العملية الروسية في سوريا والفرص الإستراتيجية الكامنة فيها لإسرائيل

السنة الخامسة عشر ـ العدد 168 ـ ( صفر ـ ربيع الأول 1437 هـ) كانون أول ـ 2015 م)

 ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مجلة نظرة عليا – مركز أبحاث الأمن القومي

بقلم: عاموس يادلين - الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية

يشكل الدخول الروسي إلى الملعب السوري نقطة تحول في حركة المستنقع السوري تحديداً وفي الشرق الأوسط بشكل عام. نقطة التحول هذه لا ترتكز بالضرورة على محاربة داعش، والذي باسمه دخلت روسيا على خط الأزمة، بل في احتمال تبعات الإجراء الروسي على المنطقة وعلى دولة إسرائيل.

فمن وجهة نظر حكومة إسرائيل، فإن التحديات الأخطر التي تواجهها على الساحة السورية، مصدرها حزب الله  وإيران، في حين أن التحديات الكامنة حسب وجهة نظرها في نظام الأسد وتنظيم داعش هي اقل خطورة. ومع ذلك، فإنه يجب النظر إلى نظام الأسد بأنه يقف من وراء التهديد المباشر الذي يمثله أمام إسرائيل. فالأسد هو الذي يسمح بوجود إيران وحزب الله وتعزيز قوتهما في سوريا وان طرده من الحكم هو المفتاح لإضعاف "محور التطرف" في الدولة. المنطق في الإجراء الروسي، مضمونه إستراتيجي، واتجاهه ومداه ليس واضحين بعد، ولكن من الواضح أن هذا الإجراء يضع إسرائيل أمام واقع يفرض عليها أن تدرس مجدداً مواجهتها لهذه التحديات، بالإضافة إلى الفرص الكامنة فيها.

التدخل الروسي – المضمون الإستراتيجي والفكرة الفاعلة

يثير التدخل الروسي في سوريا جدلاً في أوساط الباحثين والسياسيين بخصوص أهدافه الإستراتيجية، وللدوافع التي دفعت بروسيا للتدخل العسكري في سوريا والعمل بصورة مكشوفة وجلية. وذلك، على عكس الماضي، حيث اكتفت روسيا بدعم نظام الأسد عن طريق تزويده بالسلاح، والمستشارين، وبالمظلة الدبلوماسية. نظرة واحدة تفترض أن إنقاذ نظام الأسد هو فقط ذريعة لمضمون إستراتيجي أكثر اتساعاً، وفي مركزه – سعي روسيا بأن تكون دولة عظمى على الصعيد الدولي. حسب هذه النظرة، فإن روسيا مهتمة بأن تصبح لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط وتحديداً على ضوء الضعف المتواصل للولايات المتحدة. ونظرة أخرى تقول، أنه بالنسبة إلى روسيا فإن التدخل في سوريا هو هدف محدد، ومضمونه إعادة الاستقرار لهذه الدولة من خلال المحافظة على نظام الأسد والمس بصورة فعلية بالدولة الإسلامية – داعش، وبذلك من اجل تقليص التهديد الجهادي المحتمل ضد روسيا. هاتان النظرتان تفترضان معا أيضاً اعتبارات لها علاقة في الأزمة الاقتصادية في روسيا، وبالجمود في أوكرانيا ورغبة روسيا بكسر العزلة الدولية المحيطة بها ولرفع العقوبات المفروضة عليها.

من حيث المضمون الإستراتيجي للنشاطات الإستراتيجية الروسية في سوريا –يجب أن يؤخذ بالحسبان أربعة احتمالات رئيسية، يجب التمسك بمغزاها وبمنطق محتواها:

1 – "سوريا الصغرى جداً" – ضمان دولة علوية تحت سيطرة الأسد في غرب سوريا، من خلال المحافظة على مصالح الحد الأدنى لروسيا – موانئ على البحر المتوسط. ولكن على ضوء زيادة معدلات القوة الروسية على الأرض السورية مؤخراً، يبدو، أن الروس يسعون إلى إجراء أكثر اتساعاً.

2 – "سوريا الصغرى" – المحافظة على نظام الأسد في دمشق، ومدن حمص، حلب وحماة، من خلال جهد رئيسي لمحاربة قوات المعارضة في شمال سوريا وشرقها. والتقارير التي تتحدث عن تعزيز القوات الجوية الروسية بقوات خاصة ومتطوعين من شأنها أن تدلل على مثل هذه النية.

3 – "سوريا الـ2011" – إعادة نظام الأسد إلى جميع المناطق السورية على حدود العام 2011 والتطلع للنصر الحاسم ضد قوات المعارضة – وهزيمة عسكرية لداعش ولباقي المليشيات المعارضة للأسد. هذا الهدف البعيد يستوجب قيام روسيا بإرسال قوات أكثر، تشمل قوات برية تعمل بالتنسيق الوثيق مع الشركاء المحليين.

4 – "سوريا بدون الأسد" – على الرغم من أن موسكو تعمل للمحافظة على نظام الأسد في جميع السيناريوهات التي ذكرت أعلاه، إلا أنه لا يمكن استبعاد إمكانية أنها سوف تقبل تسوية، تدعو لاستبدال الأسد كرئيس لسوريا (المتبلور في لجنة جنيف 3، في حال عقدها)، ولكن بالمحافظة على أجزاء واسعة من نظامه. وفي هذا الإطار، يتم المحافظة على أجهزة الدولة بالتعاون مع الطائفة العلوية، والتي ستحظى بحماية في الاتفاق الذي سيحظى بغطاء من "المحور الراديكالي". وذلك، مع ضمان الممتلكات والمصالح الروسية في الدولة مع المصادقة على مكانة روسيا كلاعب رئيسي في تكوين سوريا المستقبلية.

من المبكر جداً تحديد إلى أين يتجه الإجراء الروسي في سوريا، وهل توجهه نحو قوة عسكرية محدودة، والتي تم نشرها لغاية الآن، يبرز إمكانية تحقيق الاحتمال الثاني "سوريا الصغرى". وفي مرحلة متأخرة جداً، يبدو أيضاً أن الروس يسعون إلى تحقيق الاحتمال الرابع "سوريا بدون الأسد". السيناريوهات الأربعة هي ذات إشكالية، بالنسبة لإسرائيل، لأنه وفي كل واحد منها يظل هناك تأثير وحضور إيراني في سوريا. ومع ذلك، فإنه في التوصيف الأول، فإن إيران بعيدة جداً عن حدود إسرائيل، وفي التوصيف الأخير، فإن النظام الجديد، بقيادة معارضة، سوف لن يشجع التعاون مع إيران وحزب الله.

فيما عدا تحليل المضمون الإستراتيجي، من المناسب دراسة هدف النشاط العسكري للقوات الروسية ومدى فاعليتها. فكما تعلمت الولايات المتحدة من الحملة الجوية ضد داعش، وإسرائيل في محاربتها ضد حماس في قطاع غزة والعربية السعودية في القتال في اليمن – قوة جوية فاعلة تعمل بناء على معلومات استخبارية نوعية وبكثافة فعلية. ولكن، معدل الانتشار الحالي للقوات الروسية، والمستوى الاستخباري الموجود لخدمتها سوف يجعل من الصعب القيام بعمل فاعل للقوات الجوية. ومع ذلك، فإذا تبنى الروس الأسلوب السوري وأنماط القتال السورية ولا يرون تقييداً في إمكانية المس بالمدنيين الأبرياء، عندها فسوف يكون النشاط الجوي الروسي فاعلاً جداً. وعلى الرغم من التصريحات حول حقيقة وجود قوات من "المتطوعين" من قبل روسيا على الأراضي السورية (تكتيك روسي معروف حول استخدام قوات برية بمعدلات منخفضة)، إلا أن ذلك لا يعني، أن موسكو تعتزم الاشتراك في القتال البري في سوريا. ومن يقوم بالمهمة على الأرض حالياً، هم 3 ألاف جندي إيراني إضافيين، الذين يتدفقون في الأيام الأخيرة إلى مناطق المعارك في سوريا بقيادة قائد قوات جيش القدس التابع لحرس الثورة الإيراني، قاسم سليماني، والذين ينضمون إلى مقاتلي حزب الله وللجيش السوري. من الممكن أن نرى بهذه التطورات "مقدمة" للأحداث اللاحقة، في إطار التحالف المتشكل بين روسيا وإيران وسوريا.

حالياً، فإن الهجمات الروسية موجهة بصورة أقل نحو داعش، وتتركز تحديداً ضد فصائل المعارضة، ومن بينها جبهة النصرة والجيش الحر. والى جانب التقديرات الفاعلة للهجمة الروسية، من المناسب متابعة قدرات المتمردين أيضاً وقدرتها على إلحاق الأذى بالقوات الروسية وفحص إمكانية تأثير الخسائر الروسية المتوقعة على تغيير الخطة الإستراتيجية الروسية بناء على تغيير الاعتبارات الفاعلة.

الإجراء الروسي في سوريا وإسرائيل – التحديات والفرص

منذ نشوب الحرب الأهلية في سوريا وإسرائيل ممتنعة عن التدخل فيما يدور هناك، وتعمل فقط ضد نقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله. هذه السياسة ذات إشكالية من الناحية الأخلاقية. بنظرة أمنية، فإن بقاء النظام عمّق من وجود حزب الله وإيران في سوريا بشكل عام وفي الجولان بشكل خاص. وإذا كان قبل ذلك يوجد أمل في انهيار نظام الأسد خلال الأحداث، ففي ظل غياب تدخل إسرائيلي، فإن الدعم الروسي الفاعل للأسد يضعف احتمال طرده.

وبناء على ذلك، فإن تحليل درجة التهديدات المحيطة بإسرائيل، تفيد أن داعش، الموجود حالياً بعيداً عن حدودها وقدراته العسكرية المحدودة حالياً، لا يشكل تهديداً إستراتيجياً على إسرائيل في الوقت الحالي. ومقابله فإن حزب الله المزود بقدرات متطورة، تسمح له بتغطية إسرائيل بالصواريخ والقذائف بعيدة المدى، من شأنه أن يتعزز أكثر في أعقاب الإجراء الروسي، في حال وصول أسلحة روسية متطورة إلى ترسانته أو يتم تزويده بها عمداً.

بالنسبة لإيران والأسد، فإن التدخل الروسي يعزز "مرة أخرى" الحاجة إلى دراسة القضية على مستوى المنظومة وليس بشكل منفرد. والمنظومة أو "المحور الراديكالي"، تشمل إيران، سوريا وحزب الله، حيث روسيا تشكل على الأقل لغاية الآن، غطاء للمحور. حيث أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أن استقرار نظام الأسد هو شرط لبقاء " معسكر المقاومة". وعليه، فإن إيران تستثمر جهودا عليا بهدف المحافظة على نظام بشار الأسد، من خلال الفهم، أن سوريا ضرورية وحيوية من اجل تحقيق إستراتيجيتها في مواجهة العالم العربي المعتدل، وإسرائيل، وخوفاً من أن طرد الأسد يمس بشكل درامي بـ"المعسكر" بشكل عام وبحزب الله بشكل خاص.

يتبادل الأطراف الأعضاء في المحور وروسيا المعلومات الاستخبارية وسير المعركة، والذي يعتمد عليها التنسيق بين القوات الجوية الروسية والقوات البرية لإيران – سوريا – حزب الله. ففي حال تحقق احد السيناريوهات الثلاثة الأولى التي ذكرت أعلاه، ونتيجتها بقاء نظام الأسد على حاله، فإن إسرائيل ستكون في وضع إستراتيجي بائس، حيث أن التدخل الروسي من شأنه أن يمنح ترخيصاً لنشاطات إيران في سوريا في السنوات القادمة، وكذلك بوجود قوات حزب الله المزودين جيداً بالسلاح الروسي، على أرض الدولة السورية.

توجد إسرائيل أمام تهديد من قبل طهران، التي تسعى لفرض هيمنتها الإقليمية. هذا التهديد يترافق مع محاولات إيران الاستمرار بالتزود بالسلاح النووي، وتطوير برنامج صواريخها (فقط مؤخراً، أفاد الإيرانيون عن تجربة صاروخ أرض - ارض ذو مدى بعيد جديد، وكذلك كشفوا عن نفق تحت الأرض يستخدم كقاعدة للصواريخ البالستية التي يبلغ مداها 1700 كيلو متر)، بالإضافة إلى خلق وجود عسكري على الحدود مع سوريا ولبنان. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل تمتنع لغاية الآن عن اتخاذ إجراء من شأنه أن يساهم في الجهد لإسقاط نظام الأسد وزعزعة الوجود الإيراني وحزب الله في سوريا. الطاقة الجديدة التي حقنت فيها روسيا الأزمة تخلق فرصتين أمام إسرائيل:

الأولى: تعزيز الشراكة مع الدول العربية في المنطقة وفي مقدمتها العربية السعودية وتركيا،  وبمشاركة وقيادة أمريكية. فالفوضى والإحباط الذي تشعر به هذه الدول على ضوء الإجراء الروسي الأحادي من شأنه أن يبرز إسرائيل كذخر إستراتيجي، وشريك مع منظومة القوى التي تساهم في إضعاف تهديد "المعسكر الراديكالي" بشكل درامي.

الثانية: في حال عدم النجاح في توجيه التحالف الغربي لعمل مشترك ضد الأسد وداعش في آن واحد، فعلى إسرائيل أن تسعى إلى تحقيق السيناريو الرابع  المتعلق بـ"سوريا بدون الأسد" ومضمونه تحقيق تسوية بمشاركة روسية.

على أية حال، فإن على إسرائيل الانضمام إلى الجهود الفاعلة لإسقاط نظام الأسد. وذلك، على أساس التفاهم الذي يتخطى الاعتبار الأخلاقي، بأن طرد الأسد سوف يحقق سقوطاً إستراتيجياً لإيران وحزب الله في الدولة السورية.  

اعلى الصفحة