اللوحة الرابعة: ملامح وأقلام

السنة الرابعة عشر ـ العدد 160 ـ (حمادى الثانية 1436 هـ) نيسان ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

العصر الذهبي للبلدان الصناعية الغربية في ذمة التاريخ!!

الكتاب: انهيار الرأسمالية: أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود

الكاتب: أولريش شيفر Ulrich Schafer.. ترجمة: د. عدنان عباس علي

الناشر: سلسلة عالم المعرفة الكويتية

صدر العديد من الكتب في الدول الغربية تعالج موضوع الأزمة المالية العاصفة التي يمر بها العالم، ومن هذه الكتب صدر كتاب بالعنوان المذكور أعلاه باللغة الألمانية عام 2009 للاقتصادي أولريش شيفر وقام بترجمته الأكاديمي العراقي الدكتور عدنان عباس علي وصدر ضمن سلسلة عالم المعرفة الكويتية عام 2010. وينقسم الكتاب إلى اثنتي عشر فصلاً ويقع في 472 صفحة.

تأتي أهمية هذا الكتاب في تقديرنا من أن مؤلفه يؤمن بالعدالة الاجتماعية في ظل النظام الرأسمالي وبذلك فهو من الناحية الأيديولوجية لا يمكن وصفه خصماً أو متحاملاً على هذا النظام كما درجت العادة على وصف الكتاب والمفكرين الماركسيين في تصديهم لتحليل الأزمات البنيوية للرأسمالية.

في الحقيقة أن أزمة النظام الرأسمالي قد طفت على السطح، أولاً، في تسعينات القرن العشرين، في الاقتصاديات الناشئة. وبلغت الذروة في الدول الصناعية في مطلع الألفية الثالثة، وذلك حين انهارت أسهم الشركات المتخصصة في التكنولوجيا الجديدة. ومنذ ربيع 2007 أخذت الأزمة المالية تزعزع اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية برمته وتعاظمت عام 2008 فاتخذت أبعادا عالمية.

يستهل الكاتب التأكيد بأن الاقتصاد، الذي عرفناه حتى الآن، انهار في خريف 2008 بكل تأكيد. وسيتخذ العالم شكلاً مختلفاً في المستقبل، سيطفو على السطح نظام عالمي جديد، سيتبلور اقتصاد سوق قائم على مبادئ العدالة الاجتماعية. ومهما اختلفت الأجوبة حول أسباب الانهيار فإن ثمة حقيقة لا اختلاف عليها أبداً: وهي أن العصر الذهبي، الذي تمتعت به البلدان الصناعية الغربية منذ التسعينات، قد صار في ذمة التاريخ. ففي خريف 2008 انتهت، بنحو مفاجئ، حقبة الهناء، فقد انهارت أسواق المال، وذهب مع الريح الحلم بازدهار مستديم. فالزلزال الذي ضرب البورصات فاق كل الزلازل التي عصفت بها حتى الآن، منذ اندلاع الكساد الكبير وانتهاء بالحرب العالمية الثانية. إن النظام الرأسمالي المحرر من القيود يقف الآن على عتبة الهاوية. لقد صرنا شهود عيان على حدث متعدد الأبعاد، شهود على تحول تاريخي كبير. فالدولة تنقذ مصرفاً تلو الآخر، وتؤمم الواحد بعد الآخر، إنها تضخ في الاقتصاد مبالغ لا قدرة لنا على تصور ضخامتها، ورغم ذلك، فإن نجاحها في وقف الانهيار يظل في علم الغيب.

صارت الرأسمالية المحررة من القيود والتوجيه تدمر أكثر فأكثر. ولهذه الأسباب ما عاد كثير من المواطنين يصدقون تحقيق الرفاهية التي وعدتهم بها فئات معينة من الاقتصاديين والسياسيين ورجال الأعمال ومجموعات الضغط التي همها الأول هو الدفاع عن مصالح فئات معينة (اللوبي)، فهؤلاء جميعا لم يكفوا قط عن الإشادة بمحاسن اقتصاد السوق المعولم. فلم يعد المواطنون يثقون بأن المنافسة في الأسواق العالمية والمباراة الضارية في البورصات تسبغ النفع عليهم. إن عدد المواطنين النافرين من اقتصاد السوق في تزايد مستمر. أضف إلى هذا أن هؤلاء صاروا يتحفظون على الإطار السياسي المناسب لاقتصاد السوق، وعن الديمقراطية أيضاً؛ وأنهم يشيحون بوجوههم عن الأحزاب السياسية، ويتخلفون عن المشاركة في الانتخابات، ويعتزلون المجتمع. فهم يشعرون بأنهم باتوا بلا عون ولا سند، باتوا يشعرون بأن الدولة تعير اهتماماً للآخرين فقط وليس لهم، وبأن السوق، التي يُفترض فيها أن تحقق لهم الرفاهية، أخذت تتصرف، في كثير من الأحيان، بوحشية لا تعرف الرحمة.

ولإثبات ذلك يذكر الكاتب يكفينا أن نستشهد بالاستطلاع الذي أجرته الصحيفة الاقتصادية فاينانشل تايمز عام 2007، حيث كانت الأغلبية العظمى من مواطني الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا تعتقد أن العولمة خطر يتهددهم. وعلى الصعيد نفسه يقر الرئيس الفرنسي ساركوزي بوجود “فزع متزايد من العولمة” وأنها “خطراً وليس نعمة” وقال أوباما بالحرف الواحد “إننا نواجه أعظم تحد في حياتنا” وفي ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا أكد 90% من المواطنين رغبتهم في أن تحمي الدولة الاقتصاد الوطني بفعالية أكبر.

لقد استُعيض عن اقتصاد السوق المتكلف بالرعاية الاجتماعية بنموذج جديد يتصف بالوحشية والأنانية، ويطلب من بني البشر ما لا طاقة لهم به. فقواعد هذا النموذج لا تحددها الدولة، بل تمليها المشاريع العملاقة وأسواق المال. ففي الثلاثين عاماً المنصرمة كفت الدولة ومعها السياسيون المنتخبون وفق قواعد الديمقراطية عن التدخل في اقتصاد السوق تاركة قوى السوق تصول وتجول بالنحو الذي يطيب لها، أي أن الدولة والسياسيين تركوا الاقتصاد الوطني توجهه حفنة رجال تهيمن على الشركات العملاقة والمصارف ولا تتمتع بأي شرعية ديمقراطية. ومن ذلك الحين، أطلقت الرأسمالية العنان لطاقاتها الجامحة، لطاقاتها المعظمة للرفاهية من ناحية، والمدمرة لوحدة المجتمع من ناحية ثانية.

وفيما يتعلق بالتفاوت الصارخ في توزيع الثروات يركز الكاتب على الأوضاع في الولايات المتحدة حيث بات التفاوت أكثر تطرفاً. وكذلك في الاقتصاديات الناشئة، حيث تزداد عمقاً وبسرعة الهوة الفاصلة بين الطبقة العليا وباقي المجتمع. فحاصل جمع الثروة التي يمتلكها 1125 مليارديرا في العالم، عام 2008، بلغت 4400 مليار دولار. لذلك، يمكن القول أن هذه الفئة من أغنى الأغنياء تملك ثروة تساوي تقريباً مجمل الدخول التي يحصل عليها في عام واحد نحو ثلاثة مليار مواطن، أي التي يحصل عليها مجمل سكان الهند وباكستان وبنغلاديش وتايلاند وماليزيا وفيتنام والفلبين ودول القارة الأفريقية جميعها.

تتكون، في الاقتصاديات الناشئة، طبقة فقيرة محرومة من ثمار الازدهار الاقتصادي. ويحصل هؤلاء الأفراد، الموجودون في أدنى السلم الاجتماعي، على قوتهم من الأعمال المتواضعة، من خلال خدمة المرفهين الذين يستغلونه كأنهم من الرقيق. ويجمع البعض منهم قوته من القمامة. إن الفقراء نادراً ما تكون لديهم الفرصة لتحسين أوضاعهم المعيشية. حيث ينقصهم أهم شرط للنجاح وهو التعليم المناسب. 

اعلى الصفحة