الوطن العربي في خطر فهل نعمل على إنقاذه ؟؟؟

السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

بقلم: الشيخ خضر نور الدين

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

لفت نظري كلامٌ لأحد الصحفيين الغربيين أثناء تجواله لتغطية آثار الحرب الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت عام 2006. وعلى ما اذكر كان ألماني الجنسية قال: "لو أن شعبنا في ألمانيا يمتلك ما تمتلكونه كعرب لحكمنا العالم".

وبحسب خبرتي في العمل السياسي مع المقاومة منذ نشأتها، وبعد تعرفي على كثير من الأمور السياسية التي عاشتها منطقتنا العربية في القرنين الأخيرين. كنت أقف متعجباً ومتألماً في كثيرٍ من الأحيان، متفكراً في أسباب هذه المشاكل التي يعيشها الوطن العربي، على الرغم من امتلاكه لنعمٍ تنهض بالعالم كله وليس به فقط. وخرجت بنتيجة أوّلية، وهي انه نمتلك كل مقومات النهوض من وجود خيرات كثيرة في وطننا العربي الكبير في باطن الأرض وظاهرها، ومن وجود طاقات إنسانية غنية ومتعددة، وأهمية جغرافيتنا الإستراتيجية، وحضارة بناها لنا الإسلام العظيم. فالمشكلة ليست بنقص الإمكانات، بل في إدارتها بشكل يدفع بالأمة لتكون في مصاف الدول الكبرى. وبالتالي فإن المشكلة تكمن في المعنيين بإدارة مجتمعنا، وبالأكاديميين والنخب العلمية والثقافية. وذلك لغياب القيم الإنسانية من الكرامة والعزة والشهامة و... مع تقديمهم لمصالحهم الخاصة على مصالح الوطن والأمة، عند معظمهم، لقاء حفنة من المال.

إن وطننا العربي ينزف وبكثرة، من تونس إلى ليبيا ومصر، إلى اليمن والبحرين، إلى العراق وسوريا ولبنان، وفلسطين تتلاشى لكثرة جراحها، وتركها في ظلام العنصرية السوداء...وباقي العالم العربي منقسم بين هذا المحور أو ذاك متهاوياً متخاذلاً. وجامعتنا العربية تساهم في إذكاء النار لتبنّيها محوراً في مقابل الآخر. والكيان الإسرائيلي منتشٍ لأن هناك من يقوم عنه بالحروب دون أن يدفع أية كلفة تذكر... طبعاً الغرب مسؤولٌ عن كل ما يجري، ويتفرج بدم بارد. طمعاً في زيادة غلّته من خيرات بلادنا، بائعاً لأسلحة الدمار، مالئاً لجيوبه على حساب دمائنا. دفعني هذا الوضع إلى البحث عن الأسباب. فرحت اقرأ جغرافيتنا وتاريخ منطقتنا، خصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، وخرجت بنتيجة أن الاستعمار الغربي الذي جاء بعد التسلط العثماني على بلادنا، بمساعدة بعض الأمراء والمشايخ العرب، قد عمل على الإمساك بمفاصل المنطقة، بعد تقسيمها، وزرع الكيان الغدة السرطانية لمنع تواصل غرب الوطن العربي مع شرقه. وعمل على منع النهضة لهذا الوطن الكبير، التي كانت قد انطلقت في أواخر أيام العثمانيين، بعد وضع يده على كل الوطن العربي، وتقسيمه إلى ممالك وإمارات صغيرة محطّمة، لا قدرة لديها على المضي قُدماً في سير التكامل والتطوّر. من خلال أدوات زرعها وعمل على تغذيتها وحمايتها، وعلّمها فنون الخداع للشعوب، بحيث ترفع شعارات تُلامس أحلام الناس وتُدغدغ آمالهم. وللأسف ذهبت النخب الدينية والعلمية والاجتماعية والسياسية خلف مصالحها الشخصية والآنية. فساهموا بمساهمة كبيرة في ضياع حقوق الناس، وبالتالي في سقوط الوطن العربي والأمة. وقرأت عن الجامعة العربية ودورها، فوجدتها فكرة تذاكي البريطاني على إيجادها، كي لا تذهب هذه الدول إلى الوحدة فيما لو فكّرت بشكل مُستقل. فظهرت غائبة عملياً عن قضايا الشعب العربي، الباحث عن الاستقلال الفعلي والحقيقي وعن الوحدة التي طالما نادت بها معظم الشعوب العربية، كما أن هذه الجامعة بسياساتها لم تعمل على الاستقرار، للذهاب قُدما باتجاه التكامل والوحدة الحقيقية. وللخلاص من كل المشكلات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.

لذلك إني أدعو كل الشباب بشكل خاص أن يخرجوا من القفص الذي وُضعوا فيه ليبقوا عميان القلوب بعيداً عن وعي خلفية الأحداث. إلى قراءة تاريخنا بعين البصيرة، مع التوقف عند المحطات المهمة في تاريخنا القريب، وليسألوا عن الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تشتت وضياع، وعن المسؤول عن إذكاء روح الفتن المذهبية والعرقية... كما أني أطالبهم ليخلعوا الحجب التي أوجدتها الأنظمة الحاكمة لحجب الحقائق عن الناس بمساعدة المرتزقة من النخب الزائفة، وذلك من خلال الحذر عند متابعة الوسائل الإعلامية التابعة للأنظمة وبدعم غربي واضح. وليكونوا علميّين في تقبّلهم أو رفضهم لأي جديد، وليعكفوا على بناء شخصياتهم الاجتماعية السياسية بشكلٍ يتناسب مع تطلعاتهم، آخذين بعين الاعتبار تقديم الأهم على الهام، في كل القضايا الحياتية، مُقدّمين المصالح العامة على الخاصة. على الشباب أن يكونوا متفائلين بالمستقبل، عكس ما تريده الأنظمة العاملة على ترويج الإحباط للاستسلام للأجنبي. مبتعدين عنه والعمل على تبنّى آمال شعوبهم لتحقيق ما لم يحصل في زمان من عاشوا قبلهم، مستفيدين من تجارب من سبقهم. لأننا نعيش في عالم مُضطرب ومعقد من قبل القوى العظمى، التي عصفت بكل شيء، فخلطت الصحيح بالخطأ لتمنع الرؤية الواضحة. فأفسدت حياتنا،ونهبت ثرواتنا وخيرات أرضنا.

ولنعمل على إعمال العقل والعودة إلى أهل الإفتاء المشهود لهم، لأخذ الأحكام الشرعية الصحيحة، كي لا نكون في خدمة الأجهزة العاملة لصالح مشاريع سياسية تخدم بعض الأنظمة، لأن الشياطين من الناس المستذئبين الخادمين لمصالح السلاطين طمعاً بحفنة من المال، متربصين بالوطن العربي، ومن وراءهم الطواغيت المتجبرين. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، ما شاهدناه من سبي للأقليات الدينية الموجودة بيننا، من مسيحية وايزدية واشورية وصابئة وسريان وغيرهم، باسم الدين الحنيف، ونبيه نبي الرحمة والرأفة. وما رأيناه من تدمير لآثار الحضارات القديمة، مع أنها كانت في زمان الخلفاء الراشدين ولم يُعمل على قتلها وسبيها. ولا على تدميرها. فهل إيمان هذه المجموعات الزائفة أعلى رتبة من إيمان من كانوا في زمان صدر الإسلام؟؟

وأؤكّد على قراءة السياسات الفرنسية والبريطانية في بدايات القرن الماضي، والسياسات الأمريكية حالياً، بشكل جيد. مع التعرّف على المصالح الإستراتيجية لهؤلاء، الذين لا يعرفون حليفاً أو صديقاً إلا وفقًا لمصالحهم بعيداً عن القيم. وأن نتذكر المجازر التي ارتكبوها في بلادنا من الجزائر العزيزة إلى سوريا الحبيبة وفلسطين السليبة، إلى وطننا العربي الكبير بأهله. بالإضافة إلى التوقف عند المجازر الإسرائيلية في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر، التي حصلت على مرأى ومسمع من دول العالم المدّعية للحضارة، ومؤسسات العمل حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. ومع وجود مجلس أمن دولي يدّعي الاهتمام بالدول الضعيفة، ويمنع الاعتداء عليها تحت شعار حفظ الشرعية الدولية. والتوقف عند الحكام والأنظمة التي تستعين بالغرب للوصول إلى السلام الذي يتناسب مع مصالحهم لا الذي ننشده. أيُعقل أن تُساعدنا تلك الدول للوصول إلى أنظمة مُستقرة وحرّة؟؟.. وهي المسؤولة عن منع الوحدة لوطننا العربي بعد تمزيقه من خلال اتفاقية سايكس بيكو، والتي لم يكتفوا بها، حيث يعملون الآن على تفتيته أكثر فأكثر. وبإعطائهم الصهاينة فلسطين العربية والإسلامية بعد أن هجّروا أهلها في أقاصي الأرض. وعملوا على ضرب كل أشكال المقاومة، ونعتوها بالإرهاب. فرفعوا الجلاد وأعطوه الأوسمة، وجلدوا الضحية وأسموها إرهابياً لا حق لها بالوجود. ومن خلال سياساتهم التفتيتية عملوا على إذكاء الفتن العرقية والدينية والمذهبية، ليخلقوا ذئاباً ووحوشاً، بعناوين إسلامية، ليشوّهوا الأديان عموماً، والإسلام بشكل خاص. وبذلك تضيع فلسطين، وتضيع معها آمال الشعب العربي.

لذلك عملت على هذا الكتاب من خلال جمع بعض ما قرأت، إلى أهم الأحداث التي عصفت مؤخراً بالعالم العربي من تفاصيل مهمة. وتطرقت لبعض الأحداث المهمة عاملا في البداية على تجزئتها. ثم عدت لأربطها من حيث يجب، لإيصال بعض الحقيقة لأهلي المسلمين والعرب جميعا. باعتبار أن الآخرين يعملون على اللعب بالصورة، كي يمنعوا وضوحها. من خلال إذكاء المذهبية، لتشويش الصورة العامة والكلية، بحيث بات المهم عند المعظم حفظ الطائفة. لتتبدل الأولوية من الوطن والأمة أولاً، إلى المذهب أولاً، فتنعكس الصورة بتفتت البلد الواحد، لتنهار القوة ولتنعدم إمكانية النهوض. فتبقى الأمور على حالها إن لم تتراجع. حيث انه من باب التذكير إن عملية التحليل في الأمور المعقدة تحتاج أولاً إلى إعادة عملية الفرز للقضايا، لتأتي عملية الضم. ومن خلال عملية الفرز تتكشّف الحقائق فتدفع باتجاه الأولويات.

ومذكّراً إيّاهم بتقصير الجامعة العربية التي كنّا نأمل منها الوصول بأمتنا إلى مصاف الأمم الكبيرة في العالم. متوقفاً عند المحطات المفصلية التي مرت بها الأمة، من خلال ما عشته وتابعته مباشرة بشكل حكاية مواطن عاش وتابع وراقب وهو يحمل هموم أهله وشعبه. مع بعض التعليقات والتحليلات في محاولة للتوفير على القرّاء الباحثين عن أسباب تردّي أوضاعنا. وأسأل الله أن يُعينني وهو الموفق. لأكون ممن يخدمون أبناء وطني العربي الكبير.

وأتوجه إلى الأحزاب الإسلامية والقومية والعلمانية لتكون صادقة في حملها للهموم العامة. من خلال كتابة تجربتها كما هي دون مواربة ومراعاة المصالح الخاصة...ليُكشف عن أسباب الوصول لهذا الوضع المزري. من خلال فضح كل من له دور في ذلك. والابتعاد عن المراعاة والمداراة لكل من تورّط في إيصال وطننا العربي الكبير والغني إلى هذه الدرجة من الضعف والفقر. ليدفع بالشباب إلى اليأس، والإحباط فيسقطون في أيدي المجرمين المتربصين ليحولوهم إلى قتلة وانتحاريين بعد أن عاشوا المعاناة مع أهلهم، وذهبوا يبحثون عن الخلاص ولو من عند الشياطين. متناسين أن هذا الغريب الأجنبي الذي يأملون فيه لتحقيق آمالهم، هو المسؤول الأوّل والأخير عن المآسي القاسية التي نعيشها.

وهنا أُشير إلى أن أحد أسباب تقدم الغرب، هو أنهم يكتبون تجاربهم الشخصية، ويكشفون ولو بعد حين عن كل ما واجهوه في حياتهم في كل الميادين، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية...حتى ولو كان يكشف أسراراً خاصة بالدولة، لكن بعد انقضاء فترة زمانية. وهذا ما كان مفيداً في تكامل تجاربهم واختصار الوقت للتقدّم وعدم تخبّط الجيل التالي في نفس المشكلة.

كما أُشير إلى أننا وللأسف شعب لا يقرأ، وبالتالي يقع المعظم منّا في الشراك التي يضعها الطامعون في خيرات بلادنا. ويهتم المعظم بما يهمّه شخصياً دون الالتفات إلى المصالح العامة، وان الشر إذا وقع على الأمة سيعم الجميع. أمّا بخصوص الأحكام الشرعية، فإننا وللأسف نلتحق بأي منادٍ بالدين ونحمل رايته دون تفكير وإعمال للعقل فتصدر فتاوى باسم الإسلام ولا تمت إلى الإسلام بصلة، وتُشوّه حقيقة النبي الأكرم (ص). وتكثر الرايات ويؤدي الاختلاف بينها إلى التقاتل وسقوط أهلنا وإخواننا صرعى. وتُدمّر بلادنا وخيراتها. ويرتاح العدو المتربص بنا ليُسقط الأمة بعد إضعافها.مع أننا نقول أننا أمة اقرأ تيمناً بقوله عزّ وجلّ للرسول الأعظم "اقرأ باسم ربّك الذي خلق".

وأشير إلى أن وطننا العربي الكبير يسع كل أبنائه، مسلمين ومسيحيين من كل الطوائف، وأُكرّر للجميع أن هذه الأقليات التي تعيش بيننا، كانت مع كل آثارها موجودة أيام الراشدين والصحابة، ولم يعملوا على إخراجهم وتدمير آثارهم وحضاراتهم، بل بقيت لتُغني وطننا، وليكون الإسلام حامياً للإنسان، أياً كان لونه وعرقه ولسانه. وما جرى ويجري من أهوالٍ بحق هؤلاء وبالمسلمين غير القابلين بأفكار التكفيريين، لا يمت إلى ديننا الحنيف ولا للإنسانية بصلة. ومع قليل تدقيق نرى أن أفعال هؤلاء هي عين أفعال الصهاينة الغزاة، بارتكاب الجرائم الفظيعة التي تخيف الناس، ضاربين بعرض الحائط كل القوانين والقيم الإنسانية، فتدفعهم للهرب. الذين كانوا صناعة الغرب وبمساعدته، ليكونوا يده التي يضرب بها الخارج عن أوامره.

وأخيراً أُشير إلى أن الاستفادة من أي دولة في العالم تقف معنا لمواجهة الخطر المشترك الذي يُداهمنا ويحرق بلادنا، أمرٌ جيد وضروري. في السابق طالما أمل كثيرون في الإتحاد السوفيتي للخلاص من الغرب الكافر والفاجر. واليوم تقف معنا دول في أمريكا اللاتينية كفنزويلا وبوليفيا والأرجنتين، وفي الشرق إيران والصين وغيرها. فما الذي يمنع من قبول هؤلاء أصدقاء لنا نستفيد من قُدراتهم وحضورهم السياسي. بل العجب هو في اتخاذ من كان السبب في مشاكلنا كفرنسا وبريطانيا وأمريكا شركاء، وهم العاملون على تفتيت وطننا العربي. وهل يُصدق العاقل أن الغرب حريص على هذه الطائفة أو تلك. لذا لا ضير في أن نعود إلى رشدنا ليعيد كل منا كأحزاب وكقوى فاعلة الحسابات جيداً. ولنبحث بتعقل بعيداً عن المصالح الضيقة. ولنمد أيدينا إلى كل حليف محتمل. 

اعلى الصفحة