اللوحة الأولى: هموم وحلول

السنة الرابعة عشر ـ العدد 158 ـ (ربيع الثاني 1436 هـ) شباط ـ 2015 م)

بقلم: غسان عبد الله

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


الفهرس


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الاشراف على الموقع:
علي برو


للمراسلة

ثقافتنا وغياب المنهجية وضياع الهوية

ربما يمكننا القول إن العصر الحديث يعاني من نقص في المجددين في الأدب عموماً.. ومواكبة الحضارة غيّبت الأدب القديم في كل مرحلة ما أدى إلى ظهور تيارات أدبية جديدة تتكلم بلساننا، ولكن تحوي أفكاراً دخيلة علينا لا ترتبط بأمتنا.. ولا تخدم قضايانا. بل تضرب على نغمات مكررة يحسبها السامع شيئاً فإذا تأملها وجدها جوفاء.. وأصبح لهذا النوع من الأدب وهذا الصنف من الأدباء جمهوره من صغار السن والمراهقين من الجنسين.. وضرب هذا الصنف على أوتار متكررة ينادي بها كل واهم ممن يجرون خلف السراب فتارة يمجدون المرأة.. وتارة يطالبون بحريتها وحقوقها.. ثم يميلون عليها مرة أخرى فيجردونها من كل القيم والفضائل فلا تراها إلا عشيقة لهم ومطية لشهواتهم.

ولكن مثل هذا الفكر الدخيل والمفسد للمجتمع ترفضه العقول النقية.. لأسباب يمكن تصنيفها في سببين رئيسين وهما:

- أولاً: المنهجية.. فإننا أمة مسلمة قبل كل شيء.. والداخل علينا من الأفكار ربما يمس معتقداً فنرفضه كقول أبي العلاء المعري:

ضحكنا.. وكان الضحك منا سفاهة ***   وحق لسكان البسيطة أن يبكوا

تحطمنا الأيام.. حتى كأننا زجاج   ***   ولكن لا يعاد لنا ســبْكُ

فهذه الأبيات ربما تكون جميلة من الناحية اللغوية ولكنها تنكر البعث وتخالف أصلاً من أصول الاعتقاد ولذلك رفضها العلماء حتى رد عليه أحدهم بقوله:

كذبت ورب البيت.. حلفتَ صادق *** سيسبكها بعد النوى من له الملك

وترجع أجساماً صحاحاً ســليمة *** تعارف في الفردوس ما عندنا شك

فكون القائل أديباً معروفاً، أو كون الكلام شعراً موزوناً.. فإن هذا لا يعني قبول الكلام دون أن أعرضه على الشريعة فأرى هل تقبله أو لا.. وقد يكون الكلام لا يعارض معتقداً.. ولكنه يزيّنُ محرماً ويدعوا إليه ويزيّن الفحشاء.. كقول الشاعر:

ما زلت أخذ روح الزق في لطف *** وأستبيح دماً من غير مجروح

حتى انثنيت ولي روحان في جسدي *** والزق منطرح جسم بلا روح

فالشاعر هنا يصف الخمر وشربها ببلاغة.. وتلاحظ بلاغة الشاعر وقوته وتحكمه في الكلمة والتعبير ولكن هذه البلاغة لا تعني قبول فكرته المخالفة للشرع.. بل نردها عليه.. فهما أمران في المنهجية إذاً:

- أن لا يزيّنَ بدعة أو أمراً شركياً يعارض أصلاً من أصول الدين.

- أن لا يزيّنَ فحشاً أو معصية.

ويدخل ضمن ذلك من يشبب بالنساء ويصف محاسنهن بكلمات خادشة فتراه يصف الأثداء والأفخاذ وغير ذلك مما يخجل منه الأحرار والله المستعان.

- ثانياً: قوة المعاني والمباني.. والمعاني تخدم في قوتها المنهج الذي ذكرناه.. والمباني هي من الأمور المتعلقة بالناحية الفنية للأدب.

قرأت لعدة شعراء قبل فترة قريبة كلاماً يصفونه بالشعر.. وكنت أتعجب حقيقة من هذا التصنيف الجارح للأدب والأدباء.. فعلى سبيل المثال: وأكثف رغوة صابون الحلاقة.

إن الأدب الإسلامي لا يعنيني كمادة مستقلة.. بل يهمني لأنه جزء من منظومة تربوية تخدم الأمة ومصالحها وتربي أفرادها.. وإلا لو كنت أعنيه كمادة لاستطعت أن أضيف بعض الشعراء ممن يتغنون باسم الدين وينظمون الأبيات ثم تجد في النهاية أنها في مولد.. أو عند قبر.. تبكي صاحبه، وتتبرك به، وتندب يوم وفاته ثم ترفعه إلى منزلة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو الأئمة عليهم السلام.

وكلمة "المثقفون العرب" أصبحت واسعة ودخل فيها من يكتب باسمها ليهدمها ضارباً بكل معاني الشرع عرض الحائط.. ولأن الكلمة لا تعني بالضرورة توحُّد المنهج فقد فتح هذا أبواباً من الانحراف خلف أفكار أخرى ومعتقدات أخرى لا تعنينا كمسلمين.. وأصبح المثقف المسلم يخجل من انتمائه إلى أمة التوحيد ويرى في طرح هذا العربي أو ذاك تميزاً يتمنى أن يواكبه.. دون أن يدرك أن هذا إنما يتكلم بمعتقده وأنه يخالفه في أصول الدين.

هناك أسماء أدبية لامعة تستحق منا الوقوف عندها ودراستها ممن حركت كلماتهم الشريعة فذبوا عنها في كل موطن.. وعرضوا لنا فكراً نقياً أصيلاً يرفه عن المسلم ويحمي عرضه من الفساد. فهذه الأقلام ميزها أمران:

- التوجه الصادق الموافق للشريعة.

- القوة من حيث المعنى والمبنى والتحكم بمواد اللغة واستخداماتها.

إن ذلك الأديب الذي يقضي وقته ليكتب ديواناً يصف فيه عورات النساء إنما يحاول أن يهتك أستار بيوتنا ويفضح أخواتنا.. ولو وقفنا معه قليلاً لعرفنا أنه لا يكفيه منا إلا ننحرف.. وهذا منهج وصفه الله عز وجل في كتابه فقال: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾(البقرة: من الآية120).. وهذا غاية ما يريده الشهوانيون.. ولا أتوقع أن رجلاً غيوراً حتى لو لم يكن مسلماً يرضى أن يأتي شاعر أو كاتب فيصف عورة أخته وأهل بيته.. فما بالنا انجرفنا وخدعنا خلف هذا النوع من الكتّاب.

إننا بحاجة للأديب المربي.. والكاتب المربي.. الذي يكمل دور موظف الهيئة والمدرس والشيخ وعالم الذرة والمزارع والدهان.. كل واحد منهم يكمل المسيرة التربوية من خلال عمله ويأتي الأديب ليصوغ العبارة فتكون كما قال عليه الصلاة والسلام في شأن حسان وشعره "لهو أشد على القوم من نضح النبل".

اعلى الصفحة