الدولة اليهودية.. عنصرية القوانين وضرورة المواجهة

السنة الرابعة عشر ـ العدد 157 ـ (ربيع أول 1436 هـ) كانون الثاني ـ 2015 م)

بقلم: هيثم محمد أبو الغزلان

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

بدأ عدد من المسؤولين والأوساط الإسرائيلية، بترديد مفهوم يهودية الدولة، منذ نحو عقد من الزمن. ترافق هذا الطرح بارتفاع وتيرة ترديده كاشتراط ترافق مع مسار التسوية، أو من خلال استخدامه في الصراع الداخلي على الحلبة الإسرائيلية بين الأحزاب، خصوصًا لجهة استمرار عملية الاستيطان.

وقد دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، في الرابع من حزيران 2003، خلال خطاب ألقاه في مدينة العقبة الأردنية، إلى ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

وأثار شارون مجدداً، في مؤتمر هرتسليا (18/12/2003)، لجهة اتخاذ خطوات أحادية الجانب "للانفصال عن الفلسطينيين"، لتقليص ما أسماه "الإرهاب الفلسطيني" قدر الإمكان، ومنح "مواطني إسرائيل" الحد الأقصى من الأمن، المفتقد بطبيعة الحال جراء استمرار المقاومة وأعمال الانتفاضة.

وبعد أن قدّمت الإدارة الأمريكية خطة "خريطة الطريق" (أيار – 2003)، اشترطت إسرائيل لقبول الخطة المقترحة جملة من التحفّظات والتعديلات والإضافات، أخطرها ضرورة اعتراف الطرف الفلسطيني بيهودية الدولة، والهدف من ذلك منع تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم وديارهم التي اقتلعوا عنها.

وقد حرص رؤساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بدءاً بشارون، وانتهاء ببنيامين نتنياهو، على ترديد المطالبة بيهودية الدولة. وباتت تتكرر المطالبة الإسرائيلية، بتحقيق انفصال تام، لتعبر عن حقيقة وجوهر المشروع الإسرائيلي وقادته. وفي المقابل فجّر بعض الإسرائيليين قنابل موقوتة أخرى تعبّر عن خوفهم ورفضهم بل وتمني عدم وجود الفلسطيني أصلاً. وهذا ما يتضح من كلام المؤرخ والأستاذ الجامعي الإسرائيلي بني موريس الذي خطّأ بن غوريون على عدم قيامه بطرد الفلسطينيين كلهم من أراضيهم العام 1948 [هآرتس، 9/1/2004]. وتتركز الحملات الإسرائيلية اليوم على الإنسان الفلسطيني سواء أكان موجوداً في الأراضي المحتلة منذ العام 1948 أو 1967، بحيث يتم توصيفه على أنه يشكل "خطراً وجودياً" على الدولة الإسرائيلية وتهديد ديموغرافي وقنبلة موقوتة. فقد اعتبر 71% من الإسرائيليين في استطلاع للرأي أن فلسطينيي 48 يشكلون تهديداً ديموغرافياً للدولة العبرية. لأنهم يشكلون 20% من سكان إسرائيل، وتقول دراسات سكانية إسرائيلية أن نسبتهم بعد 15 عاماً ستصل إلى 30%. هذا الخوف الإسرائيلي من الفلسطينيين دفع قادة الدولة العبرية للتفكير بالانفصال تارة، وبناء جدار الفصل العنصري تارة أخرى، وإعادة طرح الخيار الأردني مرة ثالثة، مع الإشارة إلى أن 75% من الإسرائيليين يؤيدون الانفصال عن الفلسطينيين سواء حصلت تسوية معهم أم لم تحصل.

وبما أن مشروع إسرائيل الكبرى قد فشل، فإنه أُعيد اختزاله بإسرائيل اليهودية المحاطة بالجدران العازلة، و"محاربة" فكرة دولة ثنائية القومية التي وصفها البروفيسور الإسرائيلي أرنون سيفر بأنها "دمار للشعب اليهودي في صهيون". ويرى بعض القادة الإسرائيليين أن الحل في ذلك يتمثل بعملية ترانسفير للفلسطينيين أو على الأقل فصل ديموغرافي، ويعتبر موشي يعالون أنه إذا لم يكن الترانسفير ممكناً، فلا بد من نمط آخر من الفصل الديموغرافي، ويُفهم من ذلك العمل على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم كما حصل عام 1948.

وحرص نتنياهو، على رفع لافتة "الإرهاب الفلسطيني" أمام عملية السلام بهدف عرقلتها ونسفها، وأحرز قصب السبق في رفع لافتة يهودية الدولة، مشترطاً على السلطة الفلسطينية رفعها معه، ليتسنى التقدم في إرساء السلام المنشود! مما حدا بالسلطة إلى رفض الاعتراف بالدولة اليهودية.

جذور الفكرة

ترتبط فكرة الدولة اليهودية بثلاثة أشخاص أساسيين، وهذه الشخصيات هي: جوزيه إيشتوس، وبنيامين ثيودور هرتسل، آرثر جيمس بلفور. وتعكس هذه الشخصيات "ثلاث ظواهر أوروبية، كان لها الفضل في خلق فكرة الدولة اليهودية، ومن ثم تجسيدها على الأرض في المشرق العربي"، بحسب الكاتب عبد الحفيظ محارب.

ويشير محارب إلى أن "أتباع الديانة اليهودية كانوا، خلال سياق تاريخي طويل، يعتبرون من وجهة نظر الآخرين ومن وجهة نظرهم هم أيضاً، بمثابة أبناء لطائفة دينية، تماماً كما يعتبر أبناء أتباع الديانات الأخرى. ولكن، مع ظهور عصر القوميات في أوروبا، عقب الثورة الصناعية في العصر الحديث، أخذ المناهضون لأتباع الديانة اليهودية (الأوساط اللاسامية) الذين لا يألون جهداً في ملاحقة اليهود وإلحاق الأذى بهم، بأشكال مختلفة، والذين تصدوا لاندماج أتباع هذه الديانة في النسيج الوطني والاجتماعي لبلدانهم، يعتبرون أتباع الديانة اليهودية بمثابة أمة وجنس وقومية، لا يمكن لهم التماثل والاندماج في مجتمعاتهم وأوطانهم. وقد لجأ هؤلاء إلى تبرير أعمال ملاحقة اليهود ومطاردتهم، وأمعنوا التفكير في كيفية التخلص منهم، وقطعوا شوطاً لا بأس به في هذا المجال".

ويضيف: "كرد فعل على أفكار هذا الوسط الأوروبي، وما يترتب عليها من ملاحقات، لم يكن غريباً أن يظهر بين اليهود، وبخاصة بين الوسط اليهودي المندمج، بعد أن عانى من حائط الصد الذي شكلته الأوساط اللاسامية الأوروبية أمام الراغبين من اليهود في الاندماج في نسيج مجتمعاتهم، من يقول إن اليهودية فضلاً عن كونها معتقداً دينياً، هي أيضاً أمة وجنس وقومية. ومن بين من نادى بذلك ودعا إليه ثيودور هرتسل زعيم الحركة الصهيونية. وقد نجحت حركته فيما بعد في إحداث انقلاب في الفهم تجاه اليهودية، إذ لم تعد كالسابق بمثابة دين وأتباعها طائفة دينية، وإنما غدت وفق الفهم الجديد بمثابة دين وقومية في الوقت نفسه. لذا، اعتبرها البعض، لنجاحها في إحداث انقلاب في الفهم، بمثابة ثورة".

ومن المعروف أن الحركتين، الصهيونية واللاسامية، هما من المنظور التاريخي، بمثابة ظاهرتين أوروبيتين، منسجمتين إلى حد كبير بالأهداف، وإن كانتا متناقضتين بالدوافع. فقد التقتا عند ضرورة إيجاد حل لمجموع التجمعات اليهودية في العالم، ولم تكتفيا بوضع حلول منفردة لهذا التجمع أو ذاك، واعتبرتا أتباع اليهودية أمّة وجنساً وقومية، وعملتا على عدم اندماجهم في النسيج الوطني لمجتمعاتهم.

ولهذا نرى أن أحد المعادين لليهود، وهو جوزيه إيشتوسي، قد عمل على الحصول على تأييد لإقامة دولة يهودية في فلسطين. وتقدم في العام 1878، بمشروع قرار على البرلمان المجري، من أجل تنفيذ ذلك.

وعمل ثيودور هرتسل، بعد نشره في العام 1896، كتيباً بعنوان: "دولة اليهود. محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية"، على سلخ اليهود عن المجتمعات التي يعيشون فيها، عبر الهجرة، وجمعهم في منطقة خاصة بهم. وكانت فلسطين نقطة الالتقاء بالنسبة لليهود وللذين يريدون التخلص منهم.

ونجح هرتسل مع مجموعة من مؤيديه في العام 1897، في عقد مؤتمر في مدينة بازل في سويسرا، تم خلاله بحث "إقامة دولة يهودية نموذجية"، لتكون ملجأ آمناً لليهود.

وفي الثاني من تشرين ثاني / نوفمبر 1917، أصدر جيمس بلفور وزير خارجية بريطانيا، تصريحاً عرف باسم "وعد بلفور". جاء فيه أن حكومة بلاده تنظر بعين العطف لتأسيس "وطن قومي" لليهود في فلسطين. ووجد هذا الوعد سنداً داعماً له في صك الانتداب على فلسطين في العام 1922، الذي نص على أن دور الجهة المنتدبة، يتمثل في إخراج الوعد إلى حيّز التنفيذ، أي تحويل فلسطين إلى "وطن قومي" لليهود.

ما هو قانون "يهودية الدولة"؟

اتهم نتنياهو أقطاباً في حكومته بتدبير انقلاب ضد حكومته بغية إيجاد ائتلاف حكومي بديل للإطاحة به وبحكومته، بعد رفض الوزيرين ـ المُقالين لاحقًا ـ تسيبي ليفني ويائير لبيد، التصويت إلى جانب قانون - يهودية الدولة -، وعرقلتهما مع غيرهم تحويل الأموال إلى ميزانية الجيش.

ويرى الكاتب الفلسطيني ماجد الكيالي في مقال له بعنوان: "عن إسرائيل الحائرة في هويتها!" أنه لدى مناقشة مشروع القانون المتعلق بتعريف إسرائيل لذاتها، بوصفها الدولة القومية لليهود، يجدر التذكير بمسألتين، أولاهما، أن إسرائيل تتصرّف، أساساً، ومنذ قيامها باعتبارها دولة يهودية، أو على نحو أدق باعتبارها دولة اليهود الخاصة، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال "إعلان الاستقلال"، وشبكة المؤسسات، والعلم والنشيد والرموز، ومنظومة القوانين، وبخاصة من قانوني "العودة"، الذي يمنح أي يهودي مهاجر إليها مكانة مواطن، و"ملكية الأراضي"، الذي يجعل أراضي فلسطين، أي ما تسميه "أرض إسرائيل"، ملكاً حصرياً لـ "شعب إسرائيل"، عبر "الوكالة اليهودية"، يحظر بيعه أو نقل ملكيته. وثانيتهما، أن إسرائيل هذه لا تعتبر نفسها دولة ليهود العالم، وليس فقط دولة اليهود الإسرائيليين من مواطنيها.

ويضيف كيالي: "ينجم عن تشريع هذا القانون ثلاث مشكلات، أولاهما، تتمثل في التناقض بين اليهودية والإسرائيلية، أو بين ما يمكن تسميته بالقومية الإسرائيلية الناشئة، عن قيام إسرائيل، واعتبار اليهودية بمثابة هوية أو رابطة قومية. وثانيتهما، تتعلق بتعريف من هو اليهودي: هل هو المتدين حصراً، أم أن ذلك يشمل اليهودي العلماني؟ وهل اليهودية قومية، أم هي دين؟ وبديهي أن هذه الأسئلة تفتح على علاقة الدين بالدولة، وعلاقة الدين بالقومية، التي استغرقت نقاشات مضنية في الوسط الأكاديمي الإسرائيلي، فضلاً عن أوساط المتدينين والسياسيين والمثقفين. أما المشكلة الثالثة، فتمسّ المبنى الديمقراطي في المجتمع والدولة الإسرائيليين، تبعاً للسؤال عن العلاقة بين الدين والدولة. إذ إن تعريف إسرائيل باعتبارها الدولة القومية لليهود يعني إخراج المواطنين من غير اليهود من دائرة المواطنة، من الناحية القانونية، بمعنى التمييز ضدهم على أساس الدين، واعتبارهم مواطنين من درجة أدنى؛ وبديهي أن ذلك يتهدد أساساً الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. وكما قدمنا فإن إسرائيل تتصرف منذ قيامها باعتبارها دولة لليهود، بوجود قانون أو من دونه، لكن تشريع هكذا قانون يشرعن التمييز، ويحد من قدرة الفلسطينيين على مقاومة الإجراءات التمييزية ضدهم. لكن هذا المشروع يتضمن التمييز ضد اليهود العلمانيين، نتيجة تغليب الطابع الديني، والهوية الدينية، على الطابع العلماني للدولة، مع ما يعنيه ذلك من صعود للتيارات اليمينية الدينية في السياسة الإسرائيلية".

ولكن ما هو قانون "يهودية الدولة" أهم عناوين الصراع السياسي الداخلي وما المقصود به؟

اتفقت أحزاب الليكود والبيت اليهودي وإسرائيل بيتنا على صياغة وإقرار هذا القانون وثبت الاتفاق كجزء من الاتفاق الائتلافي الموقع بين هذه الأحزاب والذي مهد الطريق أمام تشكيل الحكومة الحالية في آذار من عام 2013.

ويدعو القانون من حيث المبدأ إلى تغيير التوازن القائم حالياً من خلال إعادة تعريف "إسرائيل" على أنها دولة "يهودية - ديمقراطية"، وربط واشتراط الهوية الديمقراطية للدولة بصفتها القومية اليهودية ما يعني ملائمة "القيم الديمقراطية مع القيم اليهودية" بما يعززها ولا يتعارض معها الأمر الذي وصفه بعض المعارضين لهذا القانون "بالديمقراطية الدينية اليهودية"، بحسب وكالة "معا".

وفقاً لصيغة القانون الأصلية التي طرحت للنقاش خلال عهد الكنيست السابقة "قبل الانتخابات الأخيرة" تلتزم الدولة بتوفير الإمكانيات والاستثمارات الكبيرة لدعم وتطوير الاستيطان اليهودي داخل حدودها لكن الدولة لم تتعهد وفقا للقانون بالبناء لصالح "القوميات" الأخرى.

ونصت الصيغة الأصلية على منح اللغة العربية "وضعاً خاصاً" وإلغاء الوضع الحالي الذي يعرفها كلغة رسمية وحتى في الصيغة "الأكثر اعتدالاً" لم تحظ اللغة العربية بوضع اللغة الرسمية بل ابتدعت الصيغة "المعتدلة" مصطلحاً جديداً يعرف اللغة العربية على أنها "لغة دولة" ما فهم حينه على أنه محاولة لتليين الموقف من اللغة العربية وتجاوز أزمة منحها "وضعاً خاصاً".

ونصّ القانون على ضرورة اللجوء للقضاء والمحاكم للبت في الأمور والقضايا التي لا يوفر القانون القائم حالياً في "إسرائيل" رداً وجواباً شافياً عليها، وذلك استناداً لمعايير العدل والنزاهة والسلام القائم في موروث شعب "إسرائيل" بما يشبه ويماثل ما هو موجود في القانون القائم حاليًا حول كل موضوع، أو قضية تثار ولا تجد جواباً لها في نص القانون الجديد "قانون يهودية الدولة".

ويدعو القانون إلى ربط واشتراط الطابع الديمقراطي للدولة بشروط ومعطيات ومرتكزات هويتها اليهودية وذلك من خلال ربط وثيقة "الاستقلال" بالهوية اليهودية للدولة.

ويهدف هذا القانون إلى الدفاع عن وضع ومكانة "إسرائيل" كدولة قومية للشعب اليهودي، وإلى ترسيخ قيم "إسرائيل" كدولة قومية يهودية ديمقراطية في نص القانون الأساسي للدولة استنادًا إلى روح المبادئ التي تضمنها الإعلان عن إقامة دولة إسرائيل" جاء في نص القانون.

ويؤكد الكاتب محمد المحسن في مقال له بعنوان: "الخطاب الصهيوني والفوقية اليهودية" أن "الحكومة الإسرائيلية تستغل التداعيات الدراماتيكية في الأراضي المحتلة، لمحاولة فرض أحد خيارين على الفلسطينيين: أن يرضوا ببنتوستنات عرقية في بعض أراضي الضفة الغربية وغزّة، من دون حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ومن دون سيادة فلسطينية على القدس، أو أن يخضعوا للتطهير العرقي، أو لنكبة جديدة، توعّد بها أكثر من مسؤول إسرائيلي. ولم يعد هذا الخيار الأخير ضرباً من الديماغوجية الصهيونية المتطرّفة، بل تسلل، وبقوّة، إلى التيار العام، إذ بات يطرحه أكاديميون وصحافيون وكتّاب، وراحت أصوات متصاعدة من الحزبين الرئيسيين (العمل والليكود) تدرس بعض الأشكال "المقبولة" لهذا التطهير.

ويبدو أن انفراط عقد حكومة نتنياهو التي وصفتها صحيفة "هآرتس" بأنها كانت "من أسوأ الحكومات في تاريخ إسرائيل"، سيكون عاملاً لاشتعال المعركة القادمة التي ستكون حاسمة في ردها بناء للانتخابات القادمة على قضايا أساسية تتعلق بالطابع المستقبلي للدولة كما عدّدتها صحيفة "إسرائيل اليوم": هل تكون إسرائيل "دولة الشعب اليهودي القومية"، أم دولة بلا هوية، كما هي الآن؟. وهل تبقى القدس "موحدة تحت السيادة الإسرائيلية" أم تتحول إلى "عاصمة الدولة الفلسطينية وفرعاً للخلافة الإسلامية الآخذة في التزايد"؟. هل الصهيونية "قد وصلت إلى نهاية طريقها بحسب حلم اليسار الصهيوني"، "أم يجب الاستمرار في بناء الدولة بحسب رؤية وحلم اليمين"؟.

ويشير الكاتب إياد مسعود في مقال له بعنوان: "الانتخابات الإسرائيلية استفتاء على الفاشية الجديدة" إلا أن السلاح الأقوى الذي يستعمله فريق اليمين المتطرف، في تجييش التيارات اليمينية في المجتمع الإسرائيلي، سيكون سلسلة القوانين والمشاريع قيد التداول في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية الإسرائيلية وأهمها:

- قانون القومية اليهودية الذي أجازته حكومة نتنياهو مؤخراً، يعيد صياغة مفهوم "الدولة" لتصبح "دولة اليهود" دون غيرهم، مع حق تقرير المصير "للشعب اليهودي وحده"، واعتبار "فلسطين أرض اليهود"، وتجديد "حق اليهود" في "العودة إلى إسرائيل". إلى آخر ما هنالك من المبادئ العنصرية التي تنفي الشعب الفلسطيني، ولغته وثقافته كما تنفي كل من هو غير يهودي. علماً أن إسرائيل لم تتفق حتى الآن على تعريف واضح ومحدد، لمن هو "اليهودي".

- مشروع القانون المسمى بقانون "حنين الزعبي" النائب العربية في الكنيست، والمتهمة بالتعامل مع "العدو" و "دعم الإرهاب" لأنها أعلنت تأييدها لمقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال والاستيطان. وينص مشروع القانون على فصل كل عضو كنيست "يرتكب ما ارتكبته" الزعبي من "جرائم" بحق دولة إسرائيل.

- مشروع القانون المسمى بقانون مكافحة الإرهاب، وينص على فرض عقوبات شديدة القسوة على عائلات منفذي العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال. بدءاً من سحب جنسية المقدسيين، إلى نسف المنازل، إلى "الطرد والنفي" إلى قطاع غزة، مما يحول القطاع كما وصفه أحد غلاة الصهاينة "إلى مكب للقمامة التي تريد إسرائيل أن تتخلص منها" في إشارة واضحة للفلسطينيين العرب، وفي تعبير شديد الفجاجة وشديد التطرف ومغرق في العنصرية.

- مشروع ليبرمان الداعي إلى "إغراء" الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل بالمال، ليغادروا بلادهم ويهاجروا إلى دولة ثانية، في "حل ديمقراطي" للوجود الفلسطيني "الزائد" في إسرائيل.

- مشروع نتنياهو الذي يشترط للعودة إلى المفاوضات الاعتراف الفلسطيني المسبق بيهودية الدولة الإسرائيلية، في ظل استمرار مشاريع الاستيطان والأسرلة والتهويد.

- مشروع ليبرمان الداعي إلى رفض المفاوضات الثنائية لصالح مفاوضات إقليمية عربية إسرائيلية، تحقق "السلام" بين إسرائيل والدول العربية جمعاء، مع حل مع الفلسطينيين، يقوم على تبادل الأرض والسكان، عبر ضم اليهود والمستوطنات لإسرائيل، وأم الفحم ووادي عارة مع سكانها إلى الجانب الفلسطيني.

وبناء عليه، وكما يرى الكاتب محمد المحسن فإن "إسرائيل ترفض تبديل طبيعتها اليهودية العرقية التفوّقية، أو تبديل سياساتها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وتعتبر هذا الرفض دفاعاً عن مبادئ إسرائيل "الديمقراطية" وعن شعب يهودي توقّف اضطهاده التاريخي، لمجرد دخول الصهيونية على الخط! ومن هنا، التفوّقية اليهودية هي ما يجعل قضية إسرائيل، بوصف هذه الدولة يهودية، بدلاً من أن تكون إسرائيلية، أمراً بالغ التقديس، لا يمكن تبديله، لأن ذلك سيكون شأناً غير عملي. وإن التزام هذه النزعة هو ما يجعل من عودة اللاجئين الفلسطينيين "خطراً ديموغرافياً"، يهدّد الغالبية اليهودية في إسرائيل (غالبية باتت كذلك، تحديداً، لأن الفلسطينيين الذين يسعون، اليوم، إلى العودة إلى أراضيهم وبيوتهم، قد سبق أن طُردوا منها أصلاً)، وإن ذلك الالتزام هو الذي يواصل شرعنة معاملة الفلسطينيين داخل حدود 1948 مواطنين من الدرجة الثالثة. وهو الذي يشرّع استمرار الاحتلال صمّام أمان أمام التهديدات الموجّهة إلى إسرائيل، دولة عرقية تمييزية يهودية. ولكن، مؤسف حقاً أن إسرائيل حظيت، في نهاية السبعينيات، باعتراف من مصر بحقّها المزعوم في أن تكون دولة يهودية عنصرية، وفي أوائل التسعينيات من الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية ذاتها. وفي فبراير/شباط 2002، حظيت إسرائيل باستعداد العالم العربي أجمع، المجتمع في قمته المنعقدة في بيروت، بالاعتراف بها شريطة أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية التي احتلّتها عام 1967".

المخاطر وضرورة المواجهة

حطمت "إسرائيل" بكل عنف أي أمل لقيام دويلة على أراضي67، ولكن للأسف، لا يزال البعض من أركان السلطة الفلسطينية، ممّن رهنوا أنفسهم وخياراتهم باتجاه واحد هو المفاوضات، على قاعدة أن لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات! مع أنه قد حصلت متغيرات كثيرة، منذ مؤتمر "مدريد" وحتى الآن. وإذا كانت التطورات التي شهدتها القضية الفلسطينية، في الفترة بين توقيع اتفاق أوسلو في أيلول 1993 وانعقاد مفاوضات كامب ديفيد، قد أظهرت العراقيل الكبرى التي تعترض فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، في حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 إلى جانب دولة "إسرائيل"، وخصوصاً في ضوء إصرار حكّام إسرائيل على إبقاء القدس موصدة، والحفاظ على المستوطنات اليهودية، ورفض الانسحاب من أجزاء واسعة من الضفة الغربية. فإن هذا البعض يرى أن الحفاظ على فلسطين موحدة، في حدودها الانتدابية، قد يكون المنطلق الأمثل للتوصّل إلى حل نهائي لهذا الصراع، وراحت تظهر بخصوص الشكل الدستوري الذي يمكن أن تتخذه فلسطين الموحدة هذه، اجتهادات متباينة، تراوحت بين العودة إلى فكرة قيام دولة ديمقراطية علمانية في فلسطين، أو دولة ثنائية القومية، وفكرة قبول الفلسطينيين بأن يكونوا مواطنين، يتمتّعون بحقوق المواطنة الكاملة في دولة إسرائيل التي يتوجّب عليها أن تتخلى عن طابعها اليهودي. ولنا أن نلاحظ هنا، أنه في الوقت الذي يدعو فيه البعض الفلسطيني لأن تتخلى "إسرائيل" عن طابعها اليهودي، فإن إسرائيل توغل في هذه "اليهودية"، في سعي منها إلى تأبيد احتلالها لأرض دولة فلسطين وتهويد غالبيتها بما فيها القدس الشرقية وإسدال الستار على كل الجهود الدولية المبذولة لإحياء المفاوضات بين الجانبين"، بحسب بيان صادر عن وزارة الشؤون الخارجية في السلطة الفلسطينية.

ورأت أن إقرار هذا المشروع وتحويله للكنيست الإسرائيلي للمصادقة عليه يشكل ضربة مميتة لعملية السلام وللحل التفاوضي للصراع ولمبدأ حل الدولتين، خاصة وأن المشروع لا يتضمن تعريفًا واضحًا لحدود الدولة اليهودية وسيبقيه مفتوحًا أمام المزيد من التوسع الاستيطاني على أساس الرواية التوراتية هذه المرة.

وفي كل الأحوال، تناسى الجميع أنّ الغبن التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني لا ينحصر في إسقاطات الاحتلال الإسرائيلي بعد العام 1967، بل هو، أساساً، في نكبة عام 1948، فقيام دولة إسرائيل، في حد ذاته، مركّب أساسي من الغبن التاريخي المستدام، أما جوهرها دولة يهودية ودولة اليهود، فيزيد من هذا الغبن. ولا مقومات داخل المجتمع الإسرائيلي لأي تراجع عن هذا الجوهر: فاليسار الإسرائيلي استفاد من المركّب الكولونيالي لإسرائيل ومن طابعها اليهودي، كما استفاد اليمين، وكلاهما استغلّ امتيازات اليهودي التي وفّرتها له الدولة على حساب الثروة المادية والروحية الفرديّة والجماعية للشعب الفلسطيني، ويتمسّك اليسار كما اليمين، بهذه الامتيازات. وهذا أساس مادي قوي للإجماع الصهيوني شبه المطلق.

إنه يعني أنّ المشروع الصهيوني تعامل مع الجوهر، وهو السيطرة على المكان، بكل خيراته وموارده، وتفريغه من طابعه ومن سكّانه، وتهويد معالمه، والنظر إلى الشعب الفلسطيني مجزّأ تماماً. وهذا الجوهر يرفض الاعتراف بمسؤوليته عن إيجاد قضية اللاجئين وتهجيرهم، ويعمل جاهداً على نسف أية إمكانية لعودتهم، من خلال السيطرة على أملاكهم الفردية والجماعية وخصخصتها وتهويدها. وهذا الجوهر يرى في الفلسطينيين داخل مناطق 48 خطراً أمنياً وديموغرافياً على الدولة اليهودية، وهو نفسه يرى ضرورة استمرار السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزّة بأدوات عسكرية احتلالية.

وتوجد أسئلة كثيرة تتعلق بالإصرار الإسرائيلي على الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية: لماذا هذا الإصرار على صفة أو طبيعة الدولة، أي على يهوديتها؟ وهل القصد من وراء ذلك  من الاستحقاقات المتأتية عنها؟ يقتصر على وضع عقبات أمام المفاوضات بغية نسفها، تهربًا وما هي الأهداف الكامنة وراء الاعتراف العربي أو غيره، في تعريف إسرائيل لذاتها، وفق فهمها بأنها دولة يهودية؟ّ ولعل السؤال الأهم، والأبسط في الوقت نفسه يتمثل بالتالي: هل يحق لصاحب القرار الفلسطيني الاعتراف بيهودية الدولة، وفق تعريف أو مفهوم رئيس الحكومة الإسرائيلية؟!. وبالتالي هل من خطورة حقيقية لتحويل هذا المصطلح إلى واقع حقيقي، لما يمثله من خطر كبير على القضايا الفلسطينية والعربية، وعلى رأسها حق العودة للاجئين، وكذلك تداعيات كبيرة جداً على حدود الأقطار العربية الأخرى.. إنه التحدي القائم!!  

اعلى الصفحة