الأزمة الليبية بين الإرهاب "الداعشي" و العجز السياسي

السنة الخامسة عشر ـ العدد 169 ـ ( صفر ـ ربيع الأول 1437 هـ) كانون الثاني ـ 2016 م)

بقلم: توفيق المديني

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

يزداد المشهد الليبي تعقيداً من يوم إلى آخر ومعه تتضاعف الأخطار المحدقة بالمنطقة والعالم انطلاقاً من ليبيا، التي أصبحت اليوم دولة فاشلة ومنهارة، ومرتعًا للمتطرفين من كل الجنسيات، ولاسيما من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، في ظل فشل جلسات الحوار وعدم التوصل لحلول توحد الأطراف المتنازعة أمام تضارب المصالح الداخلية والخارجية.

فالأزمة الليبية تشعبت في الداخل، وازدادت تعقيدًا بتدويلها الخارجي، حيث أن الجميع يسعى لمصالحه وليس لمصلحة الشعب الليبي. ولا يمكن لأي حل أن ينجح في ظل وجود الميليشيات المسلحة المنتشرة في عديد المدن الليبية، كدرنة، وبنغازي واجدابيا وسرت ومصراتة والخمس والزاوية وصبراتة والعاصمة طرابلس، وهي جميعا مدن ذات كثافة سكانية، ولهذه الميليشيات من يدعمها مالاً ورجالاً وسلاحًا من الخارج كتركيا وقطر. ولا يمكن لأي حل أن ينجح بينما يتم إغفال مليوني ليبي مهجر خارج ليبيا، وهم يشكلون ثلث عدد السكان، وزهاء مليون نازح في الداخل.ولا يمكن لأي حل أن ينجح والأمم المتحدة والدول النافذة فيها غير جادة في محاربة الجماعات الإرهابية المتطرفة كتنظيم "داعش" الإرهابي  الذي بات ينتشر ويتمدّد، ولا يمكن لأي حل أن ينجح مع عدم قدرة الليبيين على عقد مؤتمر جامع للمصالحة الوطنية لا يستثني أحداً، ويستهدف وضع الأسس والقواعد لمستقبل ليبيا دون تدخلات أو إملاءات خارجية، وبإرادة ليبية بحثة.

ليبيا تتحول إلى قاعدة خلفية لتنظيم "داعش"

في عهد الميليشيات المسلحة تحولت ليبيا إلى بؤرة للإرهاب تهدد شمال إفريقيا كله، من تونس إلى المغرب مروراً بالجزائر وموريتانيا، ويتحمل الغرب المسؤولية التاريخية عن واقع ليبيا الحالي. إن ليبيا في ظل الحكومة العاجزة، التي لا تحكم حتى في العاصمة طرابلس، أصبحت برميل البارود الذي يهدد بالانفجار في أي وقت، لأن الميليشيات المسلحة ترفض الانصياع لمنطق الدولة،وتريد إعادة تقسيم السلطة بين الميليشيات المسلحة، الأمر الذي يجعل ليبيا مهددة بالتقسيم إلى دولتين أو ثلاث دول، لاسيما أن بعض القبائل بدأت ترسم حدود هذه الدويلات.

في ظل هذا المناخ تمدد تنظيم داعش داخل الأراضي الليبية، و أصبح متمركزاً في مدينة سرت الساحلية التي أحكم السيطرة عليها. ويجمع المحللون السياسيون أن تنظيم "داعش" سيجعل من سرت منطلقا لإحكام قبضته على معظم الأراضي الليبية، لتكون ليبيا قاعدة جديدة له، لاسيما مع  وصول عدد كبير من المقاتلين الأجانب وعائلاتهم إلى سرت، في دليل آخر على عزم التنظيم تقوية وجوده داخل المدينة.ويشكل  تواجد هذا التنظيم المتطرف على ضفة البحر المتوسط المقابلة لأوروبا تهديداً جدياً لأوروبا، خاصة بعد أن نفذ هذا التنظيم سلسلة من العمليات الإرهابية في قلب العاصمة الفرنسية يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أسفرت عن مقتل 130 شخصاً. كما أن إحكام "داعش" سيطرته على مدينة سرت الإستراتيجية يعني أن التنظيم الإرهابي يقترب من تونس و يهدد حدودها الجنوبية الشرقية، ويقترب أيضاً من مصر ويهدد حدودها الغربية مباشرة.

وكان تنظيم "داعش" يسعى منذ فترة طويلة لنقل عملياته خارج سوريا والعراق وبات يسارع في الأمر خصوصاً بعد توالي الضربات الروسية جواً و الجيش العربي السوري و حلفاؤه من المقاومة متمثلة في حزب الله أرضاً، ضد قواته ومواقعه في سوريا. وكان الاتجاه السائد لديه والمعروف مسبقاً لدى المحللين أن هذا التنظيم الإرهابي والتكفيري يسعى لنقل مركز عملياته إلى ليبيا لسببين: الأول هو قرب ليبيا من شواطئ أوروبا، وبالتالي يسهل تقديم دعم لوجيستي لمقاتليه الذين يعتزمون تنفيذ عمليات في أوروبا على الجانب الآخر من المتوسط. والثاني هو وفرة الموارد المالية والنفط في ليبيا، فضلاً عن أن الوضع السياسي فيها معقد ومليء بالانقسامات وهو ما يساعد التنظيم على ترسيخ أقدامه.

وأدّى التدخل الروسي الفاعل في سوريا بالتنظيم للهروب بأنصاره لدول أخرى، بدأ بفرار بعضهم للموصل في العراق، وبنقل عناصره الأخرى، لاسيما من المقاتلين التونسيين إلى ليبيا عبر تركيا. لذا أصبحت ليبيا هي الهدف الأول"داعش"، الذي بات يسيطر على خط الساحل بطول 250 كلم في منطقة سرت، ويواصل التغلغل في عمق ليبيا للوصول إلى حقول النفط.

يمثل تنظيم "داعش" أحد أدوات الجيل الرابع للحروب. وما يفعله من إصدار بيانات حول سيطرته على سرت أو غيرها من مدن هو من قبيل الحرب النفسية التي تتعمد تضخيم مثل هذه الكيانات للعبث بالعقلية العربية وإلقاء الخوف والفزع فيها وتصوير مثل هذه التنظيمات الإرهابية كوحوش كاسرة تفتك بخصومها لتسهيل سيطرتهم على الدول العربية ونهب مقدراتها وثرواتها والعودة بها إلى ما قبل حرب 1973. لكن "داعش" عبارة عن واجهة لدول وجهات أخرى تسعى لتمزيق ليبيا وتحويلها لكانتونات وأقاليم يسهل السيطرة عليها والتهامها فيما بعد، ولو بعد 20 عاماً. كما يمكن من خلالها، وفق تَخَيُّل وتصور مَن وراء "داعش"، مهاجمة مصر وجعلها منكمشة داخل حدودها وإضعاف تأثيرها ودورها الإقليمي والعربي. فتنظيم "داعش" أصبح  ستاراً لجهات أخرى بالإشارة إلى الحصر النهائي لمقاتلي التنظيم والذي يكشف أنهم ينتمون إلى 27 جنسية (من آسيا وإفريقيا وأوروبا)، مذكّراً أن عددهم يتراوح من 22 ألفا ويصل حتى 70 ألفاً.

البنتاغون يؤكد مقتل زعيم "داعش" في ليبيا

أكدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) يوم الاثنين 7 كانون أول  2015، مقتل زعيم تنظيم "داعش" في ليبيا أبو نبيل العراقي. وأكد المتحدث باسم البنتاغون "جيف ديفيس" مقتل القيادي المعروف باسم "أبو نبيل"، بعد استهدافه في مجمع سكني في درنة، من خلال غارة جوية نفذتها طائرات إف-16  في تشرين  الثاني2014. وأوضح "ديفيس" أن قياديا آخر لحركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، قتل في غارة جوية أمريكية، واسمه "عبد الرحمن سندهير" ويعرف باسم "عوكش".

كما ذكرت شبكة سرت الإخبارية الليبية يوم الإثنين 7كانون أول  2015 أن عدد مقاتلي تنظيم "داعش" في مدينة سرت يبلغ حوالي 6000 إرهابي، منهم 860 ليبياً فقط، و5140 أجانب، ويتصدر التونسيون العناصر الأجنبية بـ2300 إرهابي تونسي، يليهم السودانيون بـ1455 إرهابياً وحوالي 1385 من جنسيات تشادية، نيجيرية، صومالية، سنغالية، مغربية، جزائرية، مصرية، سورية، أرتيرية، عراقية، يمنية، ومن بنغلاديش وباكستان. وأوضحت الشبكة أن هذه الإحصائية لا تشمل النساء والأطفال المجندين باسم "أشبال الخلافة"(1).

وفي سياق آخر أطلقت غرفة العمليات الجوية بالجيش الليبي عملية عسكرية جديدة أطلقت عليها اسم "عملية الشهيد علي الثمن" آمر غرفة عمليات الكرامة ببنغازي. وقالت مصادر ليبية إن العملية الجوية انطلقت يوم الأحد 6كانون أول  2015حيث استهدفت أربعة مواقع للتنظيمات الإرهابية بمدينة بنغازي وموقعين بأجدابيا. وأشارت هذه المصادر إلى أن العمليات الجوية استهدفت عدداً من العربات المسلحة كانت في طريقها عبر الطريق الصحراوي من أجدابيا إلى درنة شرق البلاد، إضافة لقتل عدد من مسلحي التنظيمات الإرهابية بمنطقة "الحليس" ببنغازي. وأضافت المصادر أن العملية العسكرية ضد الإرهاب تركز حسب مرحلتها الجديدة على تكثيف الضربات الجوية لخطوط إمداد تحاول المجموعات الإرهابية فتحها لتغذية مقاتليها سيما في محيط بنغازي وأجدابيا.

وأكدت تقارير إعلامية متطابقة يوم الثلاثاء 8 كانون أول 2015 وصول أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي إلى مدينة سرت الليبية بعد أنباء عن تحوله من سوريا إلى تركيا هربا من القصف الجوي الروسي.وأكدت صحيفة "الشروق" الجزائرية في عددها الصادر يوم الاثنين 7 ديسمبر2015 تردد معلوماتٌ بشكل واسع في سرت الليبية عن وصول، زعيم "داعش" المسمى أبو بكر البغدادي، يوم الخميس 3 كانون أول  2015 إلى سرت بشكل مفاجئ، ولم يصدر أي تصريح من قبل التنظيم أو مناصريه عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن ذلك، إلا أن الحديث يروج بشدة في الأوساط المحلية بسرت بعد أن لاحظوا أيضا تزامن الأنباء مع تشديد المراقبة وتكثيف الحواجز من "الملثمين". وترى بعض المصادر الليبية أن "زعيم داعش" الذي تحدثت أنباء عن تواجده في تركيا هروباً من الضربات الجوية الروسية والفرنسية المكثفة على معاقل التنظيم في سوريا والعراق، قد يلجأ فعلاً إلى سرت التي يسيطر عليها التنظيم بشكل كامــل وبها قاعدة "واغادوغو" المحصّنة بشكل كبير، ولا يمكن أن تتأثر حتى بالقصف الجوي لتوفرها على مساحة تحت الأرض تتسع لشاحنات. كما تأتي هذه الأنباء وسط تحركات كبيرة للدواعش في سرت الليبية من خلال انجاز حواجز وخنادق رملية وتخرّج دفعة جديدة من المقاتلين في جيش يسمى "أشبال الإسلام" يضم عناصر اغلبهم فتيانٌ أعمارهم بين 14 و18 سنة(2)

ليبيا  من الثورة إلى اللاّدولة

أتاحت الفوضى التي عمّت ليبيا بعد سقوط القذافي لأي جماعة أن تنشط كما تريد من دون أن يكون هناك من يردعها. وكان الإسلاميون المتشددون بالطبع من بين الذين استفادوا من سقوط القذافي، فأنشأوا معسكرات تدريب في عدد من المناطق لإنشاء جيل جديد من الإرهابيين المحترفين. وكان فرع القاعدة المغاربي هو المستفيد الأول من هؤلاء "الجهاديين" الذين يتخرجون من المعسكرات الليبية ويلتحقون بصفوفه، للقيام بعمليات إرهابية في داخل تونس، والجزائر ومالي، وغيرها من البلدان العربية والإفريقية. وأخيراً جاء دور تنظيم "داعش "الإرهابي، لكي يحول ليبيا إلى قاعدة خلفية للإرهاب في شمال إفريقيا وأوروبا.

وعانت ليبيا منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، صراعاً مسلحاً دموياً في أكثر من مدينة، ولاسيما طرابلس وبنغازي، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلاميين زادت حدته أخيراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته، الأول البرلمان في مدينة طبرق، ويحظى باعتراف دولي واسع حتى اليوم، على الرغم من صدور قرار من المحكمة العليا في طرابلس ببطلان الانتخابات التي أفضت إليه، وتنبثق عنه حكومة يقودها عبد الله الثني. أما الجناح الثاني للسلطة، فيضم المؤتمر الوطني العام "البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته أخيراً"، ومعه رئيس الحكومة المعلن من جانب واحد، عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش جاد الله العبيدي. ولا تزال الحرب في ليبيا مشتعلة، وهي حرب ذات طابع سياسي وتنافس على السلطة إضافة إلى حرب قبلية، الأمر الذي يجعل إمكانية الوصول إلى حل سياسي في غاية الصعوبة.

ومن هنا ينبع خوف دول جوار ليبيا، ولاسيما تونس و الجزائر من استمرار الحرب في ليبيا في ظل انعدام تسوية سياسية، إذ إن استمرار الصراع الأهلي على الوتيرة نفسها،يخدم مصلحة تمدّد "داعش" داخل الأراضي الليبية، ولاسيما أنه لا نية لحكومة طرابلس محاربة هذا الإرهاب التكفيري الوافد.. فتنظيم "داعش" يستقطب الآن أعداداً كبيرة من الشبان التونسيين والجزائريين من خلال شبكات التجنيد الناشطة في المناطق الجنوبية لكلا القطرين التونسي والجزائري، وهو يعمل لإيجاد موطئ قدم،مستفيداً من التوترات والأوضاع الأمنية الهشة في المثلث الليبي التونسي- الجزائري، ولاسيما أن البيئة في الجنوب التونسي والجزائري من الناحية الاجتماعية هشة جداً، وهو ما يتطلب مباشرة تحريات وتحقيقات معمقة لإحباط المخططات التي تستهدف زعزعة استقرار الجنوب التونسي والجزائري.

وليست هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها المقاتلون في ليبيا بما يسمى "الدولة الإسلامية" أو "داعش" فقد سبق لتنظيم "أنصار الشريعة" في ليبيا، الذي صنفته الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، إضافة إلى تنظيم جديد يسمى "مجلس شورى شباب الإسلام" في درنة أن بايعا "داعش"، ليذهب بعض الباحثين الأميركيين إلى حد توصيف درنة بأنها "ولاية إسلامية" تابعة لـ"داعش "،إضافة إلى ولاية "سرت" الإسلامية الحديثة جداً.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد نقلت عن مسؤولين في الاستخبارات الأمريكية تأكيدهم أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يتوسع حالياً خارج قاعدته في العراق وسورية لإقامة ميليشيات تابعه له في أفغانستان والجزائر ومصر وليبيا، ما يزيد من احتمال اندلاع حرب دولية على الإرهاب.وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها من واشنطن: إن مسؤولي الاستخبارات يقدرون حالياً عدد مقاتلي "داعش" في سورية والعراق بين 20 و31 ألفاً، بينما قال أحد مسؤولي مكافحة الإرهاب الأمريكيين ـ والذي رفض الكشف عن هويته ـ إنه ربما ما لا يقل عن مائتي ألف من العناصر المتطرفة الأخرى أعلنوا عن بيعة غير رسمية لدعم التنظيم الإرهابي في دول مثل الأردن ولبنان والمملكة العربية السعودية وتونس واليمن، ويرجح مراقبون أن مئات من التونسيين ينشطون ضمن تنظيم "داعش" الإرهابي بحسب مصادر أمريكية.

ويظل المخرج الوحيد للخروج من الأزمة الليبية، يكمن في الدعوة إلى تشكيل حكومة وطنية في ليبيا مشهود لها بالديمقراطية والنزاهة لإدارة البلاد ما بعد الثورة، تكون مهمتها الأساس العودة بالبلاد إلى الحياة الدستورية والمؤسساتية عن طريق دعوة الجمعية الوطنية تأسيسية بإقرار دستور ديمقراطي عصري، وإحداث التعديلات المناسبة حياله، وعرضه على الشعب الليبي في استفتاء عام، والعمل على بناء الدولة الوطنية للحيلولة دون تقسيم ليبيا.وتتنافس حكومتان على السلطة في ليبيا بعد أكثر من ثلاث سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي. وتدعم جماعات للمقاتلين السابقين الذين ساعدوا في الإطاحة بالقذافي الحكومتين.ولا يعترف المجتمع الدولي سوى بحكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني التي تباشر عملها من الشرق منذ سيطرة ميليشيات "فجر ليبيا "على العاصمة طرابلس في آب 2014، التي أعادت إحياء المؤتمر الوطني العام وهو البرلمان المنتهية ولايته وشكلت حكومة موازية ما أجبر السلطات المعترف بها دوليا على اللجوء إلى شرق البلاد.

في ظل هذه الحرب المشتعلة على السلطة في ليبيا، انتهت الجولة الرابعة للحوار الليبي في الصخيرات بضواحي الرباط  في شهر نيسان 2015، بإحراز تقدم في المباحثات بين الفرقاء السياسيين. وكان الحوار الليبي بدأ مشواراً طويلاً من المفاوضات، في غدامس الليبية برعاية أممية نهاية شهر أكتوبر لسنة  2014، أعقبه مفاوضات في السودان والجزائر وجنيف الأولى والثانية والجزائر ثم المغرب وتحضيرات في الجزائر قبل أن تعقبها 4 جلسات في الصخيرات المغربية.وكانت بعثة الأمم المتحدة بقيادة  المبعوث الدولي ليون الراعية للحوار بين الفرقاء الليبيين، استمعت إلى بعض الملاحظات.

مصلحة تونس تكمن في البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية

انتهت المحادثات الليبية السرية التي جرت بتونس مع بداية شهر كانون أول 2015 بتوقيع وثيقة إعلان اتفاق وطني لحل الأزمة سياسيا،إذ يبدو أن تونس ضغطت على الأطراف الليبية المتنازعة للتوصل إلى حل ينهي الأرق الداخلي والإقليمي الذي تسبب فيه الصراع داخل ليبيا. فهناك تبريرات منطقية لهذا التدخل التونسي الذي يبدو أنه قد يفتح الطريق لبدء حوار جدّي بين طرفي النزاع في ليبيا لفض أزمة السلاح والمرور نحو حل سياسي يعيد بناء الدولة الليبية ويحقق استقرارها الداخلي. فتونس متضررة بالأساس من الانفلات الأمني في ليبيا ومن تسرّب الأسلحة والإرهابيين. كما أن ليبيا أصبحت وجهة للإرهابيين التونسيين للتدرّب على الأسلحة لتنفيذ عمليات في تونس. فآخر العمليات الإرهابيّة أثبتت أن الحزام الناسف الذي استعمله الإرهابي حسام العبدلّي في حافلة الأمن الرئاسي قادم من ليبيا هذا بالإضافة إلى الكشف عن العديد من مخازن الأسلحة في الأراضي التونسية التي ثبُتَ أنها قادمة من ليبيا. كما يتحصن في ليبيا إرهابيون تونسيون مورطون في قضايا أمن دولة وملاحقون من قبل السلطات الأمنية في تونس وفي مقدمتهم زعيم التنظيم الإرهابي سيف الله بن حسين (أبو عياض).

كان من المنطقي إذن أن تتجاوب تونس مع دعوة وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان دول جوار ليبيا إلى حلحلة الأزمة الداخلية الليبية بالدفع نحو حل سياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية تفادياً للانقسامات التي سمحت ببروز تنظيم الدولة الارهابيّة كخيار ثالث في ليبيا. ويعني الاستقرار السياسي في ليبيا الكثير بالنسبة لتونس فإلى جانب وضع حد للصراع المسلّح وللانفلات الأمني على الحدود وإنهاء صداع تهريب الأسلحة والإرهابيين سيسمح الهدوء والاستقرار بإعادة إعمار ليبيا وبعودة اللاجئين وبالتالي ثمة مصلحة أخرى اقتصادية واجتماعية ستتحقق لتونس.

يمكن القول إن إعلان تونس غلق حدودها البرية مع ليبيا بشكل مؤقت ولمدة أسبوعين كان بداية الضغط على طرفي النزاع الليبي لطرح نقاشات جدّية للتوصل إلى إعلان هذا الاتفاق الأولي الذي من المفترض إن تم تطبيقه أن ينهي أزمة الصراع خلال أسابيع قليلة وذلك بإعلان حكومة وحدة وطنية.

ويبدو أن تونس كانت بالنسبة لطرفي النزاع المكان الملائم للجلوس المشترك لفض أزمة الاقتتال الداخلي فتونس التزمت بالحياد تجاه الطرفين رغم كل الضغوطات وفضلت في أوقات عصيبة التعامل مع طرفي النزاع وافتتاح تمثيلية دبلوماسية للتعامل مع طرفي النزاع شرقاً وغرباً. ورغم كل ما حدث من ذلك اختطاف الطاقم الدبلوماسي من السفارة التونسية في طرابلس احتفظت تونس بحيادها تجاه الأزمة الداخلية في ليبيا وهو ما سمح لها بان تكون أرضا محايدة حيث جلس الفرقاء واتفقوا على إعلان اتفاق وطني لحل الازمة سياسياً(3).

كما مثّلت التجربة التونسية في إدارة حوار وطني لإنهاء الأزمة نموذجاً يمكن التسويق له في دولة الجوار ليبيا. فتونس أنهت أزمتها السياسية بين الفرقاء بحل وفاقي وبحكومة تكنوقراط وبتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية شفافة أدت إلى بناء المؤسسات السياسية الدائمة وبشكل ديمقراطي.. ويحق لتونس لعب هذا الدور فهي النموذج والاستثناء العربي الذي يمكن استنساخه للتوصل إلى حل سياسي في ليبيا. ويمكن القول إن مذكرة التفاهم الأولوية المعلن عنها في تونس ستلاقي الدعم الداخلي في ليبيا أيّا كانت التحفظات فهي الطريق لوقف إراقة الدماء الليبية ولوقف تدفق الإرهابيين على الأراضي الليبية مع تزايد الضربات العسكرية الموجهة ضد تنظيم الدولة الارهابيّة "داعش" وبالتالي وقف البركان الليبي الذي ستصيب حممه المنطقة الإقليمية وصولا إلى الداخل الأوروبي.

الليبيون يتفقون على تشكيل حكومة وفاق وطني في تونس

يومان من المفاوضات الماراثونية في الكواليس ثم في جلستين مطولتين بحضور الموفد الأممي في ليبيا مارتن كوبلر فكانت الحصيلة توافقاً سياسياً واسعاً حول ملامح التسوية السياسية بين الأطراف الليبية المتنازعة منذ سقوط نظام القذافي في أكتوبر2011. فقد اتفق وفدا الحوار الوطني الليبي، اللذان اجتمعا في تونس، يوم الجمعة 4 كانون أوّل 2015، على توقيع اتفاق نهائي لتشكيل حكومة وفاق وطني في 16 كانون أوّل 2015. وقال ممثل برلمان طبرق، محمد شعيب، خلال مؤتمر صحافي: "توافقنا جميعاً على أن يكون يوم 16 كانون أوّل 2015، تاريخاً لتوقيع الاتفاق النهائي لتشكيل حكومة وفاق وطني في ليبيا، بعد 14 شهراً من المفاوضات". وأضاف أنه "لا عودة إلى الماضي ولا عودة على هذا الحوار، ونتمنى من كل الليبيين احتضان هذا المقترح والالتحاق به". ومن جانبه، أكد نائب رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان في طرابلس)، صالح المخزوم، في المؤتمر نفسه أنّ " الحوار الذّي ترعاه الأمم المتحدة هو الأفضل، ولا بد من ضمان مستقبل ليبيا، وهذا الاتفاق سينعكس بالفرح والسرور على كافّة الليبّيين".

من الواضح أن الموفد الجديد للأمم المتحدة الألماني مارتن كوبلر حرص خلال لقاءاته القصيرة بالإعلاميين من جهة وبالسياسيين الليبيين والدبلوماسيين والسفراء من جهة أخرى أن يقدم انطباعاً يجمع بين مرونة الدبلوماسي وحزم الألمان.. بين الوسيط  الذي ينصح مخاطبيه بمختلف مواقعهم بوجوب حقن الدماء وتشكيل حكومة وحدة وطنية والمسؤول القوي الذي يهدد من يريد التمرد على الإرادة الدولية بكل السيناريوهات بما في ذلك فرض عقوبات والتعرض إلى تبعات وربما إلى عمليات عسكرية تقودها قوى دولية قررت القضاء على بؤر التوتر والإرهاب في ليبيا والمنطقة بدءاً من مراكز "داعش" وحلفائها التي انتشرت في قرى ومدن ليبية عديدة خصوصاً في جهتي درنة وسرت.. وإذا كان مارتن كوبلر أكد أن قطار التسوية السياسية انطلق منذ الاجتماع الأخير للفرقاء الليبيين في الصخيرات المغربية، فإنه سعى أن يبلغ مخاطبيه الليبيين والعواصم العربية والأجنبية التي تدعم الميليشيات المسلحة المتقاتلة أنه سيكون أكثر حزماً وصرامة من سلفه الاسباني برناردينو ليون.

بدوره قال المبعوث الدولي إلى ليبيا مارتن كوبلر، في المؤتمر الصحفي الذي عقده بتونس مؤخراً "حان الوقت للعمل من أجل وضع حد للأزمة الإنسانية في ليبيا، خاصّة مع وجود تنامٍ كبير للخطر الإرهابي وتوسع داعش". وأشار إلى أنه "كان هناك إجماع على توقيع سريع للاتفاق.. ومدينة بنغازي ذكرت عديد المرات (في الاجتماع) وقد حان الوقت لمعالجة هذا الوضع من خلال حكومة الوفاق الوطني". وأضاف أنّه "سيولي إحاطة بالموضوع اللّيبي لدى الأمم المتحدة، وأنه سينقل الاتفاق إلى مجلس الأمن، لأن قرار التوقيع يجب أن يكون له متابعة قوية كما أن الاجتماعات ستتواصل في روما.والأحد 6كانون أول 2015، أعلن الطرفان الليبيان في مؤتمر صحافي، توصلهما إلى اتفاق مبدئي لإنهاء النزاع القائم بينهما بعد مفاوضات "سرية"أجريت أخيراً في تونس العاصمة.

ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي باولو جينتيلوني، عن استضافة روما مؤتمراً دولياً حول ليبيا في 13 كانون أوّل 2015، لإقرار حكومة الوفاق الوطني في البلاد، في سبيل مواجهة خطر "توسع تنظيم داعش". وكان وزير الخارجيّة التّونسي الطّيب البكوش، قال مؤخراً، خلال حضوره اجتماعات الأطراف الليبية في تونس إنه "سيتم في القريب العاجل عقد مؤتمر لدول جوار ليبيا (لم يحدد تاريخه بعد)، لأن القضية ليست مرتبطة فقط بالتوصل إلى حل في ليبيا وتشكيل حكومة، ولكن المهم هو ما بعد هذا الحل وما بعد الاتفاق، وهو ما سيتطلب جهوداً كبيرة.. ومن واجب دول الجوار، وفي مقدمتها تونس والجزائر ومصر، أن تساعد ليبيا فيما بعد الحل".

وعقب العملية الإرهابية التي استهدفت الأمن الرئاسي في قلب تونس العاصمة، وذهب ضحيتها 12 شهيداً و 17 جريحاً، في 24 تشرين الثاني2015، وجه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي رسائل واضحة إلى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بعد جريمة الهجوم على الحرس الرئاسي وطلب منهم باسم تونس التحرك لوقف الحرب في ليبيا والقضاء على الميليشيات المسلحة والمجموعات الإرهابية المورطة في الإرهاب في تونس وليبيا وكامل المنطقة. وقد تفاعل السفراء الأمريكي والبريطاني والفرنسي وزملاؤهم الأوروبيون مع الضغط التونسي، لأن كل العواصم الأوروبية تعلم أن مزيدًا من الهجمات الإرهابية على تونس بواسطة إرهابيين يستفيدون من غياب الدولة في ليبيا سيؤدي إلى تدفق مزيد من المهاجرين غير الشرعيين والإرهابيين من كل دول جنوب المتوسط نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

وحسب تأكيدات مصادر دبلوماسية وعسكرية تونسية وليبية وأطلسية لـجريدة  الصباح التونسية(4) فإن كل الأطراف السياسية المؤثرة في القرار السياسي في طرابلس وطبرق وفزان ومصراطة والزنتان... تلقت رسائل واضحة من الدول العظمى ومن دول الجوار وبينها تونس: إما التسوية السياسية والتعاون في الحرب على الإرهاب أو العودة إلى سيناريوهات بديلة قد يكون من بينها غلق كل حدود ليبيا مع جيرانها وإصدار عقوبات ضد القادة الليبيين المعارضين للحل السياسي ثم تنظيم عمليات عسكرية واسعة ضد كل الميليشيات والدروع   وكتائب الثوار. وفي الوقت عينه  مورست ضغوطات على الساسة الليبيين من كل الأطراف من بينها تحميلهم مسؤولية تدهور الأوضاع الإنسانية لغالبية الليبيين.. وتشديد الرقابة على تهريب النفط والأسلحة والسلع.. في مرحلة تراجع فيها احتياطي ليبيا من العملة الصعبة إلى حوالي 20% فقط مما كان عليه عام 2011 قبل انهيار نظام القذافي...

وتتوسط الأمم المتحدة منذ عام بين الحكومتين اللتين تتنازعان السلطة في ليبيا لإنهاء الصراع الذي دفع البلاد لحالة من الفوضى بعد أربع سنوات من الإطاحة بحكم الزعيم معمر القذافي.

ومن شأن التوقيع على الاتفاق أن يفتح الباب للمجتمع الدولي لدعم ليبيا في القتال ضد تنظيم "داعش" الذي حقق مكاسب ميدانية مستغلاً حالة الفوضى، وسيطر على مدينة سرت في غرب البلاد.

لكن متشددين قاوموا توقيع أي اتفاق ولم يتم الالتزام بعدد من المواعيد النهائية التي جرى تحديدها من قبل، بسبب إحجام المعارضين أو المطالبة بمزيد من التنازلات. ومنذ عام تسيطر على طرابلس جماعة "فجر ليبيا"، وهو ائتلاف لـ"كتائب الثورة"من مصراتة، وجماعات مسلحة أخرى في العاصمة بعدما اتحدوا لطرد منافسيهم.وشكل هؤلاء حكومة من طرف واحد وأعادوا البرلمان السابق المعروف باسم المؤتمر الوطني العام. واضطرت الحكومة المعترف بها دولياً ومجلس النواب المنتخب للعمل من شرق البلاد.

وحثت الأمم المتحدة المشرعين الليبيين الذين وقعوا اقتراحاً منفصلاً للسلام على دعم الاتفاق الذي تدعمه الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة في البلاد قائلة إن الخلافات المتبقية يمكن العمل عليها بعد توقيع الاتفاق. وبعد عام من المفاوضات اقترحت الأمم المتحدة اتفاقاً لتشكيل حكومة وحدة وطنية بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا إحداها في طرابلس والأخرى المعترف بها دولياً في الشرق. ولكل حكومة برلمان خاص بها. وتدعم قوى غربية مقترح الأمم المتحدة كحل وحيد للصراع الذي أعطى لمتشددي تنظيم "داعش" موطئ قدم في البلد المنتج للنفط.

وقبل معتدلون من الجانبين اقتراح الأمم المتحدة لكن متشددين يقاومون التوصل لأي اتفاق ينهي الصراع بعد أربع سنوات على الإطاحة بمعمر القذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي. وأعلنت مجموعة من المشرعين من المؤتمر الوطني العام في طرابلس ومجلس النواب المعترف به دوليا خلال مطلع الأسبوع في تونس اتفاقا منفصلا دون مشاركة الأمم المتحدة وقالوا إنهم سيطرحون هذا الاتفاق للتصويت في كلا البرلمانيين. وقال مبعوث الأمم المتحدة مارتن كوبلر في بيان صدر مؤخراً في تونس "أدعو كل من لا يزالون يعارضون إلى الانضمام للأغلبية.. المسائل المتبقية يمكن التعامل معها بعد تشكيل الحكومة الجديدة". وتابع قوله "اجتمعت مع الوفدين الذين وقعا إعلانا في تونس من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام. دعوتهما للانضمام إلى العملية. الشعب الليبي لا يملك رفاهية المزيد من التأخير"(5).

اجتماع دولي في روما لبحث الأزمة الليبية

احتاجت ليبيا حوالي خمس سنوات على اندلاع "ثورتها" لتعقد الدول "المعنية" بأزمتها، مؤتمراً بالعاصمة الإيطالية روما يوم الأحد 13 كانون أول 2015، بحضور مسؤولين من 16 دولة، ومن الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وشارك في هذا المؤتمر بالإضافة إلى وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، ونظيره الأمريكي، جون كيري والمبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، ممثلون عن الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا، بالإضافة إلى وزراء خارجية تركيا والسعودية وقطر وألمانيا ومصر والإمارات والأردن والمغرب وإسبانيا وتونس، ووزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني وممثلين عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. وترأس وزيرا الخارجية الأميركي، جون كيري، والإيطالي باولو جينتيلوني مؤتمر روما بشأن الأزمة الليبية لم يتمخض عنه علناً سوى دعوة ملحة لوقف إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما تبدو الضغوط تحت الطاولة كثيرة لحث أطراف هذه الأزمة على توقيع مقترح أممي تعتبر بنوده "بديهية" نظرياً، لكن تطبيقها على أرض الواقع دونه الكثير من العقبات. وتمثلت محاولات الضغط الدولية الأخيرة، بعدما استفحل خطر "داعش" على الجوار الليبي وأدت هجمات باريس الأخيرة وأزمة اللجوء إلى إعادة ليبيا إلى خارطة الاهتمام الأوروبي بشكل ملح، ليس فقط في بيان "روما"، الذي هدد بمعاقبة معرقلي الاتفاق، بل بحضور ممثلين عن برلمانَي طبرق وطرابلس المتنافسين في اللحظات الأخيرة، بعدما كانا وافقا يوم الجمعة 11 كانون أول 2015 أيضاً على المقترح الأممي لحكومة الوحدة تحت الضغط، على الرغم من صعوبة ترجمة الموافقة إلى نتائج ملموسة، في ظل الانقسام الحاد بين الشرق والغرب، وصعوبة إقناع الفصائل المسلحة بتسليم السلاح، وإمكانية عمل أي حكومة جديدة من العاصمة.

ودعت حوالي 20 دولة ومنظمة دولية في ختام اجتماعها إلى "وقف إطلاق نار فوري في ليبيا، وتشكيل حكومة وحدة وطنية سريعاً"، معتبرة أن تشكيل هذه الحكومة "التي سيكون مقرها في طرابلس أمراً ضرورياً للنهوض، بالتعاون مع المجتمع الدولي، بالتحديات الحرجة التي تواجهها البلاد في المجالات الإنسانية والاقتصادية والأمنية"، مشيرين بشكل خاص إلى "تنظيم الدولة الإسلامية ومجموعات متطرفة أخرى ومنظمات إجرامية ضالعة في كل أشكال التهريب، وخصوصاً البشر".

وأضافوا: "ندعو كل الأطراف إلى قبول وقف إطلاق نار فوري وشامل في كل أنحاء ليبيا"، مؤكدين مجدداً التزامهم بتقديم مساعدة "إنسانية". وحذر المشاركون من أن "المسؤولين عن العنف والذين يعرقلون ويقوضون الانتقال الديمقراطي الليبي سيدفعون ثمن أفعالهم"، وذلك بعدما كانت الأمم المتحدة قد هددت في تشرين الأول بفرض عقوبات ضد كل من يعرقل الموافقة على المقترح الأممي.

وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إنه "لا يمكننا السماح باستمرار الوضع القائم في ليبيا"، معتبراً أن ذلك "خطر على بقاء ليبيا وخطر على الليبيين، لاسيما أن داعش يعزز حالياً تواجده".

من جهته، اعتبر الوزير الفرنسي المكلف الشؤون الأوروبية هارلم ديزير أن تشكيل حكومة وحدة ليبية "أولوية قصوى للأمن الدولي خصوصاً في المتوسط"، لافتاً إلى أن "الجهات التي لا تساند الاتفاق يجب أن تتم محاربتها"، من دون توضيح كيف سيتم ذلك(6).

ويدعو اتفاق روما إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون 40 يوما، وستمهل الليبيين حتى أوائل شباط 2016 لتشكيل مجلس رئاسي. وباتت تسوية الأزمة الليبية مطلباً عاجلاً للقوى الإقليمية والدولية، إذ ساهمت متغيرات جديدة في تهيئة المناخ للإسراع بخطوات الحل.وتأتي أولى المتغيرات وهي الحرب الدولية على "داعش" خاصة بعد هجمات باريس، حيث يشكل تمدد التنظيم في الأراضي الليبية قلقاً من تنامي الإرهاب. كما يمثل تفكك الدولة الليبية وضجر المواطنين من تحكم الميليشيات في الأحياء وسكانها دافعا مهما لإعادة استقرار الدولة من جديد، فيما يشكل العجز غير المسبوق في موازنة الدولة سبباً ملحاً كذلك للعمل على إنقاذ الوضع المتدهور.

الأزمة في ليبيا اليوم أمام منعرج حاسم وليس أمام الأطراف الليبية ترف مزيد إضاعة الوقت بل ليس أمامها غير الانتصار للمصلحة الوطنية وتجنيب الأجيال القادمة كل مخاطر الضياع، والحديث لا يتعلق هنا بتلك الفئة المقتدرة التي وجدت لها في العواصم الغربية كل وسائل الحياة ولكن لتلك الفئة من الليبيين التي تمسكت بالأرض والعرض.. والأكيد أيضا أن النوايا الطيبة لا تصنع السياسة والأكيد أيضا في مختلف التجارب والأزمات أن كل الاتفاقات المدونة لا تصنع السلام إذا لم ترتبط بأفعال حقيقية لتغيير الواقع والخروج من حالة التشرد والتناحر واستباحة الأوطان وإضاعة الثروات... "سأبدأ من حيث انتهى سلفي برناردينو"... هذا ما صرح به المبعوث الألماني عندما تولى مهامه بعد استقالة سلفه الاسباني الذي اختار منصب المدير العام لأكاديمية الإمارات الدبلوماسية، بمعنى أن اتفاق الصخيرات في المغرب يبقى الحل المطلوب لإنهاء النزاع مهما تداخلت الاتفاقات وتضاربت التفاصيل.

سيادة ليبيا تبقى اليوم الخطر الأكبر وهي مسؤولة الأطراف الليبية قبل أي طرف آخر. ففي نهاية المطاف ما يهم القوى الخارجية المعنية بمسار الأزمة الليبية لا يتجاوز حدود ضمان مصالحها الجيو/إستراتيجية وضمان تدفق النفط بأقل التكاليف والتخلص من تداعيات سفن الموت واللاجئين، ومتى توفر لها ذلك سواء بقيت ليبيا موحدة او انقسمت، فإنها لن تهتم بشكل الخارطة الليبية...فقد سبق لرئيس الحكومة الفرنسي التصريح الإعلان بأن الحرب على "داعش" تشمل ليبيا، بما يعني وبالاعتماد على تجارب سابقة أن الغرب متى قرر التدخل في هذا البلد، لن يعجز عن استخراج القرار الأممي الذي يجيز له ذلك، ولكن الأخطر بعد ذلك كيف ومتى يمكن وقف ذلك التدخل.

هوامش

(1)- بينما الحوار الليبي معلق بين تونس والمغرب:6 آلاف "داعشي" يرتعون في سرت،صحيفة الشروق 8 ديسمبر 2015.

(2)- قادماً من تركيا: البغدادي يصل إلى سرت الليبية؟ صحيفة الشروق، 8 ديسمبر 2015

(3)- صحيفة الشروق التونسية 9 ديسمبر 2015

(4)-جريدة الصباح التونسية 9 ديسمبر 2015

(5)- المصدر السابق عينه.

(6)- مؤتمر "روما الليبي" يضغط لتشكيل حكومة وحدة، صحيفة السفير 14 كانون أول 2015 

اعلى الصفحة