الأزمة السورية والموقف الأمريكي الجديد

السنة الرابعة عشر ـ العدد 160 ـ (حمادى الثانية 1436 هـ) نيسان ـ 2015 م)

بقلم: محمود إسماعيل

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تدخل الأزمة السورية عامها الخامس وما زالت سوريا تتعرض لأخطر أنواع المؤامرات المغلفة بعناوين الديمقراطية، فيما فصول الحرب المستمرة التي أضنت السوريين يسخر لها الغرب وأتباعه من الدول الإقليمية كل أساليب الدعم من أجل تدمير سوريا الدولة ضمن مخطط ممنهج يهدف أيضاً للقضاء على الهوية الحضارية ومشروع المقاومة.

أزمة سوريا، التي دخلت عامها الخامس، لم تمنعها من الصمود في وجه الحرب المفروضة عليها وتحقيق إنجازات عديدة، وهو الأمر الذي يشكل مصدر تفاؤل في مستقبل هذه الدولة العربية وبقائها حاضرة كقوة ذات وزن في المنطقة.

تقسيم المنطقة واستهداف المشروع المقاوم، هو المخطط الذي عمل عليه العدو الصهيوني وأدواته من خلال استهداف سوريا التي واجهت ولا تزال تواجه كل التحديات، مدعومة بصمود شعبها رغم شراسة المؤامرة.

جون كيري والتلويح بالتفاوض مع الأسد

تتويجا لمسار التراجع في السياسة الأمريكية اتجاه الأزمة في سوريا، عادت واشنطن إلى نقطة الصفر للاعتراف بالسلطات الشرعية والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع القيادة السورية. وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أقر بأن على واشنطن التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد للتوصل إلى حل للأزمة السورية، مع ما يعنيه هذا الأمر من تقديم تنازلات أمريكية، بعدما أخفقت جميع رهاناتها في الميدان السوري.

تخلى كيري في مقابلته مع قناة (أس بي أس) الأمريكية عن اللازمة التي رددها المسؤولون الأمريكيون على مدى ٤ سنوات، بأن الأسد فقد شرعيته وأن عليه الرحيل، وقال بأن بلاده ودولاً أخرى لم يذكرها، تبحث سبل إعادة إطلاق العملية الدبلوماسية لإنهاء الصراع في سوريا.

حاول الوزير الأمريكي التخفيف من وقع التراجع بربطه التفاوض مع الأسد بمقررات جينيف(١) ولم يذكر شيئاً عن دور ما يسمى "المعارضة السورية" أي الطرف الثاني المفترض في التفاوض.

ليس من الواضح بعد كيفية التعاطي الأمريكي مع المرحلة المقبلة، خصوصاً أن إدارة باراك أوباما تعمل على تدريب مسلحين بالاشتراك مع تركيا وإرسالهم إلى الأراضي السورية. ويبدو أن تركيا التي باتت وحيدة مع بعض دول الإقليم في مطالبتها بإسقاط الدولة السورية، لا تزال تعول على الائتلاف المعارض، وهذا ما أشار إليه رئيس حكومتها داوود أوغلو، الذي وعد الائتلاف بالمساعدة حتى لو تخلى العالم عنهم، وفق تعبيره.

لقد دخلت الحرب الكونية على سوريا عامها الخامس، فهل بدأ الصراخ الأمريكي والغربي أولا في معركة عض الأصابع، بعدما أثبت الرئيس السوري وجيش سوريا وشعبها صموداً منقطع النظير؟

"فلنتفاوض الآن"، هكذا بكل هدوء قالها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مضيفاً: "إننا منذ البداية كنا نريد التفاوض وأن الرئيس الأسد لم يكن يريد أن يتفاوض معنا". أين يصرف هذا الكلام، ولماذا الآن، ولماذا انتظر كيري ٤ أعوام ليقوله؟ لماذا انتظر كل هذه الدماء؟

ألم يكن الأجدى بالسفير الأمريكي السابق روبرت فورد، بدل التسلل إلى حماة قبل ٤ أعوام للتحريض ضد دمشق، أن ينكب مبكراً على استخلاص ما خلص إليه مؤخراً في مقالته في (الفورن بوليسي) الفشل في سوريا؟

هل كان يجب علينا أن ننتظر ٤ أعوام لنسمع ستيفان ديمستورا وهو يقول بـ"حتمية التسوية مع النظام"؟ إذاً، لا خيارَ عسكرياً بعد ٢٠٠ ألف قتيل.

ألم يقل حلف شمال الأطلسي منذ البداية أن سوريا ليست ليبيا ولا يمكن تكرار سيناريو تلك الحرب هنا؟ ألم يتبنَّ الأمريكيون لاحقاً الجملة السحرية ذاتها ومن اختار ألا يسمعها؟. لكن الثابت أن أمريكا تدرك منذ عامين، وربما منذ معركة القصير، أن الحرب أصبحت لها حساباتها الإقليمية والدولية التي لا يمكنها الإخلال بها من دون أن تتمدد النيران السورية إلى كل الجوار وبما لا يمكن احتماله في دبلوماسيات إدارة الصراع.

ليس حباً بحفظ دماء السوريين ولا العراقيين ولا اللبنانيين، وإنما باسم ضبط اللعبة وقواعدها، ولهذا تمهلت واشنطن طويلاً وبدلت أساليبها ثم غيرت لهجتها الآن، ولو بدت فظة وصادمة بالنسبة للكثير من الرؤوس الحامية في سوريا ولبنان وتركيا وبعض الدول العربية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال في أيلول ٢٠١٢، الصلاة في الجامع الأموي في دمشق وزيارة قبر صلاح الدين الأيوبي باتتا قريبتين. لقد أخطأ التقدير، على الرغم من حجم التورط في الدم السوري، فقد عاد الأسد يصلي في الجامع الأموي ولم يسقط.

قبل سنوات، كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك يقول الأمر نفسه حين عمل مع الأمريكيين على إصدار القرار ١٥٥٩. أكد في حينه أن سقوط الأسد مسألة وقت.

لقد جاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في تسعينيات القرن الماضي إلى المنطقة كالطاووس بعد احتلال العراق متوعداً الرئيس الراحل حافظ الأسد بأنه ما لم يقفل مكاتب حماس والتنظيمات الفلسطينية الأخرى ويقطع علاقته بحزب الله ويوقف دعم المقاومة العراقية، فإن ما حصل في العراق سيصل إلى سوريا، ثم حاول إغراءه بدور مركزي لسوريا في المنطقة إذا تعاونت. لكن الرئيس حافظ الأسد رفض ولم يسقط نظامه.

الأمر نفسه حصل مع الرئيس باراك أوباما، الذي حدد موعد الضربة العسكرية للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. وكما كانت التصريحات لا تحصى منذ عام ٢٠١١ حول قرب سقوط الأسد ها هي الآن لا تحصى حول بقاء النظام السوري ومؤسسات الدولة.

محاذير إسقاط الرئيس الأسد

حسم كلام مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية الـ(سي آي إيه) خيارات الإدارة الأمريكية في سوريا، وبات واضحاً أن واشنطن لا تريد انهيار الدولة في سوريا والمؤسسات التابعة لها، على الأقل في المرحلة الراهنة.

قد يغيظ كلام برينن ما يسمى بـ"المعارضة السورية" التي تتعامل معها واشنطن ومن يدعمها من التحالف الغربي ويصفونها بـ"المعارضة المعتدلة". فكلامه يعني أنها غير مؤهلة، أو بعبارات دبلوماسية، غير جاهزة بعد لإقامة نظام جديد عن الرئيس بشار الأسد، وكل الكلام عن استعدادات لتدريب الجناح العسكري لهذه المعارضة وعن إعداد كوادر سياسية وتأهيلها لتقود البلاد على طريق النظام الديمقراطي ليس سوى إعلان نوايا بعيد المنال.

قد يغيظ كلام برينن أيضاً بعض حلفاء واشنطن في التحالف الغربي الذين ذهبوا بعيدا في شعار إسقاط الأسد الذي لم يعد محاوراً يتحلى بالمصداقية كما جدد القول الرئيس الفرنسي خلال استقباله مؤخراً رئيس الائتلاف الوطني لما يسمى بـ"قوى الثورة والمعارضة السورية". وقد يشعر فرنسوا هولاند بخيبة أمل جديدة من موقف واشنطن، بعدما خذلته في نهاية صيف ٢٠١٣ ، عندما كانت بوارجه وطائراته الحربية تستعد لضرب دمشق، فتراجع باراك أوباما في اللحظة الأخيرة.

لائحة المغتاظين تطول لتشمل بعض حلفاء واشنطن التقليديين من الدول العربية التي لا توحي مواقفها بأنها تقبل بأي تسوية إلا بإزاحة الأسد. لم يكن الهدف من كلام مسؤول جهاز الإستخبارات الأول في الولايات المتحدة إغاظة الحلفاء لمجرد إغاظتهم، ولا إرضاء بعض أطراف النزاع، وفي طليعتهم دمشق وطهران لمجرد إرضائهم، أو لاستمالتهم نحو تسوية ما.

جون برينن لديه ما يكفي من المعلومات ليعرف أن سقوط الأسد الآن يعني الفوضى، وكلامه استنتاج منطقي للعبر التي أفرزتها التجارب السابقة لكل دول الربيع العربي باستثناء التجربة التونسية، وما ليبيا إلا المثال الأوضح عن إسقاط الأنظمة قبل إيجاد البديل الذي يتحلى بالمصداقية، ويلبي بالتالي، طموحات شعوب تلك الثورات.

لقد نجح الرئيس بشار الأسد بعد مرور ٤ سنوات على الأزمة السورية بوضع خصومه أمام معادلة بسيطة هي "أنا أو الإرهاب"، ونجحت إيران بفرض نفسها شريكاً قوياً في محاربة عدو مشترك هو تنظيم "داعش" الإرهابي.

التصريح الذي أدلى به جون برينن مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية المركزية، أثار موجة ذعر واستياء لدى محبي سقوط الرئيس الأسد، فقد كان واضحاً عندما قال ما تفكر به معظم دول الأطلسي من أن اتفاقاً حصل مع روسيا على الحفاظ على مؤسسات الدولة، لكي لا يدمرها الإرهاب الذي يعود متسللاً إلى الغرب نفسه.

رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي قال إن الأمريكيين أبلغوا إيران بأنهم لا يعارضون بقاء الأسد عامين، لكنهم تمنوا عدم إجراء الانتخابات لأنهم يخشون النتائج.

"الأسد وحلفاؤه لم يتغيروا..".. يروي مسؤول روسي أنه حينما التقى لافروف مع عدد من وجوه ما يسمى بـ"المعارضة السورية" قبل حوالي سنتين، سأله عارف دليلة "لماذا تدافعون عن الأسد؟"، فأجاب لافروف بذكائه المعهود "حين تصلون إلى القصر الرئاسي لن أرسل طائرات للدفاع عنه". كانت الرسالة واضحة وأوضحها الروس عشرات المرات لاحقاً "لا تخلي عن الأسد طالما لا يوجد بديل عن الدولة.. لا بد من مصالحة وطنية شاملة مهما كانت التضحيات".

موسم الهرولة إلى دمشق

في البدء، جاء تصريح المبعوث الدولي إلى سوريا، ثم توالت المواقف الغربية المهرولة باتجاه دمشق. قبل أسابيع قال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان ديمستورا في العاصمة النمساوية فيينا "إن الرئيس الأسد جزء من الحل لوقف العنف في البلاد". هذا التصريح كان بمثابة قطرة لغيث سينهمر، إذ بدا وكأنه كان بمثابة إشارة انطلاق لغزل غربي يبدو أنه لن يتوقف إلا بعودة العلاقات مع القيادة السورية فلم يعد بالإمكان تصور بحث عن حل شامل للأزمة السورية في غياب الفاعل الرئيسي فيها والمتحكم الأساسي في حل مفاتيحها وهو الرئيس بشار الأسد.

لقد فعل تصريح المبعوث الأممي فعله، فكان عبارة عن غطاء لرفع الحرج عن الغرب وتبرير كل التطورات اللاحقة، حيث تكررت عبارات الغزل باتجاه دمشق ورئيسها، كما تقاطر إلى العاصمة السورية نواب فرنسيون، فيما أدلى دبلوماسيون وخبراء أمريكيون وبريطانيون بدلوهم ليؤكدوا على عبثية الحرب على "داعش" وعلى الإرهاب عموماً، في ظل غياب أو تغييب الرئيس السوري. إنها خطوات بلغت أوجها مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي جهارا نهارا، وبدون مساحيق ولا لف ولا دوران، حيث أعلن عن استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس السوري. هذا الموقف الأمريكي يندرج في صلب البراغماتية الأمريكية ويبقى وفيا لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية القائلة بعدم وجود صداقات دائمة أو عداوات دائمة وإنما مصالح دائمة.

هذا الانقلاب الكثير سيحرج الكثير من العرب وسيضع الكثير منهم في حالة تساؤل، فأين الذين هرولوا لإشعال الحريق الكبير الذي نزل بالشعب السوري تقتيلا وتشريدا، ونزل في المدن السورية تدميرا ومعالم الحضارة السورية تخريبا؟ وأين من عملوا على عزل سوريا واستصدروا الفتاوى من أشباه العلماء لتبرير حصارها وإغراق شعبها في إرهاب يقتل ويشرد ويدمر بداعي جهاد مزعوم؟

أين من هرولوا لقطع العلاقات مع سوريا واستضافة مؤتمرات أعدائها لفتح أبواب الجحيم على شعبها؟ أين جامعة الدول العربية وماذا عساها تقول الآن، وقد تقاطر من امتثلت لأوامرهم من أجل عزل سوريا، هل يكونون في طليعة الحملة العدوانية على سوريا أرضا وشعبا وحضارة أم يظلون في مؤخرة الدول التي تعلن العودة إلى جادة الصواب، وبالتالي، الاعتراف بأخطائها القاتلة وإعادة العلاقات مع سوريا؟

في اللحظة الحاسمة، تترك أمريكا حلفاءها أو أتباعها يواجهون مصيرهم. لا يحق لبعض المعلقين الحديث عن لعنة أوباما، إذ إن رؤساء أمريكيين آخرين فعلوا الشيء ذاته من ريتشارد نيكسون إلى جيمي كارتر، وقبلهما جون كاندي وبعدهما جورج بوش. لا حليف لأمريكا في هذا العالم سوى أمريكا.

إن الدبلوماسية الأمريكية التي كانت تريد للرئيس السوري أن يرحل أصبحت الآن تريده مفاوضا. ما نطق به جون كيري ينسجم تماما مع ما قاله مدير الـ(سي آي إيه) برينن، فواشنطن لا تريد انهيار نظام الحكم في دمشق لأن ذلك سيوجد فراغاً سيملأه "داعش". إذاً، الحجة الأمريكية لتبرير غض الطرف عن الأسد هي وجود "داعش"، وهذا الانقلاب في المواقف ليس غريباً على أمريكا البراغماتية.

في أي حال، الموقف الأمريكي الجديد نزل كالصاعقة على رؤوس المراهنين على إسقاط نظام الأسد، وأثلج في المقابل صدور حلفاء سوريا في محور المقاومة الذين اعتبروا هذا الموقف نجاحاً جديداً يضاف إلى لائحة نجاحاتهم من بغداد إلى صنعاء إلى الملف النووي الإيراني.

الغرب يبدأ بتغيير مواقفه اتجاه سوريا

بدأ الغرب يغير مواقفه بشكل تدريجي اتجاه سوريا ويعمل على التواصل مع دمشق، فتصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن الحاجة لإجراء حوار مع الرئيس بشار الأسد يأتي ضمن هذا التوجه. بات من الواضح أنه قد حان الوقت الآن للتحضير للتحول في مواقف الدول الغربية والاعتياد على سماع كلام وتعابير أخرى غير التي كانت تنادي بتنحي القيادة السورية.

إن المواقف الأمريكية المتناقضة تثير السخرية، حيث يأتي الموقف الذي عبر عنه كيري، بعد أن خصصت الإدارة الأمريكية ٧٠ مليون دولار لما تسميها "المعارضة المعتدلة" المدعومة غربياً وخليجياً.

يتسم جانب كبير من المشكلات التي يواجهها التحالف الدولي على الجبهة السورية بالطابع السياسي، خصوصاً فيما يتعلق بما إذا كان من المفروض أن يقف التحالف بشكل حاسم ضد نظام الرئيس بشار الأسد أم لا، فبعض شركاء التحالف مثل تركيا ودول الخليج يرون أنه لا يمكن إحراز تقدم ما لم تتبن الولايات المتحدة خيار الإطاحة بالأسد. لكن العراق، وهو محور خطة واشنطن الحالية ضد تنظيم "داعش" الإرهابي يدعم الدولة السورية.

بالإضافة إلى ذلك، لم يعد خافياً أن عسكريين بارزين في بريطانيا وفرنسا باتوا يرون أنه لا بد من الإقرار بأن القوات المسلحة السورية هي القوة الأكثر فاعلية على الأرض في البلاد، وهو ما يوجب التعاون معها ضد الإرهابيين. ومن المؤكد أن تطوراً مثل هذا سيلقى إن حدث، دعماً كبيراً من العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

خلال الأعوام الأربعة المنصرمة، جندت الولايات المتحدة كل وسائلها العسكرية وحلفاءها الغربيين والعرب قبل أن تكتشف بقدرة قادر أن الإرهاب الدولي الذي صنعته والسم الذي سقته لدمشق قد بدأ الشعب الأمريكي يتجرع مرارته.

لقد أدى هذا الوضع إلى اضطرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى إعلان استعداد بلاده للتفاوض مع الرئيس الأسد، في محاولة متأخرة لإعادة قطار السياسة الأمريكية إلى سكته الحقيقية بعد أن انقلب السحر على الساحر، وبعد أن ثبت أن سياسة الدعم والتسليح للتنظيمات الإرهابية قد فشلت، ولاسيما بعدما أثبتت سوريا أنها تملك من المفاتيح ما يجعلها قادرة على ضبط إيقاع المنطقة وإعادة ترتيب أوراقها من جديد.

تحول ميداني لصالح الدولة السورية

في مستجدات مشهد المؤامرة التي تستهدف سوريا، كان الارتباك ولا يزال سيد المواقف السياسية والميدانية لمعسكر التآمر والعدوان. إن ما يثير هذا الارتباك على الدوام هو التحول الميداني لصالح الدولة السورية، في مواجهة العصابات الإرهابية المسلحة، حيث يستمر الجيش السوري في تحقيق إنجازاته وانتصاراته على جبهات القتال ضد هذه العصابات، في شمال سوريا ووسطها وجنوبها مثبتا كل يوم وفي كل ضربة يوجهها الدليل على قدرته الفائقة، سواء على التوجيه الدقيق للضربات أو الرصد الميداني لتحركات المجموعات المسلحة الإرهابية، أو جمع المعلومات الدقيقة عن الهدف، أي أنه يثبت من خلال كل ذلك تراكم خبراته العسكرية الميدانية التي أخذت تحقق نجاحات لافتة للإطاحة بأحلام المشروع الصهيو/غربي، عبر القضم التدريجي واستعادة الأراضي السورية إلى حضن الدولة وتطهيرها من الإرهاب.

هذا الارتباك بدا واضحاً على المستويين السياسي والميداني. فعلى المستوى السياسي، ظهر من خلال حالة القلق والتوتر وردات الفعل الغاضبة من قبل بعض القوى المكونة لمعسكر التآمر والعدوان، وقد بدا ذلك في ما صرح به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن إمكانية الحوار في النهاية مع الرئيس بشار الأسد.

أما على المستوى الميداني، ولطالما كان مرتبطا على الدوام بالمستوى السياسي. فمحاولة تغيير واقع الميدان السوري تبدو يائسة وفاشلة، ولا يمكن أن تنطلي إلا على مغيب الوعي ومعزول عن الواقع، بحيث لا يمكن أن يتبناها ويروج لها إلا حاقد وكاره للأمن والاستقرار في سوريا.

إن مزاعم اتهام الجيش السوري باستخدام مادة الكلور ضد المدنيين لا تعبر إلا عن هزيمة نفسية وحالة يأس وعجز وانهزام في الميدان، وتعبر أيضا عن الأساليب والسلوكيات غير الأخلاقية المتأصلة في مروجي هذه الاتهامات والأكاذيب التي جربوها من قبل وارتدت عليهم وفضحتهم.

كذلك، إن محاولة إلصاق تهم جرائم حرب وغيرها بحق مسؤولين سوريين، لإبعاد الاتهام والشبهات عن المجرمين الحقيقيين في الدول الراعية للإرهاب، مثلما فعلوا من قبل في خان العسل وجوبر والحولى، هي أيضاً محاولة فاشلة ومفضوحة ولن يقبلها عقل كل منصف.

المعارك في سوريا لم تعد خبراً يبنى عليه، إنها مراوحة في العبث والدماء. أما التصريحات، فشتات من الأقوال التي لا تقود إلى حل، إذ إن التعلق بتصريحات كيري ونفي البيت الأبيض لما فهم منها أنه تحول يفيد بأن حبال الهواء كثيرة والرياح تجري في طاحونة القتل.

لا تزال الحال كما كانت عليه مع تعديلات طفيفة في مبنى اللغة ولياقة العلاقات، فيما نيران اليمن تقطع الطريق على دمشق. إن توقع وقف الدعم للإرهابيين والتكفيريين سابق لأوانه، أما الاتكال على ضربات التحالف الدولي فيبدو أنه يتطلب سنوات. التعويل على مبادرات عربية ضرب من السراب، والأمل بأن تبلغ الأزمة السورية نقطة الحسم لا يلوح في الأفق.

اعلى الصفحة