الإعلام وثقافة الطفل العربي

السنة الرابعة عشر ـ العدد 160 ـ (حمادى الثانية 1436 هـ) نيسان ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

تربية الطفولة التربية المثالية المتحضرة هي هاجس كل أسرة، تطمح إلى مستقبل زاهر، وتمني نفسها بحياة مزدهرة، بل إن تربية هذه الطفولة ورعايتها حق الرعاية هو حلم كل مجتمع ناهض، وتحتاج تربية الطفولة إلى رعاية شاملة صحية، غذائية، اجتماعية، تعليمية ثقافية إعلامية.

وقد قامت حول هذا الموضوع دراسات كثيرة، كان منها تلك الدراسات التي أقيمت حول دراسة الوضع المثالي للطفل، وأشارت في إحصائياتها إلى أن نسبة الطفولة تقريباً في الوطن العربي ما يقرب من نصف المجتمع، وهي نسبة كبيرة ليست بالهينة ولا القليلة، وبينت أن الحياة المتحضرة العملية أدت إلى انكماش نسبي في دور تربية الأسرة للطفل، وزاد انهماك الطفل في مشاهدته لوسائل الإعلام، حيث أخذ في مشاهدة المناسب لعمره وغير المناسب، وزادت عدد الساعات التي يطالع فيها الطفل وسائل الإعلام، بل إن بعض الأمهات يعتمدن على التلفاز بشكل خاص، فيوجهن أطفالهن إلى مشاهدته أثناء تأديتهن لأعمالهن المنزلية

ثمة خطران يكمنان من جراء صرف الأمهات الأطفال إلى مشاهدة التلفاز، خاصة في فترة انشغال الأمهات، وتكمن الخطورة في جانبين: أولهما أن الأطفال يشاهدون في الغالب المواد التلفزيونية المعدة للكبار، وثانيهما أن هؤلاء الأطفال يجلسون بمفردهم أمام التلفزيون لانشغال الأمهات عنهم، ما يزيد من احتمال التأثر بدرجة كبيرة، فالطفل لا يجلس سلبياً أمام جهاز التلفزيون، وإنما كما شبهه هوفمان كقطعة الإسفنج التي تمتص كل ما تتعرض له).. فالتلفزيون هو أكثر وسائل الإعلام التي يتعرض لها الأطفال في الوطن العربي، وأشارت الدراسات إلى تعاظم مكانته عند الأطفال خاصة الذين تتراوح أعمارهم ما بين(3) سنوات إلى(16) سنة حيث يشاهدون ما يقرب من ست ساعات يومياً، والأطفال يقبلون على مشاهدة البرامج التلفزيونية المعدة لهم، كما يقبلون على مشاهدة البرامج المعدة لغيرهم، وأجريت دراسات كثيرة حول برامج الأطفال المذاعة في الوطن العربي، ومدى فعاليتها وسلبياتها وايجابياتها. ولعل أخطر ما يواجه برامج الأطفال ويهدد دورها في تثقيف الطفل العربي اعتمادها على المضمون الأجنبي، إذ يهدد هذا المضمون الذاتية الثقافية للمجتمعات التي يعرض فيها، وقد يكون من العوامل التي تساعد على اهتزاز أنماط القيم السائدة في المجتمع، وتزداد الخطورة حينما يشاهده الأطفال والشباب، حيث ينظرون إلى ما يشاهدونه على الشاشة كواقع)، والنقطة الثانية حول واقع برامج الأطفال الإذاعية، فهي وسيلة متميزة حيث يصل إرسالها إلى أماكن عديدة متخطياً الحواجز الطبيعية مثل الجبال والأنهار، كما أنها تعتبر وسيلة مناسبة للطفل لمقدرتها على إثارة خياله، يساعدها على ذلك الأصوات الطبيعية التي توحي للطفل بمعان مختلفة، تثير فيه الانفعالات، والأحاسيس وتقرب إليه المفاهيم، إلا أن برامج الإذاعة في الوطن العربي تتخللها بعض السلبيات ومنها: قلة الوقت المخصص لبرامج الأطفال وقلة عدد العاملين في برامج الأطفال.

أما عن واقع سينما الأطفال، فالسينما من أهم وسائل الاتصال، وتتزايد أهميتها في الوطن العربي بسبب ارتفاع الأمية، ولكن هذه السينما تعاني من معوقات عدة مثل: اللغة العربية الواحدة المفقودة، ورأس المال اللازم لإنتاج هذه الأفلام، إضافة إلى قلة الكوادر والإمكانيات الفنية، وأما النقطة الرابعة فعنوانها واقع صحف ومجلات الأطفال، حيث أن الصحافة لها دورها البالغ في تنمية الطفولة عقلياً وعاطفياً واجتماعياً، لأنها أداة توجيه وإمتاع وذوق، وهي تجيب على كثير من أسئلة الأطفال، وتسعى إلى إشباع خيالاتهم، وتنمية ميولهم القرائية.

ويرى أحد المتخصصين القلائل في صحف الأطفال أن الصحافة لا تقل في رسالتها عن الأسرة بالنسبة للطفل وتلعب دوراً هاماً في عملية تثقيفه وتشكيل شخصيته كما يقع على عاتقها مسؤولية توسيع دائرة معارفه، غير أن هذه الصحف والمجلات لا تخلو من سلبيات لندرتها وقلتها، كما أن هذه المجلات لا تناسب إلا مرحلة التوسع في القراءة من سن 9-14 سنة، بينما لا توجد مجلات لمرحلتي: ما قبل المدرسة، وبداية القراءة، ومن هذه السلبيات اعتماد هذه المجلات بدرجة كبيرة على المصادر الأجنبية بصفة عامة، والمصادر الأمريكية بصفة خاصة، والنقطة الخامسة من هذا المبحث تناولت واقع كتب الأطفال، حيث أن الكتاب ما زال يشكل الركيزة الأولى من ركائز ثقافة الطفل على الرغم من المنافسة الشديدة التي يلقاها من وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية، والمقروءة، ولم تكن توجد قبل القرن التاسع عشر سوى بضعة كتب قليلة كتبت خصيصاً للأطفال، وبدأ الاهتمام بالكتابة للأطفال منذ أواخر القرن الماضي على يد رفاعة الطهطاوي، ثم جهود كامل الكيلاني الذي أخرج عدة سلاسل للأطفال منذ بداية الثلاثينات من هذا القرن، وتعاني كتب الأطفال من مجموعة سلبيات من أهمها: قلة كتب الأطفال، وعدم وجود توازن بين مختلف أصناف المعرفة التي تتناولها كتب الأطفال، حيث يغلب عليها القصص، وبعض هذه الكتب على الرغم من قلتها غير صالحة تربوياً للأطفال، كما انه ينقصها الكثير من المعلومات التي يحتاج إليها الطفل العربي، كالمعلومات العلمية والصحية، كما ينقصها تناول مشكلات المجتمع والمفاهيم الناتجة عن التغير الحضاري للمجتمع، ومن سلبياتها أيضاً الإقبال على كتب الألغاز والجريمة التي لا تناسب موضوعاتها الطفل العربي، ويرى أحد خبراء الطفل أنه آن الأوان لكي ننتبه إلى هذا اللون البشع من الغزو الثقافي الذي يستهدف الربح المادي فقط على حساب ثقافة الأطفال، ثم تناول المؤلف النقطة الأخيرة في هذا المبحث وهي واقع مسرح الأطفال، على اعتباره وسيلة هامة من وسائل تثقيف الطفل العربي وهو عدة أنواع، من أهمها المسرح التعليمي الذي يعتمد على نصوص معدة سلفاً ومن سلبيات هذا المسرح ما يلي:

عدم وجود مسرح وطني مستمر، ومدعم للأطفال في الدول العربية، ثم عدم التخطيط المتكامل لتشجيع الكتابة، والإخراج لأعمال مسرحية جيدة للأطفال، وعدم وجود صلة واضحة بين التلفزيون، والمدارس وبين مسارح الأطفال. وبعد أن أشبع المؤلف مبحثه الأول إفاضةًً وشمولاً انتقل الكتاب بنا إلى فرعه الثاني وهو مبحث مجالات التأثير الايجابية لوسائل الإعلام على ثقافة الطفل، وكان هذا الانتقال في لغة سلسة فصيحة، وفي انسياب وتدرج رائعين، وقد قدم لهذا المبحث بمقدمة، استعرض فيها أهم المجالات الايجابية لوسائل الإعلام على ثقافة الأطفال، وهي التالية:

أولاً: دور وسائل الإعلام في إمداد الطفل بالمعلومات، وحول هذه النقطة إشارة إلى أهمية التلفاز بين وسائل الإعلام المختلفة، ومما جاء في الكتاب: (ويكتسب التلفزيون أهمية خاصة من بين وسائل الإعلام المختلفة حيث يتميز بأهمية خاصة عند الطفل، لأنه جهاز قادر على الترفيه والتثقيف في وقت واحد، ومن ثم يؤثر على عقلية الطفل ووجدانه، ويعتبر أداة هامة للتعليم المباشر إذ ينقل إلى الفرد المعلومات والمعارف والأخبار المحلية المختلفة، ويقدم له الكثير من عادات وتقاليد الجماعات والمجتمعات المختلفة، وتزداد أهمية التلفزيون في مجال تثقيف الطفل لأنه يجذب انتباه الأطفال من سن سنتين تقريباً، ويقضي الأطفال فترة طويلة في مشاهدته من ناحية، واحتل مكان باقي وسائل الإعلام من ناحية أخرى، ولأنه يخاطب حاستين من الحواس وهما حاستي البصر والسمع، ومن المعروف أن الوسيلة التي تخاطب أكثر من حاسة من حواس الطفل يكون أثرها التعليمي أكثر عمقاً ودواماً من الوسائل التي تخاطب حاسة واحدة فقط ويجمع التلفزيون بين الصوت والصورة.. حيث تساعد الصورة عموماً وحركات المذيع وتعبيرات وجهه في توصيل الرسالة الإعلامية وتكملتها، وتعتبر أولى العناصر الرئيسية المكونة للبرامج التلفزيونية، ولذلك يفوق تأثير التلفزيون كل وسائل الاتصال الأخرى، فالصورة كما يقول احد الخبراء: تقوم مقام ألف كلمة، أو كما ذهب خبير آخر إلى أنها تقوم مقام عشرة آلاف كلمة طبقاً للحكمة الصينية القديمة.

ثانياً: دور وسائل الإعلام في خلق آراء عن الموضوعات الجديدة عند الأطفال، ويرى بعض الباحثين أن وسائل الإعلام تستطيع خلق آراء عن الموضوعات، وتقول هملوايت: (إن التلفزيون يمارس نفوذاً عندما لا تكون الصور والآراء التي قدمها قد وقرت في الأذهان والقلوب من قبل، وحين يسبغ من ألوان المعرفة ما لم يكن قد سبق الظفر به من مصادر أخرى).

ثالثاً: دور وسائل الإعلام في تكوين الصور الذهنية عند الأطفال، وفي مطلع حديثنا عن هذا الموضوع نشير إلى عدة تعريفات تناولت مصطلح الصورة الذهنية بالشرح والتبسيط، ومن هذه التعريفات الآتي: الصورة الذهنية هي الناتج النهائي للانطباعات الذاتية، التي تتكون عند الأفراد أو الجماعات إزاء شخص معين، أو نظام معين، أو شعب معين، أو جنس معين، أو منشأة أو مؤسسة أو منظمة محلية أو دولية أو مهنة معينة أو أي شيء آخر يمكن أن يكون له تأثير على حياة الإنسان، وتتكون هذه الانطباعات من خلال التجارب المباشرة وغير المباشرة، وترتبط هذه التجارب بعواطف الأفراد واتجاهاتهم بغض النظر عن صحة المعلومات التي تتضمنها خلاصة هذه التجارب، فهي تمثل بالنسبة لأصحابها واقعاً صادقاً ينظرون من خلاله إلى ما حولهم ويفهمونه أو يقدرونه على أساسها.

أما العوامل الأساسية في تكوين الصور الذهنية نقول: الخلاصة أن القدرة على الفهم وإدراك المعاني هما العاملان الأساسيان في تكوين الصورة الذهنية التي هي المحصلة النهائية لفك الرموز والاستجابة للمؤثرات التي نتعرض لها، وستظل وسائل الإعلام الجماهيرية تلعب دوراً رئيسياً في إمداد الأطفال بصفة خاصة، والأفراد والشعوب بصفة عامة بالمعلومات والرسائل التي تتكون منها الصور المنطبعة.

رابعاً: دور وسائل الإعلام في إشباع الاحتياجات الإنسانية لمرحلة الطفولة، ومن أهم هذه الاحتياجات التي تسعى وسائل الإعلام إلى إثرائها، حاجات النمو العقلي، وتساهم وسائل الإعلام مساهمة فعالة في تثقيف الطفل العربي، ومن هذه الاحتياجات: الحاجة إلى البحث والمعرفة والاستطلاع، والحاجة إلى تنمية المهارات العقلية واللغوية.

وترى نظرية التعلم من خلال الملاحظة أن التعرض لوسائل الإعلام يزيد من احتمال العدوانية عند المستقبلين من خلال ما يلي:

- تزويد المشاهدين بفرص لتعلم العدوان والعنف.

- تقديم شخصيات شريرة يمكن تقليدها، فلقد تبين أن المشاهدين يقتدون في اغلب الأحيان بالشخصيات المتحدة معهم في الجنس والسن والظروف الاجتماعية والاقتصادية، وقد أشارت الدراسات العلمية إلى مئات من السلوكيات المماثلة لهذا العنف والعدوان والعنفوان أثرت في ثقافة الأطفال، وخلقت عندهم هذه الروح السيئة.

- إن بعض الأطفال يخلطون بين عالم الواقع والخيال، فيطبقون هذه التصرفات في حياتهم اليومية العادية.

- إن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز وفي أنفسهم ميل نحو الاعتداء يحتمل أن يتذكروا الأعمال العدائية ويقوموا بمثلها.

- بصرف النظر عن المبادئ الأخلاقية والقيم نجد الأطفال على استعداد لتذكر العنف واستعمال أساليبه. 

- يرغب الأطفال في أن يكونوا مثل الشخصيات الناجحة التي يرونها في الخيال، ويميلون إلى تقليدها سواء أكانت خيرة أم شريرة.

أخيراً نحن بحاجةٍ إلى فن التعامل مع التقدّم التكنولوجي في مجال وسائل التواصل الاجتماعي كي نبني للطفل ثقافةً نرتضيها لتكون منطلقاً لأجيالنا المقبلة. 

اعلى الصفحة