الجمهورية الإسلامية تحقق نصراً مدوّياً في لوزان

السنة الرابعة عشر ـ العدد 161 ـ (رجب 1436 هـ) أيار ـ 2015 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

كسبت إيران معركتها النووية بعد سنوات من الحصار والحظر والتهديدات، وربحت جولة كبرى من المفاوضات أفضت إلى إعلان إطار تفاهم، يمهد لاتفاق شامل يعيدها دولة نووية بإقرار غربي أمريكي، كما يلزم برفع العقوبات المفروضة عليها. فمن لوزان السويسرية خرج الدخان الأبيض، بعد مد وجزر من تبادل الأفكار والشروط والالتزامات.

مدت الجمهورية الإسلامية يد الصداقة إلى دول العالم بتعهد رئيسها الشيخ حسن روحاني الوفاء بعهود بلاده، على أن تفي الأطراف الأخرى بتعهداتها. بيان إطار التفاهم تلاه كل من منسقة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فريديريكا موغوريني ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بحضور وزراء دول الست الكبرى.

موغوريني أكدت العمل من أجل صياغة قرار حول الحل الشامل، مشيرة إلى أن الإتحاد الأوروبي سيرفع كل العقوبات عن إيران، ولن تفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة. من جهته، وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أشار إلى أن الإتحاد الأوروبي سينهي كل أنواع الحظر والولايات المتحدة أيضاً، لافتاً إلى مواصلة طهران برنامجها النووي السلمي وتخصيب اليورانيوم في موقع "نطنز".

الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وصف الاتفاق النووي مع إيران بالتاريخي، مشيراً إلى فتوى الإمام السيد علي الخامنئي حول تحريم السلاح النووي. أوباما، الذي لفت إلى تشكيل آلية جديدة للالتزام بالاتفاق الموقع، قال إن العالم سيلوم الولايات المتحدة على فشل الدبلوماسية، في حال رفض الكونغرس هذا الاتفاق.

لكن ماذا عن ردود الفعل الإقليمية وعن حلفاء إيران وخصومها؟ ما بين اتفاق الإطار والتوقيع النهائي هناك مرحلة اختبار، فكيف سيترجم إقليميا في ساحات النزاع؟ هل سيشتد الصراع في الأشهر الفاصلة عن آخر حزيران.

لقي هذا التفاهم ترحيباً في الشارع الإيراني، حيث جاب المواطنون بسياراتهم شوارع العاصمة طهران، وسط تأكيد المحتفلين بأن الاتفاق سيصب في مصلحة بلادهم وأن إيران هي الرابحة. في المقابل، فإن الوضع في الولايات المتحدة كان مناقضا للمشهد الإيراني حيث أعرب الجمهوريون في الكونغرس عن قلقهم إزاء الاتفاق الإطار الذي صدر في لوزان، إذ قال رئيس مجلس النواب الأمريكي الجمهوري جون بوينر إن معايير الاتفاق نهائي يمثل فارقاً مقلقاً، بالمقارنة مع الأهداف الأساسية التي حددها البيت الأبيض، معربا عن قلقه خاصة إزاء رفع العقوبات في المدى القصير.

الكيان الإسرائيلي، بدوره، عارض اتفاق الإطار حول البرنامج النووي الإيراني، على الرغم من التطمينات الأمريكية المتكررة، حيث عبر رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو عن قلقه الشديد إزاء الاتفاق، واصفا إياه بأنه يهدد وجود إسرائيل. وبعد اجتماع للحكومة المصغرة المعنية بالشؤون الأمنية، طالب نتنياهو بأن يتضمن أي اتفاق نهائي مع إيران التزاماً إيرانياً لا لبس فيه بحق إسرائيل في الوجود، على حد قوله.

أطول التفاهمات تفاوضاً في القرن الحالي

على قاعدة "رابح ورابح"، فضلت الجمهورية الإسلامية والغرب السير بتفاهم نووي. أطول التفاهمات تفاوضاً في القرن الحالي عبر عدة حقول ألغام قبل الوصول إلى هذه النتيجة.

في عام ٢٠٠٣، انطلقت المفاوضات مع الثلاثي الأوروبي: فرنسا وبريطانيا وألمانيا قبل أن تشكل مجموعة(٥+١). تشدد الأوروبيون بوجه الفكرة حتى قبل مناقشة سلمية البرنامج، فأحيل الملف إلى مجلس الأمن الدولي.

دخلت الجمهورية الإسلامية ميدان مصارعة مع دول كبرى، استخدمت فيها الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى التلويح بالخيار العسكري.

ألقى الإمام السيد علي الخامنئي مظلة آمال على البرنامج النووي، من خلال فتواه المحرمة لاقتناء القنبلة النووية. مع ذلك، لم تكسر الفتوى صمم من طبع على ممارسة التهديد، فمضت إدارة جورج بوش الابن بغزو المنطقة وتطويق إيران وتشديد العقوبات عليها.

إدارة باراك أوباما فرضت حزمة عقوبات، وصفت بالأشد في تاريخ العقوبات المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، رغم عدم وجود أدلة على كونه ذا منحى عسكري.أصر المفاوض الأمريكي على السقوف المرتفعة، حيث تجاهل الحديث عن رفع عقوبات رافضا تخصيب إيران لليورانيوم، مشترطاً استرداده جاهزاً من روسيا وفرنسا، ثم إعادة شحن المستنفذ منه إلى هذين البلدين لمعالجته، وذهب إلى ضرورة إغلاق مفاعل "نطنز".

بدا أن الغرب يريد تجريد إيران من كل شيء مقابل لا شيء، فخرج الإمام السيد علي الخامنئي ليرفض أي أتفاق سيئ، مشدداً على اتفاق يرفع سكين الحظر ويضمن عزة الشعب الإيراني.

أدخل المفاوض الإيراني ورقة "فوردو" للمساومة والحصول على اعتراف باستمرار العمل بمنشأة "نطنز". أصر كذلك على الاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات أولاً وآخراً.

الأسابيع الأخيرة كانت الأشد، ومهلة نهاية آذار مارس مددت بمباركة جميع المفاوضين للوصول إلى النتيجة الراهنة: الاستمرار بنشاط المنشآت النووية والاحتفاظ بحق تخصيب اليورانيوم. وبعد تنفيذ برنامج العمل المشترك الشامل، سيتم إلغاء جميع قرارات مجلس الأمن  وإجراءات الحظر الاقتصادية والمالية الأوروبية.

أهم بنود إطار الاتفاق النووي

وفق اتفاق الإطار بين إيران والسداسية الدولية، لن يتم وقف أو إغلاق أو تجميد أي من المنشآت والأنشطة المتعلقة بالشأن النووي، وستستمر الأنشطة النووية الإيرانية في جميع المنشآت النووية.

الفترة الزمنية لخطة العمل المشترك الشامل بشأن برنامج التخصيب الإيراني ستستغرق ١٠ أعوام، وخلال هذه الفترة، سيواصل أكثر من ٥٠٠٠ جهاز للطرد المركزي في "نطنز" عملية إنتاج للمواد المخصبة في مستوى  ٣٠٦٧%. الأجهزة الإضافية سيحتفظ بها لتكون بديلا عن الأجهزة التي قد تتعطل، كما أن إيران ستصبح قادرة على تخصيص مخزونها من المواد المخصبة لإنتاج مجموعات الوقود النووي أو تصديرها إلى الأسواق الدولية إزاء شراء اليورانيوم.

سوف تتحول منشأة "فوردو" إلى مركز متطور للأبحاث النووية والفيزيائية، على أن يحفظ أكثر من ١٠٠٠ جهاز للطرد المركزي وجميع البنية التحتية المرتبطة بها في المنشأة، ونصف المنشأة سيخصص لإجراء أبحاث نووية متطورة وإنتاج نظائر مستقرة ذات استعمالات مهمة، بالتعاون مع بعض دول مجموعة (٥+١).

سيبقى مفاعل "آراك" البحثي للماء الثقيل، وسيتم تطويره وتحديثه عبر عملية إعادة تصميم، في إطار برنامج زمني محدد، وفي إطار مشروع دولي مشترك بإدارة إيران، كما سيواصل مصنع إنتاج الماء الثقيل عمله كالسابق.

سوف تقوم إيران بموجب الاتفاق، بصورة طوعية، بتنفيذ البروتوكول الإضافي، بصورة مؤقتة، وستتم المصادقة عليه وفق جدول زمني، في إطار صلاحيات رئيس الجمهورية ومجلس الشورى الإسلامي.

بعد تنفيذ برنامج العمل المشترك الشامل، سيتم إلغاء جميع قرارات مجلس الأمن، كما ستلغى على الفور

جميع إجراءات الحظر الاقتصادية والمالية الأوروبية متعددة الأطراف والأمريكية أحادية الجانب. عندئذ، ستتوفر إمكانية التعاون الدولي النووي وتطويره مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في مجال إنشاء المحطات النووية، ومفاعلات الأبحاث، والانصهار النووي، والنظائر المستقرة، والأمان النووي والطب، والزراعة النووية وغيرها. وبذلك، ستتوفر لإيران إمكانية الوصول إلى الأسواق العالمية والمجالات التجارية والمالية والمعرفة التقنية والطاقوية.

ردود الفعل الإقليمية على اتفاق الإطار

عبارات الغضب والاستنكار لم تكف القادة والمعلقين الصهاينة حيال إبرام التفاهم الإيراني الدولي  حول البرنامج النووي لطهران، بل ذهبت مصادر سياسية صهيونية إلى اتهام الدول الغربية بالخضوع للإملاءات الإيرانية والموافقة على اتفاق إطار، يفضي إلى اتفاق أكثر سوءاً، يمثل خطأ تاريخياً ويحول العالم إلى أكثر خطورة، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت".

رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو توّج السخط الإسرائيلي أثناء تلقيه اتصالاً من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، فاعتبر أن الاتفاق يشكل خطراً على وجود إسرائيل ويعطي شرعية لبرنامج إيران النووي، ويعزز اقتصادها ويزيد، ما وصفه بـ"العدوانية والإرهاب في أنحاء الشرق الأوسط"، مضيفاً: "ما سمعناه لا يبدد مخاوف إسرائيل إنما العكس. وعلى إسرائيل الاستمرار بالعمل وبذل كل جهد لإقناع أوباما وكيري بأن مدة العام غير مقبولة ويجب إطالتها".

أوساط صهيونية قالت إن خطورة الاتفاق تنبع من احتفاظ طهران بقدرات نووية واسعة وبرفع العقوبات عنها كلياً، في حين لن تتمكن تل أبيب من العمل ضد برنامجها النووي مضيفة: "الإيرانيون وافقوا على إبطاء وتقليص برنامجهم النووي، لكنهم لم يتخلوا عن أي من أجزائه. وإذا استمر ذلك لـ(١٠) سنوات، فإن إيران حضارة قديمة و ١٠ سنوات لا تعني أمراً مهماً بالنسبة لها".

المصادر الصهيونية قالت "إن البديل عن هذا الاتفاق السيئ" ليس الحرب، إنما اتفاق يفكك البرنامج النووي الإيراني بشكل جذري ويلزم إيران وقف "العدوانية والإرهاب في المنطقة" وفق تعبير المصادر الصهيونية.

تفاهم لوزان كشف النقاب عن التوازنات الدولية القائمة، والتي باتت إيران جزءاً منها إلى جانب روسيا والصين، مقابل المعسكر الغربي. التفاهم نفسه يكشف عن توازنات إقليمية جديدة يسجل فيها لإيران موقعية متقدمة، على حساب طرفين أساسيين هما السعودية وإسرائيل.

يتخوف الإسرائيلي المعترض على التقارب الإيراني الغربي من خريطة سياسية إقليمية مختلفة، تؤدي إلى تكريس الدور الإيراني المتعاظم في المنطقة. ولعل تخوف تل أبيب ينبني على الاستنتاج بأن الجمهورية الإسلامية التي لم تخفق بالتمدد إقليمياً وهي محاصرة ومهددة، لن يمنعها شيء من استكمال مشروعها وتثبيت موقعيتها كقوة إقليمية عظمى في ظل رفع العقوبات عنها وتقاربها مع الغرب.

تتخوف إسرائيل أيضا من أن تفاهم لوزان قد شرعن كل الأنشطة الإيرانية الممهدة لامتلاكها القنبلة النووية، فتحول طهران النووي العسكري، كما يرى الإسرائيليون، لم يعد ينقصه سوى خطوتين. الأولى، سياسية متوقفة على الإرادة السياسية واتخاذ القرار. والثانية، تقنية مرتبطة بزيادة كمية عدد الطرود ورفع تدريجي لمستوى التخصيب. ولعل الخسارة الكبرى في حسابات تل أبيب، أنها ستجد نفسها أيضا منفردة في خانة العداء لطهران، بعدما كانت على الدوام في هذه الخانة إلى جانب أمريكا والغرب.

أما المملكة السعودية التي حاولت دون جدوى الحضور على طاولة المفاوضات بين إيران والدول الست ولو بصفة مراقب بالنيابة عن المجموعة العربية، فإن خيبتها بعد لوزان تتخطى الفشل في التحريض على عزل الجمهورية الإسلامية إلى الصدمة من تعويمها.

الاعتراف الدولي بحق إيران النووي يستدعي ضمناً تقوية دورها، وذلك في ذروة الاندفاع السعودي للحد من تمددها المتعاظم في الإقليم. وإذا كان العدوان السعودي على اليمن قد أخذ في الحسبان أن يؤدي إلى فشل المفاوضات النووية، فإن تفاهم لوزان قد وضع المملكة، وهي في خضم عدوانها أمام أفق مسدود، في ظل عدم القدرة على التشويش على مسار العلاقات الإيرانية الغربية وعجز ميداني عن تحقيق الأهداف.

لقد تمخض عن تفاهم لوزان معادلة "رابح ورابح"، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في إشارة منه إلى إيران والسداسية الدولية. ربما لباقة ظريف الدبلوماسية منعته من الحديث أيضاً عن معادلة "خاسر وخاسر"، وهما السعودية وإسرائيل.

التفاهم الإيراني الدولي يرسم معالم جديدة للشرق الأوسط

نحن أمام بداية تفاهم إيراني دولي، لا شك سيرسم معالم جديدة للشرق الأوسط. وفي هذا الشرق، أصبحت إيران دولة مفصلية لمحاربة الإرهاب، تماماً كما هو الحال بالنسبة لحزب الله والجيش السوري والجيش العراقي.

لا شك أن ربح إيران كبير فيما جرى في لوزان، فهي ستستعيد أكثر من ١٢٠ مليار دولار، والشركات الغربية ستتهافت عليها للاستثمار، وصورتها في الغرب ستتحسن على الرغم من لهاث بنيامين نتنياهو لتعطيل الاتفاق حتى آخر لحظة. لا بل إن الاتفاق الإطار الحالي متقدم جداً على مشروع اتفاق سابق منذ سنوات لم ير النور.

كل ما استطاع الرئيس باراك أوباما قوله هو أنه منع إيران من امتلاك قنبلة نووية. والمعروف أن القيادة الإيرانية قالت مئات المرات إن إنتاج القنبلة النووية هو مخالف لعقيدتها ومرفوض شرعياً وأخلاقياً. لكن أوباما يعرف أن الشعب الأمريكي يريد أن يسمع هذا الموقف منه، خصوصاً أن ٥٩ % من هذا الشعب يؤيده، رغم أنف الجمهوريين.

أما وقد دخلت إيران اليوم، عبر الاتفاق الإطار في مسيرة الاتفاق النهائي، الذي من المفترض توقيعه في حزيران المقبل، فما هو المطلوب عربياً؟ من المهم أن توظف إيران انتصارها هذا لدفع الغرب نحو إنهاء بؤر التوتر في المنطقة والاتجاه أكثر وأسرع نحو حلول سياسية.

إن عاصفة الاتفاق النووية جبّت كل ما قبلها، إذ يستطيع المرء أن يفهم أكثر الآن لماذا سارعت دول الخليج إلى "عاصفة الحزم" في اليمن في آخر لحظات الاتفاق.

السجادة الإيرانية حيكت على مدى أشهر طويلة ببراعة مشهودة للمفاوضين الإيرانيين، فيما أسماها الإمام السيد علي الخامنئي بـ"مرونة المصارع". فلتستمر المرونة الآن بالسياسة، وسوف تدرك القيادة الإيرانية تماماً كيف تهدئ العواصف، حتى ولو أن العوائق ستكون هائلة من قبل المتضررين، وفي طليعتهم إسرائيل واللوبي المتحالف معها في أمريكا والغرب.

كفانا دماء ودموعاً وفتناً. الجميع بحاجة لطي صفحة الماضي ووقف سيل الجهل الجارف القادم إلينا جميعاً عبر مطية الإرهاب. لا بد أن تقتنع دول الخليج أيضاً أن التعاون مع إيران سيفتح المنطقة نحو نهضة اقتصادية وأسواق مشتركة وتبادل هائل، بدلاً من الاستمرار في فتح أبواب جهنم على الجميع.

لو تكاتف العرب في مدريد منذ مطلع التسعينيات وأحسنوا حياكة سجادة مفاوضاتهم، لما كنا حتى اليوم نجرجر ذاك التفاوض، فالغرب لا يعرف أن يفاوض الضعفاء.

بوتين يعيد تسليح إيران ولم ينتظر رفع العقوبات

الرئيس الروسي استبق الأمور ولم ينتظر رفع العقوبات كي يعيد إحياء عقد بيع صواريخ  (أس ٣٠٠) لطهران. هذه الصواريخ مهمتها اعتراض الطائرات والصواريخ في الجو. فهي إذا معدات دفاعية، إلا أنها أغضبت إسرائيل والولايات المتحدة.

تشكل الخطوة الروسية تحدياً للغرب، على خلفية ارتفاع حدة التوتر في الشرق الأوسط وأوكرانيا. إذ إن فلاديمير بوتين شهر سلاحه المفضل صاروخ (أس ٣٠٠) البعيد المدى وصاحب القدرات العجائبية.

يرى بعض المحللين أن إبرام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وإرساء علاقات مباشرة بين طهران وواشنطن قد يضعف موقف موسكو. إن الاتفاق المبدئي بشأن برنامج إيران النووي سيفتح الأبواب أمام سيل من الشركات الغربية، في سوق ضخم لم تدخلها من قبل. ففي الوقت الذي كانت فيه المحادثات في مرحلتها النهائية، أدت التوقعات بالتوصل إلى اتفاق نهائي ورفع العقوبات إلى تدفق الشركات العالمية إلى إيران، وذلك للإعراب عن رغبتها للاستثمار في ذلك البلد.

نقل عن رجل أعمال إيراني يدير شركة استشارات في فيينا، يدعى بيجان خاجيبور قوله: "إن شركات الاستشارات بدأت في إحياء اتصالاتها القديمة، وهناك مؤشرات كثيرة على أن الشركات توجه اهتمامها نحو إيران، وإحدى المؤشرات على درجة الاهتمام هو أنك حالياً لا تستطيع أن تجد غرفة واحدة خالية في فنادق طهران".

على رأس القائمة، تأتي شركات النفط والغاز، ولكن ثمة أسواق أخرى ذات إمكانيات ضخمة غير مستغلة. إن سوق السيارات والشاحنات في إيران كانت عاشر أكبر سوق في العالم وهو الآن يجذب اهتمام شركة "بيجو" التي كانت لاعباً رئيساً في الأسواق الإيرانية، إضافة إلى شركات أخرى.

بين تفاهم لوزان والاتفاق النهائي

ما حصل مؤخراً في لوزان كان نتيجة مواجهة قاسية ومستمرة منذ انهيار الإتحاد السوفيتي وتولي الغرب بقيادة واشنطن إدارة شؤون العالم من دون معترض أو رادع. نتيجة هذه المواجهة كانت ببساطة أن الغرب يرضخ. سيخرج كثيرون في المنطقة والعالم يبحثون عن صياغات لعبارات وتعليقات بقصد القول إن إيران هي التي خسرت، لكن إذا وضعنا الأحقاد التي تسكن عقول الفاشلين جانبا، يمكننا الاستماع فقط إلى تبريرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لخطوة الاتفاق مع إيران. لقد قال باراك باختصار واضح "لقد جربنا كل شيء مع إيران وبتنا أمام خيارين: إما الحرب وإما الاتفاق، وقد اخترنا الاتفاق".

إن المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، كانت وحدها خيار أوباما، وقد عمل من أجل إنجاحها منذ فوزه بولاية ثانية. إن هذا الخيار يعكس الأهمية التي يعلقها أوباما على هذه المفاوضات، وفي الوقت نفسه، يجسد نظرية الرئاسة الأمريكية التي ترى أن سياسة الإصرار ومواجهة الخصم يمكنها تغيير العالم.

أوباما لم يقل بأن الحرب هي خيار غير واقعي، لكن الحقيقة هي كذلك. والأهم، هو أن الغرب لم يقر من خلال الاتفاق بحق إيران في امتلاك الطاقة النووية، بل هو أقر بحق أي شعب لديه قيادة حكيمة وقادرة، ولديه مثابرة ليتمكن من الوصول إلى كل حقوقه.

بين يوم التوقيع على تفاهم لوزان وتاريخ ٣٠ حزيران المقبل مدة زمنية سوف يسعى خصوم إيران، وليس خصوم الولايات المتحدة إلى نسف الاتفاق أو لنصب كمائن متنوعة بقصد تفجيره. هذه المرة سوف يضطر هؤلاء إلى الأخذ بعين الاعتبار أن العبوات سوف تنفجر بالمركبات الأمريكية والأوروبية قبل أن يصل صداها إلى إيران. إن من يقف في جانب الخير في هذا العالم لديه وسيلة سهلة لمعرفة كيفية التعامل مع مجريات الأحداث.

يكفي المرء أن يرى منسوب الغضب لدى إسرائيل، الكيان العنصري وعدو الإنسانية، ويكفيه أن يرى الاستياء لدى أنظمة التخلف والظلامية في الشرق الأوسط. عندئذ، يدرك جيداً أن ما يريده هؤلاء هو ما يصب في خانة الشر.

إن ما حصل في لوزان ينطبق عليه وصف الخطوة التاريخية. كان أوباما أفضل من عبّر عن حقيقة ما حدث، إذ أنه لامس حقائق في مجريات التفاوض تعكس حقيقة موازين القوى على الأرض، وهو لم يكن سعيداً ليتحدث عن انتصار جديد لأمريكا، لكنه كان أقرب إلى القول إنه ليس هناك من خيار آخر. لكن ذروة المأساة لدى خصوم إيران في كل العالم أنهم سمعوا أوباما يختم خطابه قائلاً "لبيك يا خامنئي".  

اعلى الصفحة