اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الرابعة عشر ـ العدد 164 ـ (شوال ـ ذو القعدة 1436 هـ) آب ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

بين تعطل دور العقل، وتضخّم دور النقل

الكتاب: العلم والعقل ومرادفاتهما في القرآن الكريم
المؤلف: وضاح علي اليوسف
الناشر: مركز آفاق للدراسات والبحوث

 بالعقل ميّز الله تعالى الإنسان عن سائر مخلوقاته، وباستخدام العقل يتمايز الناس فيما بينهم، فمن اتجه لعقله أكثر، واستفاد من طاقته العظيمة، كان قدره أرفع، وحياته أثرى.

ولأن الإنسان قد يغفل عن هذه الهبة الإلهية الكبرى، حيث تصرفه عنها بعض نزعات تكوينه العاطفي، وتأثيرات محيطه الاجتماعي، وقد لا يدرك المنهجية الفضلى للتفكير والاستفادة من نور العقل، لذلك بعث الله أنبياءه برسالاته، لتوجيه الإنسان إلى عقله، وتعزيز ثقته به، ولتحصين الإنسان من الخضوع للعوامل السلبية الصارفة له عن الاهتداء بعقله، أو المشوشّة على تفكيره.

وواضح من آيات القران الكريم التأكيد على محورية العقل ومرجعيته في حياة الإنسان، وان رسالة الدين هدفها تحفيز العقل واثارة الفكر، ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[سورة يوسف، الآية:2]. ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[سورة الروم، الآية: 28]. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة النحل، الآية:44].

ويؤكد النبي محمد(ص) على أن الإنسان لا يدرك خيراً ولا يناله في هذه الحياة إلا بنور العقل، يقول  فيما روي عنه: (إنما يدرك الخير كله بالعقل، ولا دين لمن لا عقل له). ويقرر الإمام علي(ع) أن من الأهداف الرئيسة لبعث الرسل والأنبياء إثارة دفائن العقول، أي ما تختزنه العقول من طاقة وقدرة جبارة، لكنها محجوبة ومغطاة بركام الغفلة والجهل وضعف الثقة، وغلبة العواطف والأهواء، فيأتي الأنبياء ليوجهوا الناس لاستكشاف عقولهم، ولإنهاضها.

وهذا يقتضي أن يكون أتباع الشرائع الإلهية، هم أكثر الناس استنارة بعقولهم، واستفادة من طاقاتها الجبارة الهائلة.

لكن الواقع الخارجي يحكي حالة مباينة لهذا الافتراض، حيث ينشأ في أوساط المتدينين فهم خطأ للدين، يشكل أرضية لتجاهل العقل، والتشكيك في قدرته على إدراك الحقائق، ومعرفة سنن الكون والحياة، وأن ذلك كله من الغيب الذي لا يدرك إلا من خلال ما يقوله الدين، ومن ثم تُختلق مقولات دينية، أو تفسّر بعض نصوص الدين، بما يؤدي إلى تجميد دور العقل، وتعويق حركته في حياة الإنسان.

هذا ما حصل في أوساط اليهود والنصارى في القرون السابقة، والذين سادتهم الخرافات والأوهام، والتصورات الخطأ حول طبيعة الكون، وأنظمة الحياة، وأصبحت مسلمات مقدسة يعاقب من ناقش فيها أو خالفها بأشد العقوبات وأسوأ ألوان التنكيل.

لكنهم تجاوزوا ذلك في العصر الحديث، حين تمرد مفكروهم على هذا التدين المزعوم، وثاروا على تلك الأفكار البالية، فانطلقوا في رحاب العلم والمعرفة، واستفادوا من عقولهم في تطوير الحياة، وصناعة النهضة العلمية والتقدم التكنولوجي في مختلف المجالات.

ولم تكن أمتنا الإسلامية في مأمن من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، بل أصابها ما أصاب أمم الشرائع الإلهية السابقة، وتعطّل في معظم أرجائها دور العقل، وتضخّم دور النقل، ليغطي كل مساحات الحياة، بما يشوب هذا النقل من وضع وتحريف وتزوير وسوء فهم.

ومن يتأمل واقع الأمة الإسلامية اليوم يصاب بالدهشة والذهول، حيث تدار مختلف شؤون الأمة السياسية والاجتماعية، بواسطة الأعراف والتقاليد البالية، بعيداً عن منطق العقل ومعطيات التجربة.

وأشد ما تحتاج إليه الأمة اليوم، هو ما أكدّ عليه القران الكريم، من محورية العقل ومرجعيته، والعودة إليه لاكتشاف سنن الكون، واستخراج كنوزه وطاقاته، ولتنظيم الحياة وتطويرها في مختلف المجالات.

وبين يدي القارئ الكريم بحث علمي قيّم، يُعنى بهذا الموضوع الخطير، بذل فيه مؤلفه الكريم الأستاذ وضاح علي حسين اليوسف جهداً مشكوراً، لتسليط الضوء على مكانة العلم والعقل في كتاب الله المجيد. وهو رسالة لنيل درجة ماجستير الفلسفة من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن.

ومن سيقرأ هذا البحث سيقرأه بشغف وشوق، مستمتعاً بوضوح لغته، وحسن منهجيته، مقدراً للباحث اختياره الموفق لهذا الموضوع المهم، وحرصه على تحديد المصطلحات بدقة علمية، واستقراء جميع الآيات القرآنية الكريمة الواردة حول العلم والعقل ومرادفاتهما.

إن هذا البحث القيّم الجميل يكشف عن شخصية مؤلفه الواعدة، فهو مشروع باحث ومفكر جادّ، ربما سيكون له مستقبل مشرق بالرقي العلمي، والعطاء الثقافي. وفّقه الله للمزيد من الإنتاج والعطاء، خدمة للدين والمجتمع.  

اعلى الصفحة