اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

عالمٌ مليء بالذئاب

هلاّ سافرت معي في بحر أفكاري.. وخضت معي غمار رحلتي.. وبحثت في أعماقي.. وتساءلت معي.. أيّ عالمٍ غريب هذا الذي نعيشه.. وأيّ قدر هذا الذي قد يكون نصيبنا منه أن نكون لقمة سائغة لمن حولنا.. وأيّ صدفة تلك التي قد ترمينا في تجارب لا ندرك أننا الضحية فيها في النهاية.. لا لشيء إلاّ لأننا نعيش بصدق.. ونحب بصدق.. ونتعامل بصدق..

في تلك اللحظة التي سألت نفسي فيها أين نحنُ في هذا العالم المليء بالذئاب.. وجدت نفسي في دوامة من الصعب عليّ الخروج منها.. وكم هو شعور مؤلم لي كما هو لك أن نكون لقمة سائغة لأناس لا يستحقون حتى أن نطلق عليهم لفظ "بشر" بل وحوش..

نحن نعيش في عالم مليء بالذئاب.. عالم مليء بالوحوش.. عالم مليء بشياطين الإنس.. هذا العالم الذي أصبحنا ننظر إليه من منظار غير المنظار الذي تعودنا أن ننظر من خلاله.. حتى الورد أصبحنا نراه شوكاً وإن بللته قطرات الندى..

في عالم مليء بالذئاب.. كثيرون هم الذين يلبسون أقنعة البراءة.. والصدق.. وهم من الداخل ـ متى سنحت لهم الفرصة ـ أخذوا ينهشون لحمنا ونحن لا ندري.. لماذا؟؟

من الذي فرض علينا لبس هذه الأقنعة؟! ..أم علينا أن ندعي حب من حولنا حتى نحقق أغراضاً شخصية دنيوية منحطّة.. هل علينا أن نغدر وأن نخون؟؟.. وأن نطعن بسكين الخيانة.. فقط لرغبتنا بأن نحقق ما نريد؟!!.. وأن نصل إلى ما نريد دون حساب لأية مشاعر؟!!.. كم أشعر بالأسى على نفسي وعلى أولئك الذين يتعاملون مع الحياة بصدق وشفافية.. وهم لا يعلمون أنهم يعيشون في عالم مليء بالذئاب البشرية.. ما عاد هناك شعور بالأمان.. متى ستهب رياح السكينة من جديد على النفوس.. فلقد فقدنا الثقة بمن حولنا حتى بأحب الناس إلى قلوبنا..

 

في عالم مليء بالذئاب.. ترتادنا الحيرةُ أين سنجد الإنسان.. نرقب ولادته.. نتطلع في الأفق الرحب.. فلا نجد.. ترى هل مات الإنسان فينا؟؟.. هل بتنا وحوشاً في غابةٍ اسمها الدنيا وهي أدنى من كونها دنيا؟؟..

في عالم مليء بالذئاب.. يصبحُ الأبيضُ أسود.. وتصبح الحقيقةُ زيفاً.. يصبح القتل مشروع حياة.. وتصبحُ الضغينةُ أنساً.. وتغدو الأخلاقُ شبهةً يعاقب عليها قانون الذئاب..

في عالم مليء بالذئاب.. لا مكان للضعيف.. ولا مكان للفقير.. لا مكان لمن يتقنُ فن الحياة.. بل المكانُ.. كلُّ المكانِ.. للتسلطِ.. للهيمنةِ.. للخيانات.. للطعن في الظهر.. لا مكان للأبطال الأبطال.. فهم منبوذون محاربون بسيف الجبناء القابعين خلف جدر الوهم.. والمقنَّعين بألف قناع.. متهمون بالمغامرة وملاحَقُون بالتهم..

في عالم مليء بالذئاب.. لا وجود لضميرٍـ يُحكى أنه انتحر منذ زمان!! ـ لا وجود حتى لقبره تُستعادُ ـ على الأقل ـ بعض الذكريات القديمةِ عن حكاياه التي أرّقت جفن الطغاة وأحرقت كل قصور الوهم التي سيَّجوها بسياج من قوة وهمية.. واحتموا بظلِّها يقتاتون لحومنا صبح مساء..

في عالم مليء بالذئاب.. تصبح الدمعةُ بلا عيون.. من شوقها إلى حلم انكسر.. ليس من ذكرى لتمثال كسرناه.. ليس من حزن على فرح دفنَّاه.. دمعة بلا عيون.. دمعة على أطفالٍ دفنتهم أنيابُ الذئاب في مقتبل العمر.. في عمر الزهور.. دمعةٌ على أطفالٍ فقدوا آباءهم بسبب جشع الناس ونيوب الذئاب.. دمعة على كل طفل فقد طفولته وبراءته وابتسامته وعاش في عالم مليء بالقسوة والحزن والعذاب.. دمعةٌ بلا عيون..

أحقاّ هو عالم مليء بالوحوش؟!.. أم أنّ التجارب قد جرفت تفكيري إلى هذه النتيجة؟!.. أحقّاً هو كذلك أم أنّني لم أعد أفهم ما يجري من حولي؟!!!!..

في هذه اللحظة أشعر أنني أقف في مفترق الطرق هل أغيّر مبادئي وأعيش كغيري.. أم أمضي في سذاجتي مع عدم شعوري بالأمان..؟؟!. فكل شيء جميل أصبح بالنسبة لي مشوهاً ومكسوراً..لا أدري كيف السبيل إلى إصلاح ما انكسر.. لكن أهو عدل أن أسمّي صدقي وعفويّتي سذاجة.. أم ضرباً من الغباء.. أم ماذا..؟؟!!.. آه من حياة هذه حالها.. وآه من بشرٍ همّهم دنيا حقيرة..

في عالم مليء بالذئاب ماذا نفعل.. هل نرضخ.. هل نتَّعظ.. هل نتعلم؟؟.. فنعمل منذ اليوم على أن نأخذ الدروس والعبر؟!!..

فلنتعلم كيف نكون كالماء العذب الزلال.. ولنتعلم كيف نكون كالطفل في براءته... فما أجمل الماء لحظة نقاوته.. وما أجمل الطفل ساعة براءته..

في النهاية.. وفي عالم كهذا العامل المليء بالذئاب.. أقول لنفسي: "إذا ما طُعنتَ يوماً بسكين الخيانة.. فداوِ جرحك بضمادة الصبر.. فلعل يوماً نسائم النسيان تداوي جروحك".. 

اعلى الصفحة