السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

انتظرتُكَ شمساً

إلى ابن عمي الشهيد حسن حسين عبد الله

كان يسكنني سرّهُ‏ فانتظرتُ..،‏ وسرتُ الليالي الطوال‏.. توهّمت أنّ البعدَ قد طالْ..‏

والتقينا معاً فوق رابيةٍ في جبلْ‏.. واقتنصنا وميضَ الأمل‏ْ.. ثم صحتُ: هنا نلتقي؟!!..‏

ها هنا؟!!.. ما الذي كان يفصلنا إذن؟!!..

وسكتُّ..‏ ثم عانقني وانحنى باكياً.. فبكيتُ..‏

رافعاً كتفَ خوذتِهِ‏ مدَّ فيها أصابعَ داميةً‏ ثم أخرجَ لي:‏ وطناً باكياً مثلنا..‏

كنت أسمعُ همسَ القذائف في همسهِ‏

حسنْ.. قد كنتَ صغيراً حين لامسَ شغافَ قلبِكَ نداءُ الحسينْ..

وإنّي انتظرتُكَ شمساً.. عاماً‏ وعامين..‏

رأيتُ الندى صار فيها رصاصاً‏ رأيتُ شهيداً مضى..‏ وانتظرتُ شهادةً ستأتي..

لكنها أغلى ما لديَّ من أملْ..

ثم انبجسْتَ من على ربى عيترون تُعيدُ صوغَ الحكاية

هناكَ حيثُ رأيتُ فيكَ ما لم أرهُ من قبلْ..

شهيداً سيؤازرني يوماً.. ‏ورأيتُ في جراحِكَ الآتيةِ جراحي..‏

رأيتُ جراحكَ تهتِّك أضمادَها‏ وتقاتلُ لأجلي..‏

أيُّ نورٍ هنا‏ رابضٌ عند مدخلِ الزهراء‏ مثلَ بدرٍ تمر من حوله الغيوم ويبتسمُ..؟‏

قد تمنيتُ ساعتها‏ أن يجيبَ الدمُ‏: إنهُ الشهيد.. ‏

قل لي:‏ يا جرحَ ابن عمي.. قل لي إنّ في الحب متسعاً للبكاء..‏

إنّ في القلب متسعاً لفرحةِ انعتاقْ..

لا بدّ أن نحلم‏ الآن، كل المواجِع بيتي،‏ تقاسمني فرحي وهمومي وصمتي.‏

ثم ملتَ إلى جهة القلب..‏ ملتُ إلى حيثُ ملتْ.‏.

كنتُ أنظر قلبي يمدُّ شعاعاً من الوجدِ،‏ يغسل حزنَ المسافات،‏

يمنحني زهرةً حين لامَسْتُها..‏ أوقَدَتْ في دمي‏ نار ذكرى لظىً.‏.

أيُّ ذكرى إذن..‏ تنهضُ الآن من نومِها وتشيِّعُ البهاءْ؟‏

ثم تأتي إليَّ‏.. تتنفّسُ فيَّ‏.. أيتُها الذكريات البعيدةْ‏ امنحيني هواي‏.. امنحيني رؤاي..‏

وبعضَ همومِك أسكنُها..‏ وامنحي القلبَ صبراً‏

ورفقاً به ثم رفقاً‏.. ليتني الآن مثلُ الهواء‏ فأندسّ بين السواتر‏ فوق رموش البنادق‏..

آهٍ.. تلكَ الدساكر‏ تسكنها الشمسُ‏ سمّيتُها وطناً‏ حين أنزلُ فيه،‏ أقول:‏

السلام على الأحبةِ يمضون دوني.. يتركونني هكذا!...

وجهاً بلا عينينِ أو أُذنينِ‏؟!! كيف يمّيزُ الألوانَ تضحكُ‏.. كيفَ‏؟!..

كيفَ يمّيزُ الأصداءَ تُقرعُ‏ دونَ صوتْ‏..

لفظتهُ ساحاتُ المدينةِ ميتاً‏ من غيرِ موتْ‏..

ما بين فوضى الموتِ‏ في الأرجاءِ موتي‏ منذا يقاتلني إذن..؟‏

وأنا خريفُ الجرحِ‏ في عُنقِ البلاد‏

وأنا عُواءُ الذئبِ‏ في عطشِ البوادي‏.. أجري..‏ وتخذلني خطاي..

‏أجري.. وتهربُ من فمي لغتي‏ وتتركني يداي‏.. والريحُ نزفي‏ تتكسر الأحلامُ خلفي‏

في زوايا الدمعِ ظِلِّي..‏ ذابَ ظلّي..‏ ماتَ ظلّي.. مات.. ماتْ‏..

قد كنتُ أعمى حالماً أتأمّل الألوانَ تضحك‏ في بساتين الجنوبِ

حالماً‏ أتأمّلُ الأشجارَ تنهضُ.. كيف أنهضُ‏ في مفازاتِ الرماد؟

والأحبةُ دوني يمضون إلى برازخهم.. دوني جميعُهم يمضون..

إلى متى أبقى أحاولُ هذا الرحيل؟.. أأنتظر أن يأتيني الموتُ على فراشٍ وثيرْ؟..

إلى من تتركون رفيق أوجاعكُم يكابِدُ أوجاع المصيرْ..

من ذا يردُّ لظمأ الحسينِ فراتَهُ بغير الدماء؟!..

منْ.. ومن.. كلُّ ما عوَّدَنا التاريخُ على مرِّ أحزاننا أن الشهداء يمضونَ

والطاغيةَ يتناسلُ في كلِّ حينْ.. مِن جرحِ عليٍّ حتى نحرِ الحسينْ..

 

اعلى الصفحة