السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

لفاطمة شيءٌ من الوجد وكثيرٌ من الدمع

الشمسُ من ذهبٍ على سفح الغروبْ.‏.

وفؤادها المحمرُّ فوق الجمرِ‏ يسبحُ في مياه الليلِ قديساً‏ على قمرِ السهوبْ.‏.

الشمسُ من ذهبٍ..

وفاطمةُ لا تزالُ ترشُّ سنابلَ القمحِ الصغيرةَ‏ بالندى الورديّ‏..

فيما حزنُها النائي يُذيبُ سنابلَ الحقولِ‏ في أفقٍ من الخرّوبِ‏..

أو يشتقُّ كُحلَ الليلِ من أهدابِ طفلةْ.‏.

فاطمةُ شمسٌ مذهَّبةُ الضفائرِ في حقولِ المغربِ الشفافِ‏

أوجاعُها قصّةٌ رواها اليراعُ إبداعاً وصورْ..

أنينُها المكبوتُ غمامٌ صعبُ المراسِ لا يشفي غليل الأرض بالمطر

فاطمةُ شمسٌ غروبُها يعدُ اللحن الضائع بشروقٍ جديد

ترفعُها أكفُّ النايِ فوق أنينها المبحوح‏ِ

ثم يردُّها ألقُ الهلالِ العذبُ‏ عن مدى السماواتِ المخضَّبِ.‏.

والشمسُ من ذهبٍ على سَفْحِ الغروبْ.‏.

هل هذه الشمسُ المصابةُ بالفراقِ‏ محجّةُ الغرباءِ؟..

أم إيماءةُ الماضي التي يمشي الغريبُ وراءَها‏

ليرى رهابَ الموتِ‏ تحملهُ على الأكتافِ أجسادُ الندامةِ‏ منذ آلاف السنينْ؟!‏..

ليرى سوادَ الليلِ تحملهُ جموعُ المريميَّاتِِ‏ من المسيحِ إلى الحسينْ.‏.

أم أنها مُتعبّدٌ للصبرِ‏ عند نهايةِ الأمواجِ‏

يقصدهُ الغريبُ بقلبه الأبيض‏ ليجلسَ رائياً بين السكينة والسكينْ؟‏

متوحّداً بالناي‏ أسمعُ في المغيبِ تنهّدَ النائينَ..

ألمحُ في المدى‏ وجهاً جنوبياً يميلُ بحزنهِ المحروقِ‏ فوقَ مضاربِ البدو القدامى،‏

ألمحُ طفلةً تسرّحُ شعرها الأمواجُ‏ أمشاطاً لليلِ البائسينْ..

مخدوشةَ الخدَّينِ كالتفّاحِ من جهةِ الشروقِ‏..

كأنها ثمرٌ لأوجاعِ الطبيعةِ‏ قطّرتها من لُبابِ النايِ‏ نحلةٌ مجيدةٌ مرَّت،‏

وشمَّ أريجَها الناسكُ مذهولاً‏ بطعمِ الاحتضارْ!‏

هيَ من رأتْ في الليلِ يوسفَ‏ طالعاً كالبدرِ‏ (أجملَ من غروبِ الشمسِ)‏

نادتهُ‏ فلم تسمعْ سوى نغمٍ يذيبُ‏ نضارةَ الأزهارِ في ماءِ الشموعْ،‏

ويستديرُ على محيّاهُ الهلالْ!‏

هيَ من رآها الصبحُ‏ أصفى من شروقِ الشمسِ.. طافيةً طفولتُها على التفاحِ‏

ناداها فلم يسمعْ سوى‏ رجعِ التأوّهِ في الصدى

وتراكضَ الصبَّارُ في سهلِ الخيامِ‏ لينحتَ من دموعِ الحزنِ أنصابَ الظلالْ!‏

لكنما قمرُ المواويلِ اجتباها‏ وهي تغسلُ في مياهِ النهر صلصالَ الطفولة

إذ تراءتْ عضّةُ الشمسِ الصغيرةُ على خدَّيها لهُ..‏

حمراءَ كالتفاحةِ التي ما مسَّها ضوءٌ‏ ولا قطفتْها يدانْ!‏

مِنْ ذلكَ الماء الذي ينحلُّ‏ من فِطْرِ الصلاةِ الغضّ‏

تنبتُ زهرةُ الإبداعِ "فاطمةُ"‏ كصحنِ الأقحوانْ!‏

ورأى الورودَ بأمِّ عينيهِ‏ تطيّرُ من غبارِ الطلعِ أصدافاً لحزنِ الروحِ‏..

شاهدَ لونَها المخبوءَ في ألقِ الضراعةِ‏ طاهراً كالماء،‏ مرّاً كالبكاءْ.‏.

ورأى قصاصاتٍ مدلاةٍ على الأزهارِ‏ تقطُرُ من سلافِ الزهرةِ البيضاء..

كم حدّثَتْ فاطمةُ قلبها عن ياسمينها المخبوءِ فاردةً جناحيها‏ على زيتونةِ الوجعِ الجليلْ..‏ هي ابنةُ الصبرِ ورفيقةُ الوجعِ..

فكأنَّ من قهرتهُ أسبابُ الحياةِ‏ يظلُّ طولَ العمرِ كالفزّاعةِ الجوفاءِ‏ منفرداً كئيبْ!‏

وكأنّ من دخلَ البلادَ عاشقاًَ‏ لا بدّ أن يمضي وحيداً‏ حين يكبرُ حزنهُ،‏

ويُدَقُّ ناقوسُ المغيبْ!‏

وطفلةٌ محنيّةٌَ مثل الهلالِ‏ على غديرِ الليلِ..‏

راخيةً ضفائرها على أمواجهِ السكرى‏ كشلالِ الشموعْ.‏.

والماءُ ينضحُ بين يديها‏ جراراًَ من دموعْ.‏.

في غفلةٍ من قلبها‏ اهتزّتْ شجيرةُ فجرها المحمرِّ‏

فاسّاقطتْ من وجهها المبيضِّ‏ آهاتُ الدعاءاتِ الحزينةِ‏

بينما سالتْ دموعُ العينِ في حزنٍ وموسيقى‏ ليشربها الطلوعْ!‏

شاهدتها بثيابها البيضاءِ واقفةً‏ تيمّمُ وجهها جهةَ الشروقِ‏ كزهرةِ العبَّادِ،‏

يسقيها الحمامُ هديلَ عينيه الحزينَ.‏.

وتضيءُ في دمها النجومُ الزهرُ‏ أصيافاًَ مصفّاةَ الليالي‏

ثمّ تُشعلُ قلبَها مثلَ الشموعِ‏ لتملأ البلادَ قصاصاتٍ مذهبّةً‏ وتشعُّ مثلَما القمرْ.‏

هل هذه فاطمةُ.. شاعرةٌ.. مبدعةٌ طفلةٌ.. ملاكٌ؟..

يجري وراء دعائها العشاقُ‏ كي يتجرّدوا من يأسهم؟‏..

فاطمةُ شمسٌ مذهَّبةُ الضفائرِ في حقولِ المغربِ الشفافِ‏

أوجاعُها قصّةٌ رواها اليراعُ إبداعاً وصورْ.

 

اعلى الصفحة