اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الرابعة عشر ـ العدد 166 ـ ( ذو الحجة ـ محرم 1436 هـ) تشرين أول ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

بين الوهابية والإبداع الإنساني

على الرغم من أن الحديث عن الإبداع الإنساني بشكل عام، وخصوصاً الحديث عن الإبداع الفني والسينمائي، مع إنسان وهابي، أشبه ما يكون بالنفخ في قربة مثقوبة، ويتحول هذا الحديث إلى ما يشبه المحال، إذا كان المُخاطَب هو شيخ شيوخ الوهابية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية، خصوصاً لو كان موضوع الحديث عن فيلم "إيراني!!" وعن النبي(ص)!!، إلا أننا هنا ومن باب عرض الهموم الثقافية سنتحدث إلى أصحاب العقول الراشدة التي تسمع القول فتتبع أحسنه.

هناك عداء فطري بين الوهابية والإبداع الإنساني وكل ما هو جديد بشكل عام، وهذا العداء يتضاعف إلى درجة الهستيريا، لو كان هذا الإبداع إيرانياً، عندها لا تسمع في النقد الوهابي إلا عبارات الكفر والشرك والارتداد والفرس المجوس والروافض وهدم الدين وإلى آخر مصطلحات القاموس الوهابي المعروف.

بالأمس شنت الوهابية على المخرج السوري مصطفى العقاد وفيلمه "الرسالة" حرباً شعواء على الرغم من أنهم لم يروا الفيلم أصلاً، تحت حجة تبجيل الصحابة وعدم الإساءة إليهم من خلال تجسيدهم في أعمال درامية، وللأسف الشديد وقف الأزهر إلى جانب الوهابية في تلك الحرب، وبعد ذلك بسنوات يُقتل المخرج العبقري العقاد على يد رجل عراقي أميّ متخلف يحمل ذات الأفكار الوهابية التي طاردت العقاد في حياته..

واليوم تشن هذه الحرب مرة أخرى وبشكل أشرس وأقسى على المخرج الإيراني مجيد مجيدي وعلى فيلمه "محمد (ص)"، حيث اتسعت دائرة هذه الحرب من مجرد حرب ضد مخرج أو فيلم إلى حرب شعواء ضد المسلمين الشيعة وإيران، وهذه الحرب الشعواء كانت متوقعة لمن يعرف الوهابية، فإناء الوهابية لا يمكن إلا أن يرشح منه ما يرشح الآن، ولكن للأسف كرر الأزهر موقفه الداعم للوهابية، دون أن يتّعظ من موقفه السابق في رائعة مصطفى العقاد، فإذا كان هناك من يبرر للوهابية موقفها من كل إبداع إنساني سامي، بسبب تخلفها ومنشأها ورموزها، ولكن من الصعب أن يضع الأزهر نفسه في موقف يضعه إلى جانب الوهابية، وهو موقف تكرر كثيراً خلال العقود الأخيرة وللأسف الشديد، ما دعا محبي الأزهر الشريف في العالم أجمع يتوجسون خيفة من هيمنة الوهابية على الأزهر والحياة الدينية في مصر من خلال الدعم السعودي للأحزاب والجماعات السلفية الوهابية.

كما قلنا إن الهجوم الوهابي على فيلم محمد (ص) خرج، كعادته، من نطاق نقد فيلم، إلى هجوم طائفي في غاية السفه على الشعب الإيراني وعلى المسلمين الشيعة بشكل عام، فهذا كبير الوهابية والمفتي العام في السعودية ورئيس هيئة کبار العلماء فيها، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، في تصريحات لصحيفة "الحياة" السعودية الصادرة في لندن يصف الفيلم بأنه: "فيلم مجوسي وعمل عدو للإسلام.. هؤلاء يصورون شيئاً غير الواقع، فيه استهزاء بالرسول وحط من قدره.. هذا عمل فاجر، ولا دين له، وإنما تشويه الإسلام، وإظهار الإسلام بهذا السوء".

وأضاف شيخ الوهابية: "أن من أراد تبيان حياة النبي عليه بنشر سنته، وليس بعمل هؤلاء المفسدين.. لأن هؤلاء غير مؤتمنين والكذب عمادهم، وهم غير صادقين في أمورهم".

هذا كان موقف شيخ الوهابية من فيلم محمد(ص)، وهذا الموقف كاف للكشف عن حقيقة النظرة الوهابية للإنسان والحياة والإسلام ونبي الإسلام والمذاهب الإسلامية وللحياة بشكل عام، فالرجل كمشايخه مازال ينكر كروية الأرض، لا يعترف بالمرأة بأنها صنو الرجل ونصف المجتمع، وفي عداء مستمر مع كل شيء جديد حتى لو كان لا يتعارض مع الدين وفي خدمة الإنسان، والتاريخ شاهد على فضائح الوهابية المتمثلة بمواقفها من التلغراف والهاتف والمذياع والسيارة، معتبرين كل هذه الاختراعات من البدع، لذلك مازالوا يذبحون الناس بالسيف، فالإعدام بغير السيف بدعة، لذلك من الطبيعي جداً أن يكون موقف الوهابية من السينما ومن الإبداع الفني، كما عبر عنه شيخهم عبد العزيز.

المخرج الإيراني مجيدي، أكد وفي أكثر من مناسبة أنه تعامل مع شخصية النبي(ص) في الفيلم وفقاً لتوجيهات وإرشادات كبار العلماء من الشيعة والسنة، وأنه لم يكشف عن وجه النبي(ص) في الفيلم مطلقاً، وان هدفه الأول والأخير من إخراج هذا الفيلم، الذي يعتبر أكثر الأفلام كلفة في تاريخ السينما الإيرانية، هو التصدي للهجمة الشرسة التي يتعرض لها النبي (ص)، من جهتين في غاية التعصب والجهل والحقد، وان كانتا في الظاهر متعارضتان، إلا أنهما أضرتا كثير بالإسلام، وهاتان الجهتان هما الوهابية، وما تخرَّج من رحمها من الجماعات التكفيرية من القاعدة و"داعش" وأخواتهما، والجهة الأخرى هي المجموعات اليمينية المتهصينة في أوروبا والغرب، الذين ما انفكوا يتعرضون بالسوء لشخص النبي(ص) عبر الأفلام والرسوم المسيئة.

ترى هل هناك من فرق بين خطابات "داعش" والقاعدة وكل الجماعات التكفيرية، وبين رد شيخ الوهابية على فيلم المخرج مجيدي؟، نفس خطاب التخلف والكراهية والطائفية، والحقد الأعمى على الآخر وعلى العلم والإبداع والحضارة والتاريخ، إنه ذات الصوت النشاز القادم من الجهل والظلام، لذلك فإن كل ما تفعله "داعش"، هو تطبيق حرفي لما يدور في عقل شيخ الوهابية وأمثاله، وهو ما أكدته استطلاعات الرأي، التي أشارت إلى أن أغلب السعوديين، الذين غسلت الوهابية أدمغتهم، يعتقدون اعتقاداً جازماً بأن ممارسات "داعش"، التي شوهت صورة الإسلام وأساءت إلى نبي الرحمة (ص)، هي الأقرب إلى الإسلام الحقيقي!!.

يمكن اعتبار فيلم "محمد (ص)" للمخرج الإيراني مجيد مجيدي خطوة صغيرة على طريق طويل، لتصحيح صورة الإسلام السمح التي شوهتها الوهابية، حتى وصل الأمر بأحدهم إلى تأليف كتاب مطبوع في السعودية، يؤكد فيه وبشكل مستميت ضرورة هدم قبر النبي(ص)، فهو ليس إلا صنماً!!، كما أعلن الألباني الوهابي وبصراحة في كتابه "الجنائز"، أنه لا يصلي "في الحرم النبوي لوجود القبر فيه" ويطالب بإخراجه.

حقد الوهابية على النبي (ص)، الذي عادة ما يُستبطن تحت حجة الدفاع عن التوحيد الخالص الذي فرخ لنا "داعش"، وصل إلى مديات رهيبة، فهي تحرم الاحتفال بمولد النبيّ(ص)، وتحرم زيارة قبره، وفي ذلك قال بن باز إن كل الأحاديث التي تشير إلى ذلك (زيارة النبي) مكذوبة، كما اعتبرت السلام على النبي(ص) شرك وضلالة، والصلاة على النبيّ(ص) بعد الأذان بدعة، وحرمت السفر لزيارة قبر النبيّ(ص) ولو للحاج، كما حرم أحد كبار مشايخهم وهو ابن عثيمين القول إن النبي(ص) أشرف الخلق(!!).

هذا بعض جوانب النظرة المشوهة والجاهلية الحاقدة للوهابية، إلى اشرف الخلق وسيد الكائنات، ترى هل تركت الوهابية شيئاً للصهيونية من أجل النيل من الإسلام ونبيه(ص).

نحن ومن هنا ندعو جميع المخرجين في العالم، من الذين يشعرون خطورة الوهابية الجاهلية على الإسلام والمسلمين، أن يحذوا حذو المخرج مجيدي ومن قبله المخرج مصطفى العقاد ـ مقتول الوهابية ـ ، بإخراج أفلام تخاطب المسلمين وغير المسلمين، وتعكس الجانب الوضاء والإنساني لنبي عظيم وصفه ربه بأنه ﴿رحمة للعالمين﴾، وخاطبه بالقول: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وألا يخشوا من الهجمة الوهابية مهما كانت، فهناك مسؤولية جسيمة ملقاة على عاتق هؤلاء، لتعرية الوهابية كما تم تعرية الصهيونية. ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. 

اعلى الصفحة