الرؤية الاجتهادية والمنهجية الحركية عند العلامة الراحل السيد: محمد حسين فضل الله
في معالجته لقضيتي العقل والعلم

السنة الثالثة عشر ـ العدد 155 ـ (محرم 1436 هـ) تشرين ثاني ـ 2014 م)

بقلم: نبيل علي صالح(*)

 

تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان


الصفحة الأساسية


الصفحة الأولى


أعـداد سـابـقة


المدير العام:

الشيخ محمد عمرو


رئيس التحرير:

غسان عبد الله


المدير المسؤول:

علي يوسف الموسوي


الإشراف على الموقع:

علي برو


للمراسلة

 

رحل عن عالمنا منذ عدة أعوام العلامة السيد محمد حسين فضل الله، بعد عقود طويلة حافلة بالعطاء الفكري والاجتماعي، والعمل المعرفي والنشاط الاجتهادي المرجعي والحركي، قضاها في خدمة الإسلام والمسلمين.. في محاولة منه – مثل كثير من علماء هذه الأمة الكبار- إجلاء الصورة الحقيقية عن هذا الدين المحمدي الأصيل، وذلك من خلال إبراز صورة هذه الرسالة السمحة والنقية والتي تم تشويهها من قِبَلِ من زعم تمثيله والتحدث باسمه قبل خصومه...

حيث اعترتها نقائص وسلبيات وشوائب كثيرة جداً في كثير من حقول ومجالات الفكر والمعرفة الإسلامية على المستوى الفقهي والتاريخي والكلامي والسياسي، وبعد محاولات حثيثة كثيرة جرت وتجري لتحريف معالمها ومقاصدها الإنسانية العليا.

لقد كان العلامة السيد محمد حسين فضل الله من أبرز وجوه مراجع الفكر الإسلامي الحركي المعاصر. وهو شكل - منذ بداية صعوده المرجعي الإسلامي في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي- ظاهرةً مهمة وحيوية لها جديتها وأصالتها وموقعيتها المميزة والفريدة في داخل منظومة التفكير الديني الإسلامي من حيث ألمعيته الفكرية، وسعة اطلاعه، وانفتاحه الديني، وحضوره الاجتماعي البارز والمؤثر ومقدرته العلمية العملية على الجمع بين الرؤية النظرية والممارسة العملية، بين الفكر والمنهج النظري الديني الذي يعتقده ويؤمن به، والعمل المؤسساتي التطبيقي الذي يبرز واضحاً في مؤسساته الاجتماعية المتعددة وخدماته الكبيرة المتنوعة التي يقدمها لأبناء مجتمعه من مختلف التوجهات والانتماءات والمستويات.. وقد أوصله ذلك التماهي بين الفعل والقول إلى مستوى رفيع ومرموق على صعيد بناء دور مرجعي إسلامي وإنساني كبير في أوساط العرب وغير العرب، من المسلمين وغير المسلمين، وخصوصاً في الوسط الإسلامي الشيعي.

لقد تمكن الراحل فضل الله من الوصول إلى هذه الدرجة المتقدمة والمكانة السامقة والعالية من العمل الرسالي الحركي الإسلامي من خلال ما تميز به من روح إنسانية كبيرة وثّابة ومنطلقة إلى الآفاق العليا من رحاب الحياة والوجود، وما امتلكه من علم جاد وبحث دؤوب وصادق وجهد كبير متواصل ومستمر حتى الآن بالرغم من تقدم السن المادي.. وقد أوصلته كل تلك المعطيات والخبرات والتجارب إلى مستوى العطاء المتدفق الذي يمكن صاحبه من تقديم نماذج عملية متميزة عن قدرة الفكر والمعرفة الدينية الإسلامية على مواكبة تغيرات الحياة وتطورات الوجود الإنساني من خلال ما تحتويه من طروحات فكرية ومفاهيم نظرية ومبادئ إنسانية ونظم معرفية عملية. أي أن الإسلام والإيمان بقيمومة هذا الدين الإنساني، هو القوة المحركة التي أعطت السيد كل هذا الدفع والانطلاقة العملانية الهائلة للبحث والمعرفة والخبرة والبناء المرجعي المؤسسي. وعن هذه المرحلة الإيمانية الأساسية في حياته يتحدث السيد ((إن هذه الحركة تطورت، بحيث إني اكتشفت إسلاميتي في وقت مبكر؛ ولذلك لم أشعر بنفسي في أي مرحلة من مراحل حياتي بما هي المرحلة الحائرة بين الطفولة والشباب، لم أشعر أني شيء آخر غير الإسلام.. لذلك كنت أتحسس الإسلام في وجداني بحسب ما كنت أتمثله من ثقافة آنذاك.. كنت أتحسس الإسلام كشيء يعيش في وجداني في اللاشعور ويتحرك في حياتي في مواقع الدراسة. ولهذا فقد عملت في وقتٍ مبكرٍ، وذلك في سنة 1947م، وقد كنتُ في الثانية عشرة من عمري.. عملت مع بعض أصدقائي على إصدار مجلة خطية كنّا نوزّعها على حسب عدد المشتركين، ونكتبها تحت اسم "الأدب"، وأذكر أن العدد الأول كان خاصّاً بالإمام الحسين(ع)، ما يوحي بأن المسؤولية الثقافية الإسلامية كانت مبكرة في وجداني)).

والسيد محمد حسين فضل الله، الإنسان والمفكر والداعية والمرجع والفقيه والعالم الديني، من أشد أنصار الحوار الحضاري بين الإسلام والغرب وبين الإسلام والمسيحية وبين المسلمين السنّة والشيعة، وهو يعلن بكل وضوح حماسته لهذا الحوار حتى مع أشد الناس عداوة وتطرفاً وتعصباً، وهو يعتبر أن "لا مقدسات في الحوار"، وأن الله تعالى قد حاور إبليس كما هو وارد في نص القرآن الكريم. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا نحاور بعضنا بعضاً، ونفتح قلوبنا على المحبة والتسامح والأخوة والتعاون..

وتزداد أهمية موقع وحجم ودور السيد فضل الله في واقعنا المعاصر الذي أُدخلنا فيه وأصبحنا نعايشه بكل تعقيداته وتحدياته وضغوطاته حيث يحتدم الجدل وتثار الأسئلة والإشكاليات حول مدى قدرة الحضارات والثقافات والأديان عموماً على الصمود والثبات والتنافس أمام التحديات والمخاطر التي تظهر في عالمنا الراهن بين الفينة والأخرى بحكم قاعدة التطور والتغير والتبدل من حال إلى آخر،  والتي قد تضع عدداً كبيراً منها (من تلك الحضارات والثقافات العالمية والأديان الكونية) على مفترق طرق ومنعطفات شديد الحساسية والخطورة.

وهنا ينبغي على المسلمين – وبصورة مستمرة - أن يظهروا دينهم ومشروعهم الفكري الحضاري، واستراتيجياتهم العملية، ويبرزوا قدرة هذا المشروع على الصمود والمنافسة، والتأثير المتبادل بين مختلف الثقافات.

وفي هذا الإطار، يأتي النتاج الفكري والمعرفي الغني والحيوي لسماحة العلامة المجدد السيد محمد حسين فضل الله(قده) ليساهم في توضيح وتحليل كل تلك الأمور، وإظهار موقف الدين الإسلامي منها، ووضع حلول لتلك الأسئلة المثارة، ومواجهة ما تفرضه تلك التحديات، وهو يسعى – ضمن صيغة عمله المرجعي المؤسساتي- إلى دراسة الإشكالات المطروحة بقوة على الإسلام كدين خاتم سواء في المسائل والطروحات الفكرية المستجدة، أو في القضايا العملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. وفي مجمل ما تحفل به حياتنا المعاصرة بالكثير من التحولات والمتغيرات الكونية، التي باتت هي الثابت الوحيد في كل ما نراه ونعايشه من أحداث متسارعة على أكثر من صعيد. ومن الطبيعي جداً أن تتأثر بلداننا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية بتلك التحولات خاصة وأن منطقتنا هي المركز الأساسي والساحة الرئيسية التي تختصر كل حركية الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي بين مختلف الأمم والحضارات منذ زمن طويل، ولأسباب عديدة لم تعد خافية على أحد، وهي وجود ثروات وموارد هائلة طبيعية وبشرية، وتوفر الموقع الجغرافي الممتاز الذي يتوسط كل قارات العالم، ووجود إسرائيل كموقع متقدم للغرب في المنطقة يراد على الدوام الحفاظ على تفوقه النوعي على باقي دول المنطقة، الأمر الذي يؤدي باستمرار إلى استيلاد أزمات متوالية جديدة من هذه الأزمة والقضية-الأم، قضية اغتصاب فلسطين، وعدم إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي- الإسرائيلي الذي سيؤسس لمزيد من الصراعات وأعمال العنف الدموية في المنطقة.

وعبر هذا الموقع المرجعي الكبير لا يمكن للمرء إلا وأن يجد للسيد رأياً أو موقفاً تجاه ما يحدث في المنطقة والعالم، في كل محاضراته وندواته ولقاءاته، إذ أننا نجد أن السيد يحاول – على الدوام - إعطاء الموقف والقناعة والرأي الإسلامي الصريح والواضح بخصوص كل ما يتحرك في الواقع من تحولات ومستجدات سياسية أو فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية. وعندما يعطي السيد رأيه ورؤيته للأحداث الجارية فإنه لا يلزم أحداً بها، ولا يعتبرها فتوى دينية، بل هو تحليل فكري نقدي، يمكن أن يكون صائباً أو مخطئاً فيه. ولكن الأحداث التي مرت على هذه الأمة أثبتت صحة وصوابية كثير من آراء وأفكار السيد فضل الله التي قدمها وطرحها في مختلف المواقع منذ أن انطلق محاولاً ربط الإسلام بالعصر والحياة في محاولةٍ منه لتقديم هذا الدين باعتباره قاعدةً للفكر والعاطفة والحياة.

من هنا كان للسيد حضور فكري لافت – على مستوى النقد والمواجهة - واهتمام نوعي كبير بكل التحديات والقضايا المثارة محلياً ودولياً حول واقع الإسلام والمسلمين، وما يتفرع عنها من أحداث وتحولات..

وفي رأيي، أن السبب الكامن وراء هذا الاهتمام الملحوظ للسيد بقضايا الحياة المعاصرة المتعددة والمختلفة يعود – في جانب أساسي منه - إلى خطورة ما يمكن أن تفضي إليه من محاولة مطلقيها وأصحابها – من الداخل والخارج - تحريف وتزييف الفكر الإسلام الأصيل، وعدم إظهار الإسلام على حقيقته وعملهم الدائم على إسقاطه –عن حسن أو سوء نية - في عقول وأفئدة أهله وأتباعه وعشاقه، ولذلك كان لا بُدَّ من مواجهة تلك الأفكار وتفكيكها وإيضاح الرأي العقلي والعلمي والشرعي بشأنها، وكان أيضاً لا بد من خطّة تربط المسلمين بالهدف الكبير، لاسيما وأنّ‏َ الخطر الكبير يتناول وجودهم، ومن الواضح أنّ‏َ عظمة الهدف وخطورته تربط الإنسان بالآفاق الرحبة، التي تتجاوز الحواجز النفسية في عملية انفتاح على الواقع المتحرّك أبداً في اتّجاه الله، وليس معنى ذلك أن نتنكّر للتحديات والحواجز، بل كلّ ما هناك أن نتعامل معها بطريقة واقعية من خلال الاعتراف بالعوامل الفكرية والعملية التي ساهمت في وجودها وامتدادها، ما يدفعنا إلى تجميدها في الحالات التي يفرض علينا الواقع عملية التجميد، أو تحريكها في المجالات التي يمكن أن نتحرّك فيها بوعي ومرونة وإخلاص، أو تهديمها في ما نملك من وسائل واقعية تجمع بين عملية الهدم من جهة والبناء من جهة أخرى، لتكون السلبية خطوة في طريق الإيجابية، وذلك من أجل المواجهة المخلصة لعوامل الخطر الموجودة في الساحة ... فهذه هي الروح التي نلمسها في كلمات الإمام عليّ(ع) وهو يحدّثنا عن تجربته الذاتية في ما واجهه من عملية التنكّر لحقّه في الخلافة، وفي ما انطلق فيه من خطوات عملية بعيداً عن المسألة الذاتية، التي قد تعتبر السلبية موقفاً طبيعياً يمنعها من المشاركة في الحلول، أو التحرّك إيجابياً في الجانب المضادّ الذي يثير المشكلة في الواقع المرتبك الخطر، بل تحرك في مسارات إيجابية انطلاقاً من الإيمان بالهدف الكبير الذي يحدّد القضية من موقع المسؤولية الإسلامية الكبرى. يقول(عليه السلام): "فما راعني إلاّ انثيال النّاس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمَّد(ص) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنَّما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشَّعُ السّحاب؛ فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتَنَهْنَه..".

وبالنظر إلى ما تقدم، وإلى موقعية السيد المتميزة على الساحة العربية والإسلامية التي كونها وبناها وراكمها لبنة لبنة بجهد وكدحه العلمي وانفتاحه على الحياة والفكر والتيارات الأخرى من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وإلى ما يقوم به من أدوار حركية فكرية وعملية نوعية وحيوية على صعيد الدعوة والتبليغ والبناء النفسي والتربوي لأجيال الأمة، وما تمارسه مؤسساته الكثيرة المتعددة والمتنوعة أيضاً، وبالنظر إلى امتداد مرجعيته الدينية وأهمية طروحاته وآرائه العقلية التي تتمحور حول تأكيده الدائم على امتلاك الإسلام الإمكانات والقدرات النظرية والعملية للانفتاح والتطور والازدهار، سنحاول تحليل أسلوب ومنهجية البحث الفكري لدى السيد من خلال الغوص في رؤيته التي بناها أطلقها حول بعض مسائل وقضايا الحياة المعاصرة.. وسنسلط الضوء هنا على قضية العقل والعلم:

إن التربية الفكرية الإسلامية المنفتحة التي تربى عليها السيد فضل الله تقدم لنا صورة حقيقية متكاملة عن هذه الشخصية الرسالية والإنسانية المتعددة الأبعاد والمواهب التي عاشت في كنف القرآن والإسلام، ونشأت على قيم وأفكار ومبادئ الرسول وأهل البيت(ع)، ولذلك كان من الطبيعي جداً أن يعتبر السيد فضل الله – طالما أن روحه ونبعه إسلامي الهوى والعقل والفؤاد - العقل هبة من الله تعالى للإنسان، وأنه ينبغي على الإنسان أن يكون وفياً ومؤتمناً على هذه الهبة العظيمة بأن يقوم بتطويرها وتنميتها ومن ثم تحريكها واستثمارها بشكل منتج في كل مواقع وساحات حياته لكي يكون له وجود حي وفاعل.

ويؤسس السيد نظرته العقلية بناءً على القرآن الكريم الذي هو تبيان لكل شيء، حيث أنه عندما ندرس حركة المستقبل في نشاطات الأمة بشكلٍ عام، وفي تطلعات الإسلام، فإننا نستوحي من القرآن الكريم، في مفاهيمه التي تعبر عنها آياته، أنه يخطط لصنع العقل الإنساني الذي ينفتح في أول انطلاقاته على آفاق معرفة الله تعالى؛ خالق السموات والأرض والإنسان، ومبدع النظام الكوني بكل أسراره الإبداعية التي تمثّل عمق العناصر التي يرتكز عليها الكون كله، على أساس أن الله تعالى جعل لكل شيء قدراً ﴿إنا كل شيء خلقناه بقدر﴾ [القمر:49]، فليس هناك في الكون أيّة صدفة، حتى ما يعتبره الناس في حياتهم الخاصة وفي أوضاعهم العامة صدفةً، فإننا عندما نتعمّق فيه، نجد أنه خاضع نظام معيّن يتمثّل بالظروف الخفية أو البارزة التي تحيط بالإنسان وبالواقع.

ويعتقد السيد فضل الله جازماً أن القرآن الكريم إنّما يستهدف صنع العقل الإنساني، حتى يرتفع هذا العقل إلى مستوى الانفتاح على الله فيما يمكن أن يعرفه منه، لأن العقل الإنساني لا يستطيع أن يقتحم ذات الله، فهي ليست تحت الحسّ أو تحت التجربة حتى يعمل الإنسان على أساس اكتشافها، ولكننا نعرف الله من خلال ما تحدّث به عن نفسه، ومن خلال خلقه وآياته في الكون. ولذلك جاء في كثير من الآيات القرآنية استخدام مصطلحات التفكير العقلي الأساسية من قبيل:  "يعقلون"، "يتفكرون"، "يتدبرون"...الخ.

والسيد يجد في القرآن الكريم المخطط للمنهج الإسلامي بهدف صنع العقل وتنميته وتطويره ومنحه الحرية، لأن الله سبحانه وتعالى لم يمنح الحرية المطلقة لأعضاء الإنسان، بل جعل لكل عضو حدوداً لا يجوز له أن يتجاوزها، سواء في العينين فيما ينظر إليه، أو في الأذنين فيما يسمع بهما، أو في يديه ورجليه وكل أجهزة جسمه، حيث جعل الله لكل واحدٍ من هذه الأعضاء حدوداً، ولم يطلق الحرية المطلقة إلا للعقل، فالإسلام أعطى للعقل حريته في أن يفكر في كل شيء، ولم يجعل له آفاقاً ضيّقة يحشر في داخلها، بل إننا عندما نقرأ القرآن الكريم وندرس الآيات التي تذكر العقل، نجد أنه يقحم العقل في كل أوضاع الكون الإنساني؛ في تطلعات الإنسان في نفسه، وفي الكون من حوله.

فالله تعالى قال للعقل كُن حراً، فكّر في ما تريد، ليست هناك حدود لتفكيرك، فكر في الله، فكر في كل ما يقوله الآخرون وما لا يقولونه، ولكن تحمّل مسؤولية فكرك، بحيث تجعله ينطلق في الخطوط التي يمكن لها أن تنتج النتائج الإيجابية وأن تصل إلى الحقّ، لأنّ كل إنسان سيقف غداً بين يدي الله تعالى ليقدّم حساب عقله قبل أن يقدم حساب جسده، لأنّ أيدينا وأرجلنا وجلودنا وألسنتنا ستشهد علينا يوم القيامة، أما العقل فعلينا أن نقدّم شهادتنا عنه أمام الله، كيف فكر وعلى أي أساس، وما هو منهجه، وكيف وصل إلى هذه النتيجة الإيجابية أو تلك النتيجة السلبية؟!!..

والله تعالى خلق الإنسان قبضةً من طين ونفخةً من روحه، وهذا الروح الإلهي الذي دخل في تكوين الإنسان كان عقلاً؛ عقلاً يتحرك ليجعل الإنسان خليفته في الأرض، وليحرّك العقل ليعقلنها في كلّ عناصر الحياة، في عملية نموّ وإبداع وحركة. أن تكون الحياة عقلاً ينفذ إلى العمق إلى كل ما في الحياة من عمق، من أجل أن يكتشف أسرارها بالعلم.. وقد قال الله سبحانه وتعالى للعقل أقبل إليّ، انفتح عليّ، اصعد إلى سماواتي، انفتح على آفاقي، لأعطيك كل ما في مواقع القدرة عندي ومواقع الرحمة لديّ، أقبل إليَّ لأعطيك الطهر والنقاء والصفاء، حتى تتجه إلى الأعماق لتكتشف الحقيقة. وتوجه العقل إلى ربِّه فأقبل، ليستوحي من ربِّه كلَّ ما يغني عناصره في اكتشاف الكون، ليعرف كيف يدير الكون ويعقلنه.. والله يقول: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(فصلت/53). وهكذا، أقبل العقل إلى ربِّه ليتعرَّف أولاً ربَّه، ليتعرف سر الوجود عندما يتعرف سرَّ الربوبية والألوهية. وهكذا ينطلق العقل من المعرفة بالله تعالى، لتمتدَّ إلى معرفة كل ما خلقه الله تعالى، وكل ما أبدعه، "ثم قال له أدبر فأدبر"، امشِ أمامي وتحرَّك، لأعرف كيف تتوازن خطواتك في خط مسؤوليتك. ثم قال له، وقد أعطى الله تعالى معنى العقل للعقل: "ما خلقت خلقاً أعزَّ عليّ منك"، فالعقل هو سر كل عظمة الخلق، هو القيمة التي تعطي للإنسان قيمته، فالإنسان عقل قبل أن يكون جسداً، بل إن هذا النوع من التواصل بين العقل والجسد، استطاع أن يعقلن الجسد، حتى الأنبياء والأولياء، عظمتهم أن عقولهم قد أخذت أساليب الكمال، فكان الرسول عقلاً وقيمته هي عقلانيته.

وقد ورد في المأثور: "أنَّ الرسول عقلٌ من خارج، والعقل رسولٌ من داخل"، هذا النوع من التزاوج بين العقل والرسول، يجعل الرسالة عقلاً. وبذلك، فإن الرسالة لا يمكن أن تلتقي بالخرافة، ولا يمكن أن تلتقي بالتخلّف، أو تلتقي بالجهل، بل إنَّ الرسالة تحتضن العقل وتختزنه من أجل أن تغيِّر العالم على صورتها.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾(الأنفال/24)، وقالها الله: «إياك آمر وإياك أنهى، وبك أثيب وبك أُعاقب». عندما يقوم الناس لربِّ العالمين، يقف العقل، وتتحرك كل العقول أمام الله تعالى لتقدم حساباتها بين يديه تعالى، بأنه هل استطاع العقل أن يعقلن مسيرته، أم أنَّه أعطى مسيرته خطاً لا يلتقي بحسابات الفكر، على طريقة لهم قلوب لا يعقلون بها؟!

ويعتبر السيد أن سلوك طريق التفكير العقلي – أي تحريك قيمة العقل في كل فاعليات الحياة – لا بد وأن ينتج العلم، سواء كان العقل التأملي أو التجريبي، لأن التجربة وإن كانت تتحرك بالحسّ، إلا أنّ الحسّ لا يمكن أن يعطي الفكرة إلا من خلال العقل الذي يمد هذه التجربة المحدودة إلى كل ما يماثلها، كما ورد في الفكرة أو القاعدة الفلسفية: إن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

والنصيحة التي يقدمها السيد لعموم الناس هنا هي في ضرورة انفتاحهم الدائم على العقل، بأن يمتلكوا أسس التفكير العقلي الذي يطلق إمكاناتهم وقدراتهم المنظورة وغير المنظورة على طريق إنتاج العلم والفكر، ويحرك تأملاتهم في الآفاق، ويطلق تجربتهم في الواقع الذي يعيشه الإنسان.

ويستمر السيد في قراءاته لموضوع وقيمة العقل ليركز على أهمية دور القراءة؛ القراءة في الكون.. لأن الله أراد لنا أن نقرأ في كتاب الكون الذي يتمثّل بالظواهر الكونية، لنتعرف من خلاله النظام الكوني، حتى نتمكّن من فهمه وإيضاح معالمه، ولنفهم ما يختزنه من أسرار، من أجل أن نمنح الإنسان من خلال هذا التدقيق في أسرار الكون شيئاً جديداً يتصل بكل جوانب حياتنا، سواء في ما يتعلق بالمرض والعافية، أو في ما يتعلق بحركة الإنسان في تطوير المادة أو في ما يتعلّق بكلّ أوضاع الحياة. وهذه القراءة –يتابع السيد- يمكن أن تعطينا وعي ما أنتجه الآخرون، من خلال ما أطلقوه من تأملات وما قاموا به من تجارب، ومن الطبيعي أن تكون هذه القراءة قراءةً واعيةً مفكرةً علميةً لا تحدّق في الكتاب تحديقاً ساذجاً، بل تحاول أن تدرس ما في الكتاب، لتنقد ما ينبغي نقده، ولتقبل ما يمكن قبوله، لأن الآخرين قد يخطئون في تأملاتهم عندما يتأملون، وقد ينحرفون في تجاربهم أو في استنتاج التجربة عندما يجربون.

ويؤكد السيد – في هذا السياق- على ضرورة أن نعطي الغريزة (وما يمكن أن ينتج عنها من انفعالات وعواطف) جرعةً من العقل، لنوظِّفها في طبيعة حاجة الحياة إلى الغريزة في استمراريتها وحيويتها، ولكن مع التوازن في حركتها وواقعها، كذلك، لا بد من أن نعطي العاطفة جرعة من العقل، لتتوازن وتتأصَّل، لأنّ الإنسان قد يجمح في عاطفته، فيحب من دون حساب، ويبغض من دون حساب.

ولذلك، يأتي العقل – كما يرى السيد - ليخاطب في الإنسان أساس العاطفة، ما هي العناصر التي تجعله يحب الآخر أو يحب الشيء؟ ما هي العناصر المادية؟ ما هي العناصر الروحية؟ ما هي الأسس التي يرتكز عليها حبُّه؟ لأنّ الحبَّ لا بد من أن يكون مفتوح العينين، ولا يجوز أن يكون أعمى، لأنّ العمى في الحبِّ يجعل الإنسان يتخبَّط ويسقط في كل المهاوي، ويجعل حبه حباً فوضوياً غير متوازن. وهكذا عندما يبغض، لا بد من أن يعرف العناصر التي تبرّر له هذا البغض، حتى لا يكون الحب حالة انفعال والبغض حالة انفعال، بل ليكون الحب - أيّ حب - منطلقاً من حبه لله تعالى، ومن حبه لرسل الله، ومن خلال هذا الحبّ ينطلق حبه للناس من حوله، وحبه للحياة ولما يلتذ به ويحلو له، حتى يكون حبه منطلقاً من دراسة، بحيث يقترب من معادلة 1+1=2، لا الحب كيفما كان، ولا الحب من خلال نظرة طارئة أو من خلال لذة آنيّة، لأنّ اللذة تزول، والنظرة تختفي .

ويعتقد السيد أننا في حاجة ماسة ودائمة إلى أن نعقلن كل شيء عندنا؛ أن نعقلن الفكر حتى لا ينطلق من السطح، بل من العمق، وحتى لا يختلط بالخرافة، كما أدخلها البعض في الفكر والدين، وحسبوها فكراً وديناً، فعاش العالم المتخلّف هذا الخلط، وقدّس الخرافة باسم الدين.. وحتى الدين علينا أن نعقلن وعينا وفهمنا له، وتصوّرنا له، من خلال الفهم العقلاني الثقافي المتوازن، الذي يجعلنا نفهم الدين بجذوره العقلية والفكرية. والسيد فضل الله لا يعتبر الإيمان فوق العقل كما يعتبره بعض أتباع الديانات، بل إن العقل هو الذي ينتج الإيمان، ولا عمق لإيمان لا يرتكز على العقل. نحن نؤمن بالله تعالى لأن العقل قادنا إلى وجوده، وقادنا إلى توحيده... فنحن وحَّدناه، لأنّ عقلنا اكتشف توحيده، ونحن عبدناه، لأن عقلنا اكتشف عبوديتنا له وطاعتنا له.

واستخدام العقل – من منظور السيد - يجب ألا يقتصر على الجوانب السابقة، بل لا بدّ لنا من أن نعقلن مجمل الحياة الاجتماعية التي نعيشها ونمارس فيها التزاماتنا الفكرية والعملية الذاتية والموضوعية تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين ممن نقاسمهم الهواء والماء والطعام والشراب، حتى لا نسقط في خطِّ العصبية العمياء، بل لنتحرّك على أساس نظم وخطوط وقواعد، تجعل من المجتمع جسماً واحداً، ينطلق كلُّ أفراده لتحقيق الأهداف الكبرى للمعنى الاجتماعي في المجتمع الذي يؤكِّد قضاياه الكبرى، كما يؤكِّد للأفراد قضاياهم الحيوية.. ولا بدّ أيضاً من أن نعقلن السياسة، حتّى لا تكون انفعالاً وحالةً طارئة وعاطفة، بل لتكون خطة تدرس كل حاجات الإنسان وأهدافه ووسائله، بطريقة عقلانية تحسب حساب القوة والضعف، والربح والخسارة، والبداية والنهاية.

ولذلك، فإنّ عقلنة السياسة تفرض أن لا يستقلّ بالسياسة أفراد ينطلقون من خلال ذاتية فكرهم، ليتبعهم الناس تصفيقاً وتهليلاً وتكبيراً واتّباعاً أعمى. إنَّ عقلنة السياسة تعني أن يكون لكل شخص ممن تتصل حياته بالسياسة، فكرٌ سياسيّ وخطّ سياسيّ، وأن يتعرَّف مواقع السياسة عندما يرتبط الداخل بالخارج، وعندما تندمج القضايا الإقليمية بالقضايا الدولية، وعندما تتحرك مصالح المستضعفين في مواقع مصالح المستكبرين. أن لا تكون السياسة تقليداً، بل تكون إنتاجاً وإبداعاً. أن لا نتحرك لأنّ الآخرين يريدون لنا أن نتحرك، بل لأننا نحن نريد ذلك، ولأنّ الآخرين الذين ربما يملكون موقعاً في مركز القيادة، لا بُدَّ لهم من أن يتكاملوا معنا.

وعندما يسير الإنسان على هدى العقل المستنير فإن ذلك يمكن أن يهيّىء له مستقبلاً كبيراً في مستوى القوّة وفي مستوى العنفوان، وقد ورد عندنا حول مسألة التفكير الذي هو نتيجة العقل: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"، لأن هذه الساعة تضيء للإنسان معنى عبادته ومعنى إيمانه ومعنى حياته، كما يؤكد السيد.. ولذلك كان الواجب يقتضي من كل الناس –وبخاصة من هم في مواقع الدعوة والتربية والقيادة والتخطيط- أن ينمّوا عقولهم بالفكر والتأمّل والتجربة المستمرة والممارسة العقلية النقدية الواعية، وأن يدرسوا كلَّ خطوة ليتعرفوا إيجابياتها وسلبيّاتها. وأن يبتعدوا عن التقليد والتبعية والتلقين.

ونلاحظ أن السيد فضل الله يركز دائماً –في كل أفكاره وحركته المرجعية الدعوتية- على أهمية استخدام العقل والمنهج العقلي في كل ما يتعلق بشؤون الإنسان الخاصة والعامة، وهو يضرب المثال النبوي التالي الوارد في القرآن لإظهار الفرق بين استخدام المنهج العقلي الهادئ وبين اتباع أساليب الانفعال والتوتر النفسي والعملي.. فقد تحدث اللّه سبحانه وتعالى في بيانه للنبي محمد(ص)، عندما كان قومه في مكّة يثيرون الغوغاء حوله، فينطلق أحدهم في مكّة ليقول عنه إنه مجنون، فتنطلق بذلك الهتافات. فاللّه سبحانه وتعالى علّم النبي محمد(ص) الأسلوب العقلائي الذي يحاول به إثارة التفكير بعقل هادئ.. فهناك قضيّة واحدة تُمثِّل المنهج في فهم الأشياء، المنهج الذي يستطيعون من خلاله أن يفكِّروا باستقلالية وموضوعية وبطريقة علمية، فقال لهم -على لسان القرآن-: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يديْ عذاب شديد﴾[سبأ/46]، فأراد لهم أن ينفصلوا ويتفرَّقوا فرداً، فرداً واثنين اثنين، عن ذلك التجمّع المحموم الذي ينطلق بوحي العصبية العمياء، والذي يتحرّك فيه الأفراد من خلال الحُمّى التي تسود كل مشاعر المجتمع وأحاسيسه، ليتفكّروا ما بصاحبهم من جُنّة، ولكنّه النبيّ الذي يريد لهم الهداية لطريق الخير في الدنيا والآخرة.

من هنا يريد السيد من جماهير الأمة أخذ درس عملي من هذا التوجيه العقلاني الرباني –إذا صح التعبير- في كلِّ واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي؛ إذ هناك ما يسمى في علم النفس بمصطلح (العقل الجمعي)، ويقولون إن الفرد عندما يكون ضمن الجماعة، فإنّه يتحرّك بشكل يختلف عمّا لو كان فرداً، بحيث يتأثر الفرد بالجماعة، لأن الجماعة عندما تُسيطر على الساحة، فإنها تجعل الإنسان ينجذب غريزياً إلى ما تطرحه، فيفقد بذلك استقلاله الفكري، ويصبح جزءاً من الحمى الجماهيرية..

ويشير السيد فضل الله هنا –في معرض شرحه للآية السابقة- إلى أن الله سبحانه وتعالى علّم رسوله أن يقول لهم: إنكم لا تستطيعون التفكير باستقلال، سواء قلتم إني مجنون أو عاقل، ما دمتم تعيشون الحُمّى العصبية والعدوانية التي تسيطر عليكم من خلال بعض الأشخاص، فتنطقون كما ينطقون، وتهتفون كما يهتفون، فارجعوا إلى عقولكم.. ﴿أَنْ تَقُومُوا للهِ﴾ يعني أن تنفتحوا على الحقيقة أمام اللّه سبحانه وتعالى بعيداً عن أي مؤثرات عاطفية أو انفعالية وما إلى ذلك، ﴿مَثْنَى﴾ اثنين اثنين، ﴿وَفُرَادَى﴾ واحداً واحداً، ﴿ثمّ تتفكّروا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾ لأن الفرق بين العاقل والمجنون، هو أن العاقل يتكلم بطريقة عقلانية منطلقة من قاعدة فكرية وخط دقيق متوازن، ويتحدّث بحسب دراسة الظروف المحيطة والقضايا التي تثار في المجتمع، فيختار ما ينفع المجتمع.. والنبيّ (ص) يقول - بحسب القرآن- ادرسوا كلماتي وطريقتي في التعامل والدعوة دراسةً موضوعيةً هادئة، لتعرفوا أن ﴿مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ﴾؛ فكل ما فعلته هو أنّي أنذرتُكم في شرككم وكفركم وفي تمرّدكم على الله وفي عبادتكم للأصنام ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾.

ويتحدث السيد في إحدى مواعظه عن حالة الاستقلال الروحي والفكري للإنسان، وأهمية بناء قناعة وإيمان ذاتي حقيقي حر وغير تابع لهذه الجهة أو تلك، أي أنه يدعو إلى رفض التقليد والتبعية كحالة مضادة للعقل والتفكير العقلي وذلك من خلال هذا الحوار القرآني الذي يعرض الله تعالى لنا فيه ماهية الحوار الذي يدور بين الجيل الأول والجيل الآخر يوم القيامة، عندما يكون الجيل الأول جيلاً ضالاً فيفرض ضلاله على الجيل الآخر، لأن الجيل الآخر يتبعه ويسير في مسيرته ويقلّده في كلِّ شيء، كما درج عليه الكثيرون من الناس في أنهم يقلِّدون آباءهم في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم من دون أن يناقشوها ومن دون أن يتأمّلوا فيها، كما لو كان آباؤهم معصومين.. ويرصد السيد هنا – من خلال متابعته الدقيقة لحركة المجتمع - كيف أنه لا يزال فريق من الناس في عالمنا هذا عندما تحدثهم عن عاداتهم التي ساروا عليها، وأنها عادات ضارّة وليست نافعة ومتخلّفة، يقولون هذه عادات آبائنا وأجدادنا، وأنهم غير مستعدين للدخول في مناقشة. هذا هو الذي يجعل الأجيال الجديدة تدخل في الضلال، بلحاظ الأجيال القديمة.

ويؤكد السيد – في هذا المجال- على أن القرآن الكريم واجه وحارب هذه المسألة، وطالب الناس بعدم الخضوع لها، وتحدث عن هؤلاء الذين إذا سُئِلوا عن ما هم فيه من الكفر والضلال قالوا: ﴿إنا وجدنا آباءنا على أمة -على طريق- وإنا على آثارهم مقتدون﴾ [الزخرف:23]. نحن اتبعنا آباءنا، وقد ربّانا آباؤنا على هذه العادات والأفكار والتقاليد.

وينقل لنا الله سبحانه وتعالى عن الأنبياء عندما كانوا يقفون ضد هذه الفكرة: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾[الزخرف: من الآية24]، كان آباؤكم يفكرون بهذه الطريقة، فما رأيكم أن آتيكم بطريقة أخرى أكثر وعياً وهدايةً وصواباً وصحةً مما درج عليه الآباء ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾[الزخرف: من الآية24]، لن نناقش. وفي آية أخرى يقول الله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ﴾[المائدة: من الآية104]، يعني حتى لو كانوا جاهلين وكنتم مثقّفين، هم لم يتعلموا وأنتم تعلّمتم، مثلما قال إبراهيم لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً﴾[مريم:43]، هذا العلم الذي عندي ليس موجوداً عندك. والجاهل يجب أن يتّبع العالِم، وليس على الصغير أن يتّبع الكبير، فقد يكون الصغير أكثر علماً من الكبير.

وفي تفسيره وتحليله القرآني لهذه الظاهرة يتحدث السيد فضل الله عن أن الله يعطينا صورة عمّا عليه هؤلاء الناس، عندما تلتقي هذه الأجيال الكافرة أو الضالة في النار، وكيف يسير الحوار بينهم، يعني كما يحصل حوار بين أهل الجنة وأهل النار، يحصل حوار بين أهل النار أنفسهم، وقد حدّثنا الله عن هؤلاء كيف كانوا منحرفين عن خط الهدى بقوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً﴾[يونس: من الآية17]، أي نسب إلى الله شيئاً لم يقله ولم يشرّعه ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ﴾[يونس: من الآية17]، أو أنه عندما جاءه الرسل وتلوا عليه آيات الله كذّب بها ولم يصدّقها ورفضها، ﴿أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب﴾، يعني نصيبهم من المسؤولية.. ﴿حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله﴾، أين هؤلاء الناس الذين كنتم تعبدونهم من دون الله، والذين كنتم تتبعونهم وتطيعونهم في معصية الله؟ دعوهم يخلّصوكم، نحن نريد أن نقبض أرواحكم الآن، فليخلّصوكم إذا كانوا هم شركاء لله تعالى، ﴿قالوا ضلّوا عنا﴾، ليسوا موجودين، ﴿وشهدوا على أنفسهم﴾، عندما وجدوا أنه لا يوجد أحد من كل هؤلاء الذين عبدوهم وأطاعوهم في معصية الله، فلم يجدوهم عند الحاجة وعند الحسرة، ﴿قال ادخلوا في أُممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النار﴾، يعني أن هناك من كان قبلكم من الإنس والجن ممّن ساروا على خط مسيرتكم في أنهم عبدوا أشخاصاً من دون الله وأطاعوهم وعصوا الله، ادخلوا معهم في النار، ﴿كلما دخلت أمّة لعنت أختها﴾، يعني كل جيل يدخل إلى النار يستقبله هذا الجيل باللعن، ﴿حتى إذا ادّاركوا فيها جميعاً﴾، يعني اجتمعوا فيها والتقى كل جيل مع الجيل الآخر، {قالت أخراهم لأولاهم}، قال الجيل الجديد للجيل القديم، عندما أرادوا أن يتخلصوا من المسؤولية بأي طريقة، وأرادوا أن يحمّلوا المسؤولية لهؤلاء الذين سبقوهم بالضلال وتركوا تأثيراتهم الفكرية والعملية عليهم، قالوا: ﴿ربنا هؤلاء أضلّونا﴾، هؤلاء السبب في ضلالنا، لولا ضغوطهم ووسوستهم واستغلالهم للظروف الصعبة التي كنا نعيشها، ولولا استكبارهم واستضعافنا، لكنّا سرنا على الخط الصحيح، ﴿هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار﴾، آتهم عذاباً لأنهم ضالّون، وعذاباً آخر لأنهم أضلّونا، فهم قاموا بجريمتين فماذا كان الجواب؟ ﴿قال لكلٍ ضعف﴾، كل فريق أضلّ الفريق الذي بعده ﴿ولكن لا تعلمون﴾، لأن الله خلق لكم عقلاً كما خلق لأولئك عقلاً. فلنفرض أنك ورثت بعض الأفكار، ولكن الله أعطاك عقلاً، فلو أنك ما زلت صغيراً لكنت غير مكلّف ولا تستطيع أن تفكر، لكن عندما يكتمل عقلك وتنفتح ثقافتك، تصبح قادراً على مناقشة الأمور، فمثلما تناقشون بعضكم بعضاً، تستطيعون أيضاً أن تناقشوا الأجيال التي سبقتكم، فلماذا لم تفكروا؟ إن الله أعطاكم عقلاً، فلماذا لم تستخدموه ولم تعقلوا به الأشياء؟ والله أعطاكم سمعاً، فلماذا لم تستمعوا إلى آيات الله؟ والله أعطاكم بصراً، فلماذا لم تبصروا آيات الله في الكون ولم تقرأوا القرآن والوحي؟ ﴿وقالت أولاهم لأخراهم﴾، أجابوهم ﴿فما كان لكم علينا من فضل﴾، نحن لسنا مسؤولين عنكم، فهناك فرق بيننا وبينكم، فالله أعطانا عقلاً لم نستعمله أو استعملناه بالشر، وأنتم أعطاكم الله عقلاً واستعملتموه بالشر أيضاً، فلماذا اتبعتمونا، نحن نستطيع أن نضغط على أجسادكم وأن نضغط عليكم في حاجاتكم، ولكننا لا نستطيع أن نضغط على عقولكم، {فما لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنت تكسبون} [الأعراف:37-39]، فكل جيل يتحمّل مسؤوليته.

وعلينا أن نعرف من خلال ذلك كله حقيقة جوهرية، وهي أن على الإنسان أن يعتبر أن عقله هو حجة الله عليه، فالله خاطب عقلك وجعل العقل أساساً في أن يثيبك إذا سرت على خط الهدى، أو يعاقبك إذا سرت على خط الضلال، وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "أن الله لما خلق العقل قال له أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك"، يعني أن العقل الذي وهبه الله للإنسان هو أعزّ الخلق عليه وأحب الخلق إليه، لأن العقل هو الذي يدرك الحقائق، فبالعقل نعرف ربنا، وبالعقل نعرف نبيَّنا، وبالعقل نعرف الحق من الباطل ونعرف الحسن من القبيح، فهو الذي يربطنا بالحقيقة ويبعدنا عن الخرافة وعن الباطل، "إياك آمر وإياك أنهى"، فهو يخاطب عقلك، حتى يقول لك عقلك لا بد لك أن تستجيب لهذا الأمر، لأن لله عليك حقاً في الطاعة، ولأن المعصية تمثل التمرد على الله، وفي ذلك العقاب الذي تستحقه من الله سبحانه وتعالى، "وبك أثيب"، عندما يتحرك عقلك في خطِّ الحق وفي خط الهدى والصواب، "وبك أعاقب"، عندما ينحرف العقل عن الطريق المستقيم.

وعلى ضوء هذا، يتحدث السيد دائماً، أنّ على الإنسان أن ينمي عقله بالتفكير والتأمل والتجربة والقراءة والحوار، فكما ينمي جسده يومياً بالأكل والشرب النافع والمفيد الذي يحتوي الفيتامينات ويبتعد أيضاً عن الأشياء المضرة حتى ينمو جسده نمواً طبيعياً، كذلك لا بد لنا من أن نربّي عقلنا، بأن نفكِّر في كلِّ شيء يعرض علينا، وأن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين.. ويدعو السيد كل الناس إلى أن يمتلكوا ويحوزوا العلم النافع، كلٌ بحسب ظروفه وأوضاعه. لأن العلم معرفة بالنفس والحياة والواقع والطبيعة والمحيط السياسي والاقتصادي الذي نعيشه حاضراً أو يمكن أن نخطط لنعيشه في المستقبل القريب أو البعيد.

والعقل – في نظر السيد- هو المعيار الحقيقي للوعي والتخطيط والبناء الحضاري والإنساني المزدهر والمتطور في كل مفرداته ومواقعه، والواجب يحث ويقتضي من الجميع – خصوصاً من هم في مواقع المسؤولية العملية - أن يعملوا على تنمية عقولهم وأن يسألوا عن كل ما يمكن أن يسمعونه من كلام، وأن يناقشوا ما يعرض عليهم من أفكار، حتى يقتنع العقل بها أو يرفضها. لهذا كونوا أحراراً، ومشكلة كثير من الناس أنهم عميان، لا عمى النظر، كما يقول القرآن: ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾[الحج:46].

وحول العلاقة بين العقل ووجود الخالق يتحدث السيد مؤكداً على أنه لا يمكن تصور وجود عقل يحترم نفسه لا يؤمن بالله.. لأن مسالة وجود الله تمثّل العنصر الذي يبرّر وجود الكون، لأننا لو درسنا طبيعة هذا الكون المادية، فإننا نجد أن كل مفردة من مفرداته لا تحمل في داخلها جذوراً حتمية لوجودها. ولكن المناطقة أو الفلاسفة يقولون (إن الممكن هو الذي يكون وجوده ليس ضرورياً وعدمه ليس ضرورياً)، يعني لو لم يوجد فلا مشكلة، أي أننا نفرض أن الجبال لم تكن موجودة، فهل هناك حتمية تفرض وجودها بحسب طبيعتها، أو كان وجودها ليس حتمياً، وعدمها ليس حتمياً، فهل يمكن أن توجد؟ ولو انطلقنا للبحار وللأنهار وللإنسان وكل هذه الكائنات... هل وجودها حتمي أم ليس حتمياً؟ هل عدمها حتمي أم ليس حتمياً؟... وهكذا، فإذا كانت كل الأشياء تتساوى فيها فرضية الوجود والعدم، فمن الذي يرجّح جانبها الآخر؟ فإما أن تكون الأشياء بحسب طبيعتها تحمل في داخلها حتمية الوجود فنقول إنها حتمية في ذاتيتها، أو إن كل الأشياء تتساوى عندما ندرسها في ذاتها من حيث الوجود والعدم، وعند ذلك فإن فرضية الوجود تساوي فرضية العدم، الأمر الذي يتطلب وجود قوة من خارج ذاتها يغلّب جانب الوجود على جانب العدم. إن هذه القوة هي الله تعالى.. وهناك من الناس من يسأل عن الله من أوجده؟ هل أوجد نفسه؟ من الطبيعي أنه لو لم يكن الإله لما كان هناك كون، كون فرضية وجود الإله هي التي تبرّر وجود الكون. وإذا كنا نعرف بأن الكون ممكن لأنه تحت تجربتنا، إلا أننا لا نستطيع أن نقول بأن الله ممكن، لأن الله ضروري في تبرير الكون، ولذلك يجب أن يكون الله واجب الوجود، فهو يختزن في داخل ذاته حتمية وجوده، لأننا عندما نريد أن نتسلسل، نقول إن الكون خلقه الله، ولنفرض مثلاً أن هذا الذي نسميه الله خلقه شخص وهكذا، فلا بد - في النهاية - من أن نصل إلى شيء ثابت ولا نظل معلقين في الهواء... لا بد أن نصل إلى مصدر الخلق وإلاّ لا نجد شيئاً. فإذاً لا بد أن يكون الله (واجب الوجود) وكل شيء نتصوره (ممكن الوجود)، فهو ليس الله، فالله سبحانه هو الذي نتصوره عندما نسير مع سلسلة الفرضيات إلى آخر السلسلة، فلماذا يشك الناس في هذه المسألة؟ وفي الواقع أنا أحتاج إلى خالق لأن وجودي ليس وجوداً ينطلق من حتمية ذاتية، فلو لم أوجد لما كانت هناك مشكلة، ولو وجدت لما كانت هناك مشكلة، لكن الله لو لم يوجد لما وجد الكون.

فالعقل لا بد أن يميّز من خلال الفطرة السليمة، ومن خلال التجارب، لأن هناك عقل التجارب، وعقل الذات، وكلاهما ينطلقان من عند الله سبحانه وتعالى، لكن البعض لا يستسلم لفطرته، ولا يستسلم لدراسة موضوعية للمسألة، فنحن لا نريد أن نقول للعقل سلّم من دون أساس، بل نقول للعقل شكّك في كل شيء، لأن الشك طريق العقل، علماًً أن الأسلوب القرآني مع الكفّار كان أسلوب الشك ﴿وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين﴾[سبأ:24]. ومعنى ذلك أن الله يعلّم النبي(ص) أن يكون أسلوبه هو أن يقدم نفسه للطرف الآخر شاكاً وهو ﴿الذي جاء بالصدق وصدق به﴾[الزمر:33]، لكنه أسلوب حوار يشمل شكاً آخر، فإذا انطلق شخصان يبحثان عن الحقيقة فسيلتقيان باليقين، وفي هذا المجال نحن نقول إن هناك شكاً سلبياً وشكاً إيجابياً، والشك السلبي هو شك الإنسان الذي يريد أن يشك ولا يريد أن يتحرك، والشك الإيجابي هو الشك الباحث، وهو الشك المتأمل، ولا بد أن يصل إلى نتيجة .

وأما على صعيد العلاقة بين العلم والدين، فقد حفلت أحاديث وندوات وكتب السيد فضل بالكثير الكثير من البحوث والتحليلات والتعليقات والاستشهادت الدالة على أهمية موقع العلم والعلماء، وعلى الدور المميز والحيوي الذي ينبغي أن يقوم به ويلتزمه العلماء في الإسلام، وعلى أفضلية العالم على الجاهل بدرجات كثيرة. والعلم الذي يتحدث عنه السيد هنا لا يقتصر على الدين وإنما يتعداه إلى العلم الطبيعي المادي الذي حققت البشرية من خلاله تطورات وقفزات نوعية هائلة في مسيرتها الحياتية. ويلاحظ السيد هنا أن المشكلة كانت تتحرك – على صعيد التاريخ الإسلامي في مواقف المسلمين أو مواقعهم- في خطين: مشكلة عمل بدون علم، ومشكلة علم بدون عمل. فهناك الكثيرون في هذا التأريخ من تخشع لتقواهم ولإخلاصهم ولكنك تكتشف أنها تقوى تفتقد عمق الوعي، أو انه إخلاص افتقد العلم والمعرفة، وهؤلاء كثر في مجتمعنا الإسلامي. وقد عاش هذا المجتمع ولا يزال الكثير من مشاكل هؤلاء لأنهم قد يحصلون على الثقة الاجتماعية بين المسلمين من خلال عملهم فتفرض هذه الثقة على الواقع الإسلامي جهلهم.

وهناك الأشخاص الذين يملكون العلم كأرحب ما يكون العلم ولكنهم لا يملكون العمل ولا يملكون مسؤولية هذا العلم ورساليته إلى المجتمع من خلال ما يفرضونه عليه بالثقة بهم من خلال علمهم ولكنهم يسيئون إلى مسيرته من خلال انحراف خط العلم عندهم عن خط العمل.. ولعلّ الكلمة المشهورة التي لم ندقق في سندها عن أمير المؤمنين(ع) "قصم ظهري اثنان جاهل متنسك وعالم متهتك". تمثل واقع المسيرة الإسلامية كلّها.. وقد عالج رسول الله(ص) والأئمة من أهل البيت(ع) ذلك كلّه. ففي الخط الأول: وهو العمل بغير علم، نقرأ في الحديث عن بعض أصحاب الإمام جعفر الصادق(ع) قال:"سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: العالم على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا تزيده سرعة السير إلا بعداً". فعندما تبدأ خط السير فعليك أن تعرف الطريق الذي تسير منه والهدف الذي تسعى إليه لأنك عندما لا تعيش ثقافة المسيرة في بداياتها وخطوطها فقد يخيّل إليك أنك تسير في الطريق الذي يصل بك إلى الهدف، وإذا بك تسير في الطريق الذي يصل بك إلى ما هو ضد الهدف. ولذلك فقد تكتشف وأنت في نهاية الطريق أنّك ابتعدت عن الطريق أكثر لأنك كنت أقرب إليه في البدايات، ولكن عندما انطلقت تلك البدايات في خط الانحراف فإنك ابتعدت عن الطريق كثيراً، ولو وقفت لاستطعت أن تهتدي أكثر.

ويورد السيد حديثاً آخر عن بعض أصحاب الإمام الصادق(ع) وهو(حسين الصيقل) ليدعم نظرته للعلاقة العملية بين العلم والعمل، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول "لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة". فالله تعالى يريد منا أن نعرف من قبل أن نعمل لأن العمل ليس مطلوباً في ذاتيات العامل فيما ينطلق به، ولكن العمل المطلوب هو الذي يجسّد الفكرة.. فالمطلوب – كما يؤكد السيد فضل في شرحه للنص السابق - هو أن تتحرك الرسالة في الواقع، فإذا كنت تجهل الرسالة فإن معنى ذلك أن ما يتحرك في الواقع باسم الرسالة ليس هو الرسالة.

باحث وكاتب سوري(*)

اعلى الصفحة