تحليل سيناريوهات مستقبلية كأساس لبدائل إستراتيجية اتجاه إيران

السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

مركز أبحاث الأمن القومي – عاموس يدلين (رئيس وحدة الاستخبارات العسكرية الأسبق)

الاتفاق بين إيران والدول العظمى كما يبدو- وفقا للمعايير التي نشرت من قبل الدائرة السياسية في الولايات المتحدة في الـ 2 ابريل 2015، بعد جولة المحادثات التي عقدت في لوزان- هو ذو إشكالية، إلا أنه ليس بالضرورة أكثر السيناريوهات سلبية والذي يمكن أن ينتج عن قضية البرنامج النووي الإيراني.

حجر الزاوية في مقارنة السيناريوهات ليست هي وضع صفر قدرات نووية إيرانية، بل المواجهة مع إيران، التي تمثل دولة على عتبة امتلاك السلاح النووي – ولكن ليس شرعيا – منذ بداية العقد الحالي. بحوزة إيران بنية تحتية نووية، والتي أنشأتها خلال العقد الأخير، أي جميع العناصر والمعرفة، التي تمكنها من صناعة قنبلة نووية. فإيران تملك اليوم 19 ألف جهاز طرد مركزي، من بينها مخصبات لليورانيوم، 10 طن من اليورانيوم مخصبة بنسبة منخفضة (مواد تكفي لصناعة 7-8 قنابل نووية بعد تخصيبها لدرجة أعلى)، موقعان للتخصيب تحت الأرض، مفاعل نووي في بوشاهر، الذي بإمكانه أيضاً أن ينتج بلوتونيوم، فرن مياه ثقيلة بلوتوغوني موجود في أراك. وكذلك قاعدة علمية، بحث، تطوير وأبحاث سرية حول السلاح. من المهم التأكيد، أن الاتفاق المتبلور لا يسمح لإيران بتطوير سلاح نووي – ليس بعد 10 سنوات أو 25 سنة من التوقيع على الاتفاق، وليس بشكل عام. القرار الإيراني لتطوير سلاح نووي، حتى في العام 2025 أو في 2030، عندما يتم رفع معظم القيود التي فرضت عليها في إطار الاتفاق الذي سيوقع عليه بينها وبين الدول العظمى، سوف يكون خرقا له وخرقا لإملاءات NPT وتستوجب رداً حازماً من قبل الدول العظمى.

إسرائيل من جانبها ترى بإيران مع سلاح نووي تهديداً منتظماً كبيراً على أمنها -  يصل إلى درجة تهديد لوجودها. لغاية اليوم، وقبل توقيع الاتفاق بين إيران والدول العظمى، فإن إيران موجودة على بعد شهرين أو ثلاثة فقط من القنبلة، إذا قررت فعلاً الوصول إليها. لهذا السبب، فإن الاتفاق المقبول مع إيران يستوجب إبعادها لمدة سنتين أو ثلاثة على الأقل من القنبلة، ومن الجيد أنه في هذه الفترة فإن سياسة إيران تتركز أولاً وقبل كل شيء على تحسين معايير الاتفاق المتوقع. وفي المقابل، على إسرائيل العمل مقابل الولايات المتحدة لتحقيق الاتفاق، خطة عمل منسقة وربما أيضاً لبلورة تفاهمات الاتفاق الرسمي، الذي يعطي رداً للسيناريوهات ذات الإشكالية وللاحتمالات المتأصلة في وصول إيران للنووي – مع اتفاق أو بدون اتفاق. على إسرائيل أن تسعى لتلقي ضمانات حول ذلك، والتي تكون رداً مناسباً على مخاطر الاتفاق مع إيران يفرض عليها وبالاتفاق مع الولايات المتحدة على تعزيز قوتها السياسية والأمنية، لكيلا يتحقق السيناريو المتفائل الذي تتوقع الولايات المتحدة له أن يتطور في أعقاب الاتفاق.

نموذج التفكير، الذي يوجه قيادة الولايات المتحدة وإسرائيل – القيادة التي ترى بإيران مسلحة بسلاح نووي سيناريو غير مقبول، يتركز على السؤال، الذي يجب أن يسأل في كل لحظة: هل وصلنا لـ"تقاطع طرق" يتوجب علينا فيه الاختيار بين خيارين إشكاليين، وكلاهما يعطي نتائج سلبية وذو مردود صعب: قبول إيران مع قنبلة نووية، أو عمل عسكري لمنع تزودها بسلاح نووي. إذا قدرنا أننا لم نصل إلى تقاطع الطرق ذي الإشكالية هذا وأنه يوجد إمكانيات إضافية بإمكانها منع إيران من التزود بالسلاح النووي، سواء كانت "قنبلة" أو "القصف"، فإنها تكون مفضلة. هذه البدائل تكون اتفاقاً منطقياً، عقوبات قاسية تغير ميزان الاعتبارات الإيرانية، نشاط سري ضد البرنامج النووي الإيراني أو تغيير النظام في طهران.

كاتب هذه السطور يقدّر، أنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إذا ما توصّل إلى استنتاج بأنّنا في نقطة القرار تلك، وانحصرت الاحتمالات بين القبول بإيران نووية أو وقفها عبر الخيار العسكري، فسيقوم بالمطلوب وفقاً للخيار الثاني. نعم يفترض الكاتب أن الرئيس باراك أوباما أيضاً، أو أيّ رئيس أو رئيسة ستخلفه، حين يدركان أنّ الإيرانيين يتقدّمون فعلاً نحو القنبلة، فسيفيان بتعهّدات أوباما بمنع إيران من التزوّد بالسلاح النووي وسيفضّلان الـ"المنع" على "الاحتواء". لكنّ الحماسة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق أضعفت جدّاً موقف الإدارة في المفاوضات، ولذا فإنّ هذه الفرضية تستدعي تفعيلاً. الذرائع، التي استند إليها الناطقون باسم الإدارة لتبرير الاتفاق المرحلي الذي جرى التوقيع عليه مع إيران ولتسويغ معايير الاتفاق النهائيّ، كما أعلن عنها، مثّلت سحقاً للتعهدات الأمريكية بأنّ "كلّ الخيارات على الطاولة". وأمكن أن نفهم من كلامهم أنّ الإدارة إذا ما قدّرت بأنّها وصلت إلى "مفترق"، ففرصة أن تختار مسار الـ"قصف"، ضعيفة جدّاً.

فيما يلي سيناريوهات ستة، ثلاثة منها تفترض فشلاً في بلورة الاتفاق النهائي مع إيران في التاريخ الهدف- 30 حزيران 2015، وثلاثة أخرى تفترض التوصّل إلى الاتفاق. في كلّ من السيناريوهات سنوصّف أداءً إيرانيّا تخمينيًا مغايراً، انطلاقاً من إدراك بأنّ الحديث يدور عن متغيّر أقسى عملية يمكن استشرافها. بالنسبة لكلّ سيناريو، سيتمّ تحليل الظروف التي أوجدت حالة مفترق القرار بين "قنبلة أو قصف"، إضافة إلى مقدار أفضلية هذا السيناريو على الوضع الحالي المرتبط بإيران ذات قدرات عتبة نووية أو أكثر تعقيدا منه. أمّا باقي التحليل فيرتكز على فرضية أن يتضمّن الاتفاق الذي سيتوصّل إليه الأطراف، كلّ المعايير التي تحدّثت عنها وزارة الخارجية، مع تحسينات مطلوبة في موضوع تقييد البحث والتطوير النووي من قبل إيران، ومع زيادة شفافية كاملة بشأن الأبعاد العسكرية للبرنامج والرقابة الكاملة على أداء إيران في مجال النووي فيما بعد وفقاً للاتفاق، في كلّ موقع وفي أي وقت كان.

فشل المحادثات

السيناريو الأوّل: الاتفاق المؤقّت سيكون فعليّاً الاتفاق الدائم. فشل في التوصّل إلى اتفاق نهائيّ سيحصل بفعل التباينات بين الفرقاء واختلاف التفسيرات بشأن "معايير لوزان". الإصرار الإيراني على رفع فوريّ للعقوبات، رقابة محدودة، استمرار البحث والتطوير المكثّفين وعدم تقديم أجوبة في موضوع الأبعاد العسكرية للبرنامج النووي، كلّ ذلك سيفضي حتماً إلى عدم التوصّل إلى اتفاق. على الرغم من هذا، فإنّ الفرضية التي في أساس هذا السيناريو هي، أنّ إيران والدول العظمى على حدّ سواء ستكون حذرة من خلق أزمة عميقة وستعلن التزامها بروح الاتفاق المؤقت- خطة العمل المشتركة- التي جرى الاتفاق عليها في تشرين الثاني 2013 وتطبيقها بدأ في كانون الثاني 2014، في ظلّ استمرار المحادثات بهذا المستوى أو غيره. عملياً، الاتفاق المؤقّت سيترسّخ كاتفاق دائم. يجب أن نفهم أنّ إيران ستكون، في مثل هذا الوضع، قريبة أكثر من القنبلة(فترة شهرين إلى ثلاثة)، ممّا هو عليه الحال بحسب اتفاق سيتبلور بما يتوافق مع معايير لوزان(مسافة سنة عن القنبلة في العشر سنوات الأولى ما بعد التوقيع على الاتفاق)، لن تفرض عليها قيود بشأن تطوير أجهزة طرد متقدّمة وتشغيلها وبشأن بناء مفاعلات إضافية. الرقابة عليها ستبقى جزئيّة ومن دون تطبيق البروتوكول الإضافي الخاص بالوكالة الدولية للطاقة النووية. السؤال المفتاحي في هذا السيناريو هو قدرة إيران على تسيير أمورها في ظلّ نظام العقوبات الحالي. هذا السيناريو قد يتحقق فقط إذا ما تبنّى الكونغرس الأمريكي نهجا معتدلا إزاء تشريع المزيد من العقوبات وإذا ما قرّر الإيرانيون الاستمرار في تحمّل عبء العقوبات الحالية، على أمل أن يساعدهم مرور الوقت في تجاوزها طالما أنّ نظام العقوبات الحالي قد استنزف.

على حكومة إسرائيل أن تسأل، هل هذا السيناريو أفضل بالنسبة لها من سيناريو الاتفاق. إذا قدّر بأنّ إيران يمكنها الاحتفاظ ببرنامجها النووي تحت العقوبات القائمة، إذا سيكون هذا السيناريو أكثر تعقيدا من الاتفاق. في الواقع، أنشطة إيران في مجال النووي لن تحصل على الشرعية ولن ترفع العقوبات المفروضة عليها، وهكذا لن يحصل الإيرانيون على موارد إضافية لأنشطتهم السلبية، في المقابل، في ظلّ العقوبات وفي وضع من اللاشرعية لتطوير البرنامج النووي، تسنّى لإيران تطوير بنية تحتية نووية واسعة وأكثر خطراً من القدرات النووية التي سيُسمح لها بها، في إطار معايير اتفاق لوزان. أكثر من ذلك، هناك شكّ ما إذا كان الأمريكيون سيشخّصون لأنفسهم، في هذا الاتفاق، وصولاً إلى "مفترق القرار"، وهناك شك ما إذا كانوا سيزيدون الضغط على إيران أو أنّهم سيتحرّكون عسكريّاً ضدها. الحكومة الإسرائيلية أيضاً، على الرغم من شجبها الاتفاق المؤقّت، فضّلت بعد سنة من ذلك، التسليم بإطالة مفعوله واستمرار المحادثات مع إيران، مقابل بدائل إشكالية أكثر، مثل العودة إلى التقدّم الإيراني نحو القنبلة أو "اتفاق سيّئ". من الواضح، من ناحية تقنية ومن ناحية عرض وعمق البرنامج النووي الإيراني، أنّ الاتفاق بحسب المعايير المتفق عليها في لوزان أفضل بكثير من ترسيخ الاتفاق المؤقت كاتفاق دائم فعليّ. إذا ما بقي الاتفاق المؤقت سارياً فسيبقى لدى إيران مخزون مهمّ يحوي عشرة أطنان من اليورانيوم المخصّب بمستوى 3.5 % وتسعة عشر ألف جهاز طرد مركزيّ، وبالتالي زمن قصير جدّا للاختراق نحو القنبلة. وعليه، ليس سوى تقدير باستمرار العقوبات الموجودة حاليا في إيلام الإيرانيين بمقدار يحرّكها نحو القبول بمعايير مقيدة ومقلصة جدا بشأن برنامجها النووي، ما سيمنح منطقا استراتجيا لهذا السيناريو.

السيناريو الثاني: فشل المحادثات بحيث تتراجع إيران أيضاً عن الاتفاق المؤقت وتوسّع بنيتها التحتية النووية، ولو من دون الاختراق نحو القنبلة. في هذا السيناريو، إيران ستعود عن الاتفاق المؤقت وستستأنف بشكل كامل توسيع، تعميق وتحسين برنامجها النووي، طبعاً من دون التنصّل من التزاماتها في معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. إيران ستشغّل أجهزة طرد متقدّمة، تعمل على زيادة مخزون المادة المخصّبة التي بحوزتها، تعود لتخصيب اليورانيوم لمستوى 20%، لا تفعّل البروتوكول الإضافي وتشغّل مفاعل المياه الثقيلة في آراك. وبنتيجة ذلك سيتقلّص زمن الاختراق نحو القنبلة إلى "صفر" في العام 2016 وليس في العام 2028، كما تنبّأ الرئيس أوباما في مقابلة مع إذاعة NPR. لا شكّ بأنّ سلوكاً إيرانياً من هذا النوع سيؤول حتماً إلى تشديد العقوبات على الإيرانيين، لكن يمكن الافتراض، بأنّ الرئيس الأمريكي لن يشخّص حينها هذا الوضع بأنّه "مفترق قرار". لقد أثبتت الإدارة الأمريكية بأنّها تستطيع أن تتعايش مع إيران ذات قدرات نووية واسعة، طالما أنّها لا تخترق نحو القنبلة. بالنسبة لإسرائيل، التي شخّصت، أنّها لن تستطيع أن تسلّم بوضعٍ إيران فيه ذات قدرات على الاختراق نحو القنبلة في وقت وجيز، سيكون هذا السيناريو الأكثر إشكالية بالنسبة لها وسيرسّخ التقدير بأنّ إسرائيل وصلت إلى مفترق القرار. هذا السيناريو يبدو لإسرائيل إشكاليا أكثر من بلورة اتفاق بحسب المعايير المتفق عليها في لوزان(مع التعديلات المطلوبة). على أيّ حال، قبل أيّ تحرّك ستضطر إسرائيل إلى درس نجاعة عقوبات إضافية ستفرض على إيران، فرص إعادتها إلى طاولة المحادثات وتوقّع اتفاق أفضل يتحقق في تلك المحادثات المتجددة.

السيناريو الثالث: فشل المحادثات- قرار إيراني بالتقدّم نحو القنبلة، الانسحاب من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي أو عملية إيرانية سرية بهدف الوصول إلى القنبلة. ردّاً على فشل التوصّل إلى الاتفاق وعلى تشديد العقوبات إثر ذلك، تعلن إيران انسحابها من معاهدة حظر انتشار السلاح النووي و/أو تتوصّل إلى قرار سريّ بإنتاج السلاح النووي. ويمكن الافتراض بأنّ هذه الخطوة ستبرّر بحجة أنّ السلاح النووي هو "الضمانة الوحيدة لأمن إيران ولحقّها، كقوّة عظمى صاعدة، بحيازة السلاح الذي تحوزه الدول العظمى ودول أخرى جارة لها". الحديث يدور عن سيناريو أزماتي خطير، سيضع فوراً الولايات المتحدة وإسرائيل أمام "مفترق القرار". الحكم بشأن ما إذا كان هذا السيناريو أفضل من الاتفاق سيكون مرتبطاً بنتيجة المقارنة بين النتائج المستقبلية للاتفاق من جهة وبين نجاعة ونتائج الهجوم الذي سينفّذ بهدف قطع الطريق على إيران نحو السلاح النووي، من جهة ثانية.

التوصّل إلى اتفاق

السيناريو الرابع: في حصيلة المحادثات وفقاً للمعايير التي تبلورت في لوزان، تنشأ ديناميكية إيجابية بين إيران وبين الدول العظمى، وفي العشر- خمس عشرة سنة المقبلة تصبح إيران معتدلة وتكفّ عن السعي للحصول على السلاح النووي. هذا هو السيناريو التفاؤلي الذي تأمل الإدارة الأمريكية تحققه. في هذا السيناريو، إيران تعود تدريجياً إلى "الأسرة الأممية" وتحافظ على الاتفاق بينها وبين الدول العظمى كما هو على أساس تفاهم بأنّ النووي ليس مكسباً بالنسبة لها بل عبئاً. في الواقع، حتى بعد عقد ستبقى إيران على مسافة سنة من القنبلة، لكنّ المسارات الموصلة إلى قنبلة نووية- مسار اليورانيوم، مسار البلوتونيوم والمسار السري- ستكون مقطوعة ومراقبة جيّدا. في هذا السيناريو، بعد عشر سنوات ستوسّع إيران بنيتها النووية في موقع نتانز، لكن وفقا للاتفاق، لن تخصّب اليورانيوم لمستوى يفوق الـ3.67%، لن تجمّع المادة بما يفوق الكمّية المسموح بها أي 300 كلغ، لن تشغّل موقع التخصيب في فوردو، وهكذا ستقنع الأسرة الدولية بأنّها دولة ذات قدرات نووية مدنية، تحافظ على مبادئ المعاهدة الدولية لحظر انتشار السلاح النووي ومراقبة بنجاعة بحسب البروتوكول الإضافي الموسّع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في هذا الوضع إذا ما عرفت الدولة العظمى أيضاً كيف تمنع الانتشار الإضافي لبرامج نووية في دول أخرى في الشرق الأوسط، ما من شكّ، بأنّ ذاك سيناريو أفضل من الوضع الحالي، حيث إيران على مسافة أشهر معدودة من القنبلة، وهو حتماً أفضل من وضع ستكون فيه ذات بنية تحتية نووية واسعة جدّا في العام 2030 بدون الاتفاق. هذا السيناريو سيحول دون الحاجة إلى الاختيار بين البدائل السيّئة في "مفترق القرار"- "قنبلة أو قصف".

السيناريو الخامس: إيران تحافظ على الاتفاق لكنّها لا تتنازل عن الهدف الإستراتيجي المتمثّل بالقدرة على تطوير قنبلة في أي لحظة ممكنة وفي وقت قصير جداً. الفرضية التي توجّه هذا السيناريو هي أن لا تغيير حلّ في النظام الإيراني وأنّه إلى جانب مواصلة أنشطتها السلبية في الشرق الأوسط (سعي إلى هيمنة إقليمية، مؤامرات، دعم للإرهاب وسعي إلى القضاء على إسرائيل)، يتشبّث أكثر برغبته بأن يكون قادرا على اتخاذ قرار في أي لحظة، من دون أن يستطيع المجتمع الدولي منعه من ذلك، بتطوير قنبلة نووية. مع نهاية سنوات التقييد العشرة التي ستفرض على إيران في إطار الاتفاق، ستعيد إيران تنصيب أجهزة الطرد الثلاثة عشر ألفاً التي فكّك بحسب إملاءات الاتفاق، وعندها سيكون هذا الإجراء قانونياً، كما ستحدد لنفسها هدف الوصول، في السنة الخامسة عشرة للاتفاق، إلى أربعة وخمسين ألف جهاز طرد، بما في ذلك النماذج المتقدّمة- ما يعني القابلية الاحتوائية الكاملة لمنشأة نتانز. في هذا السيناريو، إيران ستنتقل لتركيب آلاف أجهزة الطرد الحديثة، التي طوّرتها على مدى سنوات الاتفاق، وستعدّ ثلاثة آلاف جهاز طرد حديثة لتنصيبها في فوردو مع استكمال خمس عشرة سنة على الاتفاق، ما يسمح لها بالعودة إلى نشاط كامل في هذا الموقع المحصّن جيّدا. في السنة الخامسة عشرة على الاتفاق تستطيع إيران أيضا البدء بتجميع اليورانيوم المخصب بما يزيد عن 300 كلغ، كما يمكنها رفع مستوى التخصيب إلى 20%. من الواضح، تماماً كما تكهّن الرئيس أوباما في المقابلة الإذاعية، فإنّ مسافة الاختراق نحو القنبلة ستكون صفر بدءًا من السنة الثالثة عشرة على الاتفاق وبشكل مؤكد في السنة الخامسة عشرة عليه. في العام 2025، سيكون رئيس الحكومة الإسرائيلي والرئيس الأمريكي من دون شكّ، قريباً جداً من "المفترق" وعليه سيكون عليهم اتخاذ قرار حول ما إذا كان ينبغي التحرّك قبل أن يبقي نطاق البرنامج الإيراني وحصانته القرار بشأن تطوير قنبلة بيد النظام الإيراني، المثير للمشاكل والمعادي. عندها سيكون القرار بالتحرّك صعباً، لأنّ  الإيرانيين لا يتجاوزون الاتفاق، وفي نفس الوقت سيكون واضحا تمام الوضوح أنّ عدم التحرّك من جانب الدول العظمى معناه قنبلة نووية إيرانية في غضون وقت قصير جداً وفي توقيت يختاره النظام في طهران.

على أنّ السؤال الأهمّ هو، هل الإدارة الأمريكية، التي تأمل بتحقق السيناريو الرابع التفاؤلي، ستقابل بواقعية السيناريو الخامس الإشكالي، ستكون قادرة على العمل ضدّ إيران في حال عدم انتهاك الاتفاق من قبل الإيرانيين وعدم تجاوزها المِيل الأخير نحو القنبلة، أي عمليات تخصيب عالية وتطوير منظومات التسلّح؟. إسرائيل، في المقابل، سيكون لديها على ما يبدو، حرية عمل لأنّها ليست طرفاً في الاتفاق. من المهم الإشارة إلى أنّه خلافاً للبديهية في هذا السيناريو، أي عملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني في العام 2025 لن تكون أكثر تعقيداً من عملية تنفّذ في العام 2015. فقبل توسيع البنية النووية الإيرانية بعد مرور فترة الاتفاق، ما بين 2025- 2030، البرنامج سيكون أكثر تقلّصاً ممّا هو عليه اليوم، المعلومات الإستخبارية حوله ستكون أفضل، وهو سيكون أقلّ منعة وحصانة من اليوم. في المقابل، بعد عشر إلى اثنتي عشر سنة، من المحتمل أن يطوّر الإيرانيون قدرات دفاعية جوية وتحصيناً إضافياً، ستضع صعوبات حينها أمام عملية إسرائيلية.

السيناريو السادس: أنشطة إيرانية سرية بما يتناقض مع الاتفاق، تقويضه وفي حالة متطرّفة- اختراق نحو القنبلة. في هذا السيناريو، قبل أو بعد انتهاء فترة الاتفاق، سيتكشف احتيال وعمل إيراني خلافا لالتزاماتها وفقاً لمعاهدة حظر انتشار السلاح النووي أو خلافاً لبنود الاتفاق، والتقدّم نحو القنبلة- تطوير منظومة التسلّح و/ أو تخصيب عال ينفّذ سرّاً أو جهاراً. في هذه الحالة، من الممكن أن تجد كل من إسرائيل والولايات المتحدة نفسيهما عند "مفترق القرار"، ما يعني: تسليم بإيران مزوّدة بسلاح نووي أو عملية ضدّها. إذا ما تمسّكت الدولتان بتصريحاتهما بأنّ "كلّ الخيارات على الطاولة"، وأنّهما لن تسمحا بوضع تكون فيه إيران نووية، فإنّ هذا السيناريو سيوفّر لهما شرعية للعمل تقريباً في أي وضع كان قبل العام 2027(السنة المتقدمة التي يتوقّع أن تعود إيران فيها إلى القدرات التي كانت بحوزتها في العام 2015), وكما قلنا، المهمة العسكرية لن تكون حينها معقدة أكثر من العام 2015 وقد يكون العكس هو الصحيح - البرنامج الإيراني سيكون مكشوفاً ومقلّصاً أكثر ممّا هو عليه اليوم، والقدرات الإستخبارية والهجومية لدى إسرائيل والولايات المتحدة ستكون أكثر تطوّرا وحداثة من اليوم.

خلاصة

يشير تحليل السيناريوهات السّتة إلى أنّ اتفاقاً بين الدول العظمى وإيران حول البرنامج النووي الإيراني بحسب المعايير المتفق عليها في لوزان، مع تحسينات ضرورية(اتفاق متشدد ومعدّل في موضوع البحث والتطوير، حل لجوانب البرنامج العسكرية ورقابة في كل موقع وفي أي وقت)، أفضل من الوضع الحالي، ولو لم يكن وفقاً لـ "صفقة جيّدة". البديل عن "اتفاق لوزان المعدّل"، هو عقوبات مشدّدة وناجعة، ربّما يمكنها أن تفضي إلى اتفاق أفضل، لكن ربّما تفضي أيضاً إلى تجسّد المخاطر الكامنة في إخفاق المحادثات، باستمرار أنشطة إيران النووية وربّما بقرار من جانب النظام الإيراني بالاختراق نحو القنبلة. في المقابل، الاتفاق سيسمح، بعد فترة 10- 12 سنة، بتحديد ما إذا كان النظام الإيراني لم يصبح معتدلاً ولم يغيّر منهجه، وأنّه ما زال يسعى إلى السلاح النووي. وإذا ما حصل هذا فعلاً، فسيكون بالإمكان التحرّك ضدّ البرنامج النووي في ظروف عملانية محسّنة وقد يكون ذلك أيضاً في ظروف قانونية أفضل بكثير. قد يكون ضروريا فحص إمكانية حصول اتفاق دفاعي خاص بين إسرائيل والولايات المتحدة، ويكون محصوراً بقضية النووي الإيراني، وبالتالي تجاوز العوائق التي  تمنع إبرام اتفاق دفاعي شامل بين هذين البلدين.

السيناريو الأصعب في حال إبرام الاتفاق بحسب معايير لوزان، ليس بالضرورة السيناريو المتضمّن انتهاكاً إيرانياً للاتفاق أو اختراقاً نحو النووي، بل السيناريو الذي تحافظ إيران في إطاره، على بنود الاتفاق ولا توفّر ذريعة قانونية للولايات المتحدة لمنع تموضعها على مسافة صفر من القنبلة، مستندة إلى برنامج نووي واسع، متقدّم وحصين. في هذه الحالة، حكومة إسرائيل فقط، التي ليست طرفاً في الاتفاق، ستكون عند مفترق قرار صعب، وهي ستكون عنده في هذه الأيّام، إذا لم يُبرم اتفاق.

من هنا، لم يتبقَ لإسرائيل الكثير من الوقت لبلورة الإستراتيجية المتاحة لها في الزمن المتبقي لحين التوقيع على الاتفاق أو الفشل في التوقيع عليه. توصية كاتب هذه السطور إلى رئيس الحكومة هي البحث في إستراتيجية العمل المطلوبة في كلّ من السيناريوهات التي حللناها وبلورة اتفاق عاجل مع الولايات المتحدة، يتضمّن تفاهمات بشأن كلّ منها. تلك التفاهمات يجب أن تطرّق إلى التوضيحات المطلوبة لمعايير لوزان إضافة إلى تعهّد بعدم مجاراة إيران في مطالبها، كما جرى التلميح له بعد العرض العلني لوثيقة المبادئ التي تبلورت في لوزان. موضوع ضروري مضاف على التوضيح وبلورة سياسات هو كيف ستتمّ معالجة، تقييد ومراقبة أية مطالب مستقبلية لبرامج نووية أخرى في دول الشرق الأوسط- وهي خطر إستراتيجي آخر سيتنامى إذا ما أُبرم الاتفاق مع إيران وفقاً لمعايير إعلان لوزان.

من الصحيح أن تكون السيناريوهات التي أسهبنا في تحليلها في هذه المقالة ركيزة الحوار الإستراتيجي، الشامل والمهنيّ، الذي من المناسب أن يحصل في هذه الأيام بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولا شكّ بأنّ تحليل دلالاتها المعّقدة، حسبما فصلنا أعلاه، سيتيح بلورة عناصر ضرورية لاتفاق نهائيّ مستقبلي إلى جانب بناء الإستراتيجية الثنائيّة الأكثر مواءمة مع السيناريوهات الإشكالية ومع الأزمات التي ستتطوّر حتماً بعد إبرام الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران، في مختلف السياقات المرتبطة ببرنامجها النووي. 

اعلى الصفحة