اللاجئون الفلسطينيون بين التغييب المادي والتوظيف السياسي

السنة الرابعة عشر ـ العدد 162 ـ (شعبان - رمضان 1436 هـ) حزيران ـ 2015 م)

بقلم: عدنان أبو ناصر

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تعتبر القضية الفلسطينية  القضية الأكثر مساساً بالإنسانية عبر التاريخ وتنبع أهميتها من خلال إبقاء قضية اللاجئين حية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من محاولات التغييب تارة، أو البحث عن مخارج لتوظيفها بالمفهوم السياسي للصراع مع الاحتلال، إلا أنها بقيت راسخة بعدالة مطلبها في تحقيق العودة للذين هجروا من أراضيهم، ليس ذلك فقط، بل رسخت معاني البقاء والتمسك بالثوابت رغم تغير المعطيات والعوامل.

النكبة.. النكسة.. التهجير، مترادفات لمعاناة شعب بأكمله لا تزال فصولها حاضرة في كل مخيم وفي كل مكان اتشح مدخله بشعار وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وقد يرى البعض أن من الترف الكتابة اليوم عن قضية اللاجئين بمحطاتها وفصولها، فهي حكاية زخرت الملفات بمعطياتها، وكتبت الأقلام بمدادها آلاف الصفحات عنها، وأشبعت بالقرارات والمواقف السياسية المنصفة تارة، والمجحفة تارة أخرى. لكنها وعلى الرغم من ذلك، ومهما كُتب عنها إلا أنها تبقى قضية "الإنسان"، ولا تزال تحمل الكثير في ظل بقاء واقعها على الأرض.

الوجه الحقيقي للصراع

لقد شكلت قضية اللاجئين الفلسطينيين الوجه الحقيقي للصراع العربي الإسرائيلي, فهي قضية أولئك الفلسطينيين الذين يشكلون حوالي نصف الشعب الفلسطيني, وهم الذين شردوا من ديارهم عام 1948م وعاشوا في مخيمات اللجوء داخل فلسطين(لجوء داخلي) أو في الدول العربية المجاورة (لجوء خارجي) كما هو حال مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان وسوريا, وإبان حرب حزيران عام 1967م زادت أعداد هؤلاء المهجرين عن ديارهم بنزوح آلاف الفلسطينيين عن بيوتهم إلى الدول العربية المجاورة.

لقد أكدت الأمم المتحدة مطالبتها إسرائيل بتنفيذ القرار (194) الصادر بتاريخ 11 كانون أول/ ديسمبر 1948م, واشترطت قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة بتنفيذ هذا القرار, ولكن إسرائيل لم تلتزم بشروط قبولها في عضوية الأمم المتحدة وأعاقت عملية عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم, وتذرعت إسرائيل بمسألة الأمن والصعوبات الاقتصادية, ومسئولية العرب عن الحرب ونتائجها, وعدم اعترافهم بدولة إسرائيل وسعيهم لتقويضها وعدم استعدادهم لعقد معاهدة صلح معها.

ومنذ مؤتمر مدريد 1991م وانطلاق مفاوضات عملية السلام ترفض إسرائيل طرح موضوع حق عودة اللاجئين الفلسطينيين على مائدة المفاوضات, فالفلسطينيون حين يطالبون بحق العودة والتعويض لا يخترعون بدعة أو يطلبون تنازلاً, وإنما يقيمون مطالبتهم على أساس قرار اتخذته الأمم المتحدة ولا تزال تتمسك به, وهو حق كفلته الشرعية الدولية عبر قرار رقم 194 "والذي يقضي بوجوب السماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم ودفع التعويضات لمن يختارون عدم العودة, وأن تتم التعويضات عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالممتلكات التي يعوض عنها, طبقاً لمبادئ القانون الدولي", وبالمقابل يقف قانون حق العودة لليهود على رأس القوانين الأساسية الإسرائيلية, وهو قانون صدر في إسرائيل عام 1950 يمنح أي يهودي في العالم حق الهجرة إلى فلسطين المحتلة, وأن يصبح مواطناً إسرائيلياً فور وصوله, والأسباب التي تسوغها إسرائيل لرفض هذا الحق تتعلق بالأمن وما تشكله عودة اللاجئين من خطر على الطابع الديمغرافي لما يُطلقون عليه دولة الشعب اليهودي(إسرائيل).

ومواقف إسرائيل بشأن هذه القضية تنطلق من هواجس تشكل امتداداً لرؤيتها الأمنية, ولذلك تطلق هذه الفزاعة, وقتما يرغب ساستها في التملص مما يترتب عليهم من استحقاقات, فإسرائيل تتجنب الخوض في هذه المسألة وتكتفي برفضها من حيث المبدأ, ورفض الاعتراف بالمسئولية عن نشوئها, وحين تعوزها المبررات تتقدم باقتراحات تعجيزية أو شكلية هدفها إفشال المفاوضات حول قضية اللاجئين.

لقد أوضحت إسرائيل موقفها الرافض لكافة المشاريع السياسية الدولية التي طالبت بحل قضية اللاجئين عبر تمكينهم بالعودة إلى ديارهم, وكان من نتائج الرفض الإسرائيلي صدور قرار الأمم المتحدة رقم (302) لعام 1949م الخاص بإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين(الأونروا) لتقديم المساعدات للاجئين, وكانت إسرائيل قد قبلت بهذا القرار لأنه يعمل على توطين اللاجئين في البلاد العربية, كما حملت الدول العربية مسئولية استمرار المشكلة, بسبب إصرارهم على مبدأ العودة, ورفضهم توطين اللاجئين, ويحمل بنيامين نتنياهو الدول العربية مسئولية وجود مشكلة اللاجئين وبالتالي مسئوليتها عن إيجاد الحل, فيقول في كتابه (مكان تحت الشمس) "يجب عدم التنازل عن ضرورة مساهمة الدول العربية في توطين اللاجئين: الدول العربية هي التي خلقت مشكلة اللاجئين منذ البداية, وهي المسؤولة أيضاً عن عدم حلها حتى اليوم, وإن اشتراك هذه الدول في توطين اللاجئين في أماكن تواجدهم الحالية, يعتبر اختباراً لالتزاماتها بإنهاء النزاع مع إسرائيل".

لقد طالبت إسرائيل بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية وربط قضيتهم بقضية اليهود الذين تركوا الدول العربية وهاجروا إلى إسرائيل, وفي ذلك يقول شمعون بيريز "لا يوجد شعب في العالم كاليهود يعرف المعاناة الشخصية والعائلية والقومية, فنحن أمة من اللاجئين,.., وأن سبب مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يرجع إلى العرب الذين أخذوا يدعون السكان للخروج من فلسطين", وبهذا نجد أنه إذا كان ما حل بالشعب اليهودي على يد النازية الألمانية جريمة, فإن هناك جريمة إسرائيلية لا تقل شدة بطرد شعب كامل من أرضه وتشريده في أصقاع الأرض.

وفي عام 1989م اقترح وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق رابين حلاً لمشكلة اللاجئين يكون خارج المناطق المحتلة عن طريق مؤتمر دولي يبحث عن حل مناسب لمشكلتهم بالارتباط مع مشكلة اللاجئين اليهود, ويرى الإسرائيليون أنهم غير مسئولين عن قضية اللاجئين, وأن الدول العربية هي التي أتت بالكارثة على الفلسطينيين وبالتالي عليهم تحمل مسئوليتهم بهذا الخصوص, وأن الموقف الإسرائيلي المتشدد من قضيتي الحدود واللاجئين, يأتي من منطلق الحفاظ الاستراتيجي على معادلة ديموغرافية, وهذه المعادلة الإسرائيلية لا تعمل على تغيير الواقع القائم ديموغرافياً فحسب, بل تعمل على إرساء أسس لحل بعيد المدى يحقق الإسرائيليون من خلاله حل القضية الديموغرافية لصالح إستراتيجية إسرائيل الأمنية.

فقد شكل الموقف الأمني لإسرائيل من قضية اللاجئين عقبة أساسية في وجه نجاح قمة كامب ديفيد عام 2000م, حيث قدمت إسرائيل مقترحات رمزية لحل المشكلة بموافقتها على إعادة بضعة آلاف من العائلات الفلسطينية من لبنان, حسب نظام جمع شمل العائلات خلال 15 سنة, وأن يتم تشكيل صندوق دولي لأجل تعويض اللاجئين, وتوطينهم في أماكن إقامتهم, مقابل أن يضاف بند "وضع حد للصراع" أي إنهائه والذي بدوره يغلق باب حق العودة, ويجنب إسرائيل أي مطلب مستقبلي حول قضايا الوضع الدائم, ويزيل أية مسئولية لإسرائيل عن تهجير الفلسطينيين, وكان من الصعب على القيادة الفلسطينية الموافقة على شرط باراك بالتوقيع على إنهاء الصراع والتنازل عن المطالب المتبادلة مقابل تنازلات رمزية وليست جوهرية من قبل إسرائيل.

وفي محادثات طابا/ يناير2001م والتي اعتمدت أساساً على مقترحات كلينتون في محادثات كامب ديفيد 2000م, حين جرى التعاطي مع حق العودة على أنه حق فردي وليس جماعي, وبإمكان كل لاجئ فلسطيني اختيار محل إقامة جديد من بين عدة بدائل هي (فلسطين, أو محل الإقامة الحالي, أو بلد ثالث, أو إسرائيل), وإجمالي عدد من تقبل بعودتهم إسرائيل هو عشرة آلاف سنوياً خاضعة تلك الأسماء للقرعة خلال سنة, ولإسرائيل حق الفيتو على من ينطبق عليه حق العودة وفقاً لاعتباراتها, وبالمقابل يلقى اختيار اللاجئ الفلسطيني لمحل الإقامة غير إسرائيل كفلسطين أو بلد ثالث (دول في أوروبا وأمريكا الجنوبية) قبول وموافقة فورية وعدة مكافئات عينية تشجيعية, من قبيل حصولهم على منزل ومبلغ من المال في حساب مصرفي.

وبناءً على ما سبق نجد أن تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي المختلفة الجوانب, ألقت بظلالها على صعوبة إيجاد حل لقضية اللاجئين, لكن محادثات طابا عام 2001م تحمل في طياتها ملامح لحل يبدو عملياً أكثر منه عادلاً, ولعل مواقف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة, فيما لو أعطوا حقهم بالاختيار بين العودة أو التعويض فنسبة عالية منهم ستختار العودة, نظراً لارتباطهم اللصيق بالأرض أولاً, ولِحَملهم معاناة الاحتلال وإجراءاته المعيشية ثانياً, لكن مع تَعثر إمكانية العودة وصعوبة بناء حياة جديدة ستختار نسبة أخرى ليست بالقليلة إمكانية البقاء محل إقامتهم الحالية مقابل التعويض.

الموقف الإسرائيلي

ينسجم هذا الموقف مع كون إسرائيل قامت وتقوم بالضرورة على حساب شعب آخر هو شعب فلسطين العربي، فهي منذ البداية رأت في وجودها نفياً لوجوده.

ترفض إسرائيل الإقرار بأي قدر من المسؤولية الأدبية أو المادية عن محنة اللاجئين. وتميل لتحميل الدول العربية مسؤولية ذلك من خلال الادعاء بأن العرب طلبوا من الفلسطينيين الرحيل المؤقت ريثما يتم القضاء على القوات الصهيونية. ومما يشكل ملاحظة هامة أن ديفيد بن غوريون قد وافق بعيد حرب 1948 على عودة مئة ألف لاجئ إلى ديارهم. وهذا لم ينفذ بالطبع. والآن يعترف الجيل الجديد من المؤرخين الإسرائيليين بأن القادة الصهاينة قد مارسوا تطهيراً عرقياً واستعملوا التصفية والمذابح الجماعية لإجبار العرب على ترك بيوتهم. ومع هذا فإن هناك شبه إجماع صهيوني خاصة في صف اليسار العمالي وغيره يرفض قطعياً عودة اللاجئين لديارهم.

يصر القادة الإسرائيليون على أن عودة اللاجئين تعني تصفية الطابع اليهودي للدولة، ويزعم البعض أيضاً أن الرقعة الجغرافية أضيق من أن تتسع لملايين العرب العائدين. وكل هؤلاء القادة يرون أن توطين اللاجئين حيث هم. هو الحل الوحيد المتاح وهناك تسامح محدود في عودة بعض اللاجئين والنازحين لأراضي الضفة والقطاع لكن ليس بدون مساومات مميتة مع السلطة الفلسطينية.

يمكن القول أن الإسرائيليين يرون في العودة الفلسطينية مقتلاً ونهاية لدولتهم ويصرح شامير بأن ذلك يعني القضاء على إسرائيل، ولا تختلف اللغة كثيراً عند نتنياهو، رابين، بيريز، باراك. أليس من حق الفلسطيني أن يعود إلى وطنه كأي إنسان في هذا العالم؟ هل اليهودي الذي لا علاقة له بأرض فلسطين. لم يولد، ولم يعش فيها، له هذا الحق؟. أية دولة عنصرية يريدها هؤلاء تحافظ على نقاوتها اليهودية؟ أية قيم إنسانية تبرر الإنسان أن يحتل بالقوة بيت إنسان آخر؟ باستثناء إسرائيل لا يوجد من يرى أخلاقية هذه الجريمة. كيف تزعم إسرائيل أن العرب يتحملون مسؤولية محنة اللاجئين وتبرر بهذا رفضها إعادتهم لديارهم. فهل يوجد قانون في العالم يسمح بمنع مواطن من العودة إلى وطنه لأنه هرب منه في ظروف الحرب؟ لنفترض أن ما تزعمه إسرائيل صحيح بمعنى أن الفلسطينيين تركوا ديارهم بمحض إرادتهم استجابة لنداءات عربية فهل هذا الزعم يعطيها الحق بمنعهم من العودة إلى ديارهم. إنه تبرير سخيف ولا يمكن لعاقل قبوله. وهو يناقض كل القوانين المعروفة في العالم.

تزعم إسرائيل أنها تريد الحفاظ على نقاوتها كدولة يهودية، لو طبقنا هذا المقياس على كثير من الدول فإنها ستتفكك بل سيصبح العالم ساحات مشرعة للحروب الأهلية القومية والطائفية. لنتصور الهند وقد أعلنت أنها دولة الهندوس فقط، ولنتصور أمريكا وقد أعلنت دولة البيض فقط.

يدّعي قادة إسرائيل أن فلسطين غير قادرة على استيعاب اللاجئين الفلسطينيين. إذا كان الأمر كذلك لماذا يطالب شامير بأن تستوعب فلسطين ثلاثين مليون يهودي أو على الأقل خمسة عشر مليون يهودي؟. استطاعت إسرائيل دون أن يرف له جفن أن تستقبل مليون يهودي من الاتحاد السوفيتي خلال عشر سنوات مع ضمان تأهيلهم الاقتصادي الكامل. وفي احتفال رسمي قال باراك أنه سيكون سعيداً باستقبال مليون يهودي آخر. فلسطين قادرة فقط على استيعاب ملايين اليهود. أما العرب فلا مكان لهم في وطنهم.

ويمكن أن نستشهد بما أورده معهد الدراسات التطبيقية الإسرائيلي "كانت المساحة المبنية في إسرائيل لسنة 1995 (باستثناء النقب الذي يشكل 65% من مساحتها) تبلغ 6% أي نحو 465 كم2؟ ويتوقع أن تصل إلى 8% سنة 2020 وإذا نسبت المساحة المبنية إلى المساحة الكلية بما فيها النقب فإن نسبة المساحة المبنية ستكون 3% فقط".

وقد بين الباحث البارز سليمان أبو ستة بالأرقام المدققة والبيانات الواقعية أن العودة ممكنة بدون تأثير سلبي على اليهود المقيمين حالياً بفلسطين. أن الادعاء الإسرائيلي لا يصمد أمام الحقائق.

ماذا يعني حق العودة اليهودي؟ ببساطة أن الصهاينة يفترضون أن فلسطين قادرة على استيعاب يهود العالم المقدر عددهم بستة عشر مليون يهودي. فلماذا يا ترى لا تستطيع فلسطين استيعاب أهلها وأصحابها الأقل عدداً بكثير؟! إن فلسطين مأوى اليهود فقط. هذا ملخص الموقف الإسرائيلي، والذي يبين كيف تتجلى العنصرية والفوقية التحقيرية تجاه اللاجئين الفلسطينيين عندما يتحدث الإسرائيليون عن التعويض. فالباحثون الإسرائيليون يقدرون قيمة الممتلكات لعام 1948 بملياري دولار، وبروج دارسون متعاطفون معهم أن الأسرة اللاجئة يمكن أن تتقاضى عشرة آلاف دولار في حين تم تعويض مستوطني مستعمرة ياميت عندما أخلوها في سيناء ربع مليون دولار للأسرة. ويقدر الإسرائيليون التعويضات المطلوبة لسبعة عشر ألف مستوطن في الجولان بثمانية عشرة مليار دولار أي مليون دولار وأكثر قليلاً للمستوطن الواحد.

رؤية قانونية

ورد حق عودة اللاجئين في مجموعة فرعية خاصة من قانون حقوق الإنسان وهو القانون المتعلق باللاجئين. أما الوثيقة الأساس التي تحكم حقوق اللاجئين والتزامات الدول تجاههم فهي معاهدة عام 1951، المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكول عام 1967 المتعلق بها. والمصدر القانوني لحق اللاجئين في العودة في قانون اللاجئين هو قانون حقوق الإنسان (أنظر أعلاه حول أساس حق العودة في قانون حقوق الإنسان)، أما التنفيذ الفعلي لحق العودة فمن خلال مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين. وتحدد المادة(1) من نظام مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين لعام 1950، التفويض المعطى للوكالة على أنه "تسهيل العودة الطوعية للاجئين إلى الوطن، أو استيعابهم داخل مجتمعات قومية جديدة". وبموجب قانون اللاجئين، فإن مبدأ حق اللاجئين المطلق في العودة على أسس طوعية إلى مكان نشأتهم (بما في ذلك منازل نشأتهم)، هو أمر مركزي لتنفيذ الحلول الدائمة التي يضعها المجتمع الدولي لمعالجة تدفق اللاجئين. ومن بين الحلول الثلاثة، أي العودة الطوعية إلى الوطن (العودة)، والاندماج الطوعي في الدول المضيفة والتوطين الطوعي، فإن مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين يعتبر العودة الطوعية إلى الوطن هي الحل الأكثر ملاءمة لمشاكل اللاجئين. العودة الطوعية إلى الوطن هي وحدها التي تمثل حقا ممنوحا للأفراد (والتزاماً مماثلاً من جانب دولة المنشأ التي خرج منها اللاجئ). أما الحلول الأخرى فهي ليست حقوقاً للاجئين ولا التزامات من جانب الدول التي تتلقاهم. واستناداً إلى مفوضة الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين السابقة ساداكو أوجاتا فإن: "الهدف النهائي للحماية الدولية للاجئين ليس ترسيخ المنفى، بل الوصول إلى حلول لمشاكل اللاجئين، والعودة الطوعية إلى الوطن أينما كان ذلك مناسباً هي الحل الأمثل... ولهذا السبب...... فإنني أكدت على حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم بسلامة وكرامة..".

وتوفر ممارسة الدول فيما يتعلق بتطبيق آليات ثنائية أو متعددة لعودة اللاجئين الطوعية إلى الوطن، سابقة غنية وبينة لرأي قانونيopiniojuris (وهو إحساس الدول بواجب قانوني ملزم)، بخصوص وجود معيار عرفي يطلب من دول المنشأ أن تستقبل عودة الأشخاص الذين جرى تهجيرهم أو طردوا منها. ولقد حدثت عودة مجموعات من أشخاص مهجرين مع إقرار المجتمع الدولي الصريح، وكذلك الاعتراف الصريح من جانب أطراف النزاع نفسها، بأن الأشخاص العائدين يقومون بذلك باعتبار العودة حقا من حقوقهم

ومن الأمثلة البارزة اتفاقية البوسنة لعام 1994، واتفاقية دايتون لعام 1995، واتفاقية كرواتيا لعام 1995، واتفاقية غواتيمالا لعام 1994. والاتفاقيات الأربع جميعها تتحدث عن حق اللاجئين والأشخاص المهجرين في العودة إلى بيوت منشئهم، (تماماً كصياغة هذا الحق في قرار 194، على أنه حق غير مشروط. وإذا ما نظرنا إلى اتفاقية دايتون بشكل خاص، نلاحظ مباشرة بأن الحقوق الأساس الممنوحة للأشخاص المهجرين في تلك الاتفاقية، تصور بالضبط الحقوق الثلاثة المفصلة للاجئين الفلسطينيين في قرار 194 وهي تحديداً: "حق العودة (العودة إلى الوطن)، حق استعادة الممتلكات، حق التعويض". ومما يثير الإعجاب، فإن معظم أعداد اللاجئين الذين قام مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين بتسهيل عودتهم الطوعية وإعادة اندماجهم في أماكن نشأتهم، على أساس أن ذلك جزء من وضع حلول دائمة ضمن اتفاقيات سلام شاملة. "فخلال عام 1994و1995 عاد حوالي ثلاثة ملايين لاجئ إلى بلادهم، وكانت الأعداد الأكبر من العائدين إلى أفغانستان وموزنبيق وميانمار. وفي أواخر 1996 وأوائل عام 1997 كانت هناك عودة حاشدة لأكثر من مليون لاجئ رواندي هربوا أثناء الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من أربع سنوات. وفي التسعينيات مارس ما يقدر عددهم باثني عشر مليون لاجئ حقهم في العودة إلى منازل وأماكن نشأتهم. وبالمقارنة فإن حوالي 1.38 مليون لاجئ وشخص أعيد توطينهم طوعاً خلال الفترة نفسها، وكانوا موضع اهتمام مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.

وتؤكد قرارات عديدة صادرة عن الأمم المتحدة ذات علاقة بقضايا لاجئين أخرى حق العودة للأشخاص المهجرين. فقد أعلن مجلس الأمن الدولي دون لبس، بأن حق اللاجئين (والأشخاص المهجرين) في العودة إلى بيوت نشأتهم (والتي هي مشابهة إلى حد مذهل للطريقة التي صيغ فيها حق العودة في قرار 194) هو حق مطلق. وفي سياق الصراع في البوسنة وكرواتيا مثلاً، فإن مجلس الأمن أصدر قرارات عديدة تؤكد هذه الصياغة الملائمة بشكل خاص لحق العودة. وبالمثل ففي قضية النزاع في جورجيا أكد مجلس الأمن مرة أخرى حق اللاجئين في العودة إلى بيوت نشأتهم. وفي تشابه قوي آخر مع جانب مهم آخر من قرار194، نص مجلس الأمن تحديداً على أنه في قضية جورجيا، فإن حق اللاجئين في العودة كان منفصلاً عن أي حل سياسي نهائي، (وبالتالي فإنه لا يمكن أن يكون مشروطاً بمطالب سياسية يقدمها أي من أطراف النزاع).

وأخيراً، وفي مثال مهم آخر مماثل للقضية الفلسطينية، تمت حماية الحقوق الفردية والجماعية في خطط العودة للوطن في البوسنة وكوسوفو التي وضعها المجتمع الدولي. ففي كل من البوسنة وكوسوفو "تم حفظ الحقوق الجماعية في كيان مستقل أو دولة، إلى جانب آلية للأفراد اللاجئين لتأكيد مطالبهم في العودة إلى وطنهم واستعادة ممتلكاتهم و/أو التعويض. وقد شملت كل من هذه الأوضاع إنشاء لجان مطالب باعتبار ذلك جزءاً من تسوية تم التفاوض عليها، إلا أنه تم حفظ حق الفرد في تأكيد مطلبه/مطلبها بشكل مستقل عن حصيلة موضوع حق تقرير المصير". كما أصدرت الجمعية العمومية أيضا قرارات في إطار مبادرتها فيما يتعلق بتعاون الدول لتجنب تدفق جديد للاجئين، أعادت تأكيد "حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم في أوطانهم.

الاحتمالات والآفاق

يجمع المراقبون بأن الإسرائيليين سوف يمارسون ضغوطاً نفسية هائلة على الجانب الفلسطيني ولسوف يستعينون إذا أمكنهم ذلك بالضغط الأمريكي، ولسوف يهددون في اللحظات الساخنة بمقايضة الدولة بملف اللاجئين. سيوافقون على دولة من المعروف سلفاً أنها شكلية مقابل التخلي عن حق العودة والتعويض أيضاً. إن هذا الاحتمال وارد. ولا يمكن التكهن برد مفاوضي السلطة الفلسطينية على هذا الابتزاز المحتمل. هناك من سيقول إنه لا يمكن إرغام إسرائيل على القبول بالعودة لذا ينبغي الاكتفاء بالدولة ريثما تتغير الظروف.

وهناك من سيخشى من تفجر الوحدة الوطنية للشارع الفلسطيني وبالتالي سيواصل الإصرار على المطالبة بحق العودة. وأتصور أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع التنازل عن هذا الملف دون أن تغامر تماماً بفقدان شرعيتها التمثيلية. والانتقال لموقع العداء للأماني الوطنية. وأمام هذا الحساب المتوقع سوف يصل الطرفان إلى طريق مسدود فاتحين الطريق لضغوط شعبية. وربما دولية. ولو سلمنا بأن السلطة الفلسطينية رضخت للابتزاز والمقايضة وقبلت بالدولة وأغلقت ملف اللاجئين. فإن الفلسطينيين سيكتشفون بسرعة أن الدولة ليست كل شيء ولا يمكن أن تقبل كنهاية للمطاف، كخاتمة مرضية للصراع.

إن الدولة ستكون خدعة محدودة المفعول. ولن يطول الوقت ليستعيد الشعب الفلسطيني هدفه الجوهري بالعودة واسترجاع وطنه، وسيكتشف الإسرائيليون بدورهم أنهم أعطوا أكثر مما يجب. بانسحابهم من مناطق تستغل لإضعافهم. وسيعود الجميع إلى صفر الأزمة التاريخي في مواجهة الحقيقة وهي لا حل بدون عودة اللاجئين لوطنهم.

هناك تكتيك تفاوضي قد تلجأ إليه إسرائيل لتفجر العقدة المستعصية خصوصاً إذا اصطدمت بثبات الموقف الفلسطيني المدعوم عربياً. والمسنود بضغط دولي. يتمثل هذا التكتيك بقبول إسرائيل نظرياً لحق العودة مع وقف التنفيذ. بمعنى خلق آليات معقدة للتنفيذ على طريقة اتفاق أوسلو فكل شبر يتم التفاوض عليه مرات ومرات. وهنا سيتم التفاوض على عودة كل شخص عدة سنوات.

إن القبول الإسرائيلي بعودة جزئية ليس مستبعداً، فكثيراً ما أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى إمكانية السماح بالعودة لمائة ألف لاجئ.

إن خطورة تكتيك القبول بحق العودة مع وقف التنفيذ تكمن في أنه سيشل الإيقاع النضالي للشعب الفلسطيني لفترة يصعب تقديرها الآن، وسيربك الطرف الرسمي الفلسطيني على أكثر من مستوى.

وعلى صمود الشعب الفلسطيني تتوقف حقيقة اكتشاف الإسرائيليين لوهم حل سياسي وتسوية ومصالحة تستبعد حق العودة. الإسرائيليون يجازفون بالتحول إلى الطرف الآخر على خطوط التماس والخنادق والمتاريس التي يمكن أن تصبح حقيقة الحياة اليومية لطرفي الصراع إذا استمرت لعبة الخداع الحالية.

ليس من المنطقي أن تقبل عقول الإسرائيليين حقيقة أنهم يعودون إلى فلسطين التي تركوها قبل آلاف السنين حسب زعمهم بينما لا يعود إليها أهلها، وبيوتهم على مرمى الحجر من أبصارهم، الحجر الذي لم يزل يحمل بصمات أيديهم، أيدي اللاجئين الذين شردتهم إسرائيل. ليس من المنطقي أن تفترض إسرائيل أن الشعب الفلسطيني سيقبل التخلي عن وطنه مهما طال أمد التشرد. إن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الإسرائيليين لتسوية نزاعهم التاريخي مع ضحاياهم الفلسطينيين هي تركهم يعودون لبيوتهم وأرضهم. وبدون هذا يظل هؤلاء أسرى لعبة الدم والعنف الجهنمية. 

اعلى الصفحة