السنة الرابعة عشر ـ العدد 161 ـ (رجب 1436 هـ) أيار ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

صباح الخير

ثمة نبوءاتٌ اعترتني هذا الصباح لستُ أدري إن كنتُ قد أُصِبْتُ بلوثةِ الشعر، ربما وبعدَ الخمسين يأتي شيطانُ الشعر ليوهمَ الكهلَ فينا أن ثمةَ ما يشبهُ النبوءاتِ تعتريهِ فيصبحُ إما شاعراً وإما مجنوناً.. وفي كلا الحالين واحدُنا بعد الخمسين تُخالِطُهُ الحكمةُ بشيءٍ من الجنون أو يُخالطُهُ الجنون بكثير من الحكمة.. المهم سأخطُّ بما يُشبِهُ الشعرَ نبوءاتي ربما يأتي اليوم الذي سيقرأني من يأتي من بعدي ليؤكِّدَ أو ينفي ما خطَّهُ قلمُ المواطنِ الصامتِ حبراً على ورق الأيام.. 

صوت: حين يسكنُكَ الشعرُ.. يسكُنُكَ الفَقْرُ..

صدى: حين يسكنك الفقرُ.. يسكنكَ الشعرُ.. وبخيطٍ من الدمعِ.. يشنقكَ الشعرُ فوقَ منصَّةِ هذا الزمان.. ثمَّ تمشي بنعشكَ في طرقاتِ المدينة..

الشاعرُ يا صاحِ.. سابحٌ في دمِ الغسقْ.. زادهُ الجوعُ والقلقْ.. يحطبُ الليلَ حزنهُ وعلى وجههِ الفلقْ.. راكضٌ خلفَ نهرهِ بعد ما نهرهُ انطلقْ.. "أيُّها النهرُ لا تسرْ" إنّهُ موسمُ الغرقْ.. "أنا أحضرتُ مركبي.. هو يا نهرُ مِن ورقْ".. أيُّها الشاعرُ الذي مسَّه الماءُ فاحترقْ!.. إلعنِ الشعرَ إنْ يكنْ كلماتٍ على الورقْ!.

بمملكة الفقر كنّا التقينا وكنّا حفرنا على نخلةِ العمرِ أسماءَ كلّ الصعاليكِ مِن قبلنا.. أيُّها المتنبي الصديق.. وكنتَ تأمّلتَ وجهي قرأتَ عليهِ تواريخَ كلِّ الليالي العجاف.. تُرى ما الذي يجعلُ الشعرَ خبزاً ليرقبهُ الفقراء؟!.. تُرى ما الذي يجعلُ الفقر شعراً ليرقبَهُ الشعراء.. بمملكة الفقر.. كنّا نغنّي وكنّا نخبّئُ أشعارنا في زوايا رياحِ الجنوبِ وفي الليلِ نفتحُ للحزنِ باباً وننتظر الميتّينَ فيا أيُّها المتنبي الصديق لا تؤاخِ الحجارةَ في اللحظةِ الحرجة واقذفْ بوجهكَ نحو رمادِ الحقيقةِ ما للتصعلكِ هذا شروطٌ وما في الهوى بين بين.

"قفا نبكِ حتى نُرجعَ الياءَ للألفْ..

سنبكي بلا دمعٍ.. بلا أرجلٍ نقفْ.."

مَن يشربُ عطشي؟.. منَ يأكلُ جوعي؟!.. مَن يلبسُ عُريي؟!.. يا شعراء.. يا فقراء الأرضِ المتخومين مَن يعرفْ كلَّ ملامحِ وجهِ الزمنِ العربي يتبعْني.. مَن يملكْ عُنقاً لا تُحنى بلْ تُكسرْ يتبعْني.. لنحاولَ مُلْكاً أو نعذرْ! قفا نبكِ من ذكرى الذي ليسَ يُذكرُ.. سنصحو من الهمِّ القديمِ فنسكرُ!.. مرّتْ كلُّ رياحِ الأرض فماذا ترقبُ يا "ابن العبد".. أن تعبرَ فوق بقاياكَ الخيلُ وينكركَ الفرسان!؟ أنْ يتوحّدَ فيكَ الضدّانِ.. فتُصلبُ بين الحانةِ والميدانِ.. ويشربُ من دمكَ الشعراءُ الموهومون.. ماذا ترقبُ!؟.. 

قفا نبكِ من ذكرى هوىً ليسُ يُدركُ..

سنبكي دماً ممّا نراهُ ونضحكُ!..

مرّت كلُّ مساءاتِ العالمِ.. فلماذا لم يشرقْ ليلُ الشعراءْ؟!! مرّتْ كلُّ نهارات العالم فلماذا لمْ تغبِ الشمسُ السوداءْ؟!.

لحظةً.. ريثما نتحسَّسُ أوجاعَنا الآتية.. لحظةً.. ريثما يشربُ الصمتُ أكوابَنا الخالية نتعمّدُ بالماء والنارِ والكلماتِ ونسلّم للحججِ الواهية!.. فيا أيُّها المتوهجُ بالحبّ كنْ نجمةً للقوافلِ.. كنْ قدراً لا يخونْ.. كنْ حجراً في جدارِ الجنونْ.. وتعالَ لنمْسَحَ أسماءَنا مِن على قارعات الطريق وننتظر اللحظةَ الماضية!..

وجهُ المدينةِ بعضُ وجهِكَ، والدروبْ.. تمشي على قدميكَ عاريةَ الخطى يا آخرَ المتسكّعين لا تعطِ وجهكَ حينَ تزدوجُ الوجوهُ.. ادفنْهُ في الحاناتِ في الأزماتِ.. في وحلِ المروءةِ واعتذرْ للطالبين.. أفأن تحاصرَكَ القصيدة تستنطقُ الحجرَ البليد وتستغيثُ فلا يُجيبُ الميّتون؟!!.. فتعودُ تنشدُ في المقابر:

"عُدنا إلى الموتِ نستجدي عطاياهُ..

لمْ يبقَ بابٌ لـهُ إلاّ طرقناهُ..

ماتَ الشقيُّ وما ماتتْ شقاوتُهُ.. ولا تبدّدَ حزنٌ كان يغشاهُ..

المجدُ للصخرِ ما للصخرِ من سمةٍ.. ربّاهْ كيفَ خلودُ الصخرِ ربّاهْ.."

الآن.. أرى أن الوقتَ قد حان لامتهان الفرحِ واعتناقِ العشقِ.. أنا الآن في طور الرحيل، ولا زلتُ لا أميِّزُ بين الشعر وبين العشقِ، لا زلتُ أغبى مما ظننتُ.. أرتكبُ حماقاتِ العالمِ وأغلِّفُها ببطاقاتِ معايدةٍ ملونةٍ أشعاراً عن الحزن والقلقِ وأشياءَ أُخرى غير الحب..

تُرى هل من متَّسَعٍ لإشراقةٍ من فرحٍ وسطَ هذه الغمامات؟؟ هل أنا الآن غير أنا الأمس؟!! ربما.. ربما.. لكن مع بعض نبوءاتٍ كاذبةٍ وتمتماتٍ حائرةٍ وصمتٍ أزليٍّ مقيت.. فيا ذا العالمُ صباحَ الخير.. صباح الخير.

اعلى الصفحة