الدبلوماسية الإيرانية في التعامل مع القضايا الإقليمية
"الموقف من الرياض أنموذجاً"

السنة الخامسة عشر ـ العدد170 ـ ( ربيع الثاني ـ جمادي اول 1437 هـ) شباط ـ 2016 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أكد قائد الثورة الإسلامية سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي في حديثه خلال درس البحث الخارج، يوم الأحد 3/1/2016، ضرورة أن يشعر العالم بالمسؤولية تجاه الجريمة التي أقدمت عليها السعودية في إعدام الشيخ نمر باقر النمر وقال، لا شك أن دماء هذا الشهيد المظلوم المراقة بلا وجه حق ستعطي أثرها سريعاً وسيطال الانتقام الإلهي حكام السعودية.

وأضاف السيد آية الله الخامنئي، أن هذا العالم المظلوم، لم يشجّع الناس على العمل المسلح ولم يبادر للتآمر سريا، بل إن ما قام به فقط هو الانتقاد العلني والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انطلاقاً من التزامه وحميته الدينية.

واعتبر قائد الثورة استشهاد الشيخ النمر وإراقة دمه بلا حق خطأ سياسياً للحكومة السعودية وأضاف: "إن الباري تعالى لا يتجاوز عن سفك الدماء البريئة وإن الدماء المراقة بلا حق ستطال ساسة هذا النظام والمنفذين فيه".

وانتقد سماحته بشدة أدعياء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودعمهم للنظام السعودي الذي يريق الدماء البريئة لمجرد الانتقاد والاحتجاج وأكد بأنه على العالم الإسلامي والعالم كله الشعور بالمسؤولية تجاه هذه القضية.

تنديد بالقرار وتوتر بالعلاقات

إن توتر العلاقات الإيرانية السعودية ووصولها إلى حد قطع العلاقات بين البلدين وسحب السفراء هو حدث مهم وتطور خطير في العلاقات بين البلدين، حيث أدى إعدام السعودية للشيخ نمر باقر النمر إلى إيجاد موجة غضب كبيرة جداً في العالم الإسلامي وردود فعل حادة من قبل العديد من الدول الإسلامية والغربية.

 کما انتقدت العديد من الدول الأوروبية السعودية لإجرائها حكم الإعدام بحق الشيخ النمر والعديد من الحقوقيين الآخرين، حيث انتقدت مسؤولة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي موغريني السعودية لإعدامها الشيخ النمر وذلك من خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وقالت موغريني "نعارض حكم الإعدام في جميع الظروف ونحن قلقون من خطر تصعيد العنف الطائفي في العالم الإسلامي".

وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكد أن طهران ليس لديها رغبة بتصعيد التوتر مع جيرانها، مطالباً الرياض بالكف عن دعم الجماعات الإرهابية.

وأضاف ظريف في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، طلب منه إيصالها إلى كل من مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة: "ليس لدينا أي رغبة في تصعيد التوتر في محيطنا، وعلينا أن نكون موحدين في وجه التهديدات التي يشكلها المتطرفون علينا جميعاً".

وطالب الوزير الإيراني من الرياض حسم خياراتها، "إما أن تستمر في دعم الإرهابيين والإبقاء على الحقد المذهبي وإما أن تختار علاقات حسن الجوار وتقوم بدور بناء يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي، نأمل أن تقتنع السعودية بضرورة الاستماع إلى صوت العقل".

وأكد ظريف أن الرياض عمدت إلى قصف مقار دبلوماسية في اليمن من بينها السفارة الإيرانية، كما عملت الرياض بشكل حثيث على وأد الاتفاق النووي التاريخي الذي أبرمته بلاده مع الدول الكبرى في يوليو/تموز، بالإضافة إلى "دعم إرهابيين متطرفين في سوريا" و"إساءة معاملة الحجاج الإيرانيين" و"شن حملة جوية شعواء تستهدف السكان" في اليمن.

من جهته اعتبر الأمير السعودي طلال بن عبد العزيز، أن استفزاز إيران ليس من مصلحة السعودية، مؤكداً أن الحرب مع طهران سيفتح نار جهنم على آل سعود.

وأكد طلال بن عبد العزيز من محلّ إقامته في ألمانيا الاتحادية، بحسب بعض وسائل الإعلام، أن القوات الإيرانية قادرة على تدمير البنى التحتية والقوة العسكرية للمملكة خلال 24 ساعة، كاشفاً في الوقت ذاته عن وجود خلافات داخل الأسرة المالكة، في ما يختصّ بالعدوان على اليمن، وقال: "إنّ المملكة شعرت الآن بأنها استُدرجت إلى الحرب على اليمن بقرارات خاطئة، وستقبل بالحلّ الذي کانت ترفضه قبل الحرب".

وأشار الأمير السعودي إلى أن الطيارين الذين يقصفون اليمن کلفوا ميزانية المملكة کثيراً، واصفاً إياهم بالمرتزقة، حيث يتقاضى بعضهم 7500 دولار على الطلعة الواحدة، وهم من باكستان والهند وفرنسا وأمريكا ومصر.

الخارجية الروسية أعربت عن أسفها الشديد لنتيجة وصول التوتر بين السعودية وإيران إلى هذا الحد، وحذرت من احتدام النزاع ومن فتنة بين السنة والشيعة بسبب الإعدامات في السعودية وإن إعدام الشيخ النمر خطوة لإذكاء الفتنة بين السنة والشيعة. كما وأعلنت موسكو عن استعدادها للقيام بدور الوسيط بينهما لتسوية الخلافات. وقال مصدر دبلوماسي في الخارجية الروسية، لوكالة "نوفوستي": إن موسكو بصفة صديقة مستعدة، إذا ظهرت حاجة لذلك، للعب دور الوسيط في إطار تسوية الخلافات القائمة والجديدة بين هاتين الدولتين ".

وقام وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالاتصال بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف لبحث آخر المستجدات التي طرأت على العلاقات بين كل من إيران والسعودية. ودَعت أمريكا على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية قادة المنطقة إلى القيام بخطواتٍ لتهدئة التوتر عقب القرار السعوديّ بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وقال المتحدث باسم الوزارة جون كيربي إنّ الحوار الدبلوماسي والمحادثات المباشرة هي الأدوات الأساسية لحلّ الخلافات. وأضاف إنّ بلاده سوف تواصل حضّ قادة المنطقة على القيام بخطواتٍ إيجابيةٍ لتهدئة التوتر.

 كما ودعت فرنسا، الاثنين ٤ كانون الثاني/يناير ٢٠١٦ قادة المنطقة لتفادي تفاقم التوترات الطائفية والدينية وأيضاً إلى وقف التصعيد بين السعودية وإيران بعد جريمة إعدام الشيخ نمر باقر النمر، وفق ما أعلن الناطق باسم الحكومة الفرنسية ستيفان لوفول. وقال لوفول إن "تميز فرنسا هو قدرتها على الحوار مع الجميع. وقد دعا وزير الخارجية (لوران فابيوس) بالرغبة في وقف التصعيد"، هذا وأشار المتحدث باسم الحكومة أن فرنسا مستعدة للتوسط بين الطرفين لتسوية هذه الأزمة الدبلوماسية.

ودعت الحكومة الألمانية أيضاً كلاً من السعودية وإيران إلى الحوار واستخدام كل الخيارات المتاحة لتحسين العلاقات الثنائية بعد أن قطعت الرياض العلاقات مع طهران، وقال شتيفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية، الاثنين، في مؤتمر صحفي: "نحث البلدين على الانخراط في الحوار وندعو البلدين إلى استخدام كل الإمكانيات لتحسين العلاقات الثنائية."

من جانبها أعلنت الصين إنها قلقة من احتمال اشتداد حدة الصراع في الشرق الأوسط بعد أن قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. وقالت هوا تشون ينغ المتحدثة باسم الخارجية الصينية في إفادة صحفية مشيرة إلى تصاعد التوترات "تشعر الصين مثل المجتمع الدولي بالقلق الشديد إزاء التطورات وتبدي قلقها من أن هذه الأحداث قد تصعد الصراع في المنطقة."

إسرائيل هي المستفيد

أكد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الدكتور سليم الحص، أن إقدام السعودية على قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إيران سيترك آثاراً سلبية تنذر بعواقب وخيمة لا تحمد عقباها على الساحتين العربية والإسلامية، وسيعود بالنفع على إسرائيل وأعداء الأمة. وقال الحص في بيان له إن "الأمة العربية والإسلامية تمر بمرحلة شديدة التعقيد والترهل والتخبط مترافقة مع حروب مدمرة في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن وعدم استقرار في الوطن العربي عموماً في الوقت الذي تعيشه شعوبنا العربية خصوصاً في غياب الرؤى وضياع البوصلة الرئيسية فلسطين، وهذا الأمر أفسح في المجال أمام إرهاب يضرب المنطقة باسم الإسلام والإسلام منه براء".

وتابع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق أن "أعداء الأمة ما برحوا يدأبون على تأجيج الخلاف الإسلامي/ الإسلامي واللعب على وتر المذهبية المقيت من اجل تحقيق مصالحهم ومصالح الكيان الصهيوني بهدف تفتيت المنطقة وإغراقها في حروب مذهبية وعرقية".

ودعا الحص من وصفهم بالعقلاء في السعودية وإيران وكل من في وسع ان يلعب دوراً ايجابياً إلى بذل الجهود الممكنة كافة وتغليب لغة العقل وتقديم الحكمة والتبصر لرأب الصدع وردم الشقة التي أصابت العلاقات بين الطرفين لتفويت الفرصة على المتربصين بمنطقتنا  ولما فيه خير الأمتين الإسلامية والعربية .

وختم الحص، داعياً إلى أن "تبقى فلسطين قضيتنا المركزية والقدس الشريف قطب الرحى ولن يكون هناك حل عادل ودائم ولا استقرار في المنطقة الا بتحرير كل فلسطين  وعودة أهلها إلى أرضهم."

جاء قرار السعودية الأخير بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران في وقت كان يعتقد الكثير من المحللين والمراقبين الدوليين أن الأخيرة ستبدأ باتخاذ منحى أكثر دبلوماسية في الملفات الشائكة التي تواجهها. وسبب هذا الاعتقاد يعود إلى سلسلة الإخفاقات الكثيرة التي منيت بها السعودية وحلفاؤها في المنطقة على كافة الجبهات مؤخراً. ولكن تبين ومن خلال القرار بإعدام الشيخ النمر ومن ثم قطع العلاقات مع طهران وتعليق الهدنة على الجبهة اليمنية أن السعودية اتخذت قراراً مخالفاً تماماً وهو الهرب إلى الأمام على أمل تحقيق النتائج التي ترجوها السعودية منذ سنوات.

وبالعودة إلى خلفيات القرار السعودي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، يؤكد محللون أنه أتى في لحظة تسرع وتخلي ولا يعبر سوى عن حجم الإرباك الكبير الذي يعيشه آل سعود هذه الأيام. ويأتي في سياق الكثير من القرارات السعودية الخاطئة والمآزق التي أقحموا أنفسهم بها. وتكتيكيا جاء القرار للتغطية على جريمة إعدام الشيخ النمر التي هزت العالم. إلى درجة حتى أمريكا والدول الغربية بالإضافة إلى المنظمات الحقوقية وجدت نفسها مجبرة على التنديد بهذه الجريمة البشعة.

أما على صعيد ما سيترتب على قطع العلاقات مستقبلياً إن كان سياسياً أو اقتصادياً أو أمنيا فالمؤكد في ضوء الأوضاع الحالية أن السعودية ستكون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة التي أقحمت نفسها بها. فاقتصادياً تعيش السعودية ودول الخليج بشكل عام وضعا اقتصادياً يمكن وصفه بالصعب والاستثنائي. نظراً إلى تدني أسعار النفط عالميا إلى حدود غير مسبوقة. وهي لعبة سعودية بالأصل هدفت من خلالها الأخيرة إلى الضغط اقتصاديا على إيران، وقد فشلت فشلاً ذريعاً وانقلب السحر على الساحر وأصبحت اليوم هي المتضررة الأساسية من هذه اللعبة. وأما من الجهة الإيرانية فقد اعتادت إيران على الحصار الاقتصادي وتخطت مرحلة الاكتفاء الذاتي منذ سنوات. كما أن حجم التبادل الاقتصادي فيما بينها وبين السعودية ليس بمقدار يمكن أن يشكل خطرا على الاقتصاد الإيراني. وأما نفطيا فقد تخطت إيران خلال السنوات الأخيرة الماضية مرحلة الاقتصاد النفطي بفضل السياسة السعودية (التي انقلبت عليها) بإغراق الأسواق العالمية بالنفط السعودي الرخيص. ومن ناحية أخرى فان إيران اليوم أمام وفود اقتصادية دولية وأوروبية بالخصوص، تقف صفاً على أمل الانفتاح الاقتصادي على إيران بعد رفع العقوبات عنها.

أما من ناحية التأثير السياسي على الوضع الإيراني في المنطقة. يؤكد متابعون للشأن الإيراني أن الجمهورية الإسلامية أصبحت اليوم في حل من أمرها أمام الإعلان السعودي الصريح عن الحرب اتجاه طهران. فبعد التطور الأخير لم تعد طهران ملزمة باحترام النفوذ السعودي ومراعاة مصالحه في مناطق النفوذ المشترك بين الطرفين.

طبعاً من الجيد الإشارة إلى أن دولاً مثل البحرين والسودان قد أعلنتا قطع العلاقات الدبلوماسية أيضاً مع طهران وذلك تماهياً مع القرار السيادي السعودي. ونقول السيادي لأن الدول المذكورة لا تتمتع بسيادة على قراراتها التابعة بشكل كامل للسياسة السعودية. ومن المؤكد أن المتضرر الأكبر ستكون نفس هذه الدول وخصوصاً البحرين التي تعيش أزمة مشروعية في الحكم. والتي لطالما لعبت الدبلوماسية الإيرانية ومن خلال نفوذها القوي داخل الشعب البحريني دوراً كبيراً في المحافظة على سلمية التحركات الداخلية البحرينية.

وبالإضافة إلى الدول المذكورة أعلاه كانت الإمارات الدولة الثالثة التي بقيت حذرة في قرارها. حيث أعلنت تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي دون قطع العلاقات مع طهران. وفي ذلك مغازلة للسعودية دون الانجرار إلى قرار يعلم حكام الإمارات أن أضراره على المستوى الاقتصادي أكبر من قدرتهم على تحمله. وخصوصاً خلال هذه المرحلة الحساسة اقتصادياً لدول الخليج.

وخلاصة المشهد أن السعودية وأتباعها ممن قطعوا علاقاتهم بطهران. قد فتحوا على أنفسهم جبهة إضافية ليس بمقدورهم التحكم بمسارها. فإيران التي عاشت حصاراً عمره من عمر تأسيسها وعانت في بدايات صعود ثورتها من حرب كاسحة من قبل نظام صدام حسين المدعوم آنذاك من نفس البلدان التي قطعت علاقاتها بإيران اليوم. قد تخطت تلك المرحلة وأصبحت دولة نووية باعتراف دول العالم الكبرى. وكما عادت السعودية وغيرها خائبة سابقاً إلى فتح علاقات مع إيران ستعاود الكرة مجدداً. طبعاً هذا في حال بقيت هذه الدول والممالك على حالها وسط الأزمات التي تتخبط بها داخلياً وخارجياً.

أبعاد وانعكاسات

عقب جريمتها بإعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر وبعد الانتقادات الشعبية والرسمية الإيرانية الواسعة التي وجهت للسعودية تنديداً بهذه الجريمة قامت الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في محاولة لخلط الأوراق من جهة، وفتح جبهة جديدة ضد إيران من جهة أخرى.

وأثارت هذه الخطوة تساؤلات عدة حول الأهداف التي تسعى الرياض لتحقيقها في وقت تقترب فيه إيران من قطف ثمار نجاحها الدبلوماسي الذي تحقق مؤخراً بإبرامها الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1) الذي اعترف بحقها المشروع في الاستفادة السلمية من التقنية النووية ومهد الطريق لرفع الحظر المفروض عليها على خلفية الأزمة النووية مع الغرب.

ولتسليط الضوء على هذه الأهداف لا بد من الإشارة إلى ما يلي:

1 - يعتقد المراقبون أن التطورات التي حصلت في السعودية خلال العام المنصرم خصوصاً التغييرات الأساسية في المناصب العليا في البلد والعدوان الغاشم على الشعب اليمني تركت تداعيات سلبية كثيرة تسببت في خلق أزمات متعددة والتي تجلت بوضوح في الهزائم العسكرية التي منيت بها الرياض في اليمن والأزمة الاقتصادية الخانقة التي اضطرتها لرفع أسعار البضائع والخدمات لاسيّما في مجال الطاقة.

2 - الخلافات العميقة والمستمرة بين أقطاب الأسرة الحاكمة في السعودية خصوصاً بين وليِّ ولي العهد وزير الدفاع محمد بن الملك سلمان والأطراف الأخرى المناوئة له والتي تتهمه بالفشل في تحقيق أهداف الحرب على اليمن وتقصيره في إدارة الشؤون الاقتصادية التي كلفت خزينة البلد أموالاً باهظة دون طائل.

3 - يرى المحللون أن قيام السلطات السعودية بإعدام الشيخ النمر وعدد كبير من المعارضين لها يهدف في الحقيقة إلى التغطية على هزائمها المنكرة في اليمن ودعمها المفضوح للجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة لاسيّما في العراق وسوريا.

4 - يؤكد معظم المتابعين لشؤون المنطقة بأن السعودية شعرت بقلق شديد إزاء نجاح إيران في إبرام الاتفاق النووي مع المجموعة السداسية الدولية لاعتقادها بأن هذا الاتفاق سيمنح طهران فرصة ثمينة للعب دور سياسي أكبر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وسيمكنها في الوقت نفسه من زيادة دعمها لمحور المقاومة الذي يتصدى للمشروع الصهيو/أمريكي في المنطقة المسمى بـ" الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" والذي تعتبر السعودية أحد أركانه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرياض أعلنت مراراً استعدادها للتعاون مع الكيان الإسرائيلي للوقوف بوجه إيران ومحور المقاومة وقد ترجمت ذلك عملياً من خلال تعاونها مع تل أبيب في العدوان على اليمن، وإعلانها في وقت سابق استعدادها لوضع قواعدها وأجوائها في خدمة سلاح الجو الإسرائيلي لضرب المنشآت النووية في إيران.

5 - قامت السعودية بإعدام الشيخ النمر وعشرات المعارضين الآخرين لسياستها في هذا الوقت بالذات لوقف الحراك الشعبي الواسع والمتواصل في المنطقة الشرقية من البلاد والذي يطالب بإطلاق الحريات العامة لاسيما حرية التعبير عن الرأي ووقف الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين وإنهاء التمييز الطائفي بحق أهالي هذا المنطقة.

6- كانت السعودية تدرك جيداً أن إعدام الشيخ النمر سيثير موجة كبيرة من السخط والغضب في أوساط شعوب المنطقة ولكنها أقدمت على ارتكاب هذه الجريمة لتثبت مرة أخرى بأنها غير مستعدة للكف عن سياساتها الاستفزازية من جهة، ومصرّة على مواصلة لعب دور تخريبي ضد أمن واستقرار المنطقة من جهة ثانية. وهذا الأمر هو الذي دعا الشعب الإيراني وحكومته إلى توجيه انتقادات شديدة للرياض ووصلت حالة الغضب إلى اقتحام السفارة السعودية في طهران من قبل بعض المواطنين الإيرانيين. وعلى الرغم من مسارعة الحكومة الإيرانية إلى تطويق تداعيات هذه الاحتجاجات أقدمت الرياض على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران على الرغم من علمها بأن ما حصل هو ردة فعل طبيعية جداً تجاه جريمة إعدام النمر.

من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو جلياً أن الرياض بصدد تصعيد التوتر مع طهران على قاعدة (ضربني وبكى وسبقني واشتكى) التي تجيد السعودية استغلالها لإيهام الرأي العام بأن إعدامها للشيخ النمر شأن داخلي، في حين يعلم الجميع بأن هذه الجريمة تمثل خرقاً فاضحاً للشرائع السماوية والمقررات الدولية لحقوق الإنسان كونها طالت شخصية دينية سعت للدفاع عن حقوق المظلومين بالطرق السلمية وحظيت بدعم شعبي واسع إقليماً ودولياً.

وكان حرياً بالسلطات السعودية أن تتعلم من تجارب ودروس الماضي وتقدر عالياً صبر وحكمة القيادة الإيرانية وحرصها على تهدئة الأوضاع في عموم المنطقة ولا تلجأ للتصعيد باتخاذ إجراءات استفزازية خصوصاً وأنها تعيش أزمات كثيرة لا يمكنها التخلص من تداعياتها ما لم تعد إلى رشدها. فإيران أكبر من أن تستفزها مثل هذه الإجراءات وجديرة باتخاذ مواقف صائبة تتناسب مع مبادئها وأهدافها الإسلامية وحرصها الدائم على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

طهران ليست في وارد التصعيد

نقل المؤتمر الصحافي لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير عداء بلاده تجاه طهران من مرحلة  السر إلى العلن، لتدخل معه علاقات البلدين في نفق مظلم زادت عتمته بعد ركوب بعض الدول العربية "التابعة" للموجة السعودية في قطع العلاقات مع إيران، الأمر الذي فرض على أذهان العديد من أبناء الشعوب سواء العربية والإسلامية أو حتى الغربية سؤالاً أساسياً: من الرابح ومن الخاسر من قطع العلاقة بين البلدين؟

لا شك في أن المتتبع للسياسة الخارجية الإيرانية يلمس أن طهران حالياً، ليست في وارد التصعيد أو الخروج للعب حيث تريدها السعودية، بل إن مواقف طهران السياسية اتسمت ببرودة واضحة على العكس مما شاهدنا في الخطاب السعودي، فقد كرّر رئيس السلطة القضائية في إيران، آية الله صادق آملي لاريجاني الذي قال: "أن جمهورية إيران الإسلامية ليست بحاجة إلى السعوديين وأسيادهم وقطع هذه العلاقة لن يتسبب بأي مشكلة لها أبدا"، موقف بلاده السابق إزاء الأحداث المشابهة.

لم تكن هذه البرودة التي شاهدناها بالأمس أمراً جديداً على سياسة إيران الخارجية، فتجربتها الدبلوماسية سواءً  مع الخروج الأمريكي في بداية الثوّرة أو الخروج الأوروبي الذي تكرّر أكثر من مرّة كان آخرها الخروج الجماعي عام 2011 إثر اقتحام متظاهرين السفارة البريطانية اعتراضاً على السياسات البريطانية تجاه طهران، عندها أجابت إيران بالبرودة نفسها "كما خرجوا، سيعودوا"، وهو الموقف ذاته الذي صدر على لسان قائد الثورة الإسلامية آية الله خامنئي في كافةّ المواقف المشابهة: "إنهم ذهبوا من تلقاء أنفسهم، وسيعودون من تلقاء أنفسهم"، تماماً كما حصل إثر الاتفاق النووي.

إذاً، وقبل الولوج في حسابات الربّح والخسارة، لا يخفى على ذي لبٍّ أنه مهما علا سقف التصعيد السعودي فإن الرد الإيراني لن يختلف عما حصل مع "الكبار"، فكيف الحال إذا كانت السعودية الخصم، وبالتالي فإن كافة الضغوطات السعودية لن تدفع بطهران للاعتذار، وفي النهاية، إن أرادت الرياض أن تحذو حذو الدول الأوروبية، فطهران ليس من عادتها أن تغلق الأبواب أمام أحد، سواءً داخلاً كان أم خارجاً، لكن خلاصة التجارب المشابهة  تقول أن كافة الأزمات الدبلوماسيّة تعود إلى سابق عهدها، بفعل تراجع الدول التي تتسرع بمواقفها العدائية كسحب السفراء.

وأما بالنسبة لحسابات الربح والخسارة التي كانت العنوان الأبرز في الخطاب الإعلامي العربي والعالمي بالأمس، فالدول الأوروبية والغربية ليست، حالياً، في وارد الدخول مع إيران بصراع جديد، خاصةً أنها تخشى أن تُقلب الطاولة عليها في سوريا والعراق، لذلك لن تتخذ أي موقف عدائي تجاه من أيقنت فن دبلوماسيّتهم النووية في جنيف وفيينا لعيون أي دولة، وهذا ما سمعه الوزير السعودي عادل الجبير بالأمس من العديد من نظرائه الغربية إذ تكرّرت على مسامعه عبارة "ضبط النفس" من أكثر من مصدر.

إقليمياً، لم تتسم مواقف دول المنطقة بالوسطية في أزمات الشرق الأوسط منذ بدء ما يسمى بـ"الربيع العربي"، فلم يكن هناك من يمسك بالعصا من الوسط، لذلك فإن كافّة المواقف التي شاهدناها بالأمس، وعلى الخصوص من دول غير وازنة عسكرياً واقتصاديا وسياسياً، كالبحرين والسودان، لم تكن مستغربة لطهران، إلا أن الصدمة التركية التي تلقتّها السعودية كانت أشد وقعاً على الرياض من مواقف الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" والعديد من الغربيين، فلم تكتف أنقرة التي شاطرت قبل أيام الرياض في تأسيس مجلساً أعلى للتعاون الاستراتيجي بإدانة إعدام الشيخ نمر النمر، بل وضعت كل من طهران والسعودية في نفس خانة "الأصدقاء" الذين لا تريد اقتتالهم.

في مرحلة ما بعد قطع العلاقات، ستكون الإجابة الإيرانية على التهجم السعودي عبر تصدير دبلوماسية الخطاب الثوري، على العكس من الرياض التي تعتمد دبلوماسية "البترو/دولار" مع الحلفاء أو التابعين، دبلوماسية سريعة الذوبان لاسيّما مع ارتفاع الحرارة الاقتصادية السعودية التي أفضت إلى عجز يناهز الـ100 مليار دولار عام 2016.

خلاصة القول، إنه من نعم الله على طهران الحظر الاقتصادي الغربي الذي جعلها في عداد الدول النووية والمتقدّمة عالمياً، فهناك من يدأب ليل نهار لتحويل التهديد إلى فرصة، وبالتالي فإن التهجم السعودي سيكون بالنسبة إلى طهران فرصة ثمينة لتعزيز دبلوماسيّتها مع العديد من دول المنطقة، فضلاً تقليم أظافر الرياض في العديد من الساحات سواء اليمنية أو السورية أو العراقية، علّها تدرك فن "التعامل مع الكبار".

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة