المرأة الإسرائيلية بين الشريعة اليهودية والعلمانية

السنة الرابعة عشر ـ العدد 161 ـ (رجب 1436 هـ) أيار ـ 2015 م)

بقلم: ازدهار معتوق(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تخدم المرأة في جيش الاحتلال الصهيوني خدمة إجبارية؛ حيث يعتبر الجيش الإسرائيلي أول جيش ألزم المرأة بالخدمة العسكرية، والذي صدر من خلال قانون إسرائيل عام 1956 إضافة إلى خدمة الاحتياط.

وتمثل المرأة في الجيش الإسرائيلي ثلث القوات العسكرية وهذا يعطيها أهمية قصوى في الجيش وتواجدها يمثل عاملاً أساسياً في قوته؛ فقد ألغى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (أيهود باراك) ما كان يطلق عليه سلاح النساء الذي كان مخصصاً للنساء داخل الجيش لرعاية شؤونهن واحتياجاتهن، ولكن لتقدير الجيش لما تقوم به المرأة تم دمجهن في أفرع الجيش العسكرية مثل سلاح الطيران والمدفعية والمشاة وكافة الأقسام الأمنية والإدارية التابعة له، واعتبر هذا القرار من قبل المنظمات النسائية الإسرائيلية قراراً تاريخياً واعترافاً رسمياً بدور المرأة والمجندة داخل الجيش، لكن في المقابل اعترفت استبانة صادرة عن الجيش الإسرائيلي بالفساد الموجود داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بين الرجال والنساء، وقالت: إن 20% من المجندات الإسرائيليات في جيش الاحتلال يتعرضن خلال خدمتهن العسكرية إلى المضايقات والتحرش الجنسي من قبل رفاقهن والمسئولين عنهن في الجيش، وفي استطلاع شارك فيه 1100 مجندة، بينهن 64 ضابطة يؤدين الخدمة النظامية في جيش الاحتلال، للسنة الثانية على التوإلى قالت 81 من المجندات: إنهن تعرضن إلى الاعتداء والمضايقة عبر إيحاءات جنسية تمس بهن، وقالت 69% إن المضايقة شملت دعوتهن إلى ممارسة الزنا وتلقي اقتراحات مزعجة. ويستدل من الاستطلاع على أن أكثر من نصف المجندات اللاتي تعرّضن إلى المضايقة الجنسية لم يقدمن شكاوى ولم يقمن بأي خطوة ضد من ضايقهن، وتبين أن 20% منهن قدمن شكاوى إلى الضباط المسئولين وبعضهن أوصلن شكاواهن إلى الجهات الرسمية المهنية. وكانت سلطة تخطيط القوى البشرية في وزارة العمل قد نشرت مؤخرًا، معطيات أشارت إلى تعرض 16.4%  من المجندات إلى المضايقات الجنسية أثناء خدمتهن العسكرية ويبدو أن جنود الاحتلال يعتبرون أن لهم حقاً وأولوية بالاستفادة من المضيفات.

المرأة الأسيرة والملعونة

بين الأوضاع المتباينة للنساء في شتى أنحاء العالم، يبقى وضعهن في إسرائيل مختلفا إلى درجة كبيرة. فعلى الرغم من وصول المرأة إلى أرفع المناصب، وهو منصب رئيسة الوزراء، مثل جولدا مائير في السبعينيات، وتسيبي ليفني، كوزيرة خارجية، ثم وزيرة عدل، ورئيسة حزب، إلا أن وضع المرأة الإسرائيلية لا يزال يكتنفه الغموض والجدل، بين سعي الحاخامات الدائم لتهميشها، وعلمانية إسرائيل التي تكبح رغبتهم في تهميش الجنس اللطيف في الحياة العصرية.

ويستند الحاخامات في سعيهم لتهميش نصف المجتمع على ما جاء بالشريعة اليهودية، والتي حطت من مكانة المرأة وقدرها على مر العصور والأزمنة.

"إذا سكن إخوة معاً ومات واحد منهم وليس له ابن، فلا تَصِر امرأة الميت إلى خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه الميت لئلا يُمحى اسمه من إسرائيل". سفر التثنية: 25/5.6.

هكذا تحتم الشريعة اليهودية على المرأة أن تظل حبيسة الرجل حتى بعد موته، فلا تستطيع الفكاك من هذا القيد، وتلزم الديانة اليهودية الأرملة بأن تتزوج شقيق زوجها الذي مات عنها، وبعد أن تضع طفلا منه لا يحق نسبه إلى أبيه الحقيقي، وإنما إلى زوجها الميت، أي عم الطفل، ويعتبر هذا التشريع من أشد الإهانات الموجهة ضد المرأة، بحسب أستاذ الدراسات اليهودية في جامعة الأزهر، سامي الإمام، لأن الديانة اليهودية لم تحفظ للمرأة حقها ولم تمنحها حريتها حتى بعد وفاة زوجها.

وتقول أستاذ الدارسات التلمودية بكلية الآداب جامعة عين شمس، الدكتورة ليلي أبو المجد، في كتابها "المرأة بين اليهودية والإسلام"، إن العهد القديم حط من قدر المرأة كثيرا في قصة حواء والحية الشهيرة، إذ ترى التفاسير الدينية "المدراشيم" أن حواء هي سبب عصيان آدم لربه، إذ استجابت لغواية الحيّة ليصب عليها الرب لعناته، وهي عشر لعنات على حسب تفسير الحاخام يسحق برافديمي، والذي استند في حكمه إلى الآية (تكوين 3/16) في العهد القديم، والتي تقول: "تكثيراً أكثر أتعاب حبلك، وبالوجع تلدين أولاداً، وإلى رجلك يكون اشتياقك، وهو يسود عليك". 

ويستمر وضع المرأة المزري في الشريعة اليهودية، فهي لا ترث، ولا تطلق، ولا يحق لها ترك منزل زوجها المتوفى، بل يتحتم عليها الزواج بأخيه، وحتى إذا كان طفلاً فسوف تنتظره. 

ويرى متخصص الدراسات اليهودية، فتحي الإبياري في كتابه "القهيلا وأسرار المنظمات الصهيونية"، أن الشريعة اليهودية تنظر للمرأة اليهودية على أنها خادمة تورث ولا ترث زوجها، وتعامل وكأنها متاع فقط، فهناك مثلا زواج "إليبوم"، وهو إذا توفي الزوج ولم ينجب ولدا فإن امرأته يجب أن تتزوج أحد أخوته لكي ينجب منها ولدا يحمل اسم الزوج المتوفى، ويرثه في تركته.

أما عن خروج المرأة من المنزل والاختلاط بالحياة العامة، فلقد حظرت "المشناة"، وهي الشريعة الشفوية لدى اليهود، على المرأة الخروج من المنزل، وفرض الطلاق عليها وحرمانها من مستحقاتها المالية "الكتوبا" إذا ما خرجت من بيتها دون غطاء على رأسها، بل وعلى الزوج تقويم زوجته بالضرب والقوة لإبقائها في المنزل (باب كتوب وت7/ الفقرة "و"). 

كما اعتبرت بروتوكولات حكماء صهيون جسد المرأة ملكاً عاماً لإسرائيل، فأعطت لها مساحة للفساد الأخلاقي، وجاء في البروتوكول الأول "ومن المسيحيين أناس أضلتهم الخمر، وتحول شبانهم إلى مجانين بالكلاسيكيات والمجون المبكر، الذي أغراهم به وكلاؤنا ومعلمونا وخدمنا وقهرماناتنا في البيوتات الغنية، وكتابنا، ونساؤنا في لهوهم، وإليهن أضيف من يسمين (نساء المجتمع) والراغبات من زملائهن في الفساد والترف".

وظلت المرأة اليهودية تتاجر بجسدها بسبب إتاحة الصهيونية لها ذلك، حتى أننا نرى في العصر الحديث مدى التدني الذي وصل له حال المرأة من ناحية المتاجرة بجسدها، ففي تقرير صادر عن القناة الثانية الإسرائيلية، أثبت أن 80% من مجندات إسرائيل تم التحرش بهن.

واستمر وضع المرأة في التدهور حتى جاء العصر الوسيط، وبالتحديد عصر الوجود اليهودي في الأندلس إبان فترة حكم المسلمين، وتمتع اليهود بشكل عام بحريات كبيرة، وبدأت الحركات النقدية للعهد القديم في الظهور، حتى ظهرت حركات تدعو إلى تغيير وضع المرأة وتخليصها من براثن الشريعة اليهودية، ومع الوقت بدأ وضع المرأة في التحسن نسبياً، حتى ظهرت حركات تدعو لتحرير المرأة، وظهرت الأديبات والشاعرات في العصر الحديث.

مساواة غير موجودة

على الرغم من ادعاء إسرائيل المتكرر أمام مؤتمرات حقوق الإنسان أنها تحافظ على الحقوق وتحترم الديمقراطية والتعددية، فإن المجتمع الإسرائيلي بمعطياته يقول غير ذلك.

وفي استطلاع أجرته الدكتورة مينا تسميح من مركز "داحف لاستطلاعات الرأي" مؤخراً حول العنف ضد المرأة وكيفية التعامل معها داخل الأسرة قال 57% إنها تستحق الضرب، فيما قال 34% إن العنف ضد المرأة غير عادل.

وامتداداً لهذه الأزمة فقد بين الاستطلاع، أن 59% من النساء يرين أن المساواة غير موجودة في المجتمع الإسرائيلي فيما رأى 37% أنه توجد مساواة في الغالب.

ويتميز المجتمع الإسرائيلي بأغلبية نسوية إذ كشفت دائرة الإحصاء المركزية أن عدد النساء في دولة الاحتلال عام 2002 يفوق عدد الرجال حيث وصل عددهن إلى 3.358.800 امرأة، فيما بلغ عدد الرجال 3.282.300 رجلاً. وعلى الصعيد الثقافي تشير المعطيات إلى أن 62% من نساء المجتمع يحملن شهادة الثانوية العامة (البغروت) فيما يبلغ عدد الرجال الحاصلين عليها 55%. أما الشهادات الجامعية فتبلغ نسبة النساء 56% مقابل 53% من الرجال.

وعلى الرغم من ذلك تعيش المرأة هناك ظروفاً اجتماعية صعبة وتشير مصادر الشرطة الإسرائيلية إلى أن نسبة الجريمة تزداد ارتفاعا، فقد بلغ عدد جرائم القتل وخاصة وسط النساء نحو 1643 حالة في نهاية عام 2002م بينما بلغ نهاية عام 2003م 2759 حالة.

وتعزو الدكتورة (راشيل عوفر) من مركز دراسات المرأة في دولة الاحتلال سبب هذا الارتفاع إلى حالة التوتر النفسي التي يعيشها الرجال، جراء تدهور الأمن والاقتصاد وتفسخ الوضع الاجتماعي فيما تؤكد أن هناك أسباباً أخرى تعود إلى الإفراط في تناول الكحول وكذلك المخدرات.

وأشارت دراسة حديثة حول واقع المرأة هناك بداية عام 2004م عن دار (شوكن) في تل أبيب، إلى أن المرأة اليهودية في إسرائيل تعاني من العنف ضدها وتتعرض للمهانة خصوصاً في أوساط الذين لم يحظوا بعد باليهودية الصادقة. وهؤلاء هم من لم يعترف بهم كبار الحاخامات، وأغلبهم من الذين هاجروا من إثيوبيا (يهود الفلاشا).

ويشمل ذلك أيضاً الذين هاجروا من الدول الشرقية، حيث يقيد (قانون من هو يهودي) الكثير من هذه الحالات، وكذلك التي تتزوج من أوروبي مسيحي تعتبر ليست يهودية وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان المرأة حقها في المواطنة والمطالبة بحقوقها، إضافة إلى فقدانها حق الاندماج في المجتمع، هذه الأمور كلها أدت إلى اختلاط المفاهيم حول حقوق المرأة وواجباتها في هذا المجتمع.

وبيّن تقرير آخر أن 20% من الإسرائيليين المجرى عليهم الاستطلاع يعتقدون بأن الشرطة نجحت في معالجة شكاوى العنف ضد المرأة، كما رأى 20% آخرين أن المحاكم الإسرائيلية تقوم بعملها بشكل جيد فيما يتعلق بقضايا العنف ضد المرأة. بينما رأى 72% من الإسرائيليين يعتقدون بأن الشرطة الإسرائيلية لم تنجح بالدفاع عن النساء ولا الأطفال أمام أزواجهن، كما رأى 80% أن الشرطة لا تفرض عقوبات ملائمة لردع من يقوم بأعمال العنف ضد المرأة.

وفي سياق متصل نشر مكتب الرفاه الإسرائيلي تقريراً أشار فيه إلى أن مراكز منع العنف العائلي التابعة للمكتب، عالجت نحو 11 ألف حالة عنف من بينها 8000  حالة عنف بحق امرأة و990 حالة عنف ضد أطفال.

ولفت المكتب إلى أن نحو 40 ألف شخص اتصلوا بمراكز منع العنف العائلي يشكون من الاعتداء الجنسي بحقهم، موضحاً أن 64% منهم كانوا فتيات لا تتجاوز أعمارهن الـ18عاماً. ويرجح مركز دراسات المرأة في إسرائيل سبب هذا الارتفاع إلى حالة التوتر النفسي التي يعيشها الرجال، جراء تدهور الأمن والاقتصاد وانهيار الوضع الاجتماعي فيما تؤكد أن هناك أسباباً أخرى تعود إلى الإفراط في تناول الكحول وكذلك المخدرات.

بالإضافة إلى أن المرأة اليهودية في إسرائيل تعاني من العنف ضدها وتتعرض للمهانة خصوصاً في أوساط الذين لم يحظوا بعد باليهودية الصادقة. وهؤلاء هم من لم يعترف بهم كبار الحاخامات، وأغلبهم من الذين هاجروا من إثيوبيا (يهود الفلاشا).

وعلى الرغم من تولي المرأة الإسرائيلية مناصب متعددة وحساسة في السياسة الإسرائيلية والمناصب العسكرية أيضاً (فكانت "جولدا مائير" امرأة تولت منصب رئيسة الوزراء، وهو أعلى منصب سياسي في إسرائيل) فإن الإحصائيات المرتبطة بوضع المرأة في إسرائيل تحمل تناقضات عميقة فهي وإن عكست تقدم المرأة في مجالات فهي تعود لتشير لانتكاس وضعها في مجالات عديدة أخرى؛ حيث يتميز المجتمع الإسرائيلي بأغلبية نسوية.

وتضطر النساء أن تتصرف مثل البهلوانات للتوفيق بين البيت والأولاد وبين العمل، الأمر الذي يسبب لهن صعوبة في شغل المناصب العليا، هذا بالإضافة إلى الظلم القائم في موضوع الأجور. والأمر أكثر صعوبة في حالة الأمهات المعيلات، فأصحاب العمل لا يبادرون إلى قبولهن في العمل.

وقامت منظمات المجتمع المدني في إسرائيل بتبني قضية المرأة وأقامت ما يسمي بالصندوق الجديد لإسرائيل من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، والذي اعترف بنفسه أن المرأة في المجتمع الإسرائيلي تواجه انعدام المساواة بشكل جوهري في مجالات الحياة المختلفة على الرغم من مساهمتها على نحو كبير في الاقتصاد والسياسة والتربية وكافة مجالات العمل الاجتماعي. وتواصل العديد من المؤسسات والعادات الاجتماعية والتقاليد والقوانين الدينية إضعاف النساء والفتيات في المدارس والعمل والمحاكم الدينية، وتستمر في تثبيت عدم المساواة بين الجنسين. أجر النساء أقل من أجر الرجال، ويعاني عدد كبير من الأمهات، والنساء المتقدمات في السن، والنساء القادمات من إثيوبيا أو الدول الاشتراكية سابقاً من البطالة والفقر والمشاكل الصحية والخرق الفاضح لحقوقهن الأساسية: كما أن السيطرة الدينية المتشددة على أحكام الزواج والشؤون الاجتماعية تقيد من حرية النساء.

وأشار كثير من الباحثين والكتاب إلى بعض مظاهر القمع الموجه للمرأة اليهودية، وأشار الكاتب الوزير السابق يوسي سريد لأبرز قضايا امتهان حقوق النساء في الشريعة ومنها: "إذا سقط رجلٌ وامرأة في نهر، فالإنقاذ يكون للرجل أولاً، قبل المرأة، فهو الذي يُحيي الشريعة، أما المرأة فمخلوقة للبيت"، "وفي الصلوات اليومية الثلاثة يشكر المصلي ربه لأنه لم يخلقه امرأة".

 النساء عند الحارديم المتطرفين، مخلوق نجس، تماثل الكلب والخنزير، ومن أقوال الحاخام عوفاديا يوسف في موعظته الأسبوعية عن المرأة، "يجب على الرجل ألا يسير بين امرأتين، أو بين كلبين، أو بين خنزيرين"!!

كما أن صلاة النساء اليهوديات أمام حائط المبكي  كانت مثار جدل واسع لوقت طويل بين الأحزاب الدينية والحكومة، فالمرأة اليهودية ممنوعة من ممارسة الطقوس الدينية لأنها (نجسة) و(قذرة) حسب رأي الحاخامات، والتي أودت باعتقال امرأة يهودية لأنها تلبس شال الصلاة وتحمل التوراة، ومن المعروف أن كثيرات من النساء المتدينات يخشين السير في حي مائة شعاريم بالقدس، لأنهن سيتعرضن للإهانة والبصاق، حتى وهن يلبسن لباساً محتشماً، ففي الحي تقوم مجموعات من الفرق الحريدية التي تتلقى أوامرها من حاخاميها المتشددين، وتقوم  بمطاردة النساء، وتقتحم عليهن حتى بيوتهن بتهمة الإخلال بالشرف، وغيرها الكثير من الأفعال والانتهاكات، ولم تسن قوانين تعطيها الحق بالتصرف في جسدها، وفي الحماية من العنف ومن تجارة الرقيق الأبيض، وفي تمثيلها بالقطاع العام، فقد ظلت قضايا الحياة الأسرية كالزواج والطلاق من اختصاص المحاكم الدينية، سواء كانت يهودية أم مسيحية أم إسلامية أو درزية، وتهيمن هذه المحاكم على حياة المرأة وحقها في إدارة شؤون حياتها بنفسها؛ فعلى سبيل المثال لا تستطيع المرأة في ظل هذه المحاكم الدينية الحصول على فرصة مساوية لفرصة الرجل في الطلاق  فأكثر من 97% من الرجال يرفضون تطليق زوجاتهم ويعتدون عليهن بالضرب، وعلى الرغم من تلك الإحصائيات وتزايد معدلات العنف وتدني مكانة المرأة بصورة مستمرة والمعطيات على الرغم من خطورتها وتهديدها للأمن القومي والاجتماعي لم تحفز حكومات إسرائيل المتتالية لبذل الجهود الحقيقية  لمحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، حيث لم يتم وضع مسألة معالجة هذه القضية على سلم أولوياتها، إلى أن أصبحت النساء في إسرائيل تتساءل بعد الوصول لعام 2013.

سلاح للرذيلة والسقوط

لقد كان المال والنفوذ والنساء في مقدمة الأسلحة التي استخدمها الإسرائيليون ـ وما زالوا ـ في إقامة وبناء كيانهم، وفي هذا الإطار استخدموا كافة الوسائل والأساليب المشروعة وغير المشروعة في حربهم وفي تأسيس دولتهم.

وكان من أبرز الوسائل غير المشروعة, النساء, الجنس, وهو ما يؤكده بحث إسرائيلي نشرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية مؤخراً والذي كشفت فيه معدته، دانيئيلا رايخ، النقاب عن أن الحركة الصهيونية أقامت في عهد الانتداب البريطاني في فلسطين جهازا خاصا يضم آلاف الفتيات (المضيفات) اليهوديات اللاتي كانت كل مهمتهن في نطاق هذا الجهاز هي (الترفيه والترويح) عن جنود وعساكر القوات البريطانية وغيرها من جيوش دول الحلفاء، الذين كانوا ينزلون للراحة على شواطئ البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وذلك في إطار مساعي الزعامة الصهيونية لكسب تأييد تلك الدول لمشروعها الكولونيالي وتسهيل تحقيقه على الأرض الفلسطينية.

هذا الدور لم يتوقف حتى يومنا هذا ولكنه تغير في الشكل والمسميات , فقد كشفت مصادر إسرائيلية النقاب عن أن جهاز المخابرات (الموساد) يعتمد في عمله الرئيسي على النساء وان عشرين بالمائة من العاملين في هذا الجهاز من النساء. وبين المضيفات في عهد الانتداب البريطاني و نساء الموساد لعبت المرأة اليهودية دوراً في تنفيذ عمليات البالماخ العسكرية، وتجاوز عدد النساء في بعض السرايا 30% من مجموع أفرادها. وقد اشتركت بعضهن في عدد من العمليات العسكرية واليوم يعتمد الموساد الذراع الاستخباراتية للجيش الإسرائيلي على المرأة اعتماداً قوياً في القيام بعمليات التجسس وإسقاط العملاء من خلال استخدام وسائل الرذيلة والإغراء؛ فقد اعترف غالبية العملاء الذين يسقطون في أيدي المقاومة أن الجنس هو الوسيلة الأكثر تأثيراً التي يستخدمها الموساد في الإسقاط بهم وعليه يبدو واضحا إلى أي حد ذهب فساد هذا الكيان وخطره.

ملخص البحث الإسرائيلي: كان موضوع الرسالة التي أعدتها دانيئيلا رايخ للحصول على لقب الماجستير من دائرة (دراسات ارض إسرائيل) في جامعة حيفا، و(رايخ) تتناول كيف تم تنظيم عمل البغاء والإغراء واعتباره جزءا من العمل التنظيمي لمؤسسات الحركة الصهيونية. ويشير البحث إلى انه كان هناك قرابة مائة ألف جندي بريطاني وأسترالي وغيرهم من عساكر الدول الأجنبية الذين خدموا في فلسطين في الثلاثينيات والأربعينيات الخاضعة لحكم الانتداب البريطاني، والتي شكلت في ذلك الوقت، إبان الحرب العالمية الثانية، وكان هؤلاء الجنود والعساكر الأجانب يبحثون أثناء (استراحة المقاتل) عن قنص فرصة للمتعة والترفيه عن أنفسهم، ولحسن حظهم لم يواجهوا مشقة كبيرة في الوصول إلى مبتغاهم إذ وجدوا رهن إشارتهم نحو خمسة آلاف (مضيفة) يهودية مستعدات بإيعاز وتشجيع من مؤسسات الحركة الصهيونية كالوكالة اليهودية، لاستقبال واستضافة هؤلاء الجنود بكل الحفاوة والترحاب.

وتمضي رايخ مشيرة إلى أن تل أبيب شهدت في فترة الأربعينيات ازدهارا كبيرا في أقدم المهن (الدعارة)، وذلك في ظل تواجد أعداد كبيرة من الجنود الأجانب بالمدينة، من جهة، وبسبب الوضع الاقتصادي الذي واجهته المهاجرات الجدد وبنات العائلات اليهودية الفقيرة، من جهة أخرى.

وقد انزعج قادة الجيش البريطاني بشكل خاص من ازدياد أعداد جنودهم الذين أصيبوا بأمراض جنسية في تل أبيب (250 إصابة)، الأمر الذي اضطر سلطات الجيش البريطاني في العام 1945 إلى افتتاح معهد طبي خاص في شارع (بن يهودا) بتل أبيب لإجراء فحوصات للجنود الذين ارتادوا دور الدعارة.

ويضيف البحث كانت الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية هي الجهة المنفذة والموجهة لشؤون الضيافة في مشروع الاستيطان اليهودي , وقد كلفت (الوكالة) مؤسسات أخرى كدائرة المعلومات (المخابرات) الصهيونية و(الصندوق القومي)، بالقيام بمثل هذه النشاطات, وبمرور الوقت تحولت هذه المقاهي إلى ميدان استطاعت فتيات مجتمع الاستيطان اليهودي من خلاله تحقيق استقلاليتهن وحريتهن في الاختيار، حرية التصرف بروحهن وأجسادهن ومع من يخرجن للمتعة والكيف..، ووفق ما كتبت (رايخ)، فانه كان من الشروط التي وضعت لاختيار المضيفات اللاتي عملن في النوادي، أن تكون فتاه أو شابة صغيرة في السن، وأن تجيد تحدث اللغة الانجليزية بمستوى مقبول، وان لا تكون ملزمة بالتجنيد في الجيش البريطاني.. كما طلب من المتقدمات تقديم طلب مرفق بثلاث صور وتفاصيل شخصية.

وتقول (رايخ) في هذا السياق كان هناك ميل لوضع الكل في سلة واحدة. جميع الفتيات اللاتي عملن ـ تطوعا ـ في خدمات الضيافة لصالح الدولة ـ اليهودية ـ العتيدة وضعن في نفس السلة مع المومسات والنساء اللاتي تزوجن زواجا مختلطا (من غير اليهود).. وتقول (رايخ) إن زعماء مجتمع الاستيطان اليهودي سعوا بذلك إلى استغلال العلاقة مع الجنود الأجانب لأغراض النشاط الدعائي للمشروع الصهيوني في ارض إسرائيل، أملاً في تحول هؤلاء الجنود إلى سفراء للنوايا الحسنة لدى عودتهم إلى بلدانهم...

وعن أسباب تجاهل وإخفاء موضوع نشاط (جهاز المضيفات اليهوديات) حتى الآن تقول رايخ لعل ذلك يعدّ سراً من الأسرار التي لا يجوز التحدث عنها.. كما أن حساسية الموضوع وما ينطوي عليه من مظاهر دعارة وزواج مختلط، تجعله من المواضيع التي يرغب المجتمع الإسرائيلي بتناسيها، خاصة بعد مرور كل هذه السنوات.

وعلى الرغم من أن البحث يتوقف عند هذه الحقبة من التاريخ الأسود للفساد إلا أن جهاز المضيفات لم يتوقف ولكنه تغير في الشكل والمسميات وتنظيم المضيفات والجنس والإسقاط في خدمة الدولة العبرية، ومن هذه الأشكال الاعتماد على الإسرائيليات في العمل الاستخباري وهو ما كشفت عنه مصادر إسرائيلية وفق تقرير نشرته صحيفة (معاريف) أن جهاز الموساد يقوم بتجنيد النساء الإسرائيليات بهدف استخدامهن في إغراء قيادات عسكرية وسياسية في عدة دول معادية لإسرائيل من اجل الحصول منهم على معلومات عسكرية وأمنية تهم إسرائيل ومصلحتها.

وأكدت المصادر الإسرائيلية أن المجندات في جهاز المخابرات نجحن على مدار الأعوام الماضية في تنفيذ عمليات عسكرية مهمة لصالح إسرائيل بينها اغتيال القيادي الفلسطيني (حسن سلامة) وسرقه أسرار السفارة الإيرانية في قبرص ومكاتب حزب الله اللبناني في سويسرا واختطاف الخبير الإسرائيلي (فعنونو) من إيطاليا إلى فلسطين المحتلة. ويعتمد الموساد الذراع الاستخباراتية للجيش الإسرائيلي على المرأة اعتماداً قوياً في القيام بعمليات التجسس وإسقاط العملاء من خلال استخدام وسائل الرذيلة والإغراء؛ فقد اعترف غالبية العملاء الذين يسقطون في أيدي المقاومة أن الجنس هو الوسيلة الأكثر تأثيراً التي يستخدمها الموساد في الإسقاط بهم وعدم رجوعهم عن التعامل مع الاحتلال؛ حيث تقوم المجندات الإسرائيليات بإغراء العملاء ثم ممارسة الرذيلة، ويقوم أفراد الموساد بتصويره في أوضاع فاضحة يتم تهديده بها عند رفض الأوامر.

ولا يمانع المتدينون في الديانة اليهودية من السماح للمجندات بممارسة الجنس من أجل إسقاط الأعداء، وبعكس ذلك يعتبر نوعا من العبادة ونوعا من خدمة الوطن، وهناك الكثير من الروايات التي تحكي قصص الموساد واستخدامه للنساء في الوصول لأهدافه ومشاركتهن في عمليات الاغتيال.

باحثة في علم الاجتماع السياسي(*) 

اعلى الصفحة