إعدام العلامة النمر والتوتر السعودي الإيراني

السنة الخامسة عشر ـ العدد170 ـ ( ربيع الثاني ـ جمادي اول 1437 هـ) شباط ـ 2016 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أقدم النظام الحاكم في السعودية مؤخراً على تنفيذ عمليات إعدام شملت ٤٧ شخصا معظمهم من تنظيم القاعدة الإرهابي وكان لافتا أن هذه الإعدامات طاولت أيضا العلامة الشيخ نمر باقر النمر المعتقل منذ ثلاث سنوات، على خلفية دعوته إلى الإصلاح والحرية ورفع الحرمان عن أبناء شعبه وتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية.

هذه الخطوة من قبل النظام السعودي أثارت ردود فعل داخلية وخارجية، مستنكرة على وجه التحديد إعدام العلامة النمر، حيث أدت إلى توتر في العلاقات بين الرياض وطهران واقتحام محتجين السفارة السعودية في إيران ورد الرياض بقطع علاقاتها مع طهران. وقد طرح كل ذلك أسئلة عديدة عن توقيت وخلفيات وأبعاد وأهداف إقدام النظام السعودي على مثل هذه الإعدامات لعناصر القاعدة، وتعمده أن تشمل أيضا سجين الرأي العلامة نمر النمر الذي لم يمارس العنف ولم يدع إلى حمل السلاح، بل التزم الحرص على سلوك الوسائل السلمية بغية تحقيق الإصلاح والعدالة، وهي وسائل مشروعة وحق من حقوق الإنسان.

كذلك، طرحت هذه الإعدامات تساؤلات عن ماهية التداعيات المحتملة لمثل هذه الخطوة السعودية عن الأزمات في المنطقة : هل تؤدي إلى تسعير نارها وتعطيل مسار المفاوضات والحلول، ولاسيما في سوريا واليمن والعراق أم أن ما حصل من توتر لن يقود إلى  ذلك وسرعان ما يهدأ؟ واستطراداً، ما هي أسباب هذا التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية ؟ هل يعود إلى أسباب مذهبية وقومية وتدخلات إيران في الشؤون العربية كما تدعي الرياض أم أن الأمر مرتبط بالصراع السياسي المحتدم بين البلدين منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران ؟

جريمة إعدام الشيخ النمر وخلفياتها

تعرض سماحة الشيخ نمر باقر النمر لعدة مضايقات من قبل رجال الأمن في السعودية لمدد متفاوتة من مراقبة سكنه على مدار الساعة إلى التعرض له عن طريق الإستدعاءات المتكررة. ففي عام ٢٠٠٢، اعتقل سماحته بعد إقامة صلاة الجمعة، وقد طلبت السلطات منه، بالإضافة إلى ترك صلاة الجمعة والبرامج المختلفة، إزالة أحد الأبنية القائمة في ساحة كربلاء لقاء إطلاق سراحه.

في عام ٢٠٠٣، استدعي سماحته من قبل السلطات من أجل إلغاء مهرجان البقيع تحت عنوان " البقيع حدث مغيب"، وقد طوق منزله من قبل رجال المباحث والأمن الذين طلبوا مصاحبتهم، لكنه رفض ذلك مفضلاً أن يأتي بسيارته، وقد قاموا بالضغط على سماحته لكي يلغي المهرجان.

في عام ٢٠٠٤، استدعي أيضاً من أجل إلغاء مهرجان البقيع تحت عنوان " البقيع الخطوة الأولى لبنائه ". وفي عام ٢٠٠٥، اعتقل سماحته غدرا وهو عائد من البحرين من مؤتمر القرآن الكريم. وقد استمر اعتقاله قرابة أسبوع. وفي أثناء فترة الاعتقال، استمرت التظاهرات في مدينة العوامية حيث عجلت بخروج سماحته.

كذلك، اعتقل في أعوام ٢٠٠٧ و ٢٠٠٨ و ٢٠٠٩، وكان آخرها في ٨ تموز ٢٠١٢، حيث اعتقلته قوات الأمن السعودية، بعد أن أطلقت النار عليه وأصابته في فخذه. في ١٥ تشرين أول ٢٠١٤، حكمت عليه السلطات السعودية بالإعدام.

يقول سماحة العلامة النمر في إحدى خطبه النارية: "... عندنا إرادة لنقاوم ظلمكم وجوركم ولن نتنازل، أقصى ما تفعلون هو الموت، مرحبا بالشهادة في سبيل الله، لن تنتهي الحياة بموت الإنسان، إما نعيش على هذه الأرض أحراراً أو نموت في باطنها أبراراً، لا خيار لنا غير ذلك". وفي ٢ كانون الثاني عام ٢٠١٦، أقدمت السلطات السعودية على تنفيذ حكم الإعدام بسماحة العلامة نمر باقر النمر ليرتقي شهيداً.

يمكن حصر الخلفيات التي أقدم على أساسها النظام السعودي على جريمة إعدام العلامة النمر بالآتي:

١- هناك في الحد الأدنى حاجة النظام إلى تغطية إعدام نحو ٤٢ عنصراً من القاعدة.

٢- ثمة حاجة أخرى لإشغال الرأي العام في السعودية بمسائل تحويرية لصرف النظر عن وضع اقتصادي بدأ في التردي.

٣- حاجة تلك العائلة الحاكمة للتغطية على مغامراتها في اليمن، حيث أعلنت في ٢٥ آذار الماضي عاصفة حزم شهيرة، خرج بعد أيام قليلة فقط من إعلانها قائد عسكري سعودي ليعلن أن العاصفة المذكورة حققت أهداف مرحلتها الأولى كلها من دون استثناء. وبعد أقل من شهر من تلك المغامرة، أذهلت القيادة السعودية نفسها بإعلانها أن العاصفة انتهت لتعلن بداية "إعادة الأمل". وبعد ١٠ أشهر على تلك العنتريات، احتل تنظيم "داعش" الإرهابي ثلث اليمن واحتل الحوثيون قسماً كبيراً من السعودية.

٤- الإحساس لدى عرابي تلك العائلة الحاكمة بأن سلطتهم تتآكل يوماً بعد يوم، وأن خسارتهم تتحقق بالنقاط، وأنه لم يعد أمامهم إلا سلاحهم السري العلني الأخير: تفجير حرب سنية شيعية عبر العالم الإسلامي.

الشيخ العلامة نمر باقر النمر ليس أول من يظلم ولن يكون الأخير في مملكة الظلام، السجل السعودي لحقوق الإنسان مليء بالجرائم عبر السنوات الماضية. إنها مملكة تطمئن إلى عالم لا يحاسبها وإلى منظمات حقوقية عاجزة خرساء، وإلى إعلام عالمي مكبل وإلى أن هذه المملكة يحق لها ما لا يحق لغيرها.

هذه جريمة مشتركة، السعودية ترتكبها والعالم يدير ظهره متجاهلاً، فهو لا يدين تلك العائلة الحاكمة ولكنه ينبهها إلى خطر التداعيات في المنطقة.

تعيش السعودية منعطفاً مترعاً بالأسئلة: متى تتوقف حروب السعودية؟ هل ستنجو تلك المملكة من آثارها المدمرة؟ هل ينفجر الوضع في الداخل ومعه ينفجر الخليج؟ أسئلة بلا إجابات وهذا هو الأخطر، وإحدى علامات الخطر هو الإقدام على إعدام العلامة النمر وتداعيات ذلك. السعودية ليست وحدها مدانة في هذا الإعدام. أما لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟.

السعودية تقطع علاقاتها مع إيران

ليس من المتوقع أن تنتفي قريباً الأسباب الموجبة للتصعيد السعودي إزاء الجمهورية الإسلامية، فأزمة إعدام الشيخ النمر وما تلاها من إجراءات تصعيدية سوف ترخي بظلالها على أزمات المنطقة ومساراتها خلال المرحلة المقبلة. التصعيد المتبادل بين الرياض وطهران يدفع بالإقليم إلى حافة الهاوية، إذ إن الأمر يحتاج إلى ما يشبه المعجزة في سبيل وضع العلاقات بين الجانبين على سكة التهدئة وصولاً إلى التفاهم.

إن المشهد الإقليمي بتحولاته المتسارعة يؤشر إلى قرب بلوغ الذروة في مستويات الخلاف وأشكاله بين قطبي العالم الإسلامي الرياض وطهران. الأولى ذاهبة إلى التصعيد على نحو غير مسبوق من موقع الفعل الاختياري، فيما الثانية تعيد تموضعها في المنطقة على قاعدة التصدي الاضطراري. المملكة وحلفاؤها يريدون أولاً خلق بيئة متوترة وتقطيع الوقت لعرقلة مسار تسويات المنطقة بانتظار مجيء إدارة أمريكية جديدة، ويتطلعون ثانياً إلى نزع الشرعية الإقليمية عن طهران من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية معها، كبديل من الشرعية التي أحرزتها دولياً في إطار التفاهم النووي.

في هذا الخضم، يبقى الموقف الإيراني أساسياً في تحديد وجهة الأحداث ومآلاتها. حتى الأمس القريب، كانت طهران تتحرك دبلوماسياً في الإقليم وفق اتجاه واحد بهدف وضع أزمات المنطقة على طريق الحل. حالياً بات المشهد من الزاوية الإيرانية مرتبطاً بحسابات جديدة تستدعي من طهران الانتقال من المرونة إلى التشدد في التعامل مع الرياض. من المرجح أن تعمل إيران في المرحلة المقبلة على ثلاثة خطوط وهي:

١- توفير المقومات التي تسمح لحلفائها في اليمن بالانتقال من الدفاع إلى الهجوم، حيث إن دخول هؤلاء إلى مدن سعودية قريبة من الحدود بات أمراً مسموحاً، كما أن قصفهم لأهداف سعودية خارج الخارطة التقليدية الراهنة لم يعد ممنوعاً.

٢- اتخاذ إجراءات عسكرية في مياه الخليج تتيح لطهران الظهور بموقع المتحكم فعلياً بالملاحة الخليجية.

٣- تكثيف المجهود العسكري ودعم الحلفاء في سوريا لتحقيق المزيد من الإنجازات الميدانية.

ثمة توجه عام في الجمهورية الإسلامية آخذ بالدعوة إلى التعامل مع السعودية وفق منطق الثورة بعيداً عن منطق الاعتدال الدبلوماسي. فالبعض عاد إلى تكرار ما قاله الإمام الخميني يوماً من أننا قد نعفو عن صدام، لكننا لن نعفو عن آل سعود، وأن هؤلاء لو اغتسلوا بماء زمزم مائة مرة لما تطهروا.

إسرائيل تستغل التوتر بين الرياض وطهران

إن تل أبيب تنظر إلى التوتر المتصاعد بين السعودية وإيران، والذي وصل مؤخرا إلى حد غير مسبوق، على أنه بيئة مؤاتية لإعادة إنعاش التعاون السعودي الإسرائيلي في مختلف المجالات، ولاسيما في ظل تطابق المصالح الإسرائيلية السعودية في الشرق الأوسط، والعمل على دفع ما تحت الطاولة إلى العلن، وتحديداً في ما يتعلق بالعداء المشترك للجانب الإيراني وانعكاساته على مختلف ساحات المنطقة.

المسؤولون الإسرائيليون لا يخفون تطلعاتهم، فقد كشفوا عن تعاون غير معلن بينهم وبين المسؤولين السعوديين في أكثر من مجال، حيث وردت تأكيدات عديدة تباعاً على لسان بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين في تل أبيب تشير إلى أن تطابق هذه المصالح لا يمكن أن يبنى عليها إلا عن طريق خبراء إسرائيليين متخصصين في المعاهد البحثية.

إن أبرز هذه الدراسات كانت لـ(عوفري إسرائيلي) المحاضر في العلاقات الدولية والسياسية الخارجية، والتي تضمنت شرحاً مفصلاً للبيئة والفرصة الإسرائيليتين جراء التوتر القائم بين السعودية وإيران. وبحسب الباحث، فإن التوتر برز بشكل حاد عقب إعدام العلامة النمر، الأمر الذي يشكل نقطة تحول في العلاقات بين القوتين الإقليميتين، وعلى إسرائيل أن تنتهز هذه الفرصة لتعزيز مصالحها العامة في المنطقة، على حد قوله، لافتا إلى أن الرياض وتل أبيب تتشاركان في محاور عديدة، حيث تلتقي مصالحهما وذلك على النحو الآتي:

١- إسرائيل والسعودية تعتبران الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى اتفاقاً سيئاً، إذ يمكن إقامة تعاون متين بين إسرائيل والسعودية قد يتجلى في مجالات عدة، ومنها التنسيق في السياسة العامة، حيث يمكن أن تلجأ الدولتان لتشكيل جبهة موحدة أمام واشنطن لمطالبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أو خليفته لاتخاذ خطوات أكثر صرامة إزاء أي خرق مستقبلي من قبل إيران.

٢- القضية الفلسطينية وعلاقة إسرائيل مع جيرانها العرب. فالرياض، كما ورد في دراسة الباحث الإسرائيلي، هي الراعية لمبادرة السلام والتي تحاول مرة تلو أخرى الضغط على إسرائيل للموافقة عليها، إضافة إلى أن التعاون بين الدولتين، على ضوء التوتر الأخير، قد يسمح لإسرائيل بإرغام السعودية على القيام بتغييرات عدة مطلوبة على مبادرة السلام التي أطلقتها وملاءمتها أكثر للمصالح الإسرائيلية.

٣- عداء كل من إسرائيل والسعودية لحزب الله والحوثيين في اليمن، حيث يؤكد الكاتب الإسرائيلي أنه يمكن لإسرائيل أن تستغل الموقف المتوتر بين الرياض وطهران لدعم مصالحها، ويمكن لها أيضاً أن تساعد العائلة المالكة في السعودية في حربها ضد الحوثيين بواسطة المعلومات الهائلة المتراكمة خلال عشرات السنين، جراء محاربة حزب الله وتنظيمات أخرى. ومن شأن التوتر أيضاً أن يحفز على التقدم في الخطوط التي تسرب بعضها في الماضي حول بيع منظومات القبة الحديدية للسعودية، لحماية أراضيها من الصواريخ التي تطلق من اليمن نحوها.

إيران تتجنب مواجهة عبثية مع السعودية

إن إيران تتجنب أي مواجهة عسكرية مع السعودية، لا خوفاً منها ولا من أمريكا، بل حرصاً من الجمهورية الإسلامية على عدم إعطاء الذرائع لأعداء العرب والمسلمين من أجل جر المنطقة لأتون الحرب والفوضى. على الرغم من كل الاستفزازات السعودية، فإن القيادة الإيرانية لم ترد على تلك الاستفزازات.

إن لائحة الاتهامات السعودية الملفقة لتبرير خطوتها الرعناء في قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران لم تكن قادرة على إثارة ما يكفي من غبار للتغطية على جريمتها النكراء، ولا كافية لتصدير أزماتها أو الهروب إلى الأمام عبر الدفع بالمأزق القائم نحو الانفجار. إن القضية ليست في قطع علاقات ولا هي في تحوير هنا أو هناك للوقائع، أو محاولة تغطية على الفشل، بقدر ما تعني رغبة في الذهاب بعيدا نحو إثارة عواصف إضافية من التصعيد السياسي وإيقاظ للفتنة لتكون على مقاس الأوهام التي تحكم أهواء آل سعود. ربما تستعجل السعودية تأجيج النار في كل الاتجاهات لعلها تؤجل بعضا من مشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن النهج السعودي الراهن يتعمد محاولة إفساد كل ما حققته إيران من مكتسبات، وذلك بسبب نجاحها في عقد اتفاق نووي مع الدول الست الكبرى، والذي يؤدي إلى رفع الحصار عنها، وإلى عودتها، بالتالي، كقوة فعالة إلى المجتمع الدولي، حيث إن هذه العودة الإيرانية التي بدأت في منتصف كانون الثاني ستعني العودة إلى الأسواق النفطية واسترداد مليارات من الدولارات المجمدة، وشراء أسلحة جديدة متقدمة من روسيا والصين على وجه الخصوص.

إن خيبة الأمل السعودية من حالة الفتور في محيطها الخليجي والعربي دفعتها للإقدام على خطوتين: الأولى، توجيه الدعوة إلى اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض. والثانية، لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة في القاهرة لتصعيد عملية التحشيد السياسي العربي والخليجي في مواجهة إيران.

إن نظام آل سعود ينتهك جميع حقوق الإنسان ويقمع حرية الرأي والتعبير ويقيد الحريات الشخصية، وهو يتبنى أساليب إعدام ومناهج حياة تعود إلى القرون الوسطى. إن الجريمة التي نفذها النظام السعودي بحق العلامة النمر أظهرت مدى التقارب والتشابه بين هذا النظام الاستبدادي وتنظيم "داعش" الإرهابي.

الأبعاد الحقيقية للتوتر بين إيران والسعودية

إن الأسباب الحقيقية للتوتر الحاصل في العلاقات السعودية الإيرانية لا تعود إلى وجود صراع مذهبي أو عربي ـ فارسي، أو نتيجة لتدخلات إيران في الشؤون العربية، كما تدعي السعودية، بل تعود في جوهرها إلى أسباب سياسية نابعة من التعارض الذي يصل إلى حد التناقض الجذري بين مشروعين وخطين ونهجين.

المشروع الأول تحرري يرفض التبعية للولايات المتحدة والدول الغربية ويسعى إلى الانعتاق من فلك الهيمنة لتلك الدول، وهو يدعم خيار المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وينصر قضية الشعب الفلسطيني. أما المشروع الثاني، فيريد إخضاع المنطقة للنفوذ الغربي بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وهو يقف ضد المقاومة للاحتلال الصهيوني.

أما الحديث عن تدخلات إيران في الدول العربية، فإنه ينطلق أيضاً من رفض هذه الأنظمة دعم إيران للمقاومة في فلسطين ولبنان والوقوف إلى جانب سوريا والعراق في تصديهما لقوى الإرهاب التكفيري المدعومة، على وجه الخصوص من النظام السعودي، في سياق المخطط الأمريكي لإسقاط الأنظمة الوطنية وإقامة أنظمة موالية لواشنطن.

على عكس إيران التي تدعم المقاومة ضد الاحتلال في فلسطين ولبنان وتساند الحل في هذا البلد وترفض التدخل في شؤونه الداخلية، وتؤيد الحل السياسي للأزمة السورية، فإن النظام السعودي يحرض على الفتنة المذهبية في وجه المقاومة ويتدخل في شؤون لبنان الداخلية، ويعمل على تعطيل أي حل سياسي لا ينسجم مع توجهات السياسة السعودية وهو يتدخل في سوريا ويسهم في تدميرها عبر دعم قوى الإرهاب التكفيري وتصديره إليها.

على الرغم من أن بعض المراقبين تحدثوا عن أن التوتر سينعكس سلباً على المساعي لإيجاد حلول للأزمات في المنطقة، ولاسيما في سوريا، إلا أن المسؤولين الإيرانيين والسعوديين أكدوا عكس ذلك، وأن كلا البلدين سيحضران اجتماع جينيف بين وفد المعارضة السورية ووفد الدولة السورية، في إطار تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حتى لو أرادت الرياض العرقلة، فإنها لن تستطيع ذلك، لأن موازين القوى الإقليمية والدولية لم تعد في مصلحتها، خصوصا بعد التوازن الإستراتيجي الذي فرضه الحضور العسكري الروسي النوعي في سوريا والخطوط الحمراء التي رسمها، بالإضافة إلى اضطرار الولايات المتحدة إلى التكيف مع هذا التوازن، والتسليم بالشروط الروسية الإيرانية السورية لحل الأزمة، وهو ما جسدته خريطة الطريق التي عبر عنها قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.

الاحتمالات المتوقعة في التوتر السعودي الإيراني

إن التوتر الحاصل في العلاقات السعودية الإيرانية، والتجييش الذي تقوم به السعودية ضد إيران، والقيام بحملة تعبئة ضدها، والذي جرى التعبير عنه في البيان الأخير لوزراء الخارجية العرب إثر اجتماعهم في القاهرة، لا يظهر أنه يتجه إلى مزيد من التصعيد، بل يسير نحو التهدئة، وهو ما تدل عليه المؤشرات الآتية:

١- الموقف الإيراني الذي جاء على لسان وزير الخارجية محمد جواد ظريف والذي شدد على التهدئة وعدم السعي إلى التصعيد.

٢- الموقف السعودي الذي عبر عنه وليّ ولي العهد محمد بن سلمان لصحيفة الإكونومست، والذي أكد فيه أن السعودية لن تسمح بحصول حرب مع إيران.

٣- الموقف الأمريكي المتمثل في مسارعة وزير الخارجية جون كيري إلى الاتصال بوزيري الخارجية السعودي والإيراني، للتوسط بين البلدين من أجل التهدئة، وهو مؤشر قوي على أن أمريكا،حليفة السعودية، لا تريد التصعيد لأنه يضر بمصالحها وبحليفتها التي تعاني من الاستنزاف في اليمن.

٤- اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي اكتفى بإعلان موقف ضد إيران، لكنه لم يذهب إلى اتخاذ خطوات عملية تصعيدية كقطع العلاقات معها.

إن النظام السعودي ليس لديه سوى خيار من اثنين: إما الاستمرار في التصعيد في حربه المكلفة والفاشلة في اليمن التي لا تقود إلا إلى المزيد من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السلبية، وبالتالي، تهديد مملكة آل سعود، أو التسليم بالفشل وركوب قطار التسويات، على قاعدة موازين القوى الجديدة التي لا تصب في مصلحة تحقيق أهداف حكام السعودية، لا في سوريا ولا في اليمن ولا في لبنان.

إذا كان النظام السعودي يعيش حالة من التخبط وانعدام التوازن، فإنما يعود ذلك إلى فشل مخططاته ورهاناته. لذلك، فإنه يجد صعوبة في التكيف مع موازين القوى الجديدة، كما تفعل الدولة الأقوى أي الولايات المتحدة الأمريكية، والسبب في ذلك يكمن في أن حكام آل سعود لا يريدون الإقرار بفشل سياساتهم، وهم إذا ما استمروا في حربهم التدميرية في اليمن، وتغذية الحرب الإرهابية في سوريا، فإنهم يقامرون في استقرار حكمهم ومملكتهم وتعريضها للاهتزاز وتفجر التناقضات في داخلها.

اعلى الصفحة