المخاطر الإستراتيجية لـ"قناة البحرين" على القضية الفلسطينية

السنة الرابعة عشر ـ العدد 160 ـ (حمادى الثانية 1436 هـ) نيسان ـ 2015 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بتاريخ 26\2\2015 وقعت إسرائيل والأردن على اتفاق للبدء في المرحلة الأولى من تنفيذ مشروع ربط البحرين الأحمر والميت بقناة، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية. هذا التوقيع، الذي جرى في عمان، جاء استمراراً لتوقيع "مذكرة التفاهم" حول المرحلة الأولى من مشروع القناة، والذي تم في واشنطن في التاسع من كانون الأول2013، ووقع عليها كلٌّ من إسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية.

وبالتوقيع على هذه المذكرة التي بموجبها سيتم إنتاج مياه محلاة في منطقة العقبة، ومن ثم جعل نحو 100 مليون م3 من المياه المالحة تتدفق سنوياً من منشأة التحلية جنوباً، نحو البحر الميت شمالاً فإن الحديث يدور عن إنشاء المرحلة الأولى (المشروع التجريبي) لمشروع قناة البحرين. هذه المذكرة تُشكل "تفاهماً إسرائيلياً ـ أردنياً ـ فلسطينياً" رسمياً لتنفيذ توصية البنك الدولي في دراسة الجدوى (حول مشروع القناة) والتي مولها وأشرف عليها البنك ووقعت عليها كل من الأطراف الثلاثة في العام 2005.

وبعد التوقيع الأخير عادت قضية "مشروع قناة البحرين" تثير الجدل والنقاش، حيث تكاثرت الآراء المتباينة بشأنها، فمن مشيدٍ بفوائدها المستقبلية ومعدد لها، إلى محذرٍ من تبعاتها البيئية والسياسية. ومن رافضٍ، بل ومهاجم لأصل الفكرة ومخاطرها الإستراتيجية والأمنية، إلى متحاشٍ في حسم حكمه، طالما أن موقعيها يحجبون معلومات، بدونها لا يمكن إعطاء موقف دقيق أو حاسم بشأنها.

سنحاول في الآتي من السطور تلخيص ما يتعلق بهذا الموضوع، مع إدراكنا المسبق بأن هذه القضية بحاجةٍ إلى مساحة أوسع واهتمام متواصل خاصة لما تمثله من حالة يبدو في عموم معطياتها تُصنع في أروقة السرية بصمت وذكاء. هرتزل وقناة البحرين

لا يدرك الكثيرون أن هذا المشروع كان أحد أحلام ـ أو نبوءات ـ الزعيم الصهيوني تيودور هرتزل التي طرحها وإن كان بشكل مختلف في كتابه "الأرض الموعودة" ونشره عام 1902، حين تحدث عن قناة لوصل البحر المتوسط (من هاديرا) بالبحر الميت، حين قال: فعلاً سيكون هذا مشهداً رائعاً للغاية، مع انسياب المياه بوفرة إلى أسفل على التروس البرونزية العملاقة للتوربينات التي تتحرك بسرعة فائقة وصاخبة ومنها تخرج قوة الطبيعة الهمجية التي تم وقفها والسيطرة عليها لتنقل إلى مولدات التيار الكهربائي ومن ثم وبسرعة إلى الأسلاك الممدودة في كل أنحاء البلاد ـ البلاد الجديدة ـ العتيقة التي أحيتها هذه القوة وغمرتها حتى أضحت حديقة كبيرة ووطناً لهؤلاء الناس الذين كانوا من قبل فقراء وضعفاء ويائسين ومنبوذين". (آرئيل شنيال معاريف 51/3/2004).

وبعد ذلك بسنوات وضع عدد من المهندسين البريطانيين والألمان مشروعات لمد نفس القناة من البحر المتوسط إلى البحر الميت ولكن بغرض توليد الكهرباء، كما نوقش في المؤتمرات الصهيونية التي عقدت بعد ذلك. وفي الخمسينيات من القرن الماضي، وبعد قيام إسرائيل عام 1948، قام د. والتر لودرميلك ـ الخبير في التربة ويطلق اسمه حاليا على كلية الهندسة الزراعية في معهد التخنيون الإسرائيلي ـ بتقديم اقتراح لإنشاء مسار ثان مختلف على البحر المتوسط يصل ما بين حيفا والبحر الميت.

وفي عام 1977 قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تخطيط لدراسة ثلاثة اقتراحات للربط بين البحرين: الميت والمتوسط، وعرض آخر بربط البحر الأحمر بالبحر الميت عند إيلات، وكانت النتيجة النهائية لتوصيات هذه اللجنة التأكيد على أفضلية مشروع توصيل البحر الميت بغزة، باعتبارها الأكثر جدوى اقتصاديا أما اقتراح توصيل البحر الميت بإيلات فقد اعتبرته اللجنة هو الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية. وفي الثمانينيات وعن طريق البنك الدولي قامت شركة "هارزا" للهندسة ـ وهي شركة أمريكية مقرها في شيكاغو ـ بعمل دراسة للمشروع كان يتوقف من حين لآخر، حتى عام 1996، وهو تاريخ آخر دراسة أجرتها هذه الشركة لمشاريع كان معظمها يهدف إلى توليد الطاقة لإسرائيل. لكن في دراسة عام 1996تم تغيير جوهر المشروع وهدفه، حيث استبدل بقناة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط، قناة أخرى تربط البحر الميت بالبحر الأحمر، كما تم تغيير الهدف من المشروع ليتحول إلى استهداف تحلية مياه البحر بواسطة الطاقة الكهربائية المنتجة من المشروع. ويرتبط هذا التغيير الحاد في جوهر المشروع وهدفه باتفاقية السلام التي وقعت آنذاك بين الأردن وإسرائيل، والتي يوصي بذلك البند العشرون منها ـ ولاسيما شجعت عليه أيضاً خطة عمل كوبنهاجن التي تضمنت 35 مشروعاً كان أكبرها مشروع "خطة تطوير وادي الأردن"، من خلال اللجنة الاقتصادية الثلاثية والتي تضم الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل وذلك في عام 1993 وفي عام 1994 أقرت المجموعة الخامسة ـ والمسماة مجموعة العمل الإقليمية للتنمية الاقتصادية في اجتماعها بالرباط هذا المشروع. ثم أعلن رسميا إحياء هذا المشروع في القمة العالمية للتنمية المستديمة التي عقدت في جنوب أفريقيا في عام 2002.

وفي جلسات مؤتمر المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الأردن في عام 2003 وفي مايو 2005 عقدت عدة اجتماعات ضمت وزير البيئة التحتية الإسرائيلي يوسف بارتيسكي، ود. أفيشي بريمرمان رئيس جامعة بن جوريون بالنقب، ووزير الري الأردني، وقد استهدفت الاجتماعات مناقشة ثلاث نقاط رئيسية هي:

أولاً: هل المشروع ممكن تنفيذه من الناحية التقنية.

ثانياً: ما التكلفة المالية للمشروع؟.

ثالثاً: ما الجوانب السلبية للمشروع؟.

وبالطبع لم يكن الجانب الإسرائيلي بحاجة إلى هذه الدراسات، فقد أجرى دراسات كثيرة معمقة حول المشروع طوال السنوات الماضية، ولكنه كان بحاجة إلى تسويق الفكرة القديمة، خصوصاً بعد أن روّج لها شيمون بيريز نائب رئيس وزراء إسرائيل في كتابه المعروف "شرق أوسط جديد"، حين تحدث عن مجالات التطبيع في العلاقات بين إسرائيل والدول العربية في إطار توقيع اتفاقيات سلام معها.

فالحديث عن هذا المشروع في الحقيقة رُسم قبل قيام الكيان الصهيوني ذاته. فمن أهم المشاريع الحيوية التي ذكرها مؤسس الصهيونية هرتزل في كتابه (الأرض القديمة الجديدة) اقتراحه شق قناة مائية تربط البحر الميت بالبحر الأحمر. وظل المشروع واضحاً في أذهان الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس إسرائيل حتى أصدرت حكومة الليكود قراراً رسمياً بتبني المشروع في 1980. وأخيراً، ها هو حلم هرتزل قد يتحقق، علماً أن سيلفان شالوم صرح 2012 بأن مشروع القناة هو "مشروع تاريخي عظيم وتحقيق لحلم هرتزل". 

نسف للحقوق الفلسطينية

بخصوص الجانب الفلسطيني فإنه على الرغم من أن نائب رئيس سلطة المياه الفلسطينية الأسبق المهندس فضل كعوش قال في عام 2004 إن السلطة تتحفظ على مشروع قناة البحرين، حتى لا يؤثر ذلك على الحقوق المائية أو الاتفاقات المرتبطة بالحل الدائم إلا أن الطرف الفلسطيني وقع على الجدوى المتعلقة بالمشروع .. وبعد ذلك صرح كعوش أن السلطة لن تمانع في تنفيذ المشروع إذا كان لا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقوقه.

وفي هذا الإطار فإن الجانب الإسرائيلي تحفظ على الطرح الفلسطيني بحجة أن المشروع فني وبيئي وليس سياسياً. وطلب حذف أي عبارات تتعلق بحقوق المشاطأة، وطالب باستبدالها بأطرافٍ مستفيدة. ورغم أن نسخة البنك الدولي للشروط المرجعية عُدلت ثلاث مرات إلا أن النسخة الرابعة احتوت على هذه التحفظات.

في دراسة أعدها مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية بفلسطين أشارت إلى أنه تم استغلال الفلسطينيين وأُجبروا على أن يكونوا في واجهة اتفاق واشنطن، على الرغم من عدم استفادتهم المباشرة من المشروع، وذلك حتى تستطيع الأطراف الأخرى جلب أموال الدول المانحة تحت شعارات تعزيز السلام والتعاون الإقليمي.  

 الخبير المائي د.عبد الرحمن التميمي يقول: "إن الفكرة السياسية وراء المشروع هي خلق تعاون إقليمي وما عدا ذلك هو نتاج لهذا التعاون. طبيعي كل طرف له هدف، الأردنيون هدفهم واضح وهو حل مشكلة أزمة المياه في الأردن، بثمن لا يأتي إلا بالتعاون الإقليمي". ويوضح: "يسعى الإسرائيليون لإدماج القطاع الخاص في التعاون الإقليمي لأنهم يملكون تكنولوجيا التحلية"، منوهاً إلى أن القناة بالنسبة للإسرائيليين تجارة بالدرجة الأولى، عدا عن أنها ستوفر مياهاً لمستوطناتهم، علاوة على الاستفادة من المشاريع غير المائية ( زراعية سياحية صناعية).

ويؤكد: "الفلسطينيون ذهبوا إلى هذا المشروع لعوامل منها: عدم المعرفة بعواقب هذا المشروع، وأخرى نتيجة الضغط من الحكومة الأردنية، أو نتيجة التعاون الإقليمي، مشيراً إلى أنه على الرغم من معارضة  بعض الفلسطينيين الرسميين للمشروع إلا أنه، وبقرار سياسي عادوا ووقعوا على المشروع".

 الخبير البيئي جورج كرزم يذكر أن السلطة الفلسطينية المفتقرة للحد الأدنى من أشكال السيادة السياسية على الأرض والموارد المائية، والتي (أي السلطة) تعد مجرد سلطة حكم ذاتي مرجعيتها السيادية قانونيا هي دولة "إسرائيل" (هذا ما نصت عليه اتفاقيات أوسلو، وهو أيضاً الفهم المتعارف عليه دولياً للحكم الذاتي)، خولت نفسها المشاركة في مشروع "قناة البحرين" الذي يُعد مشروعاً "سياديا" يهدف أصلا إلى تثبيت الوجود الإسرائيلي الاستيطاني في فلسطين عامة، وفي الأغوار وصحراء النقب بخاصة، فضلا عن المخاطر البيئية الكارثية التي يتضمنها هذا المشروع.

ومن مخاطر المشروع على الفلسطينيين نسف لحقوقهم المائية، حيث يبين تقرير صادر عن مركز العمل التنموي أن المذكرة نصت على وجود "استعداد" إسرائيلي لبيع 20- 30 مليون م3 من المياه من محطات تحلية المياه الإسرائيلية، ليتم تسليمها في نقاط التوريد المتفق عليها" للسلطة الفلسطينية!.

 ويتفق الباحث كليمنس مسرشمد، معد دراسة "آخر شفة"، أزمة المياه في فلسطين مع آراء العديد من الخبراء، بأن القبول بهذه الاتفاقية سيضُعف الموقف التفاوضي الفلسطيني الذي يطالب بالحقوق المائية من المحتل، ويجعلهم يقعون في فخ مياه إضافية للفلسطينيين، بدلا من نصيبهم العادل في موارد المياه القائمة. كما سيؤدي إلى فقدان حصة وحق الفلسطينيين في النهر والى الأبد، عوضاً عن شرائهم المياه المحلاة بثمن باهظ.

 الحديث عن هذا الأمر نفاه رئيس سلطة المياه السابق د. شداد العتيلي في نيسان 2010، مؤكداً عدم وجود أي اتفاقية بين السلطة وإسرائيل بهذا الخصوص، منوهاً إلى "أننا لم نحصل بعد على حقوقنا المائية في الأحواض الجوفية ونهر الأردن، ونحن مع التعاون إذا كان يصب في المصلحة الفلسطينية وليس على حساب حقوقنا المائية".

وبخصوص طرق مواجهة هذا المشروع من قبل شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية فيبدو أنها محدودة وضعيفة، حيث يقول رئيس اتحاد المزارعين الفلسطينيين داود حمودة: "إن البدائل القانونية باتت محدودة. تم نقاش هذا الموضوع في الشبكة على أن تكون قضية واحدة باسم جميع المؤسسات الفلسطينية ضد المشروع لكن الذي حدث بعد صدور التقارير النهائية للمشروع هو أن البنك الدولي حول المشروع إلى صندوق النقد الدولي ليبدأ المرحلة التجريبية. النقد الدولي ليس له آليات للترافع مثل البنك الدولي والآن نحن في مأزق. هذه الخطوة كانت التفاف واضح على المجتمع المدني الأردني والفلسطيني (وحتى الإسرائيلي) المعارض للمشروع".

أما فيما يتعلق بالحلم الفلسطيني بدولة فلسطينية على ما تبقى من الوطن التاريخي وما تركه الاستيطان من بقايا أرض في الضفة الغربية وبعد سيطرة إسرائيل على 60% من أراضي الضفة في المنطقة التي تسمى "C" وما أخذته قوات الاحتلال بدعوى الضرورة الأمنية في المناطق "B و A". فإن ثمة معضلات شائكة أمام تحقيق هذا الحلم الضئيل والمختزل أمام تحديات قائمة وصادمة ذاتياً وإقليمياً ودولياً، بعوامل متكاتفة على تثبيت رؤية الحركة الصهيونية ومستجداتها في طرح نظريتها الأمنية وان كانت تعود للبدايات في أصولها.

وهكذا بتوقيع الجانب الأردني ببدء تنفيذ المشروع وبعدم الانتظار لما تنتجه المفاوضات من خريطة سياسية وأمنية لكلٍّ من إسرائيل والدولة الفلسطينية يضاف كعامل مهم في تلاشي فكرة الدولة ذات السيادة للفلسطينيين في الضفة وغزة بل يتجه نحو تكريس فكرة الدولة في غزة  فمن خلال هذا الاتفاق يصبح لإسرائيل حق الإشراف والوجود الأمني والعسكري على طول الشريط الحدودي بين فلسطين المحتلة والضفة من قبل إسرائيل وبوجود ثنائي يستثني الجانب الفلسطيني بل يعمل على إبعاده أو إعطائه مهاماً من داخل التصور الإسرائيلي الأردني، ويضاف هذا العامل إلى عامل الاستيطان واتفاقية الغاز لمدة 20 عام بين السلطة وإسرائيل حيث تصبح فكرة الدولة الفلسطينية ضرباً من ضروب الخيال في ظل الدفع بالمطلب الإسرائيلي بإشرافه أمنياً وعسكرياً وبيئياً على طول الحدود بين الضفة والأردن.

إسرائيل هي المستفيد

يذكر الخبير البيئي د. سفيان التل في دراسة له أن الأبعاد السياسة والإستراتيجية للمشروع تتلخص في: بناء المستوطنات، جلب المزيد من المهاجرين، تكوين واقع ديموغرافي جديد في المنطقة، إنشاء رافد بشري مستمر للقوات العسكرية الإسرائيلية، إقامة أربعة مفاعلات نووية متعددة الأغراض، ترسيخ الثقة بإسرائيل لدى يهود العالم، فتح آفاق لتطوير القاعدة الصناعية الإسرائيلية، وإحباط الإنسان العربي في الوقت نفسه من خلال إظهار إسرائيل بأنها قادرة على إقامة المشاريع الكبرى.

وفي دراسة أعدها د. ماجد ملحم ذكرت أن أبرز الفوائد التي ستجنيها إسرائيل من تنفيذ المشروع هي: توليد الطاقة، إنتاج الوقود من الزيت الحجري، إحياء المشاريع السياحة، تحلية مياه البحر، إعمار النقب، إنقاذ البحر الميت، تبريد المصانع المقامة على خط القناة، خلق فرص عمل جديدة، إضافة إلى البعد الأمني ـ الاستراتيجي.

 ومن المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروع، فإن د. التل يذكرها في: إغراق أراض أردنية نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، غمر منشآت ومرافق سياحية ومواقع أثرية، غمر بعض التجمعات السكانية، مما يؤدي إلى تهجير سكانها.

أما بيئياً، فتتمثل في: تحويل البحر الميت، وهو ارث بشري متفرد ومتميز، إلى بحر حي. إذ أن القناة ستنقل إليه أنواعا جديدة من الأحياء المائية مما يحدث في تركيبة مياهه تغيرات بيولوجية وكيمائية، علاوة على ازدياد أخطار التلوث الناتجة من النشاط النووي للمفاعلات المتوقع إقامتها على امتداد القناة.

أما أمنياً فيذكر أشرف علام أن القناة أمنياً تشكل مستقبلا بعداً أمنياً لإسرائيل، فهي تدعم التواجد الأمني والعسكري لها في البحر الأحمر. ويورد حديثاً للمفكر الاستراتيجي الإسرائيلي "شيحومي ناحا" الذي يقول: "إن المنطقة من البحر الأحمر إلى البحر الميت منطقة إستراتيجية مهمة يجب أن تبقى تحت سيطرة إسرائيل أمنياً. فهي تمثل المدخل الشرقي لها، وأن وجود قناة في تلك المنطقة يشكل عائقا مائيا طبيعيا لإعاقة تقدم أي قوات عربية من جهة الشرق". ويشير علام إلى أن قيام المشروع هو إعلان عن هوية جديدة هي هوية الشرق أوسطية وتواري الهوية العربية الإسلامية جراء الغفلة الإستراتيجية والنزعة القطرية اللتين تسودان عالمنا العربي.

وهكذا يمكن تلخيص الأهداف الإسرائيلية غير المعلنة لهذا المشروع فتتمثل في الآتي

 1- أن تحصل إسرائيل مجاناً بموجب هذا المشروع على مياه لتبريد مفاعلاتها النووية الجديدة التي تنوي إقامتها في النقب، حيث تنوي إسرائيل إقامة مفاعل في هذه المنطقة بعد أن بلغ مفاعل ديمونة سن "الشيخوخة" وتعدي العمر الافتراضي (20 سنة) ليصل إلى 34 سنة. فقد بدأ تشغيله في عام 1936، وحدثت به تشققات وتسرب أشعاعي أصاب أكثر من 120 عاملاً في المفاعل بأمراض سرطانية، وأعلنت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي أنهم رفعوا دعاوي قضائية ضد حكومة إسرائيل مطالبين بتعويضات.

2- السيطرة على مزيد من مياه انهار الأردن واليرموك ومياه الضفة الغربية العذبة، بينما تزود الأردن والفلسطينيين بمياه بحر محلاة، وذلك عبر خمس محطات تحلية مياه، توجد دراسات لبنائها، ثلاث منها داخل إسرائيل، وواحدة في شمال الأردن، وواحدة في غزة، وهذا سيوفر لإسرائيل المياه العذبة التي تحتاجها لإقامة مجتمعات عمرانية جديدة تجذب 2 مليون مهاجر جدد، وتساعد على إعادة توزيع السكان المكدسين في المنطقة الساحلية ووسط إسرائيل، وبما يقلل المخاطر الأمنية التي قد يتعرضون لها من قصف الصواريخ العربية والإيرانية، هذا إلى جانب مشاريع زراعية وصناعية يتم تصدير إنتاجها إلى الخارج بدءاً بالدول العربية المجاورة في إطار عمليات التطبيع المستمرة في العلاقات.

3- خلق صناعات إسرائيلية جديدة كصناعة تحلية المياه وضمان عميل دائم يعتمد على إسرائيل في استمرارها ويشتري قطع الغيار وغيرها، حيث ستبيع للأردنيين والفلسطينيين المياه المحلاة بنسبة الثلثين إلى الأردن والثلث للفلسطينيين بسعر دولار و30سنتاً، بينما تبلغ تكلفة ما تحصل عليه إسرائيل من مياه تحلية 52 سنتاً للمتر المكعب، لذا تتعجل إسرائيل في تعليم متخصصين، وتتبني شركات لها أسماء كبيرة (عائلة برونجمان) استعداداً لتلك الخطوة من خلال مشروع تحلية المياه في عسقلون، على الرغم من أن إسرائيل ليس لها تاريخ يذكر في هذا المجال.

على الرغم من الواجهة البراقة لهذا المشروع فإن تجاهل إسرائيل حقائق علمية واضحة تطلق علامات استفهام كبيرة حول تمسكها بمشروع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت، بدلاً من نقل مياه البحر المتوسط إليه، حيث تؤكد هذه الحقائق العلمية أن نقل مياه البحر المتوسط أكثر جدوى وأوفر اقتصادياً، وتتمثل هذه الحقائق في الآتي:

1- إن متوسط درجة الملوحة في البحر المتوسط 25 جراماً في اللتر، بينما تبلغ ملوحة مياه البحر الأحمر 42 جراماً في اللتر ـ أي أن ملوحة البحر الأحمر تزيد72% على ملوحة البحر المتوسط، فلماذا تصر إسرائيل على تحلية المياه الأكثر ملوحة إذا كان الهدف هو تخفيض درجة ملوحة البحر الميت؟!

2- أما ما تزعمه إسرائيل من أن إنقاذ البحر الميت ليكون مصدراً للسياحة فإن الخبراء ينفون ذلك لأنه في حالة نقل مياه البحر الأحمر الأكثر ملوحة إليه سيتحول لون مياه البحر الميت إلى اللون الأبيض ثم الأحمر القاني نتيجة تفاعل بكتيريا الحديد، وهو ما ينفي الحديث عن تشجيع السياحة، خصوصاً أن منطقة البحر الميت شديدة القسوة والحرارة المرتفعة معظم شهور السنة، ولا توجد أحياء مائية تذكر في البحر الميت.

3- إن حفر قناة من أشدود على البحر المتوسط إلى البحر الميت لن يزيد طولها على 80 كم وسيكون الحفر سهلاً في أراضي مستوية تمر بالقرب من مدينتي بيت جبرين والخليل. هذا في حين أن حفر قناة من إيلات على البحر الأحمر وعبر وادي عربة إلى مدينة سدوم على البحر الميت ستكون مسافتها 320 كم وعبر أرض بها صخور نارية يصل ارتفاعها في بعض المناطق إلى أكثر من 200 متر، وهو ما سيزيد تكاليف شق القناة إلى أكثر من 50 مليار دولار، لذلك فإن تسديد قروضها لن يكفيه عائدها بالكامل لعشرات السنين، فلماذا إذن تصر إسرائيل على شق قناة من البحر الأحمر إلى البحر الميت بطول 320 كم وعبر أراض صعبة وبتكلفة أعلي، في حين ترفض شق قناة من البحر المتوسط إلى البحر الميت بطول 80 كم وعبر أراض سهلة وبتكلفة أقل.

خلاصة القول: يكتنف مشروع قناة البحرين، غموض كبير, خصوصاً من دور ومكان الجانب الفلسطيني، كما يثير مخاوف من آثار بيئية واقتصادية وأخرى سياسية، قد تلحق بالفلسطينيين في حال تنفيذ المشروع.

فيما تلتزم السلطة الفلسطينية الصمت إزاء الإعلان عن توقيع اتفاق بين الأردن وإسرائيل يقضي ببدء تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ربط البحر الأحمر بالميت، تتعالى الأصوات هنا مطالبة بتوضيح رسمي وشرح وفير حول موقع الفلسطينيين من الاتفاق الذي وصفته إسرائيل بالتاريخي والأهم منذ إطلاق ما يسمى بـ"عملية السلام" لاسيما وأنّ القناة المزمع إنشاؤها ستمتد على طول مائتي كيلو متر تنقل المياه من البحر الأحمر للميت بحجة إنقاذه بعد التراجع الكبير في مستويات مياهه بالسنوات الأخيرة.

ويقرّ البيئيون الفلسطينيون بالخطر الذي يواجه البحر الميت بفعل نضوب منسوب المياه فيه لكنهم في ذات الوقت قلقون من تأثير القناة الاصطناعية على خصائص البحر الطبيعية.

المصادر والمراجع

1- آرائيل شنيال ـ قناة البحرين كنموذج ـ مختارات إسرائيلية ابريل 4002 ـ نقلا عن معاريف 51/3/4002.

2- حنان البدري ـ دراسة الجدوى الإسرائيلية المشروع قناة البحرين ـ ملف الأهرام الاستراتيجي أغسطس 2002.

3- محمد صالح ـ وأخيرا انتبهنا لمؤامرات البحر الميت ـ الأهرام 2/7/5002.

4- محمد مجاهد الزيات ـ مشروع إسرائيل للالتفاف على قناة السويس ـ الأهرام 02/2/7002.

5- ((المياه والسلام وجهة نظر إسرائيلية)) مؤسسة الدراسات الفلسطينية- بيروت- 1991.

6- ((الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية)) مركز الدراسات العربي- الأوروبي، 1996.

7- الأرقم الزعبي ((الغزو اليهودي للمياه العربية)) دار النفائس 1992.  

اعلى الصفحة