القلق الإسرائيلي من الإستراتيجية الجديدة لمحور المقاومة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 159 ـ (جمادى الأولى 1436 هـ) آذار ـ 2015 م)

بقلم: عدنان عدوان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بعد العدوان الإسرائيلي في القنيطرة على موكب حزب الله، كانت الفرضية الأكثر ترجيحاً لغالبية المهتمين أن الحزب سيرد قريباً، وأنه مضطر للرد لأسباب كثيرة، وكان السؤال الأهم يدور حول كيفية ومكان وحجم الرد، في ظل معرفة واسعة تقريباً للاعتبارات التي تحدد حتمية الرد وتأخذ بعين الاعتبار تحقيق أهداف الرد على الجبهتين الداخلية والإسرائيلية ويترجم مفهوم التناسب "الثأري" وفي نفس الوقت التصدي لنتائجه واحتواء مخاطره.

ومنذ اللحظة الأولى التي نفذت فيها إسرائيل عدوانها توقعت رداً من الحزب، وزخر الإعلام الإسرائيلي بتوقع الرد، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا إنها تفهمته، لاسيما بعد التأكد من وجود الجنرال الإيراني دادي من بين الضحايا، وربما أرادته لاستدراج الحزب إلى معركة غير مريحة له من حيث الظروف والتوقيت، لكنهم في إسرائيل اختلفوا في توقع حجم الرد ومكانه، هل سيكون في سياق تنفيسي ورد الاعتبار أم انه سيرد بشكل قوي يفهم منه ألا تراهنوا على حكمتنا ولا على حساسية ظروفنا لبنانياً وسورياً؟.

إستراتيجية مواجهة جديدة

لم يكن أحد يتوقع حين انطلق حزب الله في مطلع ثمانينيات القرن الماضي أن يصبح الحزب مصدر قلق لأقوى قوة عسكرية في المنطقة. ولكن، في الوقت الحالي، أصبح الحزب ندّاً للكيان الصهيوني، ليس باعتراف مؤيديه ومناصريه، بل باعتراف القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل.

لطالما تحدّث السيد حسن نصر الله الأمين العام لـحزب الله عن "الحرب النفسية" التي تشنها إسرائيل بالتوازي مع حربها العسكرية التي تستخدم فيها كلّ أنواع الأسلحة المتطورة والفتاكة، ويبدو أنه مع مرور الوقت، أتقن الحزب ممارسة هذه اللعبة أيضاً وأصبح ندّاً حقيقياً لإسرائيل على الساحتين الدبلوماسية والعسكرية بدليل المفاوضات التي كان يجريها بواسطة الجانب الألماني حول تبادل الأسرى والجثامين، والمواجهات العسكرية التي خاضها مع الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية.

ولكن ما حصل مؤخرا في مزارع شبعا, شكّل تغييراً محورياً في الصراع بين الحزب وإسرائيل، وأوصل رسالة بالغة الوضوح والأهمية مفادها أنّ الأمور باتت كالتالي: العين بالعين والسن بالسن. وهذا الكلام يستند إلى المعطيات التالية:

- اعترف "حزب الله" بمسؤوليته عن عملية التفجير في مزارع شبعا، ولكن الأهم في البيان الصادر عن الحزب أنه نسب العملية إلى "مجموعة الشهيد علي حسن حيدر". وحيدر كان قد قضى خلال محاولة تفكيك جهاز تجسس إسرائيلي في عدلون. اللافت في الموضوع ما لم يقله "حزب الله" وقالته وسائل الإعلام الإسرائيلية لجهة أنّ الجريحين الإسرائيليين كانا ضمن مجموعة عسكرية مهمتها إيجاد وتحديد وتعطيل جهاز تفجير تم زرعه في المنطقة. وأضافت المصادر نفسها أنّ الجريحين كانا خبيرين في تفكيك أجهزة التفجير.

فهل فعلاً استهدف الحزب عسكريين متخصصين في تفكيك المتفجرات انتقاماً، أم أنّ في الأمر مجرد مصادفة؟ الفرضية الثانية هي الأكثر ترجيحاً، ولكن على الرغم من ذلك، ليس من السهل أن يزرع الحزب أجهزة متفجرة خارج نطاق تواجده، ويتحكم بتوقيت تفجيرها دون طائرات الاستطلاع التي تستعملها إسرائيل في  تفجير الأجهزة التي زرعتها.

- في مقابل التهديدات الإسرائيلية شبه اليومية بشن حرب على لبنان تعيده سنوات إلى الوراء، يتخوف الإسرائيليون فعلياً من قيام عناصر من "حزب الله" بالتوغل داخل الأراضي "الإسرائيلية" لنقل المعركة إلى الداخل الإسرائيلي. هذا الأمر أثار هلعاً عند الإسرائيليين ما حدا بالقيادة السياسية والعسكرية إلى الإعلان عن اتخاذ تدابير وتعزيزات كثيفة لطمأنة الرأي العام.

وهنا تبرز أهمية "الحرب النفسية" إذ، وللمرة الأولى يتم الحديث عن نقل المعركة براً إلى الداخل الإسرائيلي حتى دون أن يعلن الحزب عن ذلك. ومع امتلاك الحزب لصواريخ نوعية يمكنها حمل رؤوس متفجرة بمئات الكيلوغرامات، والطائرات دون طيار، والخبرة التي اكتسبها في المعارك في سوريا، أصبحت الأمور تشكل خطراً جدياً على إسرائيل، ويأخذ الجميع هناك مسألة وصول الحزب إلى الجليل، بشكل جدي وعملي.

- إتقان الحزب للحرب النفسية جعله يعلن مسؤوليته عن العملية في جبل سدانة، لما لها من تأثير ايجابي على القاعدة المحلية بعد العملية التي شنها مسلحو "داعش" و"النصرة" على مراكز للحزب في جرود بريتال. وقد أوصل الحزب رسالة إلى من يعنيه الأمر أنه يمكنه القتال على أكثر من جبهة (سوريا، إسرائيل ولبنان). 

- لا يملك "حزب الله" التفوق الجوي، ولكن منذ أن تحدّثت وسائل الإعلام عن استهداف إسرائيل لقافلة تحمل أسلحة للحزب من سوريا (في شباط الفائت)، شهدت الأراضي الإسرائيلية المحاذية للجنوب اللبناني سلسلة عمليات لم يعلن الحزب عن مسؤوليته عنها بشكل صريح لكن طريقة تنفيذها واضحة وكفيلة بتوجيه الأنظار إليه.

- يدرك "حزب الله" كما تدرك إسرائيل أنّ أياً منهما ليس على استعداد للدخول في وحول مواجهة مفتوحة لن تعود بالفائدة عليهما. فالحزب لن يفتح بنفسه باب جبهة ثالثة، وإسرائيل ليست متحمسة للدخول في متاهات حرب لا يعلم أحد كيف ستنتهي، خصوصاً في ظلّ النقاش الحاد حول ميزانية القوات العسكرية والتي يطالب الكثيرون بخفضها. لذا، يكتفي الاثنان بـ"تسجيل النقاط" في جولات القتال بينهما.

وعليه، يمكن القول أنّ "حزب الله" غيّر إستراتيجية المواجهة مع إسرائيل وجعلها أقرب إلى معادلة "العين بالعين والسن بالسن"، ولكنّ الأمور كلها تبقى رهينة الأحداث المتسارعة والتطورات المستجدة، فإلى متى سيستمرّ شدّ الحبال بين الجانبين وهل من الممكن أن يخطئ تقدير أحدهما فيشد الحبل أكثر من اللازم؟.

الحرب النفسية لردع إسرائيل

في الدقائق الأولى من هجوم الحزب على الموكب العسكري الإسرائيلي، وقبل أن يتبدد الغبار والدخان الذي غطى المشهد العسكري بالكثير من عدم الوضوح؛ انبرت قناة الميادين المعروفة بقربها من حزب الله بحملة مواكبة إعلامية كبيرة، أثارت منذ البداية انطباعاً قوياً أن الحديث يدور عن عملية كبيرة جداً على الأقل من حيث أعداد القتلى الإسرائيليين.

كما أن الحديث عن إطلاق عدد من صواريخ الكورنيت – التي يعتبرها الإسرائيليون من النوع الفتاك والتي لا تخطئ أهدافها – على موكب كبير للضباط والجنود الإسرائيليين، حتى لو لم تقتل سوى ضابط وجندي وإصابة سبعة آخرين؛ عزز رأياً وخلق انطباعاً أن رد الحزب سعى لتحقيق "التناسبية الثأرية" بغض النظر عن النتائج والتداعيات، وأن من أصدر القرار بإطلاق عدد كبير من صواريخ الكورنيت على الموكب الإسرائيلي امتلك الإرادة والشجاعة للدخول في حرب واسعة ومدمرة، نظراً لأن التسبب بعدد كبير من القتلى الإسرائيليين سيجعل من الصعوبة بمكان على متخذ القرار الإسرائيلي تجاهل عدد كبير من القتلى، لاسيما في ظل حساسية المرحلة الانتخابية.

بيد أن جملة قالها نصر الله في خطاب التأبين بددت الانطباع السائد آنفاً وجعلتنا نقرأ الرد بشكل مختلف؛ حيث قال "حتى النتيجة هالقد مش أكثر، هذا توفيق من الله" وكأنه سعيد ومغتبط أن الله وفقهم ألا يكون عدد القتلى أكثر، إنه أمر غريب ومدهش في غرابته أن تجد قائداً من قادة المقاومة يشكر الله علناً أن عدد قتلى جنود العدو لم يكونوا أكثر مما كانوا، كما أنه المعروف عن الحزب تمتعه بالمهنية والحرفية العسكرية والتنظيمية العالية ولا يركن على التوفيق الإلهي، بل يعد له ويوفر أسبابه.

ويبدو أن تلك الجملة إن لم تكن زلة لسان – ونحن لا نعتقد أنها كذلك – وجهت إلى إسرائيل لتفهم منها أن الحزب يمتلك القدرة العسكرية والحرفية العالية التي تجعله قادراً بمهنية على التحكم بحجم اللهب، ويستطيع في كل وقت أن يوقع بهم عدداً كبيراً من الخسائر، لكنه لا زال يمتلك الحكمة والرغبة في عدم إشعال حرب جديدة، على الرغم من أنه مستعد لها، وعلى إسرائيل ألا تجربه، وقد قال ذلك بعبارات شديدة الوضوح، موجهة للشارع الإسرائيلي ولقيادات الجيش أكثر منها لحكومة نتنياهو "لا نريد الحرب ولا نخشاها ولا نخافها، وسنواجهها إذا فرضت علينا".

لا نعرف كيف استطاع الحزب أن يصنع رداً موزوناً بمهارة احترافية تكتيكية سياسية وعسكرية، تشبه مهارة الجراح الذي يجرح دون أن يسيل دماً، وهي شهادة على احترافية المستويين السياسي والعسكري، كما أن تكرار عبارة عدم الخوف من الحرب والتهديد بالرد على أي عدوان مهما كان نوعه دون التقيد بقواعد الاشتباك، ينبع من قراءة الحزب لتوجه إسرائيلي نحو الحرب، مبني على تقدير إسرائيلي أن الحزب يمر بأسوأ مراحله، والحزب الذي يخشى من تكرار نتائج سوء التقدير الإسرائيلي لتوجهات حماس وقدراتها الذي أدى في حينه إلى حرب طويلة ومدمرة؛ يرغب في ان يرسخ لدى إسرائيل تقدير أن الحزب جاهز للحرب فليس من المجدي لكم تجربته.

تهديد نصر الله هو نوع من الحرب النفسية لردع إسرائيل عن أي توجه عدواني، وليس من الضروري أن يلتزم الحزب بما يتوعد به إسرائيل، ويمكن الاستناد في ذلك إلى خطوطه الحمر التي أعلنها في لقاء "الميادين" وإلى حجم رده على العدوان الإسرائيلي ذي الطبيعة الإستراتيجية، ومن جهة أخرى فإن ما أثاره رده في الانطباع الشعبي الحاضن للمقاومة لن يجعله في المستقبل مضطراً للرد بسرعة ليبرهن على مصداقيته، حيث شحنت عملية شبعا رصيد مصداقيته بشكل كبير.

إعلام المقاومة، بما في ذلك قناة "الميادين"، لعب دوراً أساسياً في تحقيق وترجمة الأهداف الداخلية للعملية في إثارة انطباع أولي وسريع وراسخ، أن الحزب أوفى بوعده وانتقم لدماء الشهداء بما يتناسب وحجم الحدث الجلل في القنيطرة، نوعاً وكماً، وقد نجح الإعلام في ذلك نجاحاً كبيراً، فأخرج الجماهير للشوارع فرحاً وابتهاجاً، ونفّس الاحتقان والتوتر، وجعل مطلب الرد من خلف ظهر الحزب وحرره منه، وجاء خطاب نصر الله ليضيف زخماً إلى زخم احتفالات النصر، وليروج لمفاهيم جديدة تترجم الانتصار، تتعلق بتغيير قواعد الاشتباك، على الرغم من أن مكان تنفيذ عملية الرد لم يغير شيئاً في قواعد الاشتباك، حيث اختار الحزب أن يرد داخل منطقة مزارع شبعا، وهي منطقة محتلة تتركز فيها منذ سنوات عمليات الحزب، فلا يوجد جديد هنا.

بيد أن قواعد الاشتباك التي يريد الحزب أن يرسيها، والتي عبر عنها صراحة خطاب نصر الله، هي تمسك الحزب بوقف إطلاق النار على طول الجبهة الإسرائيلية اللبنانية، ونقل ساحة الاشتباك إلى جبهة القنيطرة – الجولان، وهو ما يعتبر تحييداً لجبهة الحدود اللبنانية، وهو ما ترفضه إسرائيل، وللحقيقة لا زال الحديث عن جبهة القنيطرة – الجولان يستند فقط على ما ينشر إسرائيلياً.

الاحتواء الإسرائيلي

بداية نعتقد أن الاحتواء الإسرائيلي لعملية شبعا وعدم الرد عليها لم يكن تحصيل حاصل، ومفهوماً من تلقاء نفسه، لاسيما من قبل قيادة سياسية يمينية في مرحلة انتخابية توظف العامل الأمني لخدمة أجندتها الانتخابية، وتقدم نفسها على أنها الأقدر على صد الأخطار والتهديدات الأمنية، وتجتهد على إظهار جدية تلك التهديدات وأولوية التصدي لها على أولويات الأجندات الأخرى التي تعاني فيها فشلاً وتقصيراً كبيراً، حسب نتائج قراءات انطباعات الشارع الإسرائيلي.

ومن أقدم على هجوم القنيطرة على الرغم من التأكيدات الإسرائيلية – التي اعتمدت على المصادر الأمنية – بوجود الجنرال الإيراني دادي؛ أخذ بعين الاعتبار أسوأ سيناريوهات الرد، أي أنه تهيأ للدخول في حرب كرد فعل على رد فعل كبير ونوعي من حزب الله، وهو ما دعانا في تحليل سابق أن نستخلص – بالإضافة لأسباب أخرى – أن إسرائيل تستعجل حرباً على حزب الله في ظروف مؤاتية لها.

وفي التقديرات؛ فإن أسباب كثيرة قد تقف خلف قرار الاحتواء الإسرائيلي من أهمها:

- النتائج الكمية لخسائر إسرائيل في عملية شبعا، ورسالة القوة والتهديد التي تنطوي عليها العملية، "فالخسائر المحدودة" جعلت إسرائيل قادرة على احتوائها على المستوى الجماهيري، مقارنة بخسائر الحزب في عدوان القنيطرة، ولأجل المقارنة اضطر يعلون أن يلمح إلى المسؤولية الإسرائيلية عن عدوان القنيطرة، كما أن جرأة الرد في ظل الاستنفار الأمني والوعيد والتهديد الإسرائيلي جعلت إسرائيل تعيد حساباتها من جديد؛ هذا علاوة على رسائل التهدئة التي يقال إسرائيلياً إن الحزب اجتهد بسرعة لإيصالها لإسرائيل عبر قائد اليونيفيل.

- رد الحزب في منطقة محتلة، مستهدفاً عسكريين لا مدنيين، وفي إطار رد الفعل على عدوان القنيطرة؛ أفقد إسرائيل أي شرعية دولية بالرد، وقد جاء الموقف الأمريكي الذي دعا إلى التهدئة ولم يمنح إسرائيل كعادته شرعية الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها.

- إن قيادة الجيش الإسرائيلي، وتحديداً رئيس الأركان غانتس الذي سيسلم منصبه لخليفته إيزنكوت، قد لعب دوراً رئيسياً في فرملة أي رد متهور، فهو ينتظر بفارغ الصبر أن تنتهي ولايته دون أية مضاعفات سلبية تلطخ سيرته المهنية، وهو مع قيادة الجيش يشعرون بثقل المسؤولية عليهم في ظل اقتصار سلطة القرار السياسي على (نتنياهو ويعلون وبينت وليبرمان) في مرحلة انتخابية حساسة، وفي ظل اتهامات سياسية أن نتنياهو يطوع الجيش والأمن لخدمته وخدمة أجندته الأمنية، فقيادة الجيش في هذه الحالة تكون أكثر تحفظاً وحرصاً وتردداً في تقديم خططها الحربية، وهو تقريباً سيناريو تكرر مع نتنياهو وباراك عندما رفض قادة الموساد والجيش والشباك (دغان واشكنازي وديسكن) الاستقامة مع توجهات نتنياهو وباراك فيما يتعلق بالملف الإيراني سنة 2012 .

- المزاج السياسي والشعبي الإسرائيلي ضد الحرب، ولا يرى فيها حرباً اضطرارية، أي يغيب عنها الإجماع السياسي والشعبي، وقد ظهر ذلك في استطلاعات للرأي أجاب فيها 48% بأنهم يؤيدون عدم الرد.

مع كل ذلك؛ فإن شبح الحرب لم يبتعد كثيراً، فنتنياهو، الذي هدد بجباية الثمن ممن يقفون خلف العملية، قد يلجأ إلى المزيد من العدوان سواء غيلة أو قصفاً لما يقال إسرائيلياً إنها بنى تحتية للمقاومة في جبهة الجولان بهدف استفزاز الحزب وإحراجه واستدراجه، إن لم يكن في هذه الفترة فقد يكون خلال العام الجاري إذا ما نجح في تشكيل الحكومة القادمة.

جهات القتال مفتوحة

حين أعلن سماحة السيد أن قواعد الاشتباك القديمة لم تعد قائمة، وأن جبهات القتال أصبحت موحدة على امتداد ساحات محور المقاومة، فهم الأعداء والأصدقاء أن قرارا استراتيجيا كبيرا قد اتخذ على مستوى المحور ككل لتغيير وجه المنطقة، خصوصا بعد أن سقطت خرائط “سايكس وبيكو” المشؤومة بفعل العبث الأمريكي بحدود المنطقة من خلال استثماره في الإرهاب، وانتهكت "إسرائيل" قرار فك الاشتباك في الجولان المحتل الموقع عام 1974، وطردت بطريقة مواربة قوات حفظ السلام الدولية لتحل محلها عصابات "النصرة" و "أحرار الشام" ومرتزقة "الجيش الحر" وغيرهم من الفصائل المجرمة على اختلاف أسمائها ومسمياتها..

فجاء عدوان القنيطرة والرد الجزئي في مزارع شبعا ليفتح الصراع على مصراعيه دون قيود أو حدود، خصوصا بعد أن تبين أن المشروع المبيت لسورية، وكما كشف عنه أحد أبرز القادة العسكريين في الجيش العربي السوري، اللواء رستم غزالي، كان يهدف لإقامة إمارة إسلامية على الحدود بين الأردن وسورية، وشريط حدودي عازل مع "إسرائيل"، حيث تم التحضير له في غرفة عمليات عمان المشتركة من قبل المخابرات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والأردنية والسعودية والقطرية والإسرائيلية والتركية، ليكون خطوة أولى في مشروع تقسيم سورية انطلاقاً من الجنوب، ومنصة للهجوم على دمشق بعدد لا يقل عن 10 آلاف مقاتل حشدوا في مثلث درعا – القنيطرة – الجولان المحتل، ومعهم 100 دبابة ونحو 80 عربة مصفحة، وعدد كبير من العربات التي تحمل أسلحة "دوشكا" و "شيلكا" والراجمات، وأنواع مختلفة من الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وأشارت معلومات متقاطعة إلى أن ضباطاً من الجيش الأردني هم من كانوا يحضرون لقيادة الهجوم على دمشق، بعد أن استحال تنظيم هجوم من الشمال بواسطة الجيش التركي، بسبب تهديد روسيا وإيران بإشعال المنطقة.

غير أن الهجوم المفاجئ الذي بدأه الجيش العربي السوري بمساعدة حلفائه لتطهير المنطقة الجنوبية من التكفيريين والعملاء، دفع هؤلاء للهروب من ساحات النزال كالنعاج المذعورة تحت كثافة النيران وسرعة تقدم رجال الله على كل المحاور، وتقطيع أوصالهم ومحاصرتهم لمنع التواصل فيما بين المواقع.. ولولا سوء الأحوال الجوية التي تحجب الرؤيا لقضي الأمر وعاد التكفيريون إلى الداخل الأردني والإسرائيلي في عمق الجولان المحتل، وهو الأمر الذي يبدو حتمياً في الأيام القليلة المقبلة بعد أن أحكم الجيش العربي السوري وحلفاؤه الطوق عليهم، وسُدّت في وجوههم منافذ الشمال لمنعهم من تفجير مواجهات هنا وهناك بهدف إشغال الجيش العربي السوري وحلفائه عن الأهداف الرئيسة التي وضعوها للمعركة.

آخر المعلومات تتحدث عن اجتماع عاجل دعت إليه القيادة الأمريكية في غرفة عمليات عمان المشتركة، وضم مسؤولين عسكريين من السعودية وقطر والأردن وتركيا و"إسرائيل" لبحث سبب فشل العملية، وكيف نجح محور المقاومة وبسرعة مذهلة في تحرير مساحات واسعة وعديد القرى بالمنطقة ورفع علم سورية وصور الرئيس الأسد في كل بقاع حوران.

"إسرائيل" من جهتها، تعيش اليوم أسوء كوابيسها، بعد أن وجدت نفسها عاجزة عن التدخل لوقف التدهور الدراماتيكي الحاصل على الجبهة الشمالية، وهي تدرك أن أي تحرك لجيشها سيفتح عليها أبواب الجحيم، وأن رجال الله في أوج الاستعداد لتحويل مقامرتها إلى فرصة ذهبية يتمنونها، وحينها لن تقف المعارك إلا بتحرير الجولان والجليل وما بعد الجليل كما بشرها سماحة السيد في خطابه الأخير وقبله خلال حديثه الشهير لقناة الميادين والذي قال عنه سماحة السيد أنه يتمسك بكل كلمة وردت فيه. وذهب القادة العسكريون الصهاينة لطمأنة الرأي العام الداخلي بالقول أن معركة القنيطرة هي مجرد امتداد لمعركة القصير من حيث سرعة الحسم والتأثير، لكن السؤال الذي بدأ يطرح بقوة هو: – ماذا ستفعل "إسرائيل" حين يصبح حزب الله وكتائب المقاومة السورية على حدود الجولان المحتل؟..

الرئيس الإسرائيلي حاول طمأنة الجبهة الداخلية اليوم بخطاب قال فيه، أن "إسرائيل ستعرف كيف تدافع عن نفسها كما فعلت في الماضي"، في إشارة إلى الزمن الجميل الذي كان الكيان الصهيوني يعبثون بالجيوش العربية كما يحلو لهم، لكن هذا الوهم انتهى في عهد المقاومة، حيث ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات.

وتزامنا مع ما سلف، طالب مبعوث "إسرائيل" لدى مجلس الأمن بعودة قوات حفظ السلام لوضعها السابق في الجولان، ما يؤكد أن العدو الصهيوني يعيش رعبا حقيقيا مما هو آت، والحقيقة، لا نعلم كيف سيكون رد الحكومة السورية على هذا المستجد، وإن كنا نرجح أن قرار فتح جبهة الجولان قد اتخذ، انطلاقا من قناعة قاطعة حاسمة ونهائية مؤداها، أنه لا يمكن أن تنعم "إسرائيل" بالأمن والسلام في الوقت الذي تعمل أمريكا وأدواتها على تقسيم سورية وتمزيق نسيجها الاجتماعي، هذه هي المعادلة الجديدة الناجعة، والتي يعتبر التراجع عنها انتكاسة لا تصب في مصلحة سورية ومحور المقاومة.

ويشار في هذا السياق، إلى أن إيران لم تضع إلى الآن كامل ثقلها في الصراع، ويبدو أنها تلاعب الأمريكي بلطف وذكاء في انتظار ما ستسفر عنه المحادثات بشأن ملفها النووي، وأمريكا بدورها، تحاول أن تتوصل إلى اتفاق من دون رفع العقوبات كاملة عن إيران، بهدف تكبيلها إلى أن تحقق كامل مشروعها في العراق والمنطقة.. وهذه هي لعبة القط والفأر الدائرة اليوم في انتظار نهاية المهلة التي تم تحديدها لتوقيع الاتفاق أو زيادة منسوب التفجير والمرور إلى مرحلة جديدة من الحسم.. وهذا هو معنى كلام الرئيس الأمريكي أوباما الذي قال، أنه لم يعد هناك جانب تقني مختلف بشأنه مع إيران، وأن ما تبقى هو الجانب السياسي.

نقول هذا لأنه كان بمقدور إيران وفي إطار الاتفاقيات الإستراتيجية التي تجمعها بالعراق وسورية، إرسال سيول من المقاتلين غير النظاميين الذين تمتلك منهم طهران اليوم زهاء 22 مليون مقاتل من الباسيج الأشداء، لتطهير المنطقة من فلول الإرهابيين وزبالة المرتزقة في وقت فصير، لكن، حسابات طائفية ومذهبية قد حالت دون ذلك في الماضي، مخافة أن تنفجر حرب دينية تحرق الأخضر واليابس في المنطقة.

هذه الهواجس لم تعد قائمة اليوم بعد أن تغيرت المعطيات، وتبين للقاصي والداني أن الأمر لا علاقة له بالسنة والشيعة، بل بإرهاب تكفيري لا يرقب إلا ولا ذمة في الطوائف، قتل من الطائفة السنية أضعافاً مضاعفة مقارنة ببقية الطوائف، هدفه الأساس خدمة المشروع الأمريكي والصهيوني لإعادة رسم خرائط المنطقة وتمزيق لحمة شعوبها وتدمير تراثها وتاريخها وحضارتها كي لا تقوم للأمة العربية والإسلامية قائمة.

وفي هذا السياق يفهم كلام رئيس الجمهورية الإيرانية السيد حسن روحاني الذي قال بمناسبة ذكرى الثورة الإسلامية المجيدة، إذا أراد الأمريكي الأمن والسلام في المنطقة فعليه أن يتفاوض مع إيران.

ويأتي هذا التصريح بمثابة إعلان عن فشل المشروع الأمريكي، وانكسار الطموح السعودي، وفقدان آل سعود لنفوذهم القديم في المنطقة، حيث لم يعد لهم من حليف سوى الأردن، وها هي مصر بدورها تقرر التوجه صوب روسيا، الأمر الذي سيجر عليها الويلات، وسيسرع من تفجير النظام بها، لأن تحولا من هذا النوع والحجم لن تقبل به أمريكا و"إسرائيل" والسعودية.  

اعلى الصفحة