الحماقة التركية.. وقواعد الاشتباك المستقبلي

السنة الخامسة عشر ـ العدد 168 ـ ( صفر ـ ربيع الأول 1437 هـ) كانون أول ـ 2015 م)

بقلم:الشيخ محمد عمرو

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

للأسف في بلادنا فقط ينتفخ المسؤول سواء كان رئيساً أو وزيراً أو نائباً أو... فتنفجر تصرفاته وأوامره وبالاً وناراً وخراباً على بلاده وشعبه وبالنتائج النهائية على أمته.

وقد ابتُلِيَتِ الأمةُ الإسلامية وخصوصاً العربية منذ مئات السنين بمثل هذه النماذج، والأشدُّ أسفاً هو أننا نبحث دوماً عن المبررات الشرعية والقانونية وحتى العاطفية لمثل هكذا تصرفات وقرارات و" فرمانات" والشعوب هي التي تتكبد النتائج وتتحمل المسببات ويأتي من يدعوها إلى الصبر والتحمل والهدوء، وإن الله يعوضها الجنة، وإن التزامها بولاة أمرها على الرغم من حمقهم وجموحهم وفسادهم وظلمهم ونهب شعوبهم واستعبادهم و.."

على الرغم من ذلك كله، فإنّ على هذه الشعوب وحدها أن تتحمل كل الارتدادات السلبية لنتائج عمله ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

وما حصل أخيراً من قرار أردوغان بإسقاط الطائرة الروسية ليس إلا مثالاً صارخاً على ما تقدم.

فبكافة المعايير الدولية والحقوقية والاتفاقيات المرعية الإجراء والبروتوكولات المعمول بها لا يحق للنظام التركي أن يعترض طريق روسيا في عملها داخل الأراضي السورية. وذلك لأنها أتت بطلب رسمي من حكومة وقيادة منتخبة وأتت بقرار من مجلس الأمن الدولي الذي يبيح لها محاربة الإرهاب.

وأتت أيضاً لأن الآلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا قد جيء بهم واستُقدِموا من داخل القوقاز وقد قام معجزة آل سعود "بندر" بتهديد "بوتين" بهم، والعاقل هو الذي يكافح النار قبل أن تصل إلى داره.

وأتت أيضاً لأن أمريكا وحلفاءها عملوا فساداً وإفساداً في الشرق الأوسط. فتحت عناوين الربيع والشعارات الملونة والديمقراطية وحقوق الإنسان استباحوا البشر والحجر وأوجدوا فوضى عارمة، وفتن متنقلة(غب الطلب). وأشعلوا ناراً التهمت الكثير من الدول والبشر واستولدوا وحشاً مركباً "فرنكشتاين" باسم الدين يقتل ويحرق ويغتصب وينهب ويفسد.

ولأن خراب المنطقة وتفتيتها يريح أمريكا والصهاينة فقط ويقض مضاجع روسيا وأوروبا أيضاً وبقية دول وشعوب العالم دون استثناء كان لا بد من التحرك الروسي، وجاء هذا التحرك ليرفد الجيش السوري الذي كان يواجه مع حلفائه لوحدهم نار العالم "الديمقراطي"!!!.

أتت روسيا لهذه الأسباب ولغيرها، لتردع الإرهابيين وتوقفهم عند حدهم ولتسقط أحلام كبار المستكبرين وصبيتهم. وعندما بدأت عملها الجوي الدقيق والفعال، تعالت الصرخات وبان المستور.

فصرخت أمريكا وبريطانيا وقالوا بأن التدخل الروسي يضر "بالعملية السياسية"!!!! في سوريا. وقامت قيامة السعودية وصرخت علناً كما في الماضي بأنها هي من يموِّن ويمول المجموعات الإرهابية.

أما تركيا فهالها أن تُضرب مناطق نفوذها الداعشية في الداخل السوري وأن تفقد مجموعاتها الإرهابية الواحدة تلو الأخرى وأن يقفل خطوط النفط والآثار والسرقات تحت عنوان "الدفاع عن الشعب السوري"!!

وهكذا أراد أردوغان أن يرسم بالنار ـ كما يُقال ـ حدوداً لروسيا في سوريا، وأن يقول للروسي بأن الشمال السوري هو تحت الرعاية التركية وأن على روسيا حفظ المصالح الأردوغانية في سوريا.

وهكذا.. بحماقته وجنون عظمته.. ضرب الطائرة الروسية، ومنذ تلك اللحظة بدأت الوقائع تتالى أمام ناظريه.

واستطاع الروس أن يحولوا هذه الضربة إلى فرصة ليفرضوا الكثير من الأمور من أهمها:

1- السماء السورية كلها بالكامل من الحدود إلى الحدود تحت الرعاية الروسية (الرعاية بالنار). وهذا معناه سقوط أوهام وأحلام التقسيم عند الغرب وأذنابه، وأن سوريا واحدة.

2- إن السلطة الشرعية الوحيدة في سوريا هي القيادة السورية المتمثلة بالرئيس بشار الأسد.

3- أن أي اتفاق أو تفاهم أو تسوية يجب أن تمر إلزاماً بالرئيس السوري.

4- إن محاربة الإرهاب لن تكون إلا تحت إدارة محور روسيا- إيران- سوريا، وإن أي محاور أخرى ليست إلا ذراً للرماد في العيون وعاصفة من الغبار التي تحجب رؤية الحقيقية فقط.

5- إن المعركة على الأرض السورية لا تحسمها سوى النتائج العملية العسكرية، وهي التي ستحدد المستقبل والمصير، ليس لسوريا فقط بل للمنطقة بأكملها، وستسقط الكثير من الرهانات والأحلام والخيالات.

وأخيراً فإن الحماقة التركية الآردوغانية قد ساهمت بشكل كبير في إرساء قواعد الاشتباك المستقبلي وأن خارطة المستقبل لا ترسمها السياسة الأمريكية في المنطقة بل سترسمها سواعد المجاهدين الأبطال على الأرض من اللبنانيين والسوريين والعراقيين واليمنيين والإيرانيين وحلفائهم المخلصين.

اعلى الصفحة