الصمود السوري وتغيير قواعد الاشتباك الإقليمي

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم: معين عبد الحكيم*

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

في الوقت الذي كان فيه عدد من المحللين الإسرائيليين يتحدثون عن "الأهمية الإقليمية" لمعركة الجنوب السوري، ويرون فيها "صياغة لنظام إقليمي جديد"، كان رئيس الأركان الإسرائيلي، المنتهية ولايته، بيني غانتس، يرجح حاجة تل أبيب إلى جولات قتالية مستقبلية في الشمال، وسط استمرار التأكيد على مواكبة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بقلق لـ"محاولة حزب الله السيطرة على الحدود مع سوريا".

وقال غانتس، في مقابلة وداعية مع القناة الإسرائيلية الثانية 14\2\2015، "إن تل أبيب ستحتاج إلى توجيه ضربة أخرى لأعدائها في الجبهة الشمالية مستقبلاً"، مشدداً على جاهزية الجيش الإسرائيلي "لمواجهة التهديدات المتواصلة التي يمثلها حزب الله في الشمال، والفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة والضفة الغربية". 

من جهة أخرى طلبت حركة النضال الوطني التونسية الحكومة الجديدة بالإسراع في إعادة العلاقات مع سورية والتنسيق معها في التصدي للإرهاب والكف عن المماطلة في الوفاء بوعودها في هذا الملف وبغيره من الملفات.

وقالت الحركة في بيان لها إن السلطات الجديدة مطالبة بقطع الصلة مع سياسات التهميش والمماطلة وبالوفاء بوعودها وأن تقدم كل ما من شأنه أن يستجيب لمطالب الشعب التونسي والتصدي للأطراف المتورطة في الأحداث التي عرفها الجنوب التونسي مؤخراً.‏

معركة الجنوب السوري

بكثير من الثقة يمكن القول: إن الإنجازات العسكرية اللافتة التي يحققها محور المقاومة في المنطقة الجنوبية ستكون نقطة تحول كبرى في مجمل ما يحدث في سورية، وربما يكون خلاص سورية من الإرهاب وإعلان النصر المؤزر على الحرب الكبرى التي تشن ضدها على ضوء ما سيتمخض من نتائج هذه العملية التي تعد الأكبر في هذه المنطقة لقطع طرق الإمداد للتكفيريين من الأردن والكيان الصهيوني وتقطيع أوصال التنظيمات الإرهابية.

أولى بشائر نجاح الجيش العربي السوري في مهمته ما بدأنا نشاهده بأم العين ونسمعه علانية عن العملاء الذين انهارت صفوفهم انهياراً دراماتيكياً أمام ضربات بواسل جيشنا القاصمة وتكبدهم خسائر فادحة في العديد والعتاد وخروج الكيان الغاصب عن صمته حيث أقر من جديد بمسؤوليته عن دعمها حيث قالت القناة الثانية في تلفزيون العدو "إن نجاح الجيش السوري في عمليته هو آخر ما تريده إسرائيل وأن الإرهابيين يجدون صعوبات كبيرة في وقف هجوم الجيش السوري".

وأشار العديد من المعلقين الإسرائيليين إلى أن إسرائيل ستكون أمام جبهة إضافية تتحدث فيها عن مقاومة شعبية متسائلين عن مدى استعداد إسرائيل للقبول بانتشار المقاومة هناك. فيما سارع مندوب الكيان الصهيوني في مجلس الأمن للمطالبة بإعادة قوات "الأندوف" الذي عمل الكيان الصهيوني في وقت سابق على خروجها من المنطقة ليتسنى له تقديم الدعم للمجموعات الإرهابية دون حسيب أو رقيب.

وتجمع التقارير الإعلامية والاستخبارية على أن العملية العسكرية الواسعة للجيش واستعادة سيطرته على بلدات الدناجي ودير ماكر ودير العدس والتلال المحيطة بها يسهم في كسر الشريط الذي يحاول وكلاء الكيان الصهيوني والدول المتآمرة على السوريين اصطناعه في جنوب سورية وتعجل في خروج سورية من أزمتها منتصرة على أشرس حرب عرفتها في تاريخها.

واليوم يراقب العالم ككل مسار معركة "الجنوب السوري" التي تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب المفروضة على الدولة السورية وخصوصاً بعد إفشال الغرب وائتلافهم ودول الرجعية العربية لأي مسار سياسي يخدم توفير حالة من الاستقرار لمسار الأزمة السورية فاليوم بات لا خيار أمام الدولة السورية إلا الاستمرار بالحسم العسكري لتطهير أرض سوريا من رجس الإرهاب ومتزعميه وداعميه ومموليه وأن تقرر مصيرها بنفسها بعيداً عن تقاطع مصالح الصهاينة -والماسونيين- ودول الرجعية العربية في المنطقة عامه وبسوريا بشكل خاص، وجزء من هذا الحسم هو حسم معركة "الجنوب السوري" التي بدأت قبل أيام "بمثلث ريف دمشق الشرقي والجنوبي امتداداً لريف درعا الجنوبي الغربي ومنه إلى ريف القنيطرة الجنوبي الغربي", لتتوسع العمليات مستقبلاً للوصول إلى مناطق وتلال إستراتيجية بريفي درعا والقنيطرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر تلال الحارة والمال التي تحتل أهمية إستراتيجية باعتبارها مفتاح لسلسلة جبال وتلال تتموضع بمواقع إستراتيجية.

فاليوم بدأت تأثيرات هذه المعركة تظهر على أرض الواقع خارج حدود سوريا وفي تصريحات وتحليلات واهتمامات من قبل الأطراف الدولية المنخرطة بالأزمة بسوريا والإسرائيليين "خاصة" باهتمام ملحوظ منهم أي الإسرائيليين بمجريات معركة الجنوب السوري وقد يتساءل سائل: ما علاقة إسرائيل بمجريات معركة "الجنوب السوري"؟ لماذا "معركة الجنوب" وما مكاسب الدولة السورية من كسب معركة الجنوب؟ ما علاقة الأطراف المنخرطة بالأزمة السورية بمجريات ونتائج هذه المعركة؟ هل فعلاً سيتحدد بعد حسم هذه المعركة بداية النهاية لأزمة إرهابيه دامية طالت بسوريا؟ أم ستكون نهاية البداية الأكثر عنفاً وإرهاباً ودموية ليتوسع الصراع بعدها ويتخطى حدود سوريا ويشمل إسرائيل وحزب الله ودول الإقليم وليتسع أكثر وأكثر بالمنطقة وللإجابة عن كل ذلك سنقرأ قراءة متأنية بكل هذه التكهنات والتساؤلات؟.

فاليوم يساوي تحرير "مثلث ريف درعا القنيطرة ريف دمشق" للدولة السورية مكسباً كبيراً وورقة رابحة جديدة في مفاوضاتها مع كبار اللاعبين الدوليين المنخرطين بالأزمة السورية ومن خلال ورقة هذا المثلث ستفرض الدولة السورية شروطها هي على الجميع، وعندها لا يمكن أن تحصل أي تسوية إلا بموافقة النظام، ووفق ما يراه من مصلحة لسوريا الشعب والدولة، بعد كل ما لحق بهذا الشعب من أذى من قبل هذه المجاميع المسلحة وداعميها - والسؤال هنا هل ستعطي هذه الدول الراعية للإرهاب على ارض سوريا ورقة "الجنوب السوري" للدولة السورية هكذا دون أي حراك؟.

ولنبدأ بإسرائيل وعلاقتها بمجريات معركة الجنوب السوري ولماذا اليوم نرى ونسمع استعدادات بالخفاء والعلن للتدخل بأي وقت بمجريات المعركة وعلى الأغلب سيكون التدخل خارج الحدود السورية ونقصد هنا ضربه استباقية مباغته لحزب الله داخل قواعده في لبنان دون استبعاد التدخل بشكل مباشر بمعركة "الجنوب السوري"  لدعم وإسناد الجماعات الإرهابية المتحالفة معها وبغطاء أمريكي – سعودي, فاليوم عندما يخرج جنرالات إسرائيل ويتحدثون بالعلن أن سقوط حلمهم بإقامة منطقة عازلة بالجنوب السوري, وانهيار بنية جيش لحد السوري الذي كان مصطنعاً ليكون هو الحارس والحامي للمنطقة العازلة بالجنوب السوري فهذا يعني بحسابات القادة العسكريين والسياسيين في تل أبيب أن إسقاط هذه المخططات من قبل أعدائهم وقوى المقاومة المعادية للمشروع الصهيوني في المنطقة من قبل الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله يعني بالعرف العسكري أن مقاتلي حزب الله بالذات والجيش العربي السوري قد كسروا بعمليتهم بالجنوب السوري جميع قواعد الاشتباك وهم اليوم من يقرر ويرسم قواعد وخطوط الاشتباك ومن هنا بدأنا نسمع ارتجافات ورعشات الإسرائيليين ومن هنا سمعنا وقرأنا في تحليلات الإسرائيليين عن احتمالات شن عدوان إسرائيلي على قواعد حزب الله في لبنان أو حتى التدخل بشكل مباشر في معركة الجنوب السوري لتحويل مسار المعركة وبنفس الوقت التخفيف من حجم الضغط على الجماعات المعارضة المتحالفة معهم.

أما بالنسبة لواشنطن فهي الآن تدرس مخططاً رسم ملامحه مؤخراً الجمهوري جون ماكين بالشراكة مع اللوبي الصهيوني وقائمة عريضة من جمهوريي الكونغرس, يدخل ضمن سيناريوهات هذا المخطط القيام بتصعيد الضغط العسكري وإيقاف تقدم الجيش العربي السوري في أي مكان جديد على الجغرافيا السورية ومن ضمنها الآن المعركة الأهم وهي معركة "الجنوب السوري" التي تأخذ المساحة الكبرى من المناقشات والتحليلات لنتائجها على الصعيدين السياسي والعسكري لجميع الأطراف -وقد سربت تقارير عسكرية سرية أمريكية تقول هذه التقارير أن احتمال تحرير "الجنوب السوري" على أيدي الجيش العربي السوري ومقاتلي حزب الله ومقاتلين إيرانيين من شأنه إحداث تغيير جذري في الخارطة العسكرية لأطراف الصراع .

وعلى الجميع أن يدرك بأن معركة الجنوب السوري بشكل عام ومعركة "مثلث ريف درعا القنيطرة ريف دمشق" بشكل خاص ستكون لها الكلمة الفصل وفق نتائجها المنتظرة بأي حديث قادم يتحدث عن تسويات بالأزمة السورية وتغيير كامل ومطلق بشروط التفاوض المقبلة بين جميع الأطراف, فالمرحلة المقبلة ستحمل بين طياتها الكثير من التكهنات والتساؤلات بل واحتمال المفاجآت الكبرى حول طبيعة معركة الجنوب السوري, فالمعركة لها عدة أبعاد مستقبلية ومرحلية.

الهجمة على سورية تترنح

سلط الدكتور فيصل المقداد نائب وزير الخارجية والمغتربين الضوء على الانهيار العملي والأخلاقي العميق في مخططات القوى الاستعمارية التي استهدفت سورية من خلال تحالف /إسرائيل/ مع فرنسا وأمريكا ونظام آل سعود وتآمرهم مع النظام التركي وإفلاس هذا المخطط مقابل صمود سورية والمناعة الأسطورية لشعبها وقيادتها وبطولات الجيش العربي السوري مشيراً إلى مواقف الشعوب الأوروبية وصحوة الكثير من مسؤوليها وتغيير سياساتهم بهدف استيعاب وامتصاص رد الفعل الدولي على الدور التركي والأوروبي والأمريكي الهدام في تأجيج الأزمة في سورية.

وقال المقداد في مقال له لصحيفة البناء اللبنانية 14\2\2015 إن سورية كشفت منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب الإرهابية عليها بدعم إسرائيلي وأمريكي وسعودي وأوروبي أهداف هذه القوى ورسمت إستراتيجيتها لمواجهة هذه الحرب مبينا أن “سياسات قادة هذه الدول الاستعمارية قصيرة النظر والحاقدة في كثير من الأحيان أصبحت أكثر تصهيناً من بعض صهاينة إسرائيل.

وأضاف المقداد "لا نذيع سراً إذا قلنا إن التحالف التركي والفرنسي والسعودي مع الإرهابيين لم يفاجئنا كثيرا فالنظام التركي لم يخف أيديولوجيته الدينية وولاءه للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين طيلة السنوات التي حاول أردوغان وداود أوغلو أن يعطيا الانطباع فيها بأنهما يراعيان مصالح الشعب السوري ورغبتهما بتعزيز العلاقات السورية التركية".

وتابع المقداد "أما فرنسا وقياداتها التي أضاعت بوصلة العقل والتفكير فإن سياسات قادتها الاستعمارية وقصيرة النظر والحاقدة في كثير من الأحيان أو بالأحرى التي أصبحت أكثر تصهيناً من بعض صهاينة /إسرائيل/ فإن ما أطلق عليه البعض سياسة /احتواء سورية/ أيام حكم جاك شيراك 1995-2007 أو خلفه نيكولاي ساركوزي 2007-2011 فقد وصلت جميعها إلى حائط مسدود وبالنتيجة إلى الفشل الذريع". 

وأوضح المقداد أن الأسباب الحقيقية للهجمة السعودية القطرية على سورية تعود للتبعية المطلقة من جانب النظامين السعودي والقطري للسياسات الغربية والصهيونية واستعدادها لتقديم خدمات مجانية للغرب و"إسرائيل" لإثبات الولاء وضمان حماية الغرب لهذين النظامين مبينا أن هذه الهجمة تترنح الآن على يد أبطال الجيش العربي السوري والتفاف الشعب السوري خلف استراتيجيات قيادته لحاضر ومستقبل الشعب السوري وان ما عزز نجاح النهج السوري في إفشال الهجمة هو تفهم السوريين وقطاعات واسعة من الرأي العام العربي والعالمي وصناع الرأي العام لصحة منطلقات السياسة السورية وتأكيدها على أن الإرهاب الذي عانت منه سورية منذ الساعات الأولى لاندلاع الأعمال الإرهابية فيها في شهر آذار عام 2011 وحتى الآن سيمتد إلى دول المنطقة وما وراءها.

ولفت المقداد إلى وجود "انقلاب نسبي" في الموقف الدولي حول الأزمة في سورية مؤخرا وإلى أن ما يقود إلى هذا الاستنتاج هو الانهيار العملي والأخلاقي العميق في مخططات القوى التي استهدفت سورية وظهور إفلاس جلي من قبل أصحاب المخطط مقابل صمود سورية والمناعة الأسطورية لشعبها وقيادتها والبطولات التي سجلها جيشها موضحا أنه في هذا المجال "لا بد من التطرق إلى ما أصبح واضحا في مواقف الشعوب الأوروبية وصحوة الكثير من مسؤوليها والسياسات التي بدؤوا في تغييرها إلا أننا في الحقيقة لا نعول كثيرا على ذلك حتى الآن".

وقال المقداد إن ما ينقله الكثير إلينا من المسؤولين الأوروبيين حول ما يدور في اجتماعاتهم سواء كان على مستوى القمة أو مستوى وزراء الخارجية جعل الصورة تظهر بوضوح من خلال ما نسمعه عن عزل المواقف المتشددة لبلدان داخل الاتحاد الأوروبي مثل الموقفين الفرنسي والبريطاني مقابل أصوات تعكس عقلانية الرؤية والتحليل لدى عدد كبير من ممثلي الدول الأخرى موضحا أن الكلام الكثير الذي تحفل به الوثائق الصادرة عن هذه الاجتماعات يعكس عملياً قناعة هؤلاء بأن مواقفهم السابقة حول سورية كانت حبلى بالأخطاء والتناقض وقصر النظر وأن الرئيس أو الوزير الذي لا ينظر أبعد من أنفه ليس قائداً ولا مسؤولاً كما هي الحال بالنسبة لقيادات في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة فهؤلاء القادة الذين "كابروا وكذبوا" على شعوبهم لفترة تزيد على أربعة أعوام يتحملون نتائج الإرهاب الذي ضرب بلدانهم دون رحمة.

وأشار المقداد إلى الضغوط التي مارسها السياسيون الأوروبيون على الأجهزة الأمنية الأوروبية وإلزامها بتنفيذ مؤامرات واعتماد إجراءات تتناقض مع مصالح الشعوب الأوروبية لتلبية سياسات نابعة من "أبعاد شخصية" تخدم "أجندات انتخابية" أو "شعبوية على المدى القصير" إلا أنها تضر بمصالح هذه البلدان على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد.

وجدد المقداد تأكيد سورية على الدور الخطير الذي قامت به بعض الحكومات والاستخبارات الأوروبية في تعزيز آلة القتل والتدمير الإرهابية في سورية وهو ما أكدته الاستخبارات الأمريكية بوصول ما يزيد على عشرين ألفا من الإرهابيين الأجانب من تسعين بلدا من العالم إلى سورية مؤخرا مبينا أنه من غير الممكن أن تقوم تركيا بتمرير كل هؤلاء الإرهابيين إلى سورية من دون علم وموافقة بعض أجهزة الاستخبارات الغربية وبخاصة منها الأمريكية والفرنسية.

قرار مجلس الأمن 2199

صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع وتحت الفصل السابع على قرار 2199 الذي ينص على تجفيف منابع تمويل الإرهاب وتشديد الرقابة على المناطق الخاضعة لسيطرة الإرهابيين ومحاصرة مصادر تمويل تنظيمات داعش والنصرة, كما يشمل منع الاتجار بالنفط والآثار السورية والعراقية مع المنظمات الإرهابية, فضلاً عن انه يقوي الحظر الوارد على مصادر الأموال التي تتلقاها المنظمات الإرهابية ومنها منع دفع الفدى لتلك المنظمات. وشدد القرار على التزام الدول بأن تكفل عدم إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية لصالح تنظيم داعش الإرهابي والجماعات المرتبطة بالقاعدة. وتبنى المجلس المؤلف من 15 عضوا بالإجماع القرار الذي صاغته روسيا وهو ملزم قانونا ويعطي المجلس سلطة فرض عقوبات اقتصادية للضغط من أجل تنفيذ القرارات، ولا يجيز القرار استخدام القوة العسكرية. ورحب ممثلو دول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والأردن والصين وروسيا في كلماتهم بالقرار، منددين بالمنظمات الإرهابية وما تقوم به من أعمال ضد البشرية. ورحب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بتصويت أعضاء مجلس الأمن الدولي بالإجماع على مشروع قرار مقدم من بلاده الذي يدين أي أعمال تجارية على نحو مباشر أو غير مباشر، وخاصة في النفط، بمشاركة تنظيم داعش وجبهة النصرة وكل ما يرتبط بتنظيم القاعدة من أفراد وجماعات ومؤسسات. وقال تشوركين بعد التصويت "باعتماد القرار رقم 2199 اتخذنا خطوة مهمة أخرى في قمع تمويل الإرهابيين، الذي يأتي أولا وبشكل خاص من خلال الاتجار غير المشروع في النفط. وأيضا للحد من التهديد الإرهابي الذي تقف أمامه سوريا والعراق ودول أخرى بالشرق الأوسط، الذي تمتد آثاره لما أبعد من المنطقة."

وأكد الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة أن سورية ترحب باعتماد قرار مجلس الأمن 2199 الخاص بقطع التمويل عن تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية من خلال بيع النفط والآثار المسروقة والفدية وتثمن بشكل كبير مبادرة وفدي روسيا والصين في هذا السياق.

وأوضح الجعفري في بيان له خلال مؤتمر صحفي مشترك مع مندوب العراق الدائم لدى الأمم المتحدة أن القرار مهم جداً لكل من سورية والعراق اللذين يعدان الضحيتين الرئيستين لهذا الإرهاب المدعوم من قبل قوى واستخبارات أجنبية مبينا أن الإرهابيين الذين ينتشرون في المنطقة وبخاصة في سورية والعراق لا يأتون عبر المظلات وإنما عبر الحدود المشتركة لكلا البلدين وإن الغالبية العظمى منهم يعبرون إلى سورية والعراق من تركيا والأردن.

وقال الجعفري: "للأسف تبنى الأردن العضو في مجلس الأمن ولسنوات سياسة تدريب ودعم وإرسال الإرهابيين عبر الحدود المشتركة إلى داخل سورية لقتل السوريين ونرى السلطات الأردنية تشاهد الإرهابيين في الرقة بسورية وفي الموصل بالعراق ولكنها لا تشاهدهم يعبرون حدودها باتجاه سورية والعراق".

وأوضح الجعفري أن القرار 2199 يكمل القرارات السابقة التي تعنى بمحاربة الإرهاب بما في ذلك القراران 2170 و2178 مشيرا إلى أن القرار المعتمد يفرض التزامات جدية على الدول الأعضاء التي تدعم الإرهاب في سورية والعراق وهذه الالتزامات تعالج بشكل خاص تجارة النفط والغاز وتهريب الممتلكات الثقافية والآثار وغيرها بشكل يحول دون حصول الإرهابيين على تمويلهم من خلالها.

وأضاف الجعفري: "في جعبتنا الآن ثلاثة قرارات حول مكافحة الإرهاب ومع ذلك لا تزال تركيا تسمح للإرهابيين وخاصة /داعش/ و/جبهة النصرة/ بعبور الحدود المشتركة مع سورية وكذلك تساعد /إسرائيل/ الإرهابيين في الجولان وخاصة /جبهة النصرة/ كما يأتي الإرهابيون من الأردن الذي أقام على أرضه معسكرات أو ما يسمونها غرف عمليات عسكرية مشتركة تقدم التدريب للإرهابيين ومن ثم لإرسالهم إلى سورية بإشراف من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والتركية والفرنسية والقطرية والسعودية وبالطبع يسمون هؤلاء الإرهابيين بـ/المعتدلين/ بينما يشير قرار مجلس الأمن إلى عدم وجود إرهابيين معتدلين أو متطرفين وإنما أوجب القرار محاربة الإرهابيين وجميع أشكال الإرهاب المرتكب من قبل /داعش/ أو/جبهة النصرة/ وكل منظمة إرهابية أخرى".

ولفت الجعفري إلى أن معسكرات التدريب التي أقيمت في تركيا والسعودية وقطر والأردن ليست معسكرات تدريب على أساليب التفاوض السلمي وإيجاد الحلول السياسية بل هي في الواقع معسكرات لصنع الموت للسوريين مشيرا إلى الذين يشرعون تجارة النفط السوري لهؤلاء الإرهابيين ويسمونهم /قوى المعارضة المسلحة/ بعد سرقة النفط العراقي والسوري وتصديره بعد تكريره في المصافي التركية داخل الأراضي التركية حيث تستورده شركات أوروبية بوساطة وسطاء أتراك.

وتساءل الجعفري في ختام بيانه: ألم يحن الوقت بعد لمحاربة الإرهاب بجدية وبكل جوانبه… ولماذا لا تزال بعض الدول تنتظر حتى يطرق الإرهاب أبوابها ويضرب الأمم المختلفة دون تمييز من أمريكا إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا وأوقيانوسيا.

وحول ما إذا كان القرار قاصراً لعدم تضمنه إجراءات من شأنها إجبار الدول على مراقبة حدودها بوجه عبور الإرهابيين والنفط المسروق والآثار وغيرها وحول تصريحات للسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة أجاب الجعفري: "إن السياسات الأمريكية الخاطئة في محاربة الإرهاب في أفغانستان تسببت بانتشار الإرهاب حول العالم". موضحا أن /الحرب ضد الإرهاب/ كما سمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة أدت بشكل تلقائي إلى انتشار الإرهاب في جميع أنحاء العالم ووصل إلى الولايات المتحدة وفرنسا وأستراليا وأفريقيا وإلى كل مكان وبالتالي حان الوقت لكي يدرك صانعو القرار الأمريكي بأن هناك شيئا ما كان خاطئا في حساباتهم عندما كانوا ينوون محاربة التنظيمات الإرهابية.

ولفت الجعفري إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تساعد بعض التنظيمات الإرهابية داخل سورية وفي دول الجوار في معسكرات أنشئت داخل الأراضي التركية والأردنية والقطرية والسعودية وهم يدربون هؤلاء الإرهابيين لعبور الحدود وقتل السوريين داخل سورية فنحن نواجه حرباً جدية ضد الإرهاب على حدودنا مع الأردن في الجنوب وتركيا في الشمال سببها هؤلاء الذين يسمونهم /المعارضة المعتدلة/ التي يتم تدريب عناصرها من قبل خبراء من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية وقطر إضافة إلى فرنسا. وأشار الجعفري إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تكون أول من ينفذ هذا القرار من أجل إعطاء مصداقية لادعائها محاربة الإرهاب.

وبشأن تأثير العلاقة بين سورية والولايات المتحدة على التنسيق بخصوص العمليات العسكرية البرية ضد /داعش/ فيما لو أقرت قال الجعفري: "يجب على السفيرة الأمريكية قبل التحدث اليوم أن تتذكر أنه وقبل بدء الحملة الجوية الأمريكية كانوا قد أعلموني أن الإدارة الأمريكية تنوي ضرب داعش ضمن الأراضي السورية وواشنطن لا يمكنها إنكار الدور المهم جدا للحكومة السورية وللرئيس الأسد في محاربة الإرهاب وبالطبع قاموا بإعلامنا بكل أمر حساس ونحن منفتحون للتعاون مع جميع الدول الأعضاء في محاربة الإرهاب إلا أننا نريد أن نشاهد تعاوناً حقيقياً غير قائم على ازدواجية المعايير". وقال الجعفري إنه "بعد أربع سنوات من الإنكار الكلي لوجود ظاهرة الإرهاب في سورية والعراق الجهات نفسها في مجلس الأمن التي استمرت في هذا الإنكار تدرك الآن وجود تنظيمات إرهابية تضرب العراق وسورية وهذا يعد إنجازاً للحكومتين السورية والعراقية حيث أن ما يسمى المجتمع الدولي يتحول الآن من الإنكار الكلي إلى الاعتراف الكلي بوجود التنظيمات الإرهابية وممارساتها في المنطقة". 

وأضاف الجعفري "إن الجميع يدرك وجود أربعة معسكرات علنية لتدريب الإرهابيين في تركيا والأردن وقطر والسعودية وإن جميعها تدار من قبل مخابرات سرية من بينها (سي أي إيه) و(الموساد) الإسرائيلي وجميع تلك المعسكرات لديها مهمة واحدة تتمثل بكيفية تدريب أكبر عدد ممكن من القتلة بهدف قتل أكبر عدد من السوريين والعراقيين وهذا ما يجب أن يتم النظر إليه في هذا القرار".

باحث في القضايا الإقليمية(*) 

اعلى الصفحة