"المعركة الأخرى"، وتفعيل المواجهة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 158 ـ (ربيع الثاني 1436 هـ) شباط ـ 2015 م)

بقلم: أحمد شعيتو

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

أواخر تشرين الأول أكتوبر الماضي التأم في الكويت اجتماع حضره إلى واشنطن دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن ولبنان وبريطانيا وتركيا ومصر حول مواجهة فكر "داعش".

في هذا  الاجتماع قال المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون التحالف ضد "داعش" أن وكلاء هذا التنظيم يقدمون أنفسهم على أنهم ممثلون حقيقيون للإسلام.. يجب العمل مع رجال الدين والمعلمين لنحكي للعالم كيفية إتباع خطوات لمحاربة هذا الفكر "من داخل التنظيم".

من يستمع لهذا التصريح بشكل واعٍ يذهب مباشرة إلى سياسات الأكاذيب الأمريكية. واشنطن التي عكفت في مراحل عدة على شيطنة وتشويه الإسلام هي طبعاً ليست حريصة على وأد التطرف داخل الإسلام، فهي ليس فقط لم تتعاون مع المسلمين المعتدلين في المنطقة من أجل أن يرتفع الإسلام المعتدل لا بل  دعمت في الخفاء هذه الجماعات المتطرفة ، ولا زال تصريح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن "أن حلفاءنا في المنطقة مولوا ودعموا المتطرفين" ماثلاً أمامنا.. وهنا لا اعتقد أن مثل هذه الدول الحليفة لواشنطن يمكن أن تتصرف في هكذا أمر أساسي بمعزل عن ضوء أخضر أمريكي وبذلك يكون بايدن يدين نفسه في هذا التصريح.

منذ أحداث أيلول سبتمبر 2001 أعلن بوش الحرب على الإرهاب لكنه تحدث عن حرب صليبية وهو بذلك عمم نمطية الإرهاب على كل الإسلام والمسلمين في إطار خطة مدروسة لتشويه الإسلام. وهناك العديد من الوقائع والوثائق التي كشفت تورط واشنطن وحلفاء لها في دعم المتطرفين لأهداف عدة تحقق الفتنة كهدف أقرب والمصالح التدخلية كهدف أبعد، وما بينهما تدمير البلاد الممانعة لسياستها وإضعافها عقاباً لها أو لكيلا تكون خطراً على "إسرائيل". وقد أعلنت واشنطن علناً عدة مرات أنها تدعم المعارضين في سوريا، لقد بدأ إعلان الدعم في الخانة السياسية لينتقل إلى إعلان دعم مالي علني، ثم وحسب مصادر أمريكية وقع أوباما في آب/أغسطس أمراً سرياً يجيز تقديم دعم عسكري "للجيش السوري الحر". وكلنا يعرف أن فكرة معارضة النظام بشكل مسلح كانت أساساً في نشوء جماعات مثل النصرة وداعش فيما بعد، ولا زال الدعم الخفي سواء مباشرة أو بواسطة الحلفاء قائماً لصالح جماعات تصنفها واشنطن إرهابية وتجند العالم لحرب ضدها!.

إيحاءات أمريكا..  إيحاءات الإرهابيين

لماذا تريد واشنطن تشويه صورة الإسلام عبر دعم جماعات متطرفة سراً تسيء إلى صورة الإسلام، ثم تعلن الحروب على تنظيمات تسمي نفسها إسلامية؟ هنا يتحدث الخبراء عن خلق الحجج: تريد أن تخلق الحجة في أي تدخل في العالم الإسلامي للقول للجمهور الأمريكي أننا نحميكم من هؤلاء الوحوش قبل أن يأتوا إليكم. وبما أن لبنة الجو التخويفي قائمة لدى الجمهور منذ أحداث أيلول/سبتمبر وتم العمل على هذا التخويف، يصبح إعلان الحرب على "الغول الإسلامي" لديهم مبرراً ومقبولاً.

فإذا عدنا بالذاكرة إلى عامٍ سلف، احتاج أوباما إلى موافقة الكونغرس في موضوع ضرب سوريا ولم يحصل على رأي عام مؤيد في هذه الضربة لكنه اليوم لم يحتج إلى أي من هذه الأمور لإنشاء تحالف بقيادة أمريكية لضرب داعش في العراق وسوريا.

إنها حرب مخابراتية وحرب شركات أسلحة بشكل مندمج ومتفاعل في تلاقي المصالح بحيث يدفع لوبي السلاح إلى تدخلات عسكرية كل فترة، كما أن الإدارة الأمريكية ترى في ذلك مصلحة إستراتيجية واقتصادية فيتم إدخال اليد المباشرة إلى المنطقة كل فترة، وإلا كيف يبرر أوباما أنه أعلن سياسة جديدة عند تسلمه عهد الرئاسة عنوانها أنه انتهى زمن الحروب الأمريكية في المنطقة؟ إنها طرق مبتكرة وبغطاء تحالف أممي.

قال تقرير غربي منذ شهرين إن الحرب على داعش تدر ذهباً على شركات الأسلحة الأمريكية، كما كان كلام مماثل للكاتب الأمريكي روبرت فيسك الذي أشار إلى  أن شركات الأسلحة تحقق إرباحاً هائلة. ونذكر هنا المعلومات الصحافية عن أن داعش يبيع النفط الذي استولى عليه بأسعار مخفضة ويصل هذا النفط المخفض إلى الدول الغربية.

كل هذا دليل إضافي على أن داعش صنيعة أمريكية يُستفاد منها في تدمير الدول وفيما بعد خلق فرص تدخل تقوي الوجود الاستراتيجي في مواجهة مناطق النفوذ الروسي وتقوي مصالح شركات الأسلحة. يمكن أن نشير هنا إلى ملاحظات أساسية:

- لم تضعف ضربات واشنطن داعش بشكل كبير وليس المقصود منها القضاء عليه بل هناك أهداف أخرى من وراء الضربات. وقد ذكر مسؤولون عسكريون أمريكيون أن الغارات الجوية لا يمكن أن تقضي على داعش، هذا مؤشر على أنهم يضعون العالم في أجواء مسبقة عن عدم القضاء على داعش، ولو أرادوا القضاء عليها فعلاً فليس مستبعداً أنهم يستطيعون.

- الحرب المزعومة على داعش تكلف بحسب البنتاغون 8.3 مليون دولار يومياً وهذا الرقم يستغل في إدراج الميزانيات التي بالتأكيد لن تذهب كلها إلى تمويل الضربات، بل إلى مصالح مادية أخرى، وقد ورد منذ أيام أن أوباما سيطلب من الكونغرس 3.2 مليار دولار لتمويل مكافحة "داعش".

- لا تريد واشنطن القضاء على فكر وتنظيم عملت عليه ونمته وقوته بالسر، وبالمنطق نقول إن مثل هذه الجماعات لم يؤد وجودها على اختلاف مسمياتها إلا إلى تسجيل خدمات لأمريكا منذ أفغانستان إلى العراق فسوريا بل اليمن وليبيا.

- من المفارقات العجيبة خبر ورد في الإعلام أن الأغذية والذخائر الأمريكية التي ألقيت على كوباني وصل جزء منها إلى داعش.. حتى أن المرصد السوري المعارض قال إن مسلحي داعش حصلوا على إحدى دفعات الأسلحة، كما كشف مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أن الولايات المتحدة وضعت شحنة من الأسلحة والأدوية والأغذية بتصرف داعش في بعقوبة. هذا طبعاً ليس من قبيل الصدفة وهذا يؤيد ما نتحدث عنه.

وهنا ننتقل إلى أضاليل داعش الإعلامية. فالإعلام الذي أصبح ركناً من أركان السياسات الداخلية الخارجية في الدول لصنع الرأي العام، أصبح قوة عظمى بفعل تحرره من قيد الرقابة خصوصاً على شبكة الانترنت وهذه التنظيمات الإرهابية استفادت من هذه الشبكة.

خطة التنظيمات الإرهابية في الإعلام خصوصاً داعش تقوم على: ترويج واستقطاب، إثارة الرعب، بث الأضاليل. ووسائلها الانترنت والتواصل الاجتماعي بشكل أساسي. هذا التنظيم يعمل وفق نسق إعلامي غير عشوائي بل فيه احترافية وربما يستمد الدعم في ذلك من بعض الدول. فعندما يتقدم هذا التنظيم في جغرافيا معينة فإنه يدّعي أنه تقدم في منطقة أوسع،  كما أنه عند بثه لمشاهد القتل والإعدامات والذبح فإنه يريد إثارة الرعب بحيث يسبقه الرعب قبل وصوله.

كما أنه في جوانب اهرى أصبح منذ فترة يضع فيديوهات توهم المشاهد أنه حريص على المدنيين وكبار السن وأنه تنظيم صاحب أخلاق إنسانية رفيعة. فقد لفتني على اليوتيوب مقاطع موجهة بشكل احترافي تظهر داعش على أنهم رحماء وإنسانيون، مثال على ذلك فيديو يظهر عثور داعش على امرأة عجوز في كوباني يدّعي قائد في داعش أن أولادها تركوها لوحدها وأن مقاتلي داعش قدموا لها الطعام 3 أيام، ثم يصور الطعام ويصور مشهداً يعلّق عليه بالقول إنهم ينقلونها إلى مكان آمن.. مثل هذه المشاهد التمثيلية تريد أن تجلب استقطاباً لشباب أو تلميعاً لصورة.

معركة العمل الإعلامي والفكري المضاد

مقابل كل هذا الكم من التضليل لماذا لا نعود إلى فكرة محاربة داعش من الداخل، بمعنى محاربة الأفكار التي تستند إليها داعش ودحض أكاذيبه لكيلا يكون هناك مؤيدون إضافيون له.

هنا دور علمائنا ومؤتمراتنا وإعلامنا في العمل الحثيث على التعاون والتفاعل بينهم، من أجل دحض الأكاذيب أمام أوسع رأي عام ممكن وبطرق حديثة ومتطورة. هذا لا يعني أنه لا يتم العمل على ذلك لكن هناك أفكار عديدة منها:

- توجه مباشر إلى المجتمعات نفسها التي يتوجه إليها إعلام وخطب داعش.  فالعمل الإعلامي والفكري والتثقيفي يفترض أن يتوجه بشكل مباشر موجه إلى المجتمعات التي يمكن أن ينشأ فيها المزيد من المؤيدين والمتبنين لهذه الأفكار من أجل تجفيف منابع أعدادهم ومصادر خلق عناصر جديدة لهم. فكما استطاعت واشنطن وحلفاؤها العمل ضمن هذه البيئات وخلق متأثرين كثر يمكننا أن نعمل على فكر مضاد وتصحيح الاعوجاج وعلى الأقل وقف نزيف الحقيقة لصالح التضليل واستقطاب المزيد لأن العمل العسكري أساسي جداً ولكن المهم أيضاً إضعاف رفد نبع الأفكار المسمومة، وإن كان الوصول إلى أن يشح هو أمر صعب خصوصاً أن آفة الجهل والفكر الخاطئ تبقى موجودة.

- تنسيق خطط إعلامية محكمة يتم التعاون فيها بين العلماء وبين مسؤولي الإعلام من أجل التكامل وحبكها جيداً. تركز هذه الخطط على كشف وتفنيد أضاليل داعش وأكاذيب واشنطن وتبرز جوانب الحرب الوهمية الأمريكية وأهدافها السرية والتركيز بشكل كبير على ذلك.

- تضافر جهود مادية لإنشاء فضائيات ومواقع توعوية.

- العمل فكرياً ضد هذه الجماعات التي لا تزال تدعمها واشنطن وتغذيها فكرياً عبر دعاة ومدارس "فكرية" ملوثة، فمن الملاحظ القوة الإعلامية لدى هؤلاء الدعاة المتواجدين عبر قنوات ومواقع انترنت كثيرة تحتاج إلى دعم مالي كبير. وإن كانوا لا يعلنون تأييدهم لتنظيم بالاسم إلا أنهم بطريقة أو بأخرى يروجون لأفكاره الهدامة ويثيرون الفرقة والتحريض ويذكون النيران في النفوس بأسانيد مضللة وكاذبة تدخل القلوب والعقول الضعيفة وتعشش بها وتستحيل دافعاً للتطرف والإجرام ودخول التنظيمات الإجرامية الإرهابية. هؤلاء "الدعاة" تركت لهم المنابر في المساجد والمنابر الفضائية الإعلامية ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي.

لقد كان صمود الممانعين والمقاومين أسطورياً ولكن أمريكا تنحو دائماً نحو خطط بديلة فهي ليست نائمة وتحاول قطف مصالح أخرى، كما أن هناك دعماً كبيراً في المنطقة لإعلام ومنابع التنظيمات الإرهابية، لا شك أنه مدعوم بغرف سوداء أمريكية وخطط إعلامية، من أجل قطف الأهداف والمصالح من كل ذلك بموازاة الادعاء بقيام حرب عالمية أو إطلاق حرب فكرية على هذت التنظيمات، ولكن المواجهين أيضاً غير نائمين ومن المهم العمل بأساليب خلاقة تماشي الزمن وتقوية الخطط الإعلامية. إنها حرب أخرى لا تقل خطورة، حرب الأفكار وحرب الإعلام وليست فقط حرب العسكر.

اعلى الصفحة