابعين مثل صفحة وكالة شهاب الإخبارية، والتي كان لها دور كبير في تغطية العدوان على غزة.

ومع بداية موجة المواجهات الحالية برزت صفحات إخبارية فلسطينية في تغطية الحدث على الأرض، وتقديم معلومات فورية وتفصيلية عن المواجهات وعمليات المقاومة، ونشر إرشادات للمتظاهرين وصور الشهداء والمصابين، بالإضافة إلى دورها في تعرية الاحتلال وخصوصاً خلال اعتدائه على الأطفال والبيوت الفلسطينية والمدنيين العزل، الأمر الذي شكل إزعاجاً لسلطات الاحتلال.

وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية دور هذه الصفحات واتهمتها "بالتحريض على العنف"، حيث نشر موقع "مزبيلا" العبري تقريراً شن فيه هجوماً على صفحة شبكة قدس الإخبارية التي يتابعها قرابة 4 ملايين شخص، متهماً إياها ببث محتويات "تحرض على العنف" ضد الإسرائيليين، من خلال نشر العديد من الصور والمقاطع المصورة (فيديوهات) التي تمجد أعمال المقاومة الفلسطينية، وعمليات الطعن التي ينفذها شبان فلسطينيون ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية المحتلتين.

واتهم الموقع إدارة فايسبوك بالتهاون مع الشبكة في امتناعه عن إزالة تلك المحتويات، على اعتبار أنها تحتوي على مشاهد تحرض على قتل الإسرائيليين، ويقول: "إن جميع الطلبات التي توجهت بها جهات إسرائيلية رسمية وشعبية للفايسبوك بإزالة تلك المواد قوبلت بالرفض، على اعتبار أنها لا تنافي قواعد استخدام الفايسبوك". 

وقال الموقع: "إن امتناع إدارة فايسبوك عن إلغاء توثيق صفحات الشبكة منها الصفحة الرئيسية وصفحة شارك – شبكة قدس الإخبارية، وإزالة بعض المحتويات بداخلها هو بمثابة إعطاء تصريح للتحريض على مزيد من عمليات القتل التي تراها الشبكة أعمالاً بطولية".

وذكر الموقع أن التوثيق الذي منحته إدارة فايسبوك للشبكة زاد من عدد أعضائها وزوارها، وهو في منزلة سور واق للشبكة من التعرض لأي مسؤولية قانونية، حتى لو تقدم آلاف المستخدمين بطلبات إزالة، مشيراً إلى أن وزارة خارجية الاحتلال سعت لإزالة المقاطع المصورة "التحريضية" المنشورة على الشبكة من خلال التقدم بطلب لشركة فايسبوك في "إسرائيل" وكاليفورنيا.

وقالت القناة الثانية العبرية في تقرير لها: "إن الفيديو الذي بثته الشبكة والذي يعتبر قتل المستوطنين عملاً بطولياً، تلقت إدارة فايسبوك عليه عشرات الطلبات بحذفه غير أن الفايسبوك رفض إزالة الفيديو، وبررت ذلك بأنه لا ينتهك قواعد استخدام فايسبوك". 

ونقلت وكالة فرانس برس عن إيمانويل نحشون، وهو متحدث باسم وزارة خارجية الاحتلال، قوله إن سلطات بلاده تواصلت مع موقعي "جوجل" و"فايسبوك" من أجل حذف مقاطع مصورة ترى أنها شجعت على "العنف ضد الإسرائيليين"، وذلك في إشارة إلى الناشطين الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتناقلون أخبار المواجهات مع الاحتلال.

ومؤخراً ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً موقع فايسبوك أداةً فعالة لتحريك الشارع الفلسطيني، ونقل خريطة الأحداث وأخبارها أولاً بأول، إذ أصبح نافذة الفلسطينيين للتعرف على مجريات الأحداث، وخصوصاً في مناطق الاشتباك وفي داخل مدينة القدس المحتلة التي يغلقها الاحتلال في وجه الفلسطينيين.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي فاعلة في تغطية الانتهاكات اليومية على المسجد الأقصى، وأداة للتعريف بالخطر المحدق بالحرم القدسي، لكن تغطيتها للاعتداءات على المعتكفات والمرابطات في القدس القديمة ساهمت في تسليط الضوء أكثر على واقع المدينة المقدسة. وأصبحت هذه الوسائل دليلاً للمتظاهرين والمرابطين في كيفية مواجهة اعتداءات الاحتلال، وتقديم معلومات يومية عن نقاط التماس وأعداد المصابين والمعتقلين. وأصبحت صور المرابطين رموزاً للمقاومة وتحدي جبروت الاحتلال.

جبهة قتاليّة جديدة

منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، عبر المواجهات الميدانيّة في الضفّة الغربيّة، والعمليّات الّتي ينفّذها الفلسطينيّون ضدّ الإسرائيليّين، تقوم إسرائيل بعمليّات عسكرية لاجتياح متلاحقة للأراضي الفلسطينيّة، فيما تندلع انتفاضة أخرى في العالم الافتراضي على شبكات التّواصل الاجتماعي.

وأبدى الفلسطينيّون نشاطاً محموماً لتفعيل وسائل الإعلام الجديد ما قبل اندلاع الانتفاضة الحالية، بتداولهم التّغريدات والتّدوينات الخاصّة بالانتفاضة، وتمجيد عمليّات الطعن وإطلاق النّار ضدّ الإسرائيليّين، يبثون صور منفذي العمليات، وينشرون تصاوير فيديو لهم على صفحاتهم، وبات الفلسطينيّون بغالبيّتهم يملكون حساباً شخصيّاً على "فايسبوك" و"تويتر"، ووصل عددهم تقريباً إلى ما يزيد عن 2.5 مليون فلسطينيّ، حسب مؤسّسة "سوشيال ستوديو" غير الحكومية الفلسطينية وصدر في ديسمبر 2015، موزعين على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، وأصبحت هذه الشبكات الإلكترونيّة تنشر الأخبار الخاصّة بالانتفاضة، وتمنح الفلسطينيّين مزيداً من الدوافع لتنفيذ الهجمات ضدّ الإسرائيليّين.

وفي هذا السّياق، قال خالد صافي، وهو النّاشط الفلسطينيّ البارز على شبكات التّواصل، ولديه في صفحته على "تويتر" 46 ألف متابع، و30 ألفاً على "فايسبوك": "منذ اندلاع انتفاضة القدس تجري حرب افتراضية إلكترونيّة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين بإغراق شبكات التّواصل الاجتماعي بالأخبار الميدانيّة أوّلاً بأوّل، ونشر حملات تغريد بشكل مكثّف يوميّ، للضغط على إسرائيل ومناصريها في العالم".

وربّما يكون مشهد الفيديو للفتى الفلسطينيّ أحمد المناصرة (13 عاماً) في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، الذي يظهر فيه محققو المخابرات الإسرائيلية يحققون معه بعنف، لاتهامه بطعن أحد الإسرائيليين في القدس يوم 12 أكتوبر، قد اكتسب زخماً إعلاميّاً كبيراً على مستوى شبكات التّواصل الاجتماعي، وشهدت رواجاً متزايداً خلال لحظات قليلة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وتمّ منحها هاشتاغات خاصّة بها، للحصول على أعلى معدّلات في التّغريد والمنشورات.

ومن جهته، قال راجي الهمص، وهو المذيع البارز في فضائيّة الأقصى، الّذي تمّ إغلاق صفحته على "فايسبوك"، بعد أن كان لديه 90 ألف متابع: "رسالة وصلته في 15 كانون الثاني/يناير من إدارة فايسبوك تفيد بأنّه خالف قوانين الموقع لأنّه وضع على صفحته شعارات الانتفاضة وصوراً لمسلّحين فلسطينيّين، وهو إجراء مرتبط بضغوط إسرائيليّة على إدارة فايسبوك، رغم أنّ هناك صفحات إسرائيليّة لحاخامات يهود يدعون فيها إلى قتل الفلسطينيّين، ولا تتعرّض إلى الإغلاق، لكنّ صفحات الفلسطينيّين يتمّ إغلاقها في حجّة أنّها تدعو إلى تحريك الانتفاضة، وتشجّع على تنفيذ المزيد من العمليّات، لكنّي قمت بإنشاء صفحة جديدة"، وهذه الصفحة الجديدة بات لديه فيها ما يقرب من 10 آلاف معجب خلال أسبوعين من إنشائها منذ أواسط يناير حتى اليوم أوائل فبراير.

لم تقف إسرائيل صامتة أمام الجهود الفلسطينيّة عبر شبكات التّواصل، فأغلقت بعد التواصل مع إدارة الفايسبوك عدداً من صفحات الفايسبوك لرسّامة الكاريكاتير الفلسطينيّة المشهورة أميّة جحا وراجي الهمص، وقدّمت بلاغات إلى إدارة "فايسبوك" عن صفحات الشهداء، مثل: مهنّد الحلبي منفّذ عمليّة الطعن في القدس بـ4 تشرين الأوّل/أكتوبر الّتي أسفرت عن مقتل اثنين من الإسرائيليّين، وبهاء عليان منفّذ عمليّة الطعن في القدس بـ13 تشرين الأوّل/أكتوبر الّتي أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليّين، بعد أن نشر على صفحته وصيّته الخاصّة بعد وفاته، اعتبرتها إسرائيل تحريضاً على تنفيذ العمليّات ضدّ الإسرائيليّين.

هناك طريقة تقنية معمول بها لدى جميع مستخدمي الفايسبوك، وقد طبقها الإسرائيليون جيدا خلال الانتفاضة الحالية، تتمثل بتقديم عشرات الإسرائيليين لبلاغات لإدارة الفايسبوك بأن بعض الصفحات الفلسطينية تحرض على القتل، ويذكرونها بالاسم، فتقوم إدارة الفايسبوك بإغلاق هذه الصفحات، لأنه احتوت على منشورات انتهكت معايير الفايسبوك، لأنها تحض على القتل والعنف.

فضلاً عن ذلك، فقد حصل اتفاق يوم 24 نوفمبر بين وزارة الخارجية الإسرائيلية مع إدارة شركتي غوغل ويوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي، على محاربة التحريض عبر صفحاتها.

وبدوره، قال أستاذ الإعلام الإلكترونيّ في جامعة الأقصى بغزّة ماجد عرفات حبيب: "إنّ الفلسطينيّين لجأوا إلى الإعلام الجديد في الانتفاضة الحاليّة، نظراً لدوره المهمّ في نشر فعاليّاتها وأحداثها، وقدرة شبكات التّواصل الاجتماعي على تحشيد الجمهور الفلسطينيّ خلف الانتفاضة، رغم الجهود الإسرائيليّة للحدّ من تأثيرها، من خلال تقديم البلاغات إلى إدارة فايسبوك لحجب بعض الصفحات وإغلاقها".

يبدو أن إسرائيل عملت منذ أكتوبر الماضي على مواجهة الفلسطينيّين في شبكات التّواصل الاجتماعي من خلال جملة من الإجراءات، لعل أهمها: تجنيد لما يقرب من 5 آلاف حساب وهمي على الفايسبوك لمحاربة الفلسطينيين عبر هذه الشبكة، ممّن لديهم القدرة على اختراقها ويتقنون اللّغتين الإنكليزيّة والعربيّة، ومهمّتهم اختراق الصفحات الفلسطينيّة وتدميرها، وتقديم بلاغات إلى إدارة "فايسبوك" ضدّ العديد منها، واعتقال عدد من الفلسطينيين خلال الشهور الثلاثة الماضية بتهمة كتابة منشورات على الفايسبوك تدعو لقتل الإسرائيليين.

انتفاضة إلكترونيّة

من جهتها، قالت أمية جحا، الّتي تعرّضت صفحتها إلى الإغلاق في 8 كانون الثاني/يناير، وأنشأت لها صفحة جديدة: "إنّ قرار فايسبوك جاء بسبب نشرها رسوماً كاريكاتوريّة تتعلّق بتنفيذ العمليّات الفلسطينيّة ضدّ الإسرائيليّين وصور السكاكين ومشاهد الدماء. وبعد أن حقّقت انتشاراً واسعاً بفضل تداول رسوماتي من قبل شخصيّات عربيّة كبيرة مثل مذيعة قناة الجزيرة القطريّة خديجة بن قنة، على أثرها تعرّضت إلى ضغوط إسرائيليّة عبر تعليقات إسرائيليّة على صفحتي تشتمني، وتتهجّم عليّ".

وتشير المتابعة الميدانيّة لما تشهده المواجهة الافتراضية بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة منذ تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، إلى حجم الجهود الإسرائيليّة لملاحقة الفلسطينيّين عبر شبكات التّواصل من خلال إغلاق بعض الصفحات، وتقديم عشرات البلاغات عن صفحات أخرى لإدارة "فايسبوك"، ورصد منشورات الفلسطينيّين، لاسيّما المقاطع المرئيّة الّتي تروّج مشاهد العنف الّتي يرتكبها الجنود الإسرائيليّون من خلال منشورات وصفحات عدّة باللّغات العربيّة والأجنبيّة الّتي تتحدّث عن تجاوزات الاحتلال الإسرائيليّ ضدّ الفلسطينيّين.

ومن جهته، قال رئيس قسم الإعلام الجديد في فضائيّة الأقصى خالد شبير: "إنّ المواقع الإلكترونيّة التّابعة للفضائيّة على فايسبوك وتويتر وإنستغرام ويوتيوب، يصل عدد اللـ(لايك) على منشوراتها 220 ألفاً للمنشور الواحد، و 2.5 مليون شخص يرى المنشور ذاته من دون أن يعلّق عليه. وإنّ أهمّ المنشورات والتّغريدات الّتي تحظى بالمتابعة الدائمة هي الفيديوهات الخاصّة بالعمليّات الفلسطينيّة ضدّ الإسرائيليّين، وقد حصلنا في 4 كانون الثاني/يناير على الإشارة الزرقاء الّتي تمنحنا الخصوصيّة على الفايسبوك، وتوفّر لنا إجراءات الحماية من أيّ إغلاق أو حذف".

ولقد أفادت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيّين في 20 كانون الثاني/يناير أنّ 27 فلسطينيّاً تمّ اعتقاله من قبل الجيش الإسرائيلي من منذ تشرين الأوّل/أكتوبر من عام 2015، بسبب نشاطاتهم على مواقع التّواصل الاجتماعي، وتقديم لوائح اتّهام ضدّهم بتهمة التّحريض.

وفي هذا المجال، قال مدير الأخبار في وكالة "شهاب للأنباء" بغزّة حسام الزايغ: "إنّ صفحة وكالة شهاب على فايسبوك لديها أكثر من 5 مليون متابع، وتصل منشوراتنا أسبوعيّاً إلى ما يقرب من 150 مليون شخص على فايسبوك، و200 ألف على إنستغرام، و200 ألف على تويتر. ونظراً لرغبتنا في عدم تعرّضنا إلى أيّ بلاغات بالحذف أو إغلاق صفحتنا، بتنا نبتعد عن المنشورات الّتي قد تتسبّب لنا ببعض المشاكل مثل صور الملثّمين والسكاكين والأطفال المسلّحين، رغم أنّ هناك صفحات إسرائيليّة باللّغة العبريّة تصف الفلسطينيّين بالمخرّبين الإرهابيّين، وتطلق عليهم أوصافاً سيّئة، ومع ذلك لا تتعرّض إلى الإغلاق".

وأخيراً، في الوقت الّذي تشهد فيه عمليّات الانتفاضة الفلسطينيّة ضدّ الإسرائيليّين بعض الهدوء أو التّراجع، فإنّ شبكات التّواصل الاجتماعي تواصل انتفاضة أخرى بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين عبر المنشورات والتّغريدات والتّعليقات المضادّة على صفحات الجانبين، ممّا يعني استمرار هذه الحرب الضارية من دون أن تطلق فيها رصاصة واحدة.

ساحة جديدة للمقاومة

مع ظهور الفضاء الالكتروني ودخوله إلي كافة مجالات الحياة كان للاستخدام العسكري أيضا موضع قدم به حيث تم استخدامه كمجال جديد للحرب والقتال مع ارتباطه بمصالح إستراتيجية للعديد من الدول، وبرز به شكل جديد من الحرب تختلف في طبيعتها وأطرافها وأهدافها وبيئتها وميدان القتال بها في ظل بيئة ووسيط جديد يستخدمه كافة الفاعلين وليصبح الانترنت وبصورة اشمل الفضاء الالكتروني ساحة جديدة للصراع بكل أشكاله وصورة المتعددة، وتغيرا في طبيعة الصراع وأدواته، وهو ما يؤثر على الطابع المدني للخدمات عبر الإنترنت, ويجعلها أمام خطر التعرض لهجمات الكترونية متبادلة تتميز بالكر والفر وهدفها التدمير والتأثير النفسي والاقتصادي والإعلامي.

وتتميز الهجمات عبر الفضاء الالكتروني بأنها حرب بلا نار أو دخان وقصف بلا أنقاض، وغزو بلا جيوش وميدان للمعركة فسيح لا يقتصر أو يتقيد بمكان النزاع أو المواجهة الجغرافية بل يمتد مع اتساع الفضاء الإلكتروني وتخطيه للحدود ولسيادة الدول بما ينعكس علي زيادة عدد المهاجمين وزيادة الأهداف المعرضة للقصف ويختلط المقاتلين بها بين ما هو مدني بما هو عسكري وتصبح لوحة المفاتيح والفارة للكمبيوتر والاتصال بالانترنت فقط هي من مقتضيات تلك الحرب الجديدة.

وتتعلق آليات وإستراتيجية الهجوم بنمطين، يتعلق الأول، بالاستخدام والتوظيف الإعلامي للانترنت كوسيلة أعلام دولية الطابع عن طريق استخدام كافة أدوات الرأي والتعبير عبر الانترنت للتعبير عن وجهات النظر والتأييد، وجمع التوقيعات الالكترونية واستطلاعات الرأي الالكترونية التي تبرز مواقف المشاركين من طرفي النزاع، وغرف الدردشة والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت للقيام بحوارات وتكوين رأي مناصر، وتشكيل التحالفات السياسية ونشر أفكار الاحتجاجات للحصول علي تأييد الرأي العام المحلي والعالمي. وإظهار حقيقة الدمار والقتل التي تسعي إسرائيل لطمس معالمه من خلال فرض رقابة إعلامية علي مناطق القتال وتفعيل ردود الأفعال الدولية عبر دعم المظاهرات حول العالم التي تساند غزة في مواجهة حرب إسرائيل العدوانية.

أما عن النمط الثاني، فيتعلق برد الفعل العنيف عن طريق التحول من لغة الحوار والإقناع إلي التدمير والإقصاء عبر القرصنة والاختراق لشل وتعطيل وتدمير الموقع ووقفه عن العمل وإغراقه بآلاف الرسائل الالكترونية، وقد يحمل بعضها فيروسات تؤدي لعرقلة عمل الموقع واختراقه وسرقة المعلومات ونشر الفيروسات، وإرسال كم كبير من الرسائل الاحتجاجية لكافه الأطراف المعنية بصورة ضاغطة ومزعجة عن طريق البريد الإلكتروني، ويتعلق ذلك استهداف المواقع الإستراتيجية لإسرائيل علي الإنترنت بهدف تدميرها واختراقها إلي جانب اختراق شبكات الاتصال والبث الإذاعي.

كما أطلق الجيش الإسرائيلي الشرارة الأولي للحرب علي غزه عبر حسابه الرسمي علي تويتر بعبارة "بدأ حملة عسكرية واسعة ضد مواقع ونشطاء الإرهاب في قطاع غزة"، وذلك دون إصدار أي تصريحات رسميه من المسؤولين الإسرائيليين، وذلك بغيه تحقيق عنصر المفاجأة. وتم نشر فيديو علي موقع يوتيوب لعمليه اغتيال القيادي في حركة حماس "أحمد الجعبري"، وحقق أكثر من 3 مليون مشاهدة، وهو ما استتبعه برد فعل سريع من كتائب القسام عبر حسابها الخاص علي موقع تويتر من بينها "أيادينا المباركة ستصل إلي قادتكم وجنودكم في كل مكان، لقد فتحتم أبواب جهنم علي أنفسكم".

ورد حساب الجيش الإسرائيلي بقوله "ننصح نشطاء حماس سواء القادة أو العناصر، بإظهار وجوههم على وجه الأرض في الأيام القادمة". وبذلك حاول طرفي الصراع توظيف شبكات التواصل الاجتماعي لخدمة أهدافه والتأثير في الرأي العام حول العالم لتبرير نشاطه الحربي، وذلك على نحو أكثر تطورا وذلك لشهرتها بعد دورها في ثورات الربيع العربي، وزيادة عدد مستخدميها وقدرتها علي الانتشار والاستمرار كونها تتبع مواقع عالميه، وكونها تمثل إعلاماً بديلاً لكشف الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل.

وقدم ذلك الفرصة لتجاوز انحياز الإعلام الغربي لإسرائيل، وقدرة تلك الشبكات علي التأثير في أكبر عدد ممكن من الرأي العام، وخصوصاً إذا ما استخدم المتلقين خاصية المشاركة آو أعاده النشر على الفايسبوك أو على تويتر، وبما يجعل لها تأثير مضاعف، ويفتح الباب أمام العديد من الشباب العربي للمساهمة في الدفاع عن القضية الفلسطينية وبشكل مختلف عبر نشر صور الممارسات الإسرائيلية من علي الأرض.

وقد خصصت إسرائيل متحدثاً باسم الجيش للإعلام العربي، بهدف التأثير في الرأي العام العربي، وبرز ذلك بحجم الاهتمام الكبير بدور الانترنت في مخاطبه الشباب العربي، وتدشين حساب على الفايسبوك وتويتر واليوتوب للحكومة والجيش ووزارة الدفاع، وبينما أطلقت إسرائيل علي عملياتها "عامود الغيمة" مستوحيا من التوراة قامت حركه حماس عبر كتائب القسام التي تمثل جناحها العسكري بإطلاق اسم "حجارة سجيل" مستوحيا كذلك من القران، وهو ما أعطي للصراع بعداً دينياً يتم توظيفه في الشحن والتعبئة ولتعزيز العامل النفسي والمعنويات بين المؤيدين.

وانتشرت العديد من "الوسوم" عبر تويتر مثل  غزة تحت القصف, إضافة إلى وسومات أخرى مثل"غزة" وفلسطين حرة  بينما استخدم الجيش الإسرائيلي الوسم "عامود الدفاع" أو إسرائيل تحت الهجوم. واستخدم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي حسابه على تويتر واليوتوب لمخاطبة الجمهور العربي والفلسطيني لتبرير الحرب علي أنها لمكافحة الإرهاب، والي الحد الذي قام باستخدام آيات قرآنية عبر تويتر للحث علي وقف المقاومة ضد إسرائيل، والادعاء بان الصواريخ تقع داخل الأراضي الفلسطينية وعديمة الجدوى لأمن إسرائيل.

وفي المقابل تم تدشين عديد من الصفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي للتضامن مع غزة، ونشر أخبار وصور ومقاطع الفيديو لإظهار الأضرار الناجمة عن ضربات المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلي القيام بعمليات القرصنة والاختراق للصفحات المؤيدة لإسرائيل. وتوثيق الهجمات الصاروخية من جانب كتائب القسام أو الاختراقات ضد أهداف إسرائيلية، ونشر ذلك علي صفحه كتائب القسام على الفايسبوك وتويتر والتعريف بالضربات النوعية للمقاومة مثل نشر شريط فيديو مسجل علي موقع يوتيوب يظهر عملية إسقاط طائرة إسرائيلية بدون طيار.  بينما يقوم الإسرائيليون بنشر صوراً للأضرار التي تسببها الصواريخ الفلسطينية، وحالة الخوف والرعب التي تصيب السكان. والأضرار التي لحقت بالمباني والسيارات.

كفاح إلكتروني

ما يقرب من خمسة عشر مليون يهودي في العالم يُسخِّرون إمكاناتهم المالية والعلمية والإعلامية والسياسية لدعم الاحتلال اليهودي لفلسطين، يملكون وكالات أنباء وفضائيات وصحف عالمية وشركات دعاية، وشركات أفلام، وغيرها، يقابلهم ما يقرب من خمسة عشر مليون فلسطيني، حلّت بهم النكبة بسبب الاحتلال اليهودي وداعميه. إن كفاحاً متشعب المسارات ينتظر الجهد الفلسطيني. إنه لا وقت أمام الفلسطينيين ليضيِّعوه في اللهو والترف الفكري وقضاء الساعات على دردشات الفايسبوك وصفحات الإنترنت. وكما تسارع المقاومة المسلحة الزمن لأجل بلوغ الحد الكافي للدفاع عن نفسها وشعبها وصولاً لاستعادة حقوقها، يجب على فئات الشعب الفلسطيني كافة؛ رجالا ونساء، كباراً وصغاراً، أن يوظفوا خبراتهم الجديدة المكتسبة في مجال فحات الإنترنت الاجتماعية بكل مسمياتها، من أجل نشر قضيتهم وفضح عدوهم، وكشف زيف ادعاءاته التي يضحك بها على مليارات من البشر. اليوم لم يعد هناك مَن لا يعرف استخدام الجوال الحديث أو اللاب توب أو الآي باد وغيرها. كل من يعرف استخدامها، ويعرف استخدام صفحات الفيس بوك والتويتر وانستيجرام، عليه واجب شرعي، وواجب وطني تجاه فضية فلسطين وشعبها المظلوم، وذلك بأن يخصص جزءاً من وقته اليومي من أجل الترويج لقضيته والدفاع عن شعبه وفضح عدوه. فماذا يمكننا أن ننشر:

1-  مقاطع فيديو تظهر همجية الاحتلال في التعامل غير الإنساني مع الفلسطينيين، والتعليق عليها بلغات مختلفة.

2-  مقاطع نصية من التوراة أو التلمود تظهر الطبيعة العنيفة لليهود ومعتقداتهم، واستحمارهم للبشرية. يمكن الحصول عليها من الإنترنت، وترجمتها إلى لغات مختلفة عن طريق غوجل ومن ثم إعادة نشرها على صفحات أشخاص ومؤسسات أجنبية.

3-  فقرات مختصرة من وصف المجازر التي ارتكبها الاحتلال بحق شعبنا وشعوب المنطقة في لبنان ومصر، قديمة وحديثة، ونشرها بذات الطريقة.

4-  أقوال لزعماء وقادة يهود وحاخاماتهم، تُظهر خبايا نفوسهم تجاه العرب، وعدوانيتهم، ونشرها بذات الطريقة.

5-  اختيار بعض نصوص من القرارات الدولية التي "تنصف" الفلسطينيين وتدين الاحتلال الصهيوني، وتُظهر عدم انصياعه للمنظومة الدولية التي يدعي الانتماء إليها، ونشرها بذات الطريقة.

6-  اختيار أقوال قادة ومفكرين وزعماء من العالم تكشف كذب الاحتلال (الإسرائيلي) وبشاعته ومؤامراته، وشروره، وترجمتها ونشرها بذات الطريقة.

كثيرة هي الأعمال التي يمكن بثها ونشرها عبر الإنترنت وبلغات مختلفة، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من البشرية. إن تعاطفهم معنا لن يدفعهم لمهاجمة (إسرائيل)، لكن الشعوب ستتضامن معنا وتضغط على حكوماتها لمنع تقديم أي دعم له، ولإظهار مقاومة شعبنا بالمقاومة الإنسانية العادلة، فنكسب العالم إلى صفنا ويخسره عدونا.

إن المثابرة على هذه الأفعال من شأنه أن يُحدث نقلة واسعة في حجم التأييد العالمي للمقاومة الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني وعدالة قضيته، ويفضح عدونا. فهل من مبادر؟!

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*)

اعلى الصفحة