حكاية فلسطين الجريحة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 163 ـ (رمضان ـ شوال 1436 هـ) تموز ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ خضر نور الدين

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

مذ كنت شاباً وككل عربي ومسلم غيور، أعيش محنة والآم الفلسطينيين، حيث كنت أمرُّ في مخيماتهم، لأرى المعاناة التي يعيشونها، ورأيت تمزقهم إلى فصائل تتقاتل فيما بينها، فصيل هنا وآخر هناك. مع اعتقادي أن الخلاف في القناعات والأفكار أمر عادي، إلا أن هذا لا يعني التقاتل بالسلاح لحل الخلافات.

وكلما كانت عملية فدائية ضد الصهاينة كان الإسرائيلي يُغير بطائراته يقصف المخيمات الفلسطينية القائمة على  الأراضي اللبنانية، ويتقدم لبنان بشكوى إلى مجلس الأمن، إلى حدٍ امتلأت أدراج مجلس الأمن الدولي منها، دون أية فائدة تُذكر.

وللتعرّف إلى الوضع الفلسطيني بشكل عام، كان لا بدّ من التوقف عند بعض المفاصل المهمّة التي مرّت بها القضية الفلسطينية. وفي البداية من الجيد التعرّض إلى الأسباب التي دعت الغربيين إلى صناعة الكيان الإسرائيلي في منطقتنا بعد تهجير أهل فلسطين في الشتات.

المصالح الإستراتيجية للغرب

1- وضع اليد على فلسطين يساعد على الإمساك بالمنطقة باعتبارها كما مر هي تمثل الرابط بين عرب  أفريقيا وعرب آسيا. ويساعد على تطبيق سايكس بيكو التي قسمت هذا العالم.

2- التواجد المباشر في فلسطين من خلال وجود الكيان يجعلهم أقرب من منابع الطاقة ( النفط والغاز في الخليج ).

3- منع توحد العرب، وذلك بعد أن رأى المستعمر الأوروبي رغبة العرب بالعموم التخلص من الاحتلال التركي لبناء وطن عربي واحد وبالتالي تشكيل قوة عظمى في المنطقة تهدد مصالحهم، فكان إيجاد الكيان الإسرائيلي لمنع تشكّل إتحاد عربي، خصوصاً مع وجود احتياطات مهمة من النفط والغاز في بلادهم، ووجود الطاقات الإنسانية القادرة على النهوض بأمتهم الكبيرة والغنية، ومع وجود تراث ديني مكّنهم في يوم ما من الوصول إلى قلب أوروبا.

4- إنشاء قاعدة أمنية عسكرية تابعة لهم. تغنيهم عن التواجد المباشر، لتحقيق مصالحهم.

5- في إطار التسابق على العالم بعد الحرب العالمية الثانية من قبل الدول العظمى، خصوصاً بين المنتصرين الكبيرين الأمريكي والروسي، فمن يمسك بفلسطين يمنع تواجد الآخر في المنطقة. وهذا واضح فيما عُرف بمبدأ الرئيس الأمريكي ترومان.

لمحة تاريخية

إن انتشار الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين، لم يكن مجرد عمل إنساني من قبل الغرب لصالح اليهود، في إقامة دولة لهم من خلال إعطائهم أرضاً تحت عنوان أرض المعاد، التي عملوا على إقامتها في أواخر السلطنة العثمانية أيام السلطان عبد الحميد. فالدول ليست جمعيات خيرية تعمل على الهبات، بل تعمل وفق منظومة مصالح إستراتيجية تعود بالنفع عليها.

وللوصول إلى المصالح الإستراتيجية المعروفة والتي اشرنا إليها، عمل الغرب بزعامة بريطانيا سابقاً على تجميع اليهود، بعد صدور وعد بلفور في 2 تشرين الأول عام 1917. ويذكر أنه في ذلك الوقت كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان.

وبعد احتلال بريطانيا وحلفائها خصوصاً فرنسا المنطقة وتقاسموا المنطقة، كانت فلسطين من حصة بريطانيا. وعلى الرغم من الكلفة التي دفعتها بريطانيا في مساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين وتسليحهم، وتدريبهم وحمايتهم في منطقة يتعاطف أهلها مع الشعب الفلسطيني، الذي طُرد من أرضه ليعيش لاجئاً في الأرض بلا هوية.

حاول بعض العرب مساعدة الفلسطينيين، الذين قاتلوا المستوطنين والمحتل البريطاني، حيث تشكّل جيش الإنقاذ بقرار من الجامعة العربية عام 1947، من المتطوعين العرب وأنيطت قيادته للضابط السوري فوزي القاوقجي.

وكان قرار تقسيم فلسطين الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1947، أعطى اليهود بموجبه 56% من أرض فلسطين و 43% للفلسطينيين وتدويل القدس.

رفض العرب والفلسطينيون هذا القرار، وأيده اليهود، إلا بعض العصابات اليهودية المسلحة وعلى رأسهم مناحيم بيغن، إلى أن كانت حرب 1948. حيث كانت بعد إعلان البريطاني عن انتهاء مرحلة الانتداب في 14 أيار 1948. وأعلن المجلس اليهودي عن قيام دولة إسرائيل بنفس اليوم. وبدأ الاعتراف بها دولياً من قبل أمريكا مع العلم أنه لم تكن حدودها محددة. وهذا دفع الدول العربية إلى إعلان الحرب على هذا الكيان.

وفي 26 أيار 1948، جمعت العصابات اليهودية لتشكيل الجيش الإسرائيلي، بأمر من ديفيد بن غوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية المؤقتة.

يذكر أن الجيوش العربية والمتطوعين العرب لمواجهة العصابات الصهيونية المدعومة من الأوروبيين. حققوا في البدايات انتصارات مهمة. وهذا عرضٌ مختصرٌ لما جرى.

- الجيش المصري: على الرغم من أن الجيش المصري كان من أكبر الجيوش إلا أنه كان يعانى من مشاكل في العتاد والتنظيم. ومع أنه حقق في البداية انتصارات إلا أنه تعرض للحصار في النقب. وكان من بين المحاصرين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، اللذان شكلا فيما بعد حركة الضباط الأحرار للثورة على الفساد، والتخاذل الذي تسبب في محاصرتهم وانهزامهم.

- الجيش العراقي: بعد تحريره لمدينة جنين، طرد منها المنظمات الصهيونية وعلى رأسها الهاجاناه وصل إلى حدود حيفا وحاصرها، لكن بأمر من قيادته السياسية في بغداد، توقف عن القتال ليتراجع.

- الجيش الأردني: كانت الجبهة الأردنية أقوى وأخطر الجبهات، فقد عبرت ثلاثة ألوية نهر الأردن في 16 أيار 1948، ثم ازدادوا إلى أربعة. وخاض ثلاث معارك كبرى في باب الواد واللطرون وجنين. واستطاع الحفاظ على القدس والضفة الغربية كاملة مع انتهاء الحرب. وقد قال بن غوريون رئيس الوزراء الكيان "لقد خسرنا في معركة باب الواد وحدها أمام الجيش الأردني ضعفي قتلانا في الحرب على الجبهات الأخرى".

- الجيش اللبناني: استولت قوات الجيش اللبناني على قريتي المالكية وقدس وفرضت الهدنة، ليتوقف فجأة عن القتال ليعود وينسحب. وتحصل مجزرة حولا اللبنانية.

- الجيش السوري: شاركت القوات السورية بلواء مشاة من كتيبتين وكتيبة مشاة ميكانيكية. فسيطرت على مستعمرة "مشمارهاربدن" وكذلك "روشبينا" و "هاشاها". إلى أن كانت الهدنة التي منعت الجيش السوري من التقدم. ويذكر أن اتفاقية الهدنة مع سوريا تأخرت عن الهدنة مع الآخرين.

- الجيش السعودي: شاركت فرقة من الجيش السعودي إلى جانب الجيش المصري. وخاض المعركة الأولى في بيت حانون وبعدها توجه إلى مستعمرة "بيرون إسحاق".

وبالعموم يمكن أن نقرأ أن سير المعارك كان لصالح الجيوش العربية، التي قاتلت بشراسة إلى أن جاءت بالعموم قرارات بوقف المعارك، دون أي سبب مقنع، ومن ثم الانسحاب والاتفاق على الهدنة لتبقى غزة والضفة الغربية بيد الفلسطينيين. دون أن يعمل على تشكيل حكومة للفلسطينيين. فكانت غزة تحت رعاية المصريين، والضفة الغربية تحت رعاية الأردنيين.

اتفاقيات الهدنة بعد الحرب في عام 1949

انتهت حرب 1948 بين العرب والعصابات اليهودية باتفاق على هدنة وقّعت تباعاً.

مع مصر كانت في 24 شباط 1949 ـ مع لبنان كانت في 23 آذار 1949 ـ مع الأردن كانت في 3 نيسان 1949 ـ مع سوريا كانت في 20 تموز 1949.

وهذا التفاوت في التوقيع يكشف عن التباين في المواقف العربية، بحيث توقفها من جانب واحد كان يفرض على الآخرين اللحاق به.

حرب 1967 واحتلال كامل فلسطين مع أراضي عربية أخرى

حيث خرج العرب بهزيمة نكراء خسروا فيها ما يقارب 70% من عتادهم العسكري. وانتهت بالاستيلاء على كل فلسطين واحتلال سيناء المصرية، وهضبة الجولان السورية، وانتهت بقرار من مجلس الأمن الدولي 242. بوقف لإطلاق النار والمطالبة بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود التي كانت قبل الحرب. دون ممارسة أية ضغوط على الكيان الإسرائيلي لتطبيقه ليبقى حتى الآن حبراً على ورق.

حرب 1973

بدأت بانتصارات على الجبهتين المصرية والسورية، وانتهت بخرق إسرائيلي للأراضي المصرية، واستعادة معظم  ما خسرته على الجبهة السورية. وأفضت إلى خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي بعد اتفاق كامب ديفيد في 17 أيلول 1978. وبقاء الوضع على الجبهة السورية وفق هدنة 1949. مع إدخال قوات دولية تحت عنوان حفظ السلام في المنطقة.

معركة الكرامة

حصلت معركة الكرامة عام 1968 التي اشتركت فيها القوات الأردنية إلى جانب  المجموعة الفلسطينية التي كانت في قرية الكرامة الأردنية، في مواجهة للقوات الإسرائيلية التي عبرت نهر الأردن. وسجّل الجيش العربي الأردني بطولات رائعة، بحيث انسحبت القوات الإسرائيلية مخلّفة خسائرها على أرض المعركة معترفاً بهزيمته، مع أنه عمل على إنزال مظليّين لمساندة القوة التي عبرت. ما اضطّر الإسرائيلي لطلب وقف إطلاق النار. وكان ذلك لأول مرة في حروبها مع العرب. قُتل فيها للإسرائيليين 250 جندي وجُرح لهم 450 في اقل من 18 ساعة قتال. وتم تدمير 88 آلية إسرائيلية بين دبابة وناقلة جند، بالإضافة إلى سقوط طائرة حربية. بينما سقط للجيش الأردني 68 شهيداً و68 جريحاً، وسقط للفلسطينيين 95 شهيد وحوالي200 جريح. ما حصل في هذه المعركة كان محطة مهمة، لو تمّ التوقف عندها لاستفادت منها الدول والشعوب  العربية. ولذلك يمكن للمتابع أن يقف متسائلاً، لماذا كان التراجع العربي حتّى مع ظهور ضعف الجندي الإسرائيلي.

أحداث أيلول الأسود

وفي عام 1970 كانت أحداث أيلول الأسود في الأردن، بعد أن أمر الملك حسين ملك الأردن قواته المسلحة لوضع حدٍ للعمل الفلسطيني المسلّح في الأردن. بذريعة أن هذا الوجود كان سبباً للاضطرابات الأمنية. وكانت معارك عنيفة جداً. وكما قال احمد جبريل في مقابلة تلفزيونية: "ذهب ضحيتها 4000 مقاتل فلسطيني وأكثر من 110 جنود أردنيين، و 1300 مدني"

مجزرة صبرا وشاتيلا

بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي لبنان، ووصوله إلى بيروت بشكل سريع دون مقاومة تتناسب مع القوى الفلسطينية واللبنانية التي كانت في الجنوب، كانت مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 أيلول عام 1982. التي استمرت ثلاثة أيام. حيث حاصر الجيش الإسرائيلي المخيمين، ارتكبت فيهما الميليشيات المارونية المعروفة بالقوات اللبنانية بقيادة ايلي حبيقة، الذي كان رئيساً للقوات اللبنانية بالتعاون مع الإسرائيلي، مجازر بحق الفلسطينيين المدنيين واللبنانيين الساكنين في المنطقة. قُدّرت أعداد الضحايا ما بين 750 و3500 قتيل من الشيوخ والنساء والأطفال والرجال.

الانتفاضة الفلسطينية الأولى:(انتفاضة الحجارة)

بعد الانسحاب الإسرائيلي من بيروت والجبل، بدا الفلسطيني باستعادة الأمل باستعادة أرضه وحقوقه، على الرغم من الإخفاقات التي عاشتها المقاومة الفلسطينية. حيث بدأت حقيقة الكيان الإسرائيلي تظهر بوضوح. وأنه لا يعطي أي حق لأصحابه إلا بالقوة.بدأ بالتحرك داخل الأراضي المحتلة. ففي يوم 8 كانون الأول عام 1987 بدأت انتفاضة للشعب الفلسطيني. وانطلقت من جباليا في قطاع غزة بعد أن أقدم سائق شاحنة إسرائيلي على دهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز إيريز الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. وامتدت إلى كل الأراضي الفلسطينية المحتلة. سقط فيها ما يقارب 1300 فلسطيني، وقُتل 160 إسرائيلي. وتوقفت بعد اتفاقية أوسلو عام 1993.

اتفاقية أوسلو

عُبّر عنها باتفاق مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي للفلسطينيين، وعُرف باتفاق غزة أريحا أولاً، وتمّ توقيعه في 13 سبتمبر عام 1993، بحضور الرئيس الأمريكي كلينتون، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس وزراء الكيان إسحاق رابين. وسمي باتفاق أوسلو نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية حيث جرت فيها المفوضات بين الجانبين. وكان شيمون بيريز ممثلاً للكيان ومحمود عباس، ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية.

والبارز فيها اعتراف واضح من قبل الفلسطينيين بالدولة الإسرائيلية، وحقها بالعيش بسلام. والاتفاق على اعتماد المفاوضات لحل المشاكل، مقابل اعتراف الكيان الإسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. مع نص إعلان مبادئ على إقامة سلطة حكم ذاتي انتقالي فلسطيني، وإقامة مجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات للوصول إلى تسوية دائمة بناءً على القرارين 242 و 338.

هنا أشير إلى أن الفلسطيني ذهب منفرداً في مساره التفاوضي بعد أن عُمل على فصل المسارات في مؤتمر مدريد. وهذا ما سهّل على الإسرائيلي التفرد بالفلسطيني، وعزله عن الجهات العربية المخالفة للتسوية، وبشكل خاص السوري.

الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000(انتفاضة الأقصى)

بدأت بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون إلى باحة المسجد الأقصى برفقة حرسه. الأمر الذي أدّى إلى تجمهر المصلّين الفلسطينيين والتصدي له، وذلك في 20 أيلول 2000. تميزت هذه الانتفاضة عن الأولى بكثرة المواجهات المسلحة وعنفها حيث دخل الجيش الإسرائيلي إلى جنين وغيرها وارتكب مجازر فيها.

يقدر عدد شهداء الفلسطينيين 4412 شهيد و 48322 جريح. وفي المقابل قتل 338 من عناصر الجيش الإسرائيلي، و 735 من المستوطنين و 4500 جريح. وأعطبت فيها 50 دبابة ميركافا وعدد من السيارات العسكرية . استمرت لخمس سنوات حتى 8 شباط 2005.

ويمكن القول إن السبب الأساسي لهذه الانتفاضة الإحباط الذي عاشه الشعب الفلسطيني بعد المماطلة الإسرائيلية بتنفيذ بنود اتفاقية أوسلو، والاستمرار ببناء المستوطنات، مع استمرار سياسة الاغتيالات والاجتياحات لمناطق السلطة الفلسطينية.

أدّت هذه الانتفاضة إلى تصفية ياسر عرفات وأحمد ياسين وأبو علي مصطفى وعبد العزيز الرنتيسي. مع تدمير للبنى التحتية التي كانت السلطة الفلسطينية قد بنتها، مع تدمير مؤسساتها، مع تدمير ممتلكات كثيرة للفلسطينيين وإقامة جدار الفصل العنصري.

مجزرة جنين واجتياح أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية

في1 نيسان عام 2002 اجتاح آرييل شارون الأراضي التي كانت تحت سيطرة السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو. وكان ذلك بعد تفجير حصل في فندق إسرائيلي في ناتانيا، وأثناء الاجتياح حصلت مواجهات شرسة في مدينتي نابلس وجنين أدّت إلى سقوط قتلى من أفراد الجيش الإسرائيلي، ما دفع بالقوات المحتلّة لاجتياح مخيم جنين وارتكاب مجزرة بحق سكان المخيم بحيث جاء على لسان تيري رود لارسن منسّق الأمم المتحدة "أن الوضع في مخيم جنين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أرجاء المخيم، يبدو كما لو أنه (المخيم) تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين جثثاً بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد أنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية " وقال رئيس البرلمان البرتغالي خوسية ساراماغو "... فالمعلومات والصور شيء والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هناك... يجب قرع أجراس العالم كله لكي يعلم.. إن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف..."

سقط للفلسطينيين في هذه المجزرة 58 شهيداً فلسطينياً، ومن الجانب الإسرائيلي 23 جندياً.

سير المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية العلنية المباشرة

1- عام 1991 كانت المفاوضات المباشرة في مؤتمر مدريد، بعد فصل المسارات التفاوضية، حيث كانت قبل ذلك مع الدول. وبذلك أتيح للإسرائيلي التفرد بالفلسطيني. وشارك الفلسطينيون بوفد كان رئيسه حيدر عبد الشامي وضم الوفد ما يعبر عنه بكبير المفاوضين صائب عريقات. واستمرت بعد المؤتمر المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وهذا أهم ما كان يهدف إليه الأمريكي في عقد المؤتمر. ويذكر أن رئيس الوزراء اسحاق شامير ذهب للمؤتمر تحت ضغط الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب.

2- عام 1993 تم التوقيع على اتفاقية أوسلو التي اعتبرت اتفاق مبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي. وكان بعد مفاوضات سرية قادها محمود عباس ممثلاً منظمة التحرير الفلسطينية. ووقّع في واشنطن من قبل ياسر عرفات اسحق رابين بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

نص هذا الاتفاق على إقامة سلطة حكم ذاتي، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، للوصول إلى تسوية دائمة بناءً على قراري الأمم المتحدة 242 و 338 بما لا يتعدى المرحلة الثالثة من الفترة الانتقالية. كما نصت الاتفاقية على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين.

3- عام 1995 اتفاق القاهرة في 24 أيار: ينص على قيام حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية يمهد لدولة فلسطينية مستقلة في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل.

4- عام 1995 اتفاق طابا في 28 أيلول: عرف باتفاق المرحلة الثانية حيث تعهدت إسرائيل بالانسحاب من 6 مدن عربية رئيسية، و 400 قرية عام 1996 وانتخاب المجلس التشريعي والإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين.

5- عام 1998 في 15 تشرين الأول، تم الاتفاق في واي ريفر بين الرئيسين بنيامين نتنياهو وياسر عرفات، ينص على الاتفاق على مبدأ الأرض مقابل الأمن . على أن تنفذ إسرائيل مرحلة جديدة من إعادة الانتشار في 13% من الضفة الغربية، مقابل قيام السلطة الفلسطينية بتكثيف حملتها ضد العنف .

6- عام 1999 في الرابع من أيلول في شرم الشيخ سميت باتفاقية واي ريفر 2، لأنه تم تعديل وتوضيح بعض نقاط واي ريفر1، مثل إعادة لانتشار للجيش الإسرائيلي، وإطلاق السجناء والممر الآمن، وميناء غزة، والترتيبات الأمنية.

7- عام 2002 أعدّت اللجنة الرباعية (الإتحاد الأوروبي، أمريكا، روسيا، الأمم المتحدة) خارطة عرفت بخارطة الطريق، وذلك للبدء في محادثات للتوصل إلى حل نهائي لتسوية سلمية من خلال إقامة دولة فلسطينية عام 2005.

وللعلم، هذه الخارطة أعدّت إبّان الانتفاضة الثانية المسلحة التي هزّت الكيان الإسرائيلي. الملفت فيها أن مصير الفلسطينيين بات بأيدي دولية لا مكان للعرب فيها بمن فيهم الشعب الفلسطيني.

8- عام 2007 وبدعوة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن لإقامة مؤتمر سلام للوصول إلى حل الدولتين. فانطلقت في أنابوليس مفاوضات بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي أيهود أولمرت، لتتوقف نهاية 2008 بسبب الحرب على غزة.

وبتغيّر الحكومة الإسرائيلية ومجيء نتنياهو، طلب الفلسطينيون العودة إلى المفاوضات فرفض نتنياهو وأطلق العنان لبناء المستوطنات.

بعد ذلك أعلن كبير المفاوضين صائب عريقات عن فشل 18 عاماً من المفاوضات وأكّد على وصول الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى استحالة إقامة دولة فلسطينية في عهد رئيس الحكومة نتنياهو.

وحاولت أمريكا معالجة المشكلة وعادت إلى اقتراح مفاوضات غير مباشرة للوصول إلى اتفاق. وافق الفلسطينيون ومعهم الدول العربية لكن الكيان الإسرائيلي أدار ظهره لهذا الأمر وأعلن عن بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس في آذار 2010.

عملية الرصاص المسكوب على غزة

في كانون الأول عام 2008 بدأ الهجوم يوم السبت في 27 بغارات جوّية شاركت فيها 80 طائرة حربية، استهدفت كل المقار الأمنية لحركة حماس، أدى إلى استشهاد أكثر من 100 من قوات الشرطة والأمن الفلسطيني على رأسهم اللواء مدير شرطة غزة توفيق حيدر، ومسؤول الأمن والحماية العقيد إسماعيل الجعبري، ومحافظ الوسطى أبو أحمد عاشور. و100 شهيد من المدنيين، ليكون بذلك اليوم الأكثر دموية من حيث سقوط ضحايا في يوم واحد من تاريخ 1948. لذلك عُرف هذا اليوم باليوم الأسود. وعند الساعة التاسعة من 3 كانون الثاني بدأ الإسرائيلي باجتياح برّي للقطاع بعد قصف عنيف من كل القطع العسكرية تخلّلها قذائف تحوي على اليورانيوم المنضّب والأسلحة الفسفورية المحرّمة دوليّاً. وكانت صواريخ المقاومة الفلسطينية تدك المستوطنات الصهيونية دون انقطاع، بحيث اضطر الإسرائيلي إلى تراجعه عن إكمال العملية العسكرية، للخروج باتفاق عبر المصري يقضي باتفاق على وقف إطلاق النار في 18 كانون الثاني 2009 بالشروط الفلسطينية بإعادة فتح المعابر وبانسحاب القوات التي كانت قد دخلت القطاع. وأسفرت عن سقوط ما يقارب 1200 فلسطيني بينهم 437 طفلاً و110 من النساء, الملفت في هذه الحرب أن وزير الخارجية المصرية وجّه اللوم لحماس وحمّلها المسؤولية، وكان رد من المتحدث باسم حماس فوزي برهوم أن مصر كانت قد أبلغت حماس قبل يومين أنه لن يكون هجوم على غزة.

عملية عامود السحاب على غزة

في 4 تشرين الأول عام 2012 كانت هذه العملية حيث بدأت باغتيال القائد العسكري في حماس أحمد الجعبري وتدمير مبنى رئاسة مجلس الوزراء ومبنى وزارة الداخلية في غزة. يذكر أن صاروخاً فلسطينياً ضرب القدس لأول مرة. وكذلك إلى تل أبيب. استمرت العملية لسبعة أيام ليحصل اتفاق وقف إطلاق النار سقط فيها 154 شهيداً فلسطينياً ومئات الجرحى. اللافت في هذه الحرب ظهور قدرات صاروخية عالية لدى المقاومة الفلسطينية.

عملية الجرف الصامد على غزة

في 2 تموز عام 2014  واستمرّت حتى 28 آب من نفس العام.كانت هذه العملية وكانت بعد جولة عنف حصلت بعد إحراق مستوطنين إسرائيليين للطفل الفلسطيني محمد ابو خضير في بلدة شعفاط في الضفة الغربية وإعادة اعتقال بعض الأسرى المحررين في صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، واشتدت بعد دهس إسرائيلي لاثنين من العمال الفلسطينيين قرب حيفا. وقد كانت قاسية في التدمير لأحياء سكنية سقط فيها عدد كبير من المدنيين شهداء أكبرها مجزرة حي رضوان. وبالعموم كان عدد الشهداء من الفلسطينيين 2174 بينهم 1743 مدنياً فيهم 530 طفلاً، و 302 امرأة، وسقوط 10870 جريحاً منهم 3303 أطفال قسم كبير منهم يعانون من إعاقات، و2101 امرأة. ومن الجانب الإسرائيلي70 قتيلاً بينهم 6 مدنيين و720 جريحاً. ويُذكر أيضاً سقوط 11 قتيلاً من الاونروا و23 من الطواقم الطبية و16 صحفي. وعلى الصعيد الإنساني أدّت إلى تهجير 100000 فلسطيني دون مأوى و17132 وحدة سكنية منها 2465 منزلاً مدمّراً كلياً. كما تم تدمير 62 مسجداً بالكامل و109 مساجد جزئياً، وتدمير كنيسة واحدة و10 مقابر للمسلمين. وإصابة 10 مستشفيات و55 قارب صيد و372 مؤسسة تجارية و222 مدرسة و6 جامعات و9 محطات لمعالجة المياه و18 منشأة كهربائية. بالعموم كانت هذه الحرب قاسية جداً على الفلسطينيين. مع صمت عربي مريب، وسكوت دولي مساعد للإسرائيلي في جرائمه. مع كثرة الحديث عن إعادة الإعمار لغزة التي تعاني بالأصل من ازدحام سُكّاني قبل ا لحروب عليها مع إغلاق للمعابر، لمنع دخول المواد المطلوبة لذلك. بحيث تُحاصر المقاومة تحت ضغط الذين فقدوا بيوتهم. بالإضافة إلى جعلهم يتحملون مسؤولية أي تدمير جديد يحصل، فيما لو قامت المقاومة في غزة بأي عمل عسكري ضد الكيان. والملفت هنا السكوت العربي الرسمي والغربي، بحيث يمكن فهمه أيضاً كرسالة ضغط لوقف الأعمال العسكرية.

وبالخلاصة يمكن القول إن التخاذل العربي الرسمي يتحمل المسؤولية في خسارة فلسطين منذ تمدد الصهاينة على الأراضي الفلسطينية، وبعده وإلى اليوم. والمسؤولين الفلسطينيين في الفصائل الفلسطينية المختلفة مدعوون للإفصاح عن كل من يتحمل مسؤولية في خسارة فلسطين بالأرقام والشواهد، بعيداً عن أي حسابات شخصية آنية. لأن الأقنعة سقطت وبانت الحقيقة لأي محلّل سياسي أو قارئ. وبنفس الوقت لإنقاذ الشباب الفلسطيني الذي يعمل قسم منهم في مشاريع بعض الدول المسؤولة عن ضياعهم.

كما يُمكن القول أن الحل الوحيد لاستعادة الحقوق المقاومة والمقاومة فقط. ولا يتوهمن أحد أن المجتمع الدولي يُمكن أن يضغط الكيان الإسرائيلي ليتنازل للفلسطينيين. لأن القارئ والمتابع للأوضاع الدولية سيصل حتماً إلى نتيجة مفادها أن المؤسسات الدولية المعنية عبارة عن دمية بيد الدول العظمى التي لا تعمل إلاّ وفق مصالحها. وبنفس الوقت تجربة فيتنام وكوريا وإيران وغيرها من الدول استطاعت التحرر من براثن المحتلين. وتجارب المقاومة الفلسطينية الأخيرة البطولية وتجربة المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان كشفت عن ضعف الإسرائيلي وهشاشة جيشه.

خاتمة

يمكن القول أن ضياع الفلسطينيين اليوم بعد المحن التي واجهوها، يفرض عليهم التوقف وإعادة التفكير في المسؤولية الملقاة على عاتقهم. لأن ما يجري في الوطن العربي ليس بعيداً عن قضيتهم. حيث أن من الواضح أن الهجمة القائمة في المنطقة لتفتيت الوطن العربي،  واضح أن الغاية الأساس منها ضياع القضية الفلسطينية. لأن الهجوم على محور المقاومة لإضعافه يستهدف محاصرة المقاومة الفلسطينية وإسقاطها، وجرّها للاستسلام والقبول بالعيش ضمن الكيان الإسرائيلي بعد الاعتراف به.

حيث أنهم يرون أنه فيما لو سقط محور المقاومة في الوطن العربي، من سوريا إلى إلى لبنان والعراق واليمن والبحرين، لن يبقى صوت داعم للمقاوم الفلسطيني. بل العكس كما نراه اليوم ستقوى الدعوة للاعتراف بالكيان الإسرائيلي.

هذا يفرض على الفصائل المقاومة أن تكون حاضرة في الميدان السياسي، بعد العمل على الوحدة الفلسطينية على الأقل بين الفصائل المقاومة. ومن ثم العمل  للدفاع عن كل صوت عربي ومسلم مقاوم قبل فوات الأوان بعيداً عن الانتماء الفكري والمذهبي. فلسطين فقط هي العنوان الجامع، ولا اهتمام بأي بلد تقيم علاقات مع الكيان . لأن ذلك يؤدي إلى الازدواجية، والتضاد. لا يمكن انتظار الخير لفلسطين من استسلم للإرادة الصهيو/أمريكية.

إنها مسؤولية تاريخية. وهذا يستدعي اليقظة الإسلامية والقومية. وإن كان ذلك يستدعي إعادة النظر في المواقف السياسية التي تركت آثاراً سلبية على مسار العمل الفلسطيني المقاوم، بعد تسجيله لانتصارات في الميدان في غزة خصوصاً. 

اعلى الصفحة