التوازن الإستراتيجي:
إسرائيل وإعادة النظر في حسمها للمعارك تراجع ردعها

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

ترجمة وإعداد: حسن سليمان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

ترجمات

معهد أبحاث الأمن القومي

بقلم: عاموس يادلين – رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الاسبق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي الحالي

 

انتهت ثلاث حروب بين إسرائيل وحماس بـ"تعادل إستراتيجي غير متكافئ". فمن جهة، ليس من شك أن حماس تلقت ضربة عسكرية في صيف 2014 وفشلت في تحقيق أهداف إستراتيجية، ولكن من جهة أخرى فهي قد صمدت في المعركة أمام الجيش الإسرائيلي، الأقوى بين جيوش الشرق الأوسط، واستمرت بعدها بالتمسك بالكفاح المسلح، ولم تتخل عن سلاحها، وترفض قبول القيود على تعاظم قوتها المستقبلية وموقعها في الساحة الفلسطينية تعزز.

من المناسب أن الحسابات الإستراتيجية الإسرائيلية بجميع ذلك يجب أن تتركز على الجهد لتحقيق نتيجة إستراتيجية أفضل في الجولة القادمة. استمرت جولة المواجهة الثالثة بين إسرائيل وحماس خمسين يوماً، وفي نهايتها كان الانجاز الإسرائيلي الرئيسي "وقف إطلاق النار بدون تحقيق انجازات لحماس". حتى إذا انجرت إسرائيل إلى المعركة ولن تبادر إليها – كان ينبغي الاستفادة من تمسك حماس باستمرار المعركة، والوصول إلى غرض إستراتيجي أفضل.

هذه المعركة، "الجرف الصلب"، أديرت بشكل مخالف تماماً للرؤية الأمنية الإسرائيلية التقليدية: الردع، الإنذار والحسم. القوة الإسرائيلية ونتائج المواجهات السابقة لم تردع حماس. لم يكن هناك تحذير استخباري وإستراتيجي عن المواجهة، كما تؤكد ذلك التقليصات في ميزانية الأمن، تقليص تدريبات الاحتياط ووقف طلعات سلاح الجو. في المواجهة نفسها لم يتم تحقيق الردع. من الواضح انه لم يكن من الممكن تنفيذ الرؤية الأمنية التقليدية في كل معركة او جولة مواجهة، ولكن من المهم أن تكون الإطار المرغوب فيه لدى القيادة الأمنية الإسرائيلية. يجب أن يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تطوير رؤية عملياتية تمكنه من تحقيق غرضه الإستراتيجي، والتي تتناسب قدر الإمكان مع الرؤية الأمنية الحديثة إسرائيل.  ومع ذلك، نجاح الحماية جلبت معها أبعاداً معقدة إضافية، وأكثر أهمية، في التصور الأمني التقليدي: معركة قصيرة: حسم واضح، نقل المعركة إلى ارض العدو. تعزيز الحماية أدى إلى تجاهل المبادئ الرئيسية للحرب الكلاسيكية: مبادرة وهجوم، خدعة، تركيز جهود، جعل العدو يفقد توازنه، تتابع واستمرارية.

من ناحية أخرى، هناك منطق كبير بالادعاء غير السليم لفحص المعركة من نوع "الجرف الصلب" وفقاً للتصور الأمني التقليدي أو مبادئ القتال عند الجيش الإسرائيلي. من الصعب جداً ردع منظمة إرهابية، ومن المؤكد انه من الصعب ردعها في حرب قصيرة.عندما يتم قياس الحرب الأخيرة بالسنوات الثلاث الأولى من الانتفاضة الثانية ولموجات الانتحاريين الذين قتلوا مئات الجنود والمدنيين الإسرائيليين، فإن "الجرف الصلب" كانت معركة قصيرة بتكلفة معقولة. حتى الولايات المتحدة، والدول العظمى في العالم، لم تنجح لمدة عقد من الزمان في إخضاع طالبان في أفغانستان، وإخضاع القاعدة في معركة عالمية ضد الإرهاب أو لمعاقل الإرهاب السني والشيعي في العراق.

في عالم المواجهات غير المتكافئة تسود قواعد قتال مختلفة، وهذا المقال يتناول التوتر بين الحاجة لمحاولة الحفاظ على التصور الأمني الكلاسيكي لإسرائيل، وبين طبيعة الحرب المختلفة مقابل منظمة شبه دولة، والتي هي (مكافأة منخفضة) ويختفي خلف السكان المدنيين من جهة، ومن جهة أخرى صاحب مسؤولية سياسية وقدرة عسكرية ملفتة.

الادعاء الرئيسي في هذا الربط هو أن حماس في غزة ليست منظمة مسلحة تقليدية وليست دولة طبيعية – وتم تعريفها وفقا للتعريف الجديد بالمنظمة الهجين، يتضمن اثنتين من المكونات، لذا فإنه في النضال ضده يجب تطبيق سواء عناصر الأمن الكلاسيكي او العناصر المخصصة لحرب المنظمات المسلحة التي هي ليست دولة. جزء كبير من مبادئ الحرب يسري أيضاً على الحرب مع مثل هذا النوع من المنظمات، ولكن التحدي الرئيسي هو بتمييز عناصر المعركة الحالية مقابل التحديد الهجين، ولكي يتم إعداد الحلول العسكرية لها التي تحقق الأهداف العسكرية. ميزة سياسية واضحة بالترتيب بعد المعركة، تعزيز فعلي لقوة الردع، تقصير أمد المعركة، تقليل فعلي للتكلفة، تقليص الأضرار المتعلقة بمكانة إسرائيل الدولية، الامتناع عن التصعيد في المعركة إلى مواقع أخرى.

جزء من النظرات السلبية من جهة إسرائيل في المعركة الأخيرة نبعت، من المفارقة، من النجاح النسبي لعملية عمود السحاب. من المعروف أن من ينتصر في معركة ويرتاح على أمجاد الماضي،  فإن حافزه لان يتعلم يكون ضعيفاً، ولكي يبحث ويعد الحلول التكتيكية والعقائدية للجولة القادمة. يبدو أن حماس تعلمت جيدا من عبر "الرصاص المسكوب" و "عمود السحاب"، واعدت أدوات للمعركة وحلولاً تكتيكية لإحباط جميع التفوقات الإسرائيلية، كما تم التعبير عنها في المعارك السابقة، وفي أساسها التفوق الاستخباري وقدرة التصويب الدقيقة. في نشرة إجمالية نشرها معهد دراسات الأمن القومي، الذي عقد في آذار 2012 في أعقاب عملية "عمود السحاب"، كتبت وأوصت حول ضرورة التحقيق والتعلم من دزينة من القضايا المركزية، وفي مقدمتها فشل الردع، عدم معالجة تعاظم القوة لدى الطرف الآخر، وضرورة الفهم الأكثر عمقاً لعدم التماثل بين أهداف الأطراف وتعبير "النصر" الذي يختلف عندهم، وبلورة حل لعدم التماثل هذا.

من ضمن الأقوال التي وردت في هذه التوصية ما زالت سارية حتى يومنا هذا: "حتى إذا الجيش الإسرائيلي وإسرائيل تقدر أنها انتصرت في المعركة، من المهم أن يفحص الجانب الإسرائيلي الأيام الثمانية من القتال (عملية عمود السحاب). الحديث يدور عن بحث وليس عن تحقيق، في البحث يبحثون عن الطريق لإدارة جيدة جداً وسليمة أكثر للمعركة القادمة، بينما في التحقيق يبحثون عن متهمين. المستوى السياسي بإمكانه تعيين "لجنة فينوغراد" داخلية من قبله، وليس تحت ضغط عام وإعلامي دون التوقع أن تقطع رؤوسهم، أو أن تتم إزاحة مسؤول سياسي أو عسكري. كما بإمكان رئيس الأركان تعيين مجموعة من أفراد الاحتياط من أجل فحص المسائل القتالية، الإستراتيجية، والمنهجية واللوجستية ذات العلاقة بالمعركة". هذه التوصية، كما يبدو، لم يتم تبنيها. وبذلك يكمن جزء من الإشكالية في اختيار الأهداف الإستراتيجية والنظرة العملية لتنفيذها في عملية "الجرف الصلب".

فيما يلي عشر قضايا ومواضيع من أجل البحث والاستفسار والتوضيح المعمق، والآن بعد عملية "الجرف الصلب". المطلوب نقاش هذه المواضيع والأسئلة في داخل الهيئات المناسبة في رئاسة الأركان، وفي وزارة الأمن وفي المجلس الوزارة المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، وإعطاء ردود إستراتيجية، تكتيكية ومنهجية، في التصور الأمني الحديث وذي الصلة، التصور في العمل المناسب، في بناء القوة وتشغيلها.

1. هل فهمنا جيداً منطق العدو وطريقة اتخاذ القرارات في حماس؟ لا يمكن صياغة محتوى إستراتيجي دون فهم عميق للخصم. من المناسب إجراء الفحص بمهنية، بهدف تحسين الفهم تجاه المنطق والطريقة التي تتم فيها اتخاذ القرارات من قبل حماس. فقط هكذا نستطيع فهم لماذا لم يتم إعطاء تحذير إستراتيجي على ضعف الردع الذي حصلت في عمود السحاب، ولماذا لم يكن هناك تحذير عن الافتراضات العالية حول جولة إضافية في صيف 2014. يبدو انه لم يتم استيعاب الفهم أن حماس تنازلت عن دولة إسلامية حمساوية في غزة، بسبب وضعها الصعب من ناحية سياسية ومالية مع تغيير النظام في مصر. تسليم "مفاتيح غزة" لحكومة وحدة مع فتح عادت وعززت الجاذبية للخيار العسكري، ووزن قادة الجناح العسكري تصاعد نسبيا على القيادة السياسية في غزة. حتى ولو كان صحيحاً الادعاء أن حماس نفسها لم تتعمد الدخول إلى المعركة،  من الواجب بلورة الفهم لماذا مع ذلك انجرت إليها. إضافة، يجب ان يتم التبرير بعمق الأسباب وراء رفض حماس، مرة تلو الأخرى، قبول اقتراحات وقف إطلاق النار التي عرضت عليها، ولماذا قامت بخرقها. لقد كان متوقعا من تنظيم تم ردعه، وغير معني بالمعركة، أن يبحث على وقف لإطلاق النار في مرحلة مبكرة من المعركة، وحماس وافقت على وقف النار فقط بعد سبعة أسابيع من القتال.

2. هل أهداف المعركة التي تم وضعها كانت سليمة؟ وهل الأهداف كانت مقيدة في البداية وليست واقعية لاحقاً؟ تم في بداية عملية "الجرف الصلب" تحديد ثلاثة أهداف متواضعة: إعادة الهدوء إلى الجنوب، تحسين قوة الردع، إلحاق الضرر الكبير بحماس.

ولكن هذه الأهداف الثلاثة عملياً تختلف لنفس الهدف: فقط إذا حماس تمس بصورة مؤلمة جدا سوف ترتدع عن الاستمرار في المعركة، وهكذا يعود الهدوء إلى الجنوب. هذا الهدف لم يتحقق خلال ست أسابيع من القتال وآلاف الهجمات. فقط في الأسبوع السابع، عندما أصيب قادة الذراع العسكري لحماس وعندما تمت مهاجمة مباني متعددة الأدوار في غزة – كانت ضربة مؤلمة لحماس بشكل كاف، فقد تم ردعها والهدوء عاد إلى الجنوب. يجب فحص فيما إذا كانت هناك قدرة لتحقيق هذه الأهداف في الأسبوع الأول أو الثاني من القتال. لاحقاً تم وضع هدف تدمير الأنفاق – الذي نفذه الجيش جيداً. السؤال للفحص هنا هو، لماذا لم يتم وضع هذا الهدف في مرحلة متقدمة جداً – فور البدء بالقتال. هدف إضافي تم وضعه إضافة إلى أهداف المعركة في منتصف العملية – نزع سلاح قطاع غزة. هذا هدف مهم ومناسب، ولكن مجريات العملية لم تدعم هذا الهدف الطموح. لم يكن هناك أي احتمال بأن تسلم حماس أسلحتها بإرادتها. لا مصر، ولا الناتو ولا السلطة الفلسطينية، كانوا أو سيكونون قادرين على للقيام بإجراء لم يكن حتى الجيش الإسرائيلي قادراً على القيام به. كان من الأفضل وضع هدف أكثر واقعية لفترة التسوية السياسية، "منع تعاظم قوة حماس بعد المواجهة". من الممكن الاتفاق على منع تعاظم حماس ليس مع حماس، بل مع حلفاء إسرائيل،  مصر والولايات المتحدة،  ولتركيز هذا الاتفاق مع الحلفاء على منع تهريب السلاح إلى قطاع غزة، وبمشروعية العمل ضد مواقع الإنتاج والإطلاق، وكذلك ضد حفر الأنفاق الهجومية في قطاع غزة نفسه.

3. هل النموذج بـ"الحفاظ على حماس كعنوان" كان سليماً؟ في المجتمع الأمني والسياسي لإسرائيل تم تحديد افتراض أساسي في السنوات الأخيرة، والتي بموجبها الحفاظ على حماس كسلطة حاكمة في غزة هو مصلحة إسرائيلية. وذلك، لأن حماس تمثل القوة الحاكمة المسيطرة المسؤولة والتي من الممكن أيضاً ردعها. هذا الافتراض تعزز في أعقاب الهدوء النسبي الذي ساد بين إسرائيل وحماس منذ عملية "عمود السحاب"، بعد أن قامت حماس بفرض سيطرتها بشكل فاعل على جميع المنطقة، ومن خلال منع القيام بعمليات ضد إسرائيل من قبل منظمات الجهاد الإسلامي  "ولجان المقاومة"، وجهات مسلحة أخرى. الخوف في إسرائيل كان انه بدون وجود حماس سينشأ فراغ سياسي في غزة، والذي سيستخدم كأرض خصبة لأعمال خطرة أكثر من أو كـ"دولة فاشلة"، كما حدث في الصومال وليبيا. هذا النموذج أدى إلى استخدام محدود، تدريجي وغير فاعل للقوة، على عكس مبادئ الحرب وخلافا للهدف المهم في تقصير أمد المواجهة. كان الأجدر فحص هذا النموذج الإشكالي للأسباب التالية:

1) أثبتت حماس أنها تنظيم خطر على أمن إسرائيل، في غزة، مساعدة إيرانية وقطرية، بإمكانه إقامة منظومة صواريخ وأنفاق تهدد إسرائيل بشكل إستراتيجي. وبديل حماس - مجموعة من المنظمات ستقاتل بعضها بعضاً، لا يمكنها أن تشكل تهديداً إستراتيجياً على إسرائيل بنفس النظام الكبير الذي أوجدته حماس.

2) مع انهيار الدولة السورية تصاعدت مخاوف مشابهة تجاه الخطر الكامن في غياب سلطة مركزية على حدود إسرائيل الشمالية الشرقية، إلا أن هذا التهديد لم يتحقق. فالوضع على الحدود الإسرائيلية السورية مستقر نسبيا، ولم تتحقق استعدادات موجات من الجهاديين الذين سيصلون لمهاجمة إسرائيل.

3) عندما تعلم حماس بشكل مسبق أن إسرائيل لن تسمح بسقوطها، فهي تقوم بالعمل ضد إسرائيل ومهاجمتها في ظل حصانة معينة، والتي من شأنها أن تضعف الموقف الإسرائيلي سواء في المجال العسكري أو في المجال السياسي.

4) إن حماس الضعيفة هو شرط جيد لتسوية جيدة لإسرائيل ولإمكانية فاعلة لإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة. فقط إلحاق الضرر بحماس من خلال التحرر من النموذج المقلق لبقاء حماس كان يمكن مدى الضعف المطلوب لتسوية سياسية جيدة بعد العملية.

4. كيف نعرف النصر؟ وما هو التعبير السليم عندما تكون المصطلحات "نصر" و"إخضاع" يبدوان أقل صلة؟ في الماضي، النصر في الحرب كان واضحا: احتلال أرض العدو وإبادة جيشه. ضمن هذا الفهم، فيما يتعلق الأمر بـ"الجرف الصلب" لم يتم تحقيق النصر من قبل أي طرف من الأطراف. وعلى الرغم من ذلك، فإن كلا الطرفين ادعيا في نهاية المعركة "النصر". من جانب، ليس من شك في أن إسرائيل انتصرت من ناحية عسكرية وحققت غالبية أهدافها المتواضعة التي وضعتها لنفسها. ومن المهم الإشارة أن إسرائيل نزعت من حماس قدرتين عسكريتين إستراتيجيتين قامت ببنائها منذ "عمود السحاب"، الصواريخ بعيدة المدى، والتي فاعليتها كانت صغيرة وذلك بفضل منظومة القبة الحديدية، والأنفاق الهجومية، التي تم تدميرها من قبل الجيش الإسرائيلي. ولكن في المقابل هناك "قصة نصر" تستند على قياس النجاح مع الجيش الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، إطلاق صواريخ على مدار 50 يوماً على جميع مناطق إسرائيل. انسحاب الجيش الإسرائيلي من حدود قطاع غزة، المس بالاقتصاد الإسرائيلي، أدى إلى إغلاق مطار بن غوريون وإخلاء التجمعات السكانية في "غلاف غزة" من معظم سكانها. كذلك عرضت حماس على الشعب الفلسطيني أن المقاومة المسلحة لم تهزم، وأن سلاح حماس ظل بأيديها، وأن طريقها أفضل من الطريق السياسي لفتح.

الحسم في المعركة الحديثة يتحقق إلى حد ما في الجانب الإعلامي، ومن اجل تجميع الانجازات في المجال الردعي يجب تفعيل القوة بالطرق التي تحقق الفاعلية المطلوبة وأيضاً المحدودة بمواجهة غير متماثلة. ولتفعيل القوة بشكل خلاق ومفاجئ، خلافاً لتوقعات العدو، من خلال الدمج الفاعل بين الدبلوماسية ورافعة فاعلة للموضوع من قبل وسائل الإعلام، بإمكانها خلق فاعلية حاسمة في ميدان المعركة الحديثة ومقابل عدو هجين، والذي يدمج (النظرة) لمنظمة إرهابية مع مسؤوليات ومخرجات دولة. الانجاز العسكري القاطع هو الذي يخلق شروطا لانجاز أهداف سياسية.

 من السابق لأوانه الحكم من الذي انتصر في الساحة السياسية – ذلك يمكننا تقديره فقط مع فهم "التسوية" التي لم تنجز. هل سيتم تحقيق الردع وتحقيق الهدوء؟ وإلى أي وقت، هل تعود حماس لتعاظم من قوتها العسكرية، وما هي نتائج المعركة في نظرة أكثر اتساعاً حول علاقة إسرائيل والفلسطينيين، وما سيكون تأثير ساحة القتال المحتمل المستقبلية، وكذلك على مكانة إسرائيل الدولية؟.

5. هل كان بالإمكان تصميم "إستراتيجية سلبية"؟ النقاش العام، الإعلامي، والسياسي في إسرائيل يتناول السؤال، هل كان من السليم السعي وراء وقف إطلاق النار كهدف العملية – كان هذا موقف رئيس الحكومة ووزير الأمن – أو السعي لاحتلال غزة وإخضاع حماس – كموقف وزير الخارجية. غابت عن النقاش "الإستراتيجية السلبية" – إلحاق الضرر بصورة اكبر بحماس، والتركيز على الذراع العسكري ومعاقل حماس في المجال الاجتماعي في غزة، زعزعة أمنها وقدرتها عن طريق سلسلة من الهجمات المنتظمة والمستمرة والمفاجئة من الأرض والجو، تختلف عن تلك التي قام بها الجيش الإسرائيلي مسبقاً:

1) الدخول البري المركز إلى مناطق تشكل عمق حماس بواسطة وحدات قتالية خاصة، بدون وضع احتلال كامل القطاع هدفاً لذلك. دخول بري من هذا النوع بالإمكان أن يتم من محاور غير متوقعة.

2) المس بقيادات حماس، في مراحل المعركة الأولى.

3) القيام باعتقال قادة حماس والمس به بقدرتها الإستراتيجية. ولم يكن ذلك من السليم لنقاش القدرات البرية في الجيش الإسرائيلي من منطلق كل شيء أو لا شيء، بل للبحث عن طرق خلاقة للمس بحماس بشكل فاعل وسريع. في الإستراتيجية المضادة يوجد مضمون أساسي مختلف كلياً عن الترتيب الجيد في إسرائيل، والتي يقع في مركزها عدم تمكين حماس من تعزيز قوتها مستقبلاً. إضعاف حماس كان يجب أن يكون هكذا، وذلك من خلال عدم ترك أدنى شك في أوساط الفلسطينيين بأن طريق حماس العنيفة لن تحقق أهداف الفلسطينيين.

6. كيف يمكن الحفاظ على الانجاز المهم بمنع التصعيد في المنطقة؟ من الأهمية بمكان خلق محيط إقليمي يدعم الإجراء الإسرائيلي في مواجهة منظمة إرهابية شبه دولة، ومهم كذلك أكثر أن العملية العسكرية في غزة، أو في لبنان لا تؤدي إلى تصعيد المواجهة الإقليمية مع مصر، الأردن، سوريا أو إيران. من هذه الناحية، الجرف الصلب أديرت بشكل جيد – حيث استمرت العملية الإسرائيلية على مدار 50 يوماً في البر والجو والبحر ومواجهة بدون أن يؤدي ذلك إلى تصعيد مع جبهة أخرى، وتقريباً بدون ضغط دولي لوقف العملية أو الحديث عن مشروعية القيام بها من قبل إسرائيل. لم تدر إسرائيل في السابق أبداً معركة كهذه، والتي رأت فيها دول المنطقة العملية عينا بعين ضد حماس ومنحوها الغطاء بشكل واضح أو بقنوات سرية. مع ذلك، يجب أن نذكر نقطتين هامتين:

أ. العالم العربي فصل ما بين موافقته على ضرب أفراد حماس بقوة، وبين إدانة قاطعة للمس بالمدنيين الأبرياء من سكان غزة.

ب. دعم العملية الإسرائيلية ارتبط بعدم القيام بعملية برية – والذي تحمل حساسية كبيرة جداً في العالم العربي.

من واجب عناصر الحسم في إسرائيل، وقيادة الجيش والمستوى السياسي أن يسألوا أنفسهم في كل يوم من أيام القتال: هل المعركة ما زالت محصورة في جبهة واحدة، وما الشيء السليم الذي علينا القيام به من أجل عدم تصعيدها إلى جبهات أخرى؟

7. ما هي الطريقة السليمة لمعالجة تعاظم القوة والرشقات بين الجولات؟ الخطأ السابق الذي رافق الترتيبات السابقة مع حماس والمجتمع الدولي، في أعقاب "الرصاص المصبوب" و"عمود السحاب"، تمثل بأنه لم يتم ترتيب مسألة تعاظم قوة حماس بشكل فاعل. بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك رد قوي على رشقات الصواريخ من غزة. وبسبب ذلك قامت حماس ببناء قوتها مجدداً، مع تحديد إطلاق النار باتجاه إسرائيل بعد مرور وقت قصير. إذا كانت إسرائيل لا تريد أن ترى نفسها في مواجهة إضافية خلال سنة أو سنتين مع حماس، فمن المناسب لها فحص فشل منع تعاظم قوة حماس في الماضي، والرد الرخو على عملية إطلاق الصواريخ من حماس على إسرائيل يجب إيجاد الآليات التي تسمح لإسرائيل مستقبلاً، من خلال التعاون مع مصر والمجتمع الدولي، لفرض منع فاعل على تعاظم قوة حماس في قطاع غزة. من الواضح أن هذا الهدف لم يتم تحقيقه في المباحثات غير المباشرة التي جرت في القاهرة، ولذلك من الممكن التوصل إلى استنتاج بين إسرائيل وبين حلفائها الأساسيين، مع إمكانية تمرير قرار في مجلس الأمن، بحيث تحتفظ إسرائيل بحقها بحرية العمل ضد عمليات تعاظم قوة حماس في مجال الصواريخ، الأنفاق، أو أي طريقة أخرى. كذلك يجب التأكيد أن آلية إعادة إعمار قطاع غزة لن يكون غطاء لتعاظم قوة حماس مجدداً. ويجب التأكد أن المواد متعددة الاستعمالات تستخدم لأغراض مدنية فقط. ومن المناسب أن تكون الإستراتيجية الرائدة في هذا المجال هي تخفيف الحصار الاقتصادي والمدني وتعزيز الحصار على تعاظم القوة العسكرية. فكرة تحسين أوضاع غزة المدنية والاقتصادية من شأنها أن تساعد أيضاً في أن تكون أساساً للردع -  رفع كلفة الخسارة لدى حماس في أي مواجهة مقبلة. يجب ترسيخ  الوضع الذي لا يسمح لحماس فيه بتعاظم قوتها، والذي به بناء قوة أو رشقات صواريخ من غزة هو غير مشروع، وهو يمنح لإسرائيل الحق والمشروعية في العمل لتأسيس ردع فاعل، ومنع بناء قوة حماس العسكرية مجدداً.

8. كيف يمكن تجنب المواجهة غير الضرورية مع حليفة إسرائيل الأكثر أهمية – الولايات المتحدة تعتبر الولايات المتحدة الحليف الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل، والأكثر تأثيراً وربما الوحيدة لإسرائيل. في "الجرف الصلب" وصلت إسرائيل إلى مواجهات غير لازمة مع الولايات المتحدة. الإحباط الذي نبع من وقف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل قبل أسابيع من بداية المواجهة في قطاع غزة، وكذلك عدم الثقة المستمر بين حكام واشنطن والقدس، يستوجب اهتماما اكبر لبلورة تفاهمات ولإيجاد لغة مشتركة بين الدولتين فيما يتعلق بالأحداث الدائرة. الولايات المتحدة دعمت بشكل قاطع حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها. ومع ذلك، كما في العالم العربي – واشنطن لا يمكنها قبول أعداد الإصابات لغير المتورطين في الأعمال القتالية وتبقى صامتة أمام تقارير وسائل الإعلام حول الوضع الصعب في غزة. وبدلاً من تعزيز الروابط والتفاهمات بين الدولتين، عمل جزء من القيادات العسكرية الإسرائيلية وحتى من المستوى السياسي في الدولتين على إصدار تصريحات إعلامية وتسريبات ذات طابع إشكالي. لذا فمن المتوجب في كل معركة مستقبلية تكون إسرائيل طرفا فيها، يجب توضيح وجهات النظر، قواعد العمل، قنوات التواصل لتحقيق تسوية سياسية وكذلك الخطوط الحمراء للدولتين، وذلك من خلال الانتباه إلى ضرورة الحفاظ على التحالف الإستراتيجي المهم بينهما.

9. هل نحن نستخلص العبر الصحيحة لمواجهة حزب الله، سوريا، إيران؟ ممنوع علينا أن يخلق الرد الذي قامت به "القبة الحديدية" لدينا وهماً بأن الجبهة الداخلية محصنة بنفس المستوى أمام هجوم من الشمال. فلدى أعداء إسرائيل الآخرين قدرات صاروخية هائلة ووسائل طيران غير مأهولة، لذا من الواجب أن نفهم الفرق في التهديد وأن نكون جاهزين لإعطاء الرد المناسب والمختلف له – وبشكل خاص فيما يتعلق بملاءمة توقعات الجمهور، من اجل منع المس المؤلم بمعنوياتهم وأدائهم عندما تكون قوة الرد مختلفة عما حدث في "الجرف الصلب". وعلى الرغم من الرد على تهديد الصواريخ والقذائف من الشمال والشرق أكثر تعقيداً، ولكنه بالتأكيد ممكن، إذا استعدينا له بصورة صحيحة. محاولة حزب الله احتلال منطقة في الشمال لن يكون مفاجأة استخبارية – فقادة حزب الله تحدثوا عن ذلك علنا. ولكن من يتوقع أن يصل العدو فقط عبر الأنفاق، علينا الافتراض أن حدود لبنان تتيح ممرا فوق سطح الأرض، في مناطق مكتظة – التي سيكون للعدو أسهل الوصول إليها من استخدام الأنفاق. العدو تعلم أيضاً من قدرات سلاح الجو أن يوضع ضرراً مدمراً بآلاف الأهداف، وقدرته على أحداث ضرر كبير بالبنى التحتية المدنية، فالدبابات المصفحة بـ"معطف الريح" والقدرة المتطورة الأخرى لدى الجيش الإسرائيلي. من الضروري أن نفهم أيضاً أن الردع في الشمال قوي جداً منذ العام 2006، وقدرة حزب الله على التزود بأنظمة متطورة ولإيجاد طرق لمواجهة التفوق العسكري للجيش الإسرائيلي تلزم تفكيرا معمقا، وان نسبقه بخطوة إضافية.

10. كيف يمكن كسر "التعادل الإستراتيجي غير المتماثل"؟ هذا المصطلح صدر عن كاتب هذه السطور بعد انتهاء الأسبوعين الأولين من المعركة، واللذين لم ينجح الجيش الإسرائيلي من خلالهما في فرض وقف أطلاق النار على حماس، ولم ينجح في تحقيق نفس الهدف المتواضع الذي حدده المجلس الوزاري المصغر، "الهدوء مقابل الهدوء". على الرغم من عدد الأهداف التي تم قصفها، وقوة النيران التي سقطت على الأهداف الإرهابية في غزة، كان من الواضح أن الضربات التي وقعت على حماس لم تحقق الفعالية المطلوبة، وبشكل أساسي أن الذراع العسكري لحماس لم يتضرر، والجمهور في غزة لم يمارس الضغط على حماس من اجل وقف النار. وفي المقابل، كان لحماس انجازات إعلامية هامة – استمرار إطلاق الصواريخ إلى جميع المناطق في إسرائيل، حشر ملايين الإسرائيليين في الملاجئ، الحق الضرر بجنود الجيش  الإسرائيلي في مناطق التجمع وأبراج المراقبة في ناحال عوز، التكلفة العالية للاقتصاد الإسرائيلي (تقدر بمليار دولار)، زعزعة الشعور بالأمان في غلاف غزة – الأمر الذي أدى إلى فرار عدد كبير من السكان من المنطقة. حماس، كما ورد نجحت من وجهة نظرها بالصمود 50 يوماً أمام الجيش الإسرائيلي – الجيش الأقوى في الشرق الأوسط بجوهر الإجابة على "التعادل الإستراتيجي غير المتماثل" يتطلب إطلاق النموذج ببقاء حماس كعنوان، التي تلقي بتقييدات على استخدام القوة، ويجب العودة إلى استخدام القوة التي تشمل عناصر متجددة من المفاجأة، والخدعة والمناورة إلى مراكز العدو الهامة. ليس من السليم العودة إلى نموذج استخدام القوة وفق الأسلوب الذي استخدمت فيه في الجولات الثلاث الأخيرة أمام حماس. التحدي القائم أمام قيادة الجيش الإسرائيلي، والمؤسسة الأمنية هو خلق الخطط التشغيلية والأدوات العملياتية استثنائية التي تحيد إطلاق النار من جانب العدو، والتي تمكن من تحقيق وقف للنار أكثر وضوحاً وفي اقصر وقت ممكن.

الخلاصة

حماس في قطاع غزة ليست هي التهديد المركزي لإسرائيل الأكثر منها. إيران، التي تقترب من الخيار النووي، مع فترة قصيرة بالوصول إلى القنبلة النووية، تظل التهديد الأكبر على إسرائيل. حزب الله هو التهديد العسكري الثاني وتتبعه سوريا، التي على الرغم من الحرب الأهلية فهي تشكل تهديدا اكبر من حماس، الجيش الإسرائيلي واجه في صيف 2014 العدو الأضعف لإسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، الأهداف المتواضعة لعملية "الجرف الصلب" تم تحقيقها في زمن طويل جداً، على عكس التصور الأمني الإسرائيلي. الثمن الذي دفعه الاقتصاد الإسرائيلي، الضرر المتواصل بمستوطنات خط المواجهة،  خطر التصعيد الإقليمي، الخوف من أخطاء عملياتية مع تأثيرات إستراتيجية وكذلك المس بعلاقات إسرائيل مع دول العالم – تجبرنا على حسم أكثر وضوحاً وأقصر مدى. هذا القول هو صحيح حتى أمام فهم ضرورة "الصبر الإستراتيجي"، والمستمدة من القيود المفروضة على استخدام القوة في المنطقة المحيطة غير المتماثلة.

يجب الاستمرار في تحدث التصور الأمني الإسرائيلي على ضوء التهديد الهجين، في حال المواجهة في قطاع غزة أو مع الجميع. المواجهة القادمة مع حماس في غزة من الممكن أن تصل خلال فترة قصيرة إلى مواجهة مع حزب الله و/أو سوريا وإيران. ممنوع أن نعتبر أنفسنا "انتصرنا في الجرف الصلب" وإهمال البحث والتحري والتعلم. فالقضية الإيرانية سوف تعود لتحتل العناوين مع انتهاء الـ 24 من تشرين ثاني ،  موعد انتهاء جولة المفاوضات بين إيران والدول العظمى، و"الصفقة السيئة" تلوح في الأفق مع إيران. من غير الممكن أن لا يكون للجيش الإسرائيلي وإسرائيل ردٌ أكثر تفصيلاً على تهديد الإرهاب من غزة، واستعدادٌ للمواجهة القادمة، من الواجب تطوير أدوات قتالية، عقائدية ومنهجية، يمكننا من خوض معركة قصيرة وحسم أكثر وضوحاً – بحيث لا يكون هناك شك أنها ليست "تعادلاً إستراتيجياً". علينا الاستعداد لحسم عسكري، حتى بدون إنهاء حكم حماس واحتلال كامل لقطاع غزة. ولكن مع إلحاق الضرر المؤلم جدا بقدرتها والانجازات العسكرية الواضحة. حسم كهذا يمكننا من تحقيق أهدافنا السياسية وفي مقدمتها عدم تعاظم قوة حماس، إبعاد المواجهة القادمة طويلة من الوقت – كذلك من خلال سلب قدرة العدو والتأثير على قدرة الردع.

اعلى الصفحة